غياب النظام العربي الموحد
يواجه الشرق الأوسط حالة مأساوية يُرثى لها في ظل غياب النظام العربي الموحد، وفقدان الأمن العربي الشامل. فالأمن العربي لدولة عربية واحدة تُشكل دائرة صغيرة ضمن دائرة الأمن العربي للوطن العربي الكبير وبالتالي لأمن الشرق الأوسط، وأي شرخ في الأمن العربي لدولة محورية هو تهديد للأمن العربي ككل. فالولايات المتحدة تريد تصدير الديمقراطية إلى المنطقة العربية عن طريق بوابة فلسطين والعراق من خلال فوهات المدافع والصواريخ.
نريد أن نكون أحرارا ونعيش بمحبة وسلام مع كافة شعوب الارض بكل طوائفها وأعراقها في الشرق والغرب. فمحبي الحرية والسلام يؤيدون السلام العادل والشامل في فلسطين وكردستان والعراق وكل دول الشرق الأوسط والعالم، ونزع أسلحة الدمار الشامل العراقية والإسرائيلية، وعزل نظام صدام حسين الدموي الذي يقتل الشعب العراقي بأسم "وحدة" مجزءة و"حرية" إستبدادية و"إشتراكية" قومية. ففي العراق وفلسطين وكردستان ضاعت المفاهيم، ولم يعد لمقولة الحكيم الصيني كونفوشيوس من موقع بضرورة تحديد المفاهيم حتى يتم الحوار. فالحوار لا يجدي نفعا مع المستبدين البعثيين الذين يحكمون العراق اليوم، ولم يعد يجدي نفعا مع الصهاينة كما لم يعد يجدي نفعا مع أباطرة العملاق العالمي الذين يرفضون القانون الدولي بأسم "الحرية". فأمريكا تنوي إعادة صياغة المجتمع الدولي بشكل تتلائم مع مصالحها في مواجهة التطورات العالمية وخاصة تنامي قوة الإتحاد الأوربي، وزيادة حاجة أمريكل للنفط. لكن كل عراقي يريد تحرير العراق، وكل عراقي يحلم بالحرية ويتمنى نهاية حكم صدام حسين.
أمامنا أربع حالات مأساوية تحكم الوضع الراهن في العقد الأخير من زمننا الملئ بالآلام والأوجاع والأحزان في الشرق الأوسط تحت شعارات جميلة ولكنها فارغة من المعنى:
الحالة الأولى: الحالة الفلسطينية الإسرائيلية
لعبت إسرائيل دورا محوريا فعالا في إضعاف الأمن العربي من خلال تقسيم الدول العربية إلى معسكرين، معسكر السلام كمصر والأردن والتي تعترف بوجود إسرائيل والتطبيع معها، ومعسكر الصقور التي ترفض الإعتراف بها مما صُنفت نسبيا كمؤيدين للإرهاب الدولي. ولكن نجحت إسرائيل، في تكوين علاقات تجارية قوية مع كثير من الدول العربية والمسلمة حتى تلك التي لم تدخل خانة التطبيع، مثل موريتانيا والقطر والمغرب، وعلاقات عسكرية إستراتيجية مع دول أخرى مثل تركيا. كما رفضت التعامل مع القضية الفلسطينية إلا ضمن الخطة الصهيونية، بضرورة تخلي الفصائل الفلسطينية عن الأعمال العسكرية التي صنفت ضمن أعمال الإرهاب، وضرب القوى الإسلامية كحماس وجهاد معتبرة هذه القوى "إرهابية" . واستمرت في بناء المستوطنات في ظل الوضع العربي والشرق الأوسطي المنهار، وضرب السلطة الوطنية الفلسطينية في العمق، وتصفية القيادات الفلسطينية وخاصة الإسلامية، وتحطيم البنية التحتية الإقتصادية الفلسطينية، وترك فلسطين اسيرة الحالة المأساوية. فالأنظمة العربية تتوقد نارا ، وتصدر عشرات البيانات والقرارات ذات الصياغات الجميلة والأساليب اللولبية والكلمات الحماسية لتأييد