أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تحت ظلال العار..!














المزيد.....

تحت ظلال العار..!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1573 - 2006 / 6 / 6 - 10:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في حزيران 1967 فقدنا، قبل كل شيء، الشرف. ومنذ ذلك الوقت يجللنا، أمة وشعوبا، العار؛ عار عميق ينتزع لنفسه، فوق ذلك، التشريف والاحترام غصبا.
لم نفقد شرفنا بسبب الهزيمة العسكرية وحدها، ولا حتى بسبب أدائنا العسكري والسياسي المخزي، بل لامتناعنا عن الاعتراف بالهزيمة المذلة، ورفضنا التكفير عنها. وما من تكفير دون إعادة النظر، بل دون التضحية، بالنظم التي سقطت في امتحان حرب حزيران. بدلا من إعادة النظر تولى العار الحكم.
رفضت السياسة الاعتراف بالهزيمة وأن تحاسب على ما جنته يداها. لم ينتحر أحد، ولم يستقل أحد، ولم يحاكم أحد. عامر انتحر بسبب خسارته أمام ناصر أكثر مما بسبب مسؤوليته عن الخسارة أمام إسرائيل. واستقال ناصر لوقت قصير لكنه لم يشعر بالحاجة إلى إقالة نظامه أو إدخال تغييرات جذرية عليه. كان من شأن الاستقالة أو الانتحار أن يغسلا شيئا من عار الهزيمة، وأن يؤسسا لأخلاقية المسؤولية والمحاسبة، التي تعرضت منذ ذلك الوقت لتحطيم منهجي مثابر.
ما كان لمثل كارثة حزيران 67 أن تمر بلا عقاب أو تضحية. مرت. ولا تزال. وما زلنا نتوارث انعدام الشرف جيلا إثر جيل.
في سورية أنكرت الهزيمة بكل بساطة: كان هدف العدوان هو إسقاط النظام التقدمي، و"ليس احتلال بضعة كيلومترات" على قول أحمد سويداني، رئيس أركان الجيش وقتها. ما يعني أن احتلال الأرض ونزوح أكثر من 130 ألف منها ذو قيمة نسبية، فيما يحوز بقاء النظام قيمة مطلقة، ما يعني كذلك أن العدو هو الذي هزم، وهو ما لم يتردد سويداني نفسه في استنتاجه: "يجب أن نعتبر أنفسنا الرابحين في هذه المعركة". لا حاجة لفعل أي شيء إذن. اللهم إلا بناء المزيد من السوار وحقول الألغام حول نظام الرابحين.
لو انتحر بضعة أشخاص، لاستعادوا شرفهم هم وارتفعوا إلى مرتبة أبطال مأساويين، ولأُنقِذ عشرات الألوف ممن دفعوا وسيدفعون حياتهم في صراعات وحشية وعبثية في الوقت نفسه في زمن العار، ولتوفرت كرامة أمة (لأسهموا في تكوين أمة أصلا).
لم تكون أخلاقيات المسؤولية قبل الهزيمة بخير، لكن بعد الهزيمة صارت اللامسؤولية قاعدة للسلوك العام. ينبغي تمريغ الجميع بالعار كي لا يشعر العار بالعار. لقد اقتضت هزيمة حزيران إحلال أهل ثقة المرء محل الدستور كأساس للثقة الوطنية، والعبقرية والاستثناء محل القاعدة المطردة والقانون المستقر كأساس للشرعية.
ما امتنعت السياسة عن فعله، لم تفعل الثقافة غيره. ثقافتنا منذ قرابة 40 عاما اعتراف وسواسي ونشط بالهزيمة. في الثقافة عيشت هزيمة حزيران كحدث متجدد دوما، معاصر لنا في كل وقت. بذلك لم تعد الهزيمة حدثا تاريخيا بل شرطا ثقافيا. قد يناسب أن نسميه التسمم بالهزيمة. فالهزيمة التي أنكرت على مستوى السلطة ستضفى عليها صفة الإطلاق على مستوى الثقافة، ستغدو هي ذاتها ثقافة. كان المثقفون، وما برحوا، يدفعون ثمن الكوارث التي تتسبب بها سيادة العار. ولعل ياسين الحافظ، الذي أسهم أكثر من غيره في إنقاذ شيء من كرامتنا الفكرية والقومية، قد مرض بهزيمة حزيران، ثم مات بها وهو في الثامنة والأربعين.
لن نستعيد شرفنا دون الإقرار أولاً بأننا فاقدون له منذ 39 عاما، دون نزع تمأسسه وقطع استمراره ثانيا. وإننا لنستدرج أنفسنا إلى الوهم إن ظننا أن هذا ممكن دون صراع عنيف، هائل، دون مأساة فاجعة. أما الرد على الإذلال الإسرائيلي، ثالثاً، فسبله كثيرة، وهو الأيسر حقا. وفي الأصل لم ينشأ عارنا عن انتصار إسرائيل علينا، بل عن انتصار الهزيمة علينا، وسيادتها على حياتنا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميشيل كيلو وولادة المثقف السوري
- من -العروبة أولا- و-سوريا أولا- إلى الوطنية الدستورية
- -انغماس في العيب- حقاً!
- أوربا ومخاطر انفجار قيامي للشرق الأوسط
- خارج السلطة: تحول موقع الماركسية الثقافي
- تساؤلات بصدد الحرب الأهلية والحرب الطائفية
- في أية شروط تغدو الطوائف فاعلين سياسيين؟
- من سلطة غير دستورية إلى أخرى
- إعادة تنشيط التمركز الأمني للسياسة السورية
- هل يمكن للمقاومة الانتحارية أن تكون شرعية؟
- مقاربتان حولاوان في التفكير السياسي العربي
- العدو ذات تنقذ نفسها، ونحن ينقذنا التاريخ، لكن بأن نغدو موضو ...
- ماذا يفعل السلاح في الشارع؟
- التلفزيون والسجن: صندوقا السلطة
- لماذا يخسر الديمقراطيون العرب لعبتهم الديمقراطية، دائما؟
- عيد الكراهية الوطني الثالث والأربعون
- القوميون الجدد وسياسة الهوية
- -إعلانُ دمشق- واكتشاف سوريّا!
- طاقة الرمزي والعقلانية الرثة
- الطغيان والواقعية النفسانية


المزيد.....




- ترامب يعلن نيته الإبقاء على -أوباما كير- إذا أصبح رئيسا.. وي ...
- العقيد ماتفيتشوك يتحدث عن المعارك في منطقة كورسك
- حماس ترفض المشاركة في مفاوضات مع إسرائيل
- قتيلان جراء اصطدام طائرتين عسكريتين فرنسيتين
- مصر.. إيقاف لاعب قطري معروف بأمر -الإنتربول-
- خطوات أساسية في تناول الطعام لحرق السعرات الحرارية
- إسبانيا.. ظهور أول خروف معدل وراثيا!
- فوائد الجبن ومخاطر الإكثار منه
- إسرائيل متخوفة من فتح جبهة الأردن
- سلالة -إلهة الشمس-.. قصة صعود وسقوط -الإمبراطور الإله- في ال ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - تحت ظلال العار..!