علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا
(Ali M.alyousif)
الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 10:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اصبح من المتعذر جواز ربط ما يسمى الحقوق الجنسية العامة التي تشهدها غالبية دول العالم على مستوى الفرد ومستوى الجماعة من غير ما ربط ذلك بفلسفة النظام السياسي الكلّية.والربط الاباحي الجنسي بحرية الفرد الشخصية وحقوق الانسان أنما هو لعبة أستغفالية تعمّدها النظام الرأسمالي العالمي التستر على نهجه الاستغلالي اللاانساني المقيت المدان.
النظامان الاشتراكي والرأسمالي يفترقان في تفسيرهما المختلف حول أنحلال الاسرة وتدهور أخلاقيات المجتمع في شيوع الاباحية الجنسية,وأهمية ربطهما بفلسفة النظامين كلا على حدة,فالاباحية التي يصورها الغرب واحدة من الحريات الشخصية وحقوق الانسان لا يلغي الطابع الاستلابي المقيت للمجتمع الغربي اقتصاديا وسياسيا واخلاقيا.وهذا لا يلغي بالمقارنة تأشير حقيقة البناء الاسري في المجتمعات الاشتراكية والتمسك بالاخلاقيات العامة, وكأنه أعدم أمامه فرص الحياة في حقوق الانسان وممارسة الحرية الشخصية المتداخلة مع الحرية العامة المكفولة في النظام الاشتراكي.
من بين عشرات الاجوبة الجاهزة في معالجة اشكالية تفكك الاسرة وتفشّي الانفلاتية الجنسية يبرز العامل الديني المنقذ من الضلال على حد تعبير الغزالي,على أنه حامي الاخلاق في الماضي وسندها في حاضرها وأمانها في مستقبلها وفي هذا تعميم غير منصف,بدليل هو يلغي اليوم التعددية الدينية وفلسفتها الدينية المميزة المتفردة,ويلغي ايضا رابطة ووصاية ايديولوجيا النظم السياسية على الدين وتبعيته لها,فنظرة المسيحية للاباحية الجنسية هي غيرها نظرة الاسلام أو البوذية وهكذا في أديان لاحصر لها أصبحت تياراتها بالالاف عالميا اليوم.
لا أعرف بالضبط أين قرأت معلومة تفيد أن من مجموع سبعة مليارات نسمة تستوطن الارض عام 2017 من بينهم ست مليارات انسان يؤمنون بالدين ووجود الخالق الله,ولكنهم لايؤمنون بأخلاقيات الدين تقود الحياة, وأن المليار الباقي وأعتقد أنا أكثرمن ملياري انسان يتوزعون بين ملحد وغير مؤمن لا يؤمنون أيضا باخلاقيات الدين تقود الحياة .
وهنا يبرز امامنا عندما نجد الخرق الجنسي- الديني يأخذ صفة التطرف في أستهدافه معاقل المقدسات الدينية في تحدّ سافر لسلطة ايديولوجيا الدين.ومثاله التطرف الجنسي الشاذ الذي لا يتوقف عند الزنا بالمحارم والديوثية, يعطينا مؤشرا واضحا انه لا العامل الاقتصادي وراء المشكلة ولا رغبة الدين معالجته الانفلات الجنسي عالميا , فهي حرية جنسية وحق من حقوق الانسان الذي يلجم الجميع ومؤمن قانونا كما تذهب له المجتمعات الغربية.
تسليع الجنس
تسليع جسد المرأة وأرتهانه بالمتعة واللذة لا يحيلنا الى سبب معيشي أو أقتصادي صرف تماما,يتخفّى وراءه الدافع الغريزي غير المعلن في الرغبة الشديدة تكسير المتواضعات الاخلاقية التي كانت سائدة بصرف النظر عن كونها مستمدة من خلفية دينية أو مستمدة من أعراف مجتمعية سائدة,هذا ما تشهده المجتمعات الغربية وغير الغربية اليوم.
واذا أجرينا مقارنة بسيطة بين دخل الاسرة في مجتمعاتنا الشرقية وتحديدا العربية الاسلامية, نجدها أوطأ كثيرا مقارنة بها في معظم بلدان العالم – باستثناء دول الخليج العربية – ونجد المفارقة في تسليع الجنس غربيا لا يقوم على دعامة دخل الفرد أو الاسرة والذي كثيرا مايأخذ مقوماته من أشباع حاجات الانسان الضرورية المؤمنة للجميع تقريبا من غذاء وملبس وتامين صحي ومجانية تعليم لكن بمستويات متفاوتة بين دول العالم المتحضرة, مع ذلك نجد الممارسات الاختراقية الجنسية المتطرفة بشذوذها واستباحة كل الاخلاقيات الطبيعية ذات المصدر الديني أو المجتمعي على السواء وعبور جميع حواجز المنع والمحرمات الجنسية هي سيدة الجنس.وهنا ينتفي أن يكون لمستوى دخل الاسرة أي دور في الموضوع في تفشّي الاباحية الجنسية في الغرب في مقابل حقيقة رغبة وغريزة تحطيم المرتكزات الاخلاقية الاسرية السائدة.