الحق الفلسطيني، وكلها فارغة من المعاني، وبعيدة عن الممارسة. وهذه القرارات حتى تلك التي كانت تتعلق بالجوانب الإنسانية بدفع المساعدات الإقتصادية لم تنفذ إلا قليلا قليلا. فالإشكالية هي وجود تناقضات قوية بين هذه الأنظمة العربية نفسها كما بين هذه الأنظمة وبين شعوبها، وخشيتها من ثورة الشعوب لذلك لابد من إصدار مثل هذه البيانات والقرارات. فبينما تترجم المؤسسات الإسرائيلية هذه القرارات العربية إلى اللغات العالمية، وإظهار العرب بمظهر المعتدي والمخطط لتدمير إسرائيل، لتساعدها على كسب الرأي العالمي لجانبها والحصول على مساعدات دولية أكثر، فإن الانظمة العربية تنسحب من الساحة، وتظل تردد، فلسطين، وعدد المخيمات يزداد يوما بعد يوم. ونحن نغني أغنية العودة، ولكن بأي شكل سنعود؟
لقد أصبحت الحالة الفلسطينية أكثر مأساوية بسبب الحرب الصهيونية الشاملة على الشعب الفلسطيني، وغياب رد فعل عملي، عربي وإسلامي ودولي، في مواجهة هذه الممارسات الظالمة التي يتعرض لها الفلسطينيون، بدعم أمريكي. ولا شك أن الجانبين الإسرائيلي والأمريكي متفقان بتفرد أمريكا في المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية، وتغيير الخطط الأمريكية العديدة مرة تلو مرة لصالح إسرائيل، وتهميش الدور الفلسطيني وتحديد الحقوق الفلسطينية بشكل كبير. وما "خارطة الطريق" التي هي على الطاولة اليوم نظريا إلا محاولة جديدة للقضاء على الأحلام الفلسطينية بتشكيل دولته على أرضه. وحتى هذه المحاولة اليائسة، تأجلت إلى ما بعد الحرب على العراق، حيث يدخل العراق ضمن نفس البرنامج، بضرورة إعترافه بإسرائيل، والتطبيع الكامل معها، ودخول معادلة السلام بالشروط الإسرائيلية.
إننا ضد الحرب، ومع السلام العادل والشامل الذي يعطي كل ذي حق حقه على أرضه. ونعلم بأن الحرب دمار وقتل وموت، وتؤدي إلى تعميق الخلافات والحقد والكراهية بين الشعوب.
الحالة الثانية: الحالة الكردستانية والأقليات القومية
الحالة الكردستانية لا تنفصل عن حالة الأقليات القومية في كردستان، وهي بالتالي جزء من الحالة الشرق أوسطية الشاملة. فالحالة الكردستانية معقدة ومتشابكة كالحالة الفلسطينية، بسبب شموليتها وأقلمتها بين الدول العراقية والتركية والإيرانية والسورية، ثم تدويلها وخاصة بعد إيجاد المنطقة الآمنة في كردستان العراق منذ عام 1991 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 688 في الخامس من أبريل 1991 والذي يقضي بموجبه "إدانة عمليات القمع التي يعانيها السكان المدنيون العراقيون في أنحاء كثيرة من تلك البلاد. وقد شملت في الأيام الأخيرة المناطق الكردية المأهولة". وطالب مجلس الأمن بوقف عمليات القمع هذه باعتبارها تهدد الأمن والسلم الدوليين في المنطقة، واعرب "عن أمله في قيام حوار علني حول ضمان حقوق الإنسان، وحقوق المواطنين العراقيين السياسية كافة". كما طلب مجلس الأمن من السكرتير العام للأمم المتحدة بتقديم "تقرير عن محنة السكان المدنيين العراقيين، ولا سيما الكرد منهم الذين يعانون كل نوع من أنواع الإضطهاد على يد السلطات العراقية".