أما في مجتمعاتنا الشرقية العربية الاسلامية يكون أنحدار كسر المحظورات الاخلاقية في ممارسة الدعارة والبغاء مبعثه في الغالب العوز المعيشي والحاجة لتوفير مستلزمات الحياة الصعبة, لكنه يبقى محصورا في نطاق ضيّق أجتماعيا بعيدا عن التأثير المباشر العام الذي يجعل من السقوط في الانحراف الجنسي المكشوف بديلا لأخلاق المجتمع المتعارف على حمايتها بشكلها الطبيعي العام .وهي بهذا تكون مختلفة جدا عن الاباحية الجنسية المتداولة اجتماعيا بعيدا عن مؤثرات وأسباب المعيشة في الغرب, وتكتسب مشروعيتها الزائفة في التمرير على أنها حق لحرية الجنس المكفولة كحق من حقوق الانسان فيما يجسده الواقع الغربي أن الاباحية الجنسية هي الاخلاق الجنسية أن لم تكن المرتكز الوحيد لها على صعيد الحياة الترفيهية.
على عكس ما نجده في مجتمعاتنا الشرقية الجنس مرتكز المحافظة على الاخلاقيات المجتمعية الطبيعية في بقاء الاسرة والزواج,وأن العوز والحاجة رغم أهميتها في الحياة الصعبة, نجد الهاجس الذي ينتظم السلوك العام هو الحفاظ على تماسك الاسرة من الانحلال الذي هو عماد بقاء المجتمع كيان موحد غير ممزّق تسوده اخلاقيات الطبيعة السوية في الزواج والانجاب الاسري.مقارنة بالانحدار الانحلالي الجنسي تحديدا في غالبية دول العالم المنحدر وينحدر اليوم بمتواليات رياضية نازلة في الاباحية والاخلال السلوكي والخرق العام للنظام الاخلاقي والقيمي الاسري السوي,ما رتّب انحلال الاسرة,وتراجع الزيجات,انفلات التربية الاسرية وفقدان السيطرة بحكم القانون على الابناء,في البيت والمدرسة,ممارسة الشذوذات الجنسية المثلية الذكورية والسحاقية الانثوية وحمايتها قانونا,زنا المحارم, الديوثية, تعاطي المخدرات وهكذا.
المفارقة الغريبة
يقابل هذا الانحدار البشع في الجنس, تصعيدا (قيميا ) عندهم في السلوك الاخلاقي العام في المجتمعات الغربية ومعظم دول العالم ,بمتوالية تصاعدية مناقضة لمتوالية الانحدار الجنسي الاباحي, تعبيراتها تفشّي سلوكيات وقيم العلم والتحضر والحداثة,أعلاء قيم المساواة والعدالة والديمقراطية في الحقوق والواجبات,النزاهة والصدق والاخلاص,حقوق الانسان والمرأة,حرية المعتقد,وحرية الممارسات الفردية, الى غيرها من قائمة طويلة عريضة تقاطع جميعها التسفيل الامتهاني للجنس لديهم... ولا ننفي أن يكون هناك عندهم خروقات غير مقننّة, هو ليس كل من يمارس التسفيل والانحطاط الجنسي , يكون حريصا على ممارسة التصعيد الاعلائي الاخلاقي القيمي في السلوك والحياة. فقد يمارس العديدون أباحية التسفيل والانحطاط الجنسي بالتماهي مع ممارسة الخروقات في السلوكيات والقيم العامة التي أدرجنا بعضها, في ما ذكرناه مفارقة غريبة فعلا.
لكن لو نحن جربنا سحب هذه المعادلة السبق لنا ذكرها على مجتمعاتنا العربية – الاسلامية, ومحاولتنا تطبيقها , لوجدنا أن مرتكز أخلاقنا الجنسية وغير الجنسية مستمدة من ثنائية ( فقه الدين – السلطة الحاكمة) وفي تنظيم الحياة برمتها, وفي مجال الجنس تمارس تلك الثنائية دورها التحريمي الانضباطي الاخلاقي الذي يحول دون السقوط في الانحدار التسفيلي الانحطاطي – هذا على الاقل في المعلن المتداول والمتواضع قبوله مجتمعيا لكنه لا ياخذ قطعية التسليم به كون بعض المتع الجنسية التي هي درجة ثانية من ممارسة الدعارة تشرعنها المذاهب الدينية الاسلامية عندنا – في تطويق انتشار الانفلاتية الجنسية وتفكك النظام الاسري الاخلاقي المتين والمحافظة على الشرف الشخصي والتقاليد الاخلاقية السلوكية المجتمعية.
في مقابل هذا التعالي الاخلاقي المكابرعندنا في العلن ماذا نجد من خروقات وأختراقات عميقة غائرة في السر والكتمان على صعيد الممارسة الجنسية.وماذا نجد بخلاف الغرب عندنا من تفريط مذهل بكل قيمة أخلاقية على صعيد سيسيولوجيا الحياة والسلوك الجمعي العام.في عجز ايقاف التردي الاخلاقي في السياسة والاقتصاد والثقافة وميادين الحياة , فلا وجود لقيم الصدق والنزاهة والامانة ومصلحة المجتمع في جميع مفردات التردي البشع في حياتنا كاملة, وفي تقاطعها المعيب مع كل مقومات التقدم ومجالات التحضر من حولنا التي تحاصرنا.
أننا هنا لا نتخطى ازدواجية المعلن في تقاطعه الاختراقي مع المستور,بأن فواحش الجنس غير المعلنة عندنا هي نفسها فضائح الاباحية الجنسية في اوربا وامريكا ومعظم دول العالم المعلنة التي ندينها,لا فرق بين اباحية معلنة ليس فيها محظور أو أدانة أسرية أو مجتمعية أو سلطوية عندهم,وأباحية تمارس في السر داخل الغرف المقفلة واسرار وخفايا السريرعندنا.
الفارق أن الاباحية الجنسية غير المعلنة عندنا يقترن فيها التسفيل الانحطاطي الجنسي مع الانحطاط السلوكي المجتمعي الاخلاقي العام.(يوجد استثناءات لذلك).على صعيد العمل والوظيفة والمؤسسة وتقديم الخدمات وغيرها, وهو ما لانجد مشابهاته في المجتمعات الغربية , فالجنس خارج معادلة الشرف المهني الوظيفي في مؤسسات الدولة عندهم...فشرف أداء الواجب الوطني والعملي وظيفيا في الحياة اليومية عندهم يتم بمعزل تام عن ممارسة الفرد لحرياته الشخصية الاجتماعية بما يرغبه هو لا بما يمليه عليه غيره.
وحيثما وضعنا نحن الجنس ضمن وصاية ومدركات(الدين – العقل) نجد يلازم ذلك أنحدار كبير في أخلاقيات المجتمع وتدّني قيم البناء المجتمعية.
أن ما يشكل في المجتمعات الغربية , عيبا أو خللا في منظومة البناء الحضاري, نجده لدينا لا يوازي الخلل الذي نتعمده في تعطيل بنانا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الغش والفساد والكذب والتزوير.
قضية تردي أخلاق الجنس لدينا,مع تردي مجمل أحوالنا الاخلاقية والسلوكية العامة, اصبحت قضية مركبة في أن يكون الاختراق في أحدهما يكمله ويعاضده مفردات التردي والاختراقات في الجانب المتتم الآخر وهكذا, حتى تكتمل حلقات التردي والانحلال التدريجي في هياكل المجتمع البعيد عن أدنى معيار أخلاقي متحضّر يحكم الحياة وينظّم شروط وواجبات وحقوق الفرد وحقوق المجتمع.
خاتمة: نخلص من هذا بمجمله أن التسفيل الجنسي الاباحي في اوربا والعالم تقريبا, منعزل تأثيره عن سيسيولوجيا القيم والسلوكيات الاخلاقية والمهنية التي تنظم شؤون الحياة المتحضّرة لديهم, وهذه الممارسات غير مستمّدة لا من وصايا وتحريمات الدين, ولا من رفض قيم العلم والاعراف الاخلاقية لها, اذ كلما انحدرت تلك المجتمعات جنسيا, ارتفعت وتسامقت في تحضّرها في توفير ضرورات الحياة اليومية, ومتطلبات معيشتهم في الرفاهية والسعادة والعيش الكريم.بعيدا أن تكون هذه المعادلة اشكالية تقرر مصير وموقع الفرد في المجتمع. طبعا من غير المعقول انه لا توجد خروقات في تلك المعادلة,لكنها عديمة التأثير بالمنحى الأخلاقي والسلوكي المتمدن المجتمعي العام. نريد العكس عندنا في أهمية ووجوب ان يكون للتربية الجنسية والاخلاقية دورها المؤثر الكبير في بناء مجتمعات متقدمة ,تتكافل مع كل قيم بناء الشخصية الفاعلة المنتجة التي تمتلك المعاني الكبيرة في تعاملها مع الحياة.
بقينا عصور طويلة من تاريخنا نفهم الاخلاق انها (جنس ومتعة فقط) يتحدد موقعه ومجال اشتغاله ما تحت حزام بنطلون الرجل وسرّة بطن المرأة, وكل ماعداها من خروقات جائز حلال, وفهمه غيرنا أن مافوق حزام البنطلون وسرّة بطن المرأة تكون ممارسة الاخلاق خارج الابتذال الجنسي بكل مفرداته الشاذة المنحرفة عندهم التي ندينها نحن في العلن ونمارسها في السر.
#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)
Ali_M.alyousif#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