يبدو واضحا لكل متتبع لأحداث الشرق الأوسط ما عبر عنه هذا الأسبوع مسؤول إيراني بقوله: "أن المسألة الكردية مصدر قلق لكل من إيران وتركيا وسوريا". وهي أيضا مصدر قلق كبير للنظام العراقي الحاكم اليوم بسبب تأييد المعارضة العراقية ومنها الكردية للحرب على النظام العراقي الذي عمل بكل ما أوتي من قوة لمحو الشخصية القومية للشعب الكردي، وتطبيق سياسة الإبادة الجماعية بحق الكرد العراقيين تحت مظلة ما أطلق عليه إتفاقية 11 آذار عام 1970 الذي أقر بمنح الشعب الكردي في كردستان العراق الحكم الذاتي نظريا، وإفراغها من محتواها عمليا.
مصدر قلق الأنظمة الأربعة المذكورة التي تحكم كردستان يأتي من عدم قدرة هذه الأنظمة بإيجاد حلول ملائمة للقضية الكردية وقضايا الأقليات، وبسبب إنعدام الديمقراطية في هذه الدول. ولابد هنا التأكيد بان الديمقراطية لا تعني مجرد إجراء الإنتخابات البرلمانية في الوقت الذي تحكم القوانين الجائرة القوميات والشعوب الأخرى بالعلاقات الشبه إستعمارية في حدود هذه الدول القومية. فالديمقراطية يجب أن تؤمن بحقوق كافة المواطنين والشعوب والقوميات على اساس المساواة والعدالة. وإن الأسس الأساسية للديمقراطية هي الإعتراف بحقوق الإنسان والأقليات. ومن هنا يجب أن لا ننسى مدى أهمية الإعتراف بحقوق كافة الأقليات القومية والدينية الموجودة في كردستان والعراق وتركيا وإيران وسوريا بدون تمييز، والعيش بسلام وأخوة. فمصدر القلق الذي يتصوره المسؤول الإيراني لا يمكن أن يؤدي إلى شن الحرب على الكرد والأقليات القومية، لأن المسألة الكردية ومسألة القوميات ليست مجرد ظواهر عابرة، إنما حقيقة تحتاج إلى حل. فالقضية الكردية وقضايا الاقليات القومية هي نتائج ظهرت وتبلورت بسبب سياسات القمع والإستبداد والقتل من قبل الانظمة التي تشعر بالقلق منها، وعلى هذه الأنظمة التي فشلت في إزالة هذه النتائج أن تفكر ألف مرة بضرورة إزالة الأسباب التي سببتها ممارساتها وقوانينها التعسفية. وعندما تزول الأسباب تختفي النتائج.
الحالة الثالثة: الحالة العراقية الراهنة
هذه الحالة صاغها نظام صدام حسين الدكتاتوري بشن الحرب على إيران بعد ثورة الشعوب الإيرانية والتي دامت ثماني سنوات (1980-1988)، ثم عمليات الأنفال ومجازر حلبجة وأهوار الجنوب وقتل أكثر من ربع مليون من المواطنين العراقيين في أقل من عامين يتيمين (1987-1988)، تبعها الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، ونهب أموالها وقتل أهلها وهتك أعراضها. هذه الحالة المأساوية هي التي فتحت الأبواب أمام تيار الرياح الغربي أن يهب على المنطقة، ولم يكن أمام الكويتيين والمعارضة العراقية والكرد من سبيل غير سبيل الغرب والولايات المتحدة في ظل غياب النظام العربي الإسلامي الفعال. فقد ساهم النظام العراقي الصدامي وبمساندة بعض الانظمة العربية الأخرى بإجهاض الأمن العربي وقتله.
لقد ساهم الغرب مثلما ساهمت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في تفعيل الحالة العراقية، وانقسم العالم إلى فريقين لتمويل ماكنة الحرب العراقية الإيرانية. فبينما دعمت مجموعة كبيرة من الدول ومنها كوريا الشمالية وسوريا والإتحاد السوفيتي السابق والصين الشعبية ماكنة الحرب الإيرانية لمواجهة المد العراقي وغزوه للأراضي الإيرانية، ساندت دول الخليج العربي الفارسي والولايات المتحدة الأمريكية وفلسطين وبعض دول أوربا الغربية الغزو العراقي على إيران. والهدف من كل ذلك هو جني ثمار الحرب من قبل الشركات العالمية وخاصة شركات السلاح، وتقوية إسرائيل بالحصول على سلاح أكثر تطورا وفتكا بحجة الدفاع عن نفسها من همجية الحرب المدمرة. وهكذا بالنسبة لإستعمال النظام العراقي الصدامي للسلاح الكيماوي ضد الكرد والشيعة، ودفاع الدول العربية ومنها المنظمات الفلسطينية وجامعة الدول العربية والحكومة الأمريكية ذاتها بتقبل ذلك، وعدم محاسبة تلك الممارسات العدوانية بحق المدنيين الأبرياء بعد إنتهاء الحرب. وهنا إزدادت الخلافات وتعمقت التناقضات واشتد العداء بين الشعب الكردي الذي كان يناضل من أجل حقوقه القومية وبين النظام العراقي البعثي القابض على السلطة. ومن جانب آخر تعمقت التناقضات بين العرب الشيعة المعرضين للقتل والإبادة وبين العرب السنة الذين كانوا يحكمون العراق متمثلا بصدام حسين.
كما ساعدت هذه الحالة على الكراهية إلى درجة المرض العضال بين البعث العراقي والشعب الكويتي بعد غزو القوات البعثية الصدامية على الكويت، والعمل من قبل الأخير بتصفية النظام العراقي بكل الوسائل المتاحة، وليذهب الأمن العربي إلى الجحيم. وهنا وقف الغرب والولايات المتحدة إلى جانب الكويت، كما وقفت غالبية دول العالم ومنها الدول العربية في شن الحرب على النظام العراقي في "عاصفة الصحراء" عام 1991، وتحرير الكويت. وهنا أيضا وقف مجلس الأمن للأمم المتحدة إلى جانب الشعب العراقي بعربه وكرده واقلياته منذ عام 1991. وتمكنت الولايات المتحدة أن ترسخ نفوذها وتقوي دورها في قيادة الشرق الأوسط بدعم دول الخليج وخاصة الكويت.
الحالة الرابعة: الحالة الأمريكية
يبدو أن إنتصار الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة وإنهيار الإتحاد السوفيتي دون أن تستخدم أمريكا السلاح لم تكن كافية لتحقيق المشروع الأمريكي، لذلك لا بد من السلاح. ومن أجل إكمال تحقيق هذا المشروع كان يجب إيجاد وسيلة لإضعاف قوة الأمم المتحدة ولو مرحليا، بإعتبارها عبأ على امريكا، كما عبرعن ذلك أحد مستشاري البيت الأبيض الأمريكي، لا يحضرني إسمه، بالنجاح الكبير الذي حققته أمريكا في قضية العراق بتجميد دور الأمم المتحدة. فأمريكا بحاجة إلى إستعمال السلاح لمحاربة الإرهاب، وإسقاط نظام صدام المستبد ونزع أسلحة الدمار الشامل في العراق ودول العالم الأخرى بإستثناء إسرائيل. وأن إستعمال السلاح يبدأ بضرب العراق أولا، وتحقيق النصر الكامل على نظام الشرق الأوسط بأسره لاحقا. وأن الدولة التي تقف ضد هذا المشروع هو ضد المجتمع الدولي, ويعمل على إنهيار الشرعية الدولية. ومن هنا تريد الولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها على المنطقة حتى قبل تحقيق النصر، وإنها ستجند المعادلة الدولية لصالحها، كعملاق دولي وحيد في العالم. وبعد ذلك تأتي مرحلة إعادة بناء العراق تعود بالحصة الكبرى للإستثمارات على الشركات الأمريكية.
وتهدف أمريكا لهذا النصر المتوقع، وهي ترفض إيقاف الحرب مهما طالت، من أجل ضمان السيطرة على النفط ، وإعدام النظام العربي بكامله، وضمان الأمن الإسرائيلي وهيمنتها على المنطقة، والإعتراف بها من قبل دول المنطقة، وتمرير الخطط الإسرائيلية من خلال مشاريع مرسومة مسبقا، وإضعاف دور ياسر عرفات، وتسليم أبو مازن المعروف بمرونته السياسية وميوله الغربية. ولابد من تحقيق الأهداف الأمريكية حتى وإن تعقدت الأمور، حيث قد تكون المنطقة مرشحة لحروب أهلية، وربما تقسيمها لدويلات صغيرة ضعيفة أمام دولة إسرائيل القوية، وجر دول أخرى في المعادلة.
لا للحرب على الشعب العراقي، نعم لإسقاط نظام صدام
منذ أن تسلط "حزب البعث العربي الإشتراكي" على العراق عبر إنقلاب دموي في 17 يوليو عام 1968 وسياسة التصفيات الجسدية للمعارضين، وتعريب المناطق الكردية وتهجير الكرد الفيليين، وإعدام المعارضين وخاصة من أئمة الشيعة، وقتل ثمانية آلاف بارزاني، والأزمات السياسية والإقتصادية التي إفتعلها، وهروب ما يقارب ثلاثة ملايين عراقي إلى الخارج، والنظام العربي يتفرج ما يحدث في عراق الحضارة التي غابت عنها الحضارة بفعل الإستبداد والإضطهاد. فالشعب العراقي بكل فئاته وشرائحه وطوائفه تواق للحرية، ويتمنى أن ياتي ذلك اليوم الذي تشرق فيه شمس السلام والأخوة والحرية والإستقرار. والشعب واثق بأنه لايمكن تحقيق هذه الأماني في ظل حكم صدام الدموي، وأنه لابد من إزالة هذا الحكم. ولكن إزالة هذا الحكم لايمكن أن يكون عن طريق إذلال الشعب. ولايمكن تحقيق الديمقراطية بالبارود والنيران بعيدا عن الوعي الإجتماعي. إن الديمقراطية شئ عقلاني في النهاية، كما قال نهرو، وأنه لايمكن إستيرادها بالقوة. صحيح أنه لا تُمنح الحرية إنما تُكتسب بالعلم والمعرفة والنضال، ولكن بأيدي عراقية شريفة، لإزالة الطغاة، وتحويل السلطة إلى الشعب، وليس بقتل الشعب والمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ.
صحيح أن نظام صدام مسؤول عن كل هذه الجرائم، ولكن هذه المسؤولية لا تحجب مسؤولية الذين يقتلون أبناء الشعب العراقي وهم خارج السلطة. فالشعب العراقي اليوم اصبح بين نارين، نار الدكتاتورية الصدامية، ونار الحرب المدمرة التي تقودها الولايات المتحدة، وهي الحرب التي لها سيناريوهات عديدة لا نعرف عنها الكثير سوى قناعتنا بأنها لن تكون خارجة عن المصالح الأمريكية. فتحرير العراق من نظام صدام بالقوة الأجنبية، قد يكون إحتلالا لعقل العراق لتحقيق مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة. والعراق مرشح للدخول في المعادلات الأمريكية كما ترتئيها أمريكا، لأنها قد أسقط النظام البعثي، وهي التي ترسم سياسة تحقق أهدافها.
مرة أخرى أقول وأؤكد بأنه لابد من إسقاط نظام صدام حسين، ولكن بعيدا عن الإحتلال، وبعيدا عن إذلال الشعب العراقي وقتله. القضاء على حكم الإستبداد العراقي الصدامي يجب أن يكون بأيدي عراقية، وهي تحتاج لدعم من الشعوب العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية، وتشجيع أبناء الشعب العراقي في الداخل بالثورة والتمرد والإنتفاضة ضد حكم الإستبداد البعثي الصدامي، وإقامة حكم ديمقراطي برلماني تعددي فدرالي وبمساعدة الشرعية الدولية، وتوعية العراقيين بجدوى الحكم الديمقراطي، وضرورة حل القضية الكردية وقضايا الأقليات الأخرى من آشورية، تركمانية، كلدانية، سريانية وأرمنية، وإحترام كافة الطوائف الدينية من شيعة وسنة، ونصرانيين وأيزيديين ويهود عراقيين ومندائيين وغيرهم. فالعراق بلد القوميات المتعددة، والطوائف الكثيرة، وكان دائما بلد المشاغبات والقتال، ومعروف عن تاريخه بأنه دموي. كما أنه معروف عن شعبه بأنه محب للحرية، ومعاند لا يقبل الأجنبي الذي ينهب ثرواته. وواضح للعالم أجمع بأنه من الصعب حكم العراق من قبل سلطة دكتاتورية، ومن الأصعب حكمه من قبل قوة أجنبية. لذلك فالحل الأمثل لحكم العراق هو الديمقراطية، والإعتراف بحقوق الجميع كأخوة في حدود العراق الآمنة، عراق ديمقراطي تعددي فدرالي. ولابد للمجتمع الدولي أن يلعب دوره الفعال في تحقيق السلام والإستقرار فيه.
الحقيقة التكتيكية تتعارض مع الحقيقة الصافية
العراق مصدر الأزمات في الشرق الأوسط، والعراق سبب هزيمة العقل العربي، وقتل النظام العربي، وغياب الأمن العربي، وإضعاف الإسلام لذلك فإن المسؤولية القصوى تقع على عاتق الأنظمة والشعوب العربية الإسلامية بإيجاد حل لمعضلة شعب العراقي. ولعل من المفيد ذكره أن الأنظمة العربية والإسلامية تركت العراق فريسة للدكتاتورية والإستبداد، مثلما فتحت الابواب للدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل بحكم المنطقة.
المظاهرات التي تعم العالم ضد الحرب ومن أجل السلام هي مظاهرات تدين نظام صدام حسين الدموي، مثلما تدين القوات الأمريكية والبريطانية في حربها على العراق. ولا أعتقد بأن الذين يتظاهرون يؤيدون الظلم الصدامي على الشعب العراقي، إلا أولئك الذين لا يفهمون الحرية، وأولئك الذين يهربون من الحرية، ويخافون من أنفسهم، ويخشون ممارسة الحرية.
مقاومة الإنسان العراقي للقوات الأمريكية والبريطانية منذ أن بدأت الحرب في 20 آذار، هو دفاعا عن أرض العراق، وليس دفاعا عن صدام ونظامه. الشعب العراقي شعب عظيم وخالد، ومن الغباء لكل مراقب سياسي أن يتصور بان الشعب العظيم يدافع عن الجلادين الذين يحكمونه بالإستبداد والقتل. فالتاريخ يشهد، حتى العميان الذين لم يروا النور شاهدوا تلك المشاهد المخيفة، والحروب الظالمة، والممارسات التعسفية التي مارسها نظام صدام بحق الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية في المنطقة، نحن ضد الحرب ونعمل من أجل السلام، ولكننا ضد صدام حسين ونظامه أيضا. إننا نريد الحرية، بالمعنى الإنساني، الحرية التي نحققها بإرادتنا العراقية، ونستثمر مواردنا لشعبنا وأبنائنا، ومن أجل السلام والإستقرار في المنطقة، ونرسم سياستنا ما تملي علينا ضمائرنا العراقية، ومصلحة العراق بعيدا عن الإحتلال والقتل والإذلال والإستعباد وحكم الطغاة أيا كانوا في الداخل والخارج.
أن تقول لي بأنك أجنبي تحررني، أقول لك هذا لا ينفعني، لأنك لا تقتل نفسك من أجلي، وتترك أطفالك يتامى، وتترك حبيبتك أو زوجتك فريسة للآخرين. هل تحبني أكثر مما تحبهم؟¨ مَن يضمن لك بأنني سأكون معك إذا لم ترحل؟ ومَن يضمن لي بأنك ملاك من السماء جئت لتنقذني من ظلم صدام وزبانيته ثم ترحل؟ إنك تعلم مصالحك وتفهم عقائدك ومشاعرك ودرجة تعارضها وتوافقها مع ما أملكه من مصالح وعقائد ومشاعر. الحقيقة التكتيكية التي تحملها معك لتحررني تكمن وراءها حقيقة تكتيكية مزيفة وهي أنك تريد أن تقوي من مركزك وتحقق مصالحك من أجل شعبك ودولتك. لأنك إذا أردت مساعدتي، لأمكنك أن تساعدني لكي أكتسب الحرية بمعرفتي، وحينذاك أمكنني أن أصدق ما تقوله وتعطيه لي.
يقول (البرت ميمي) في كتابه "المستعمِرون والمستَعمَرون" عن هذه الحقيقة مايلي: "كيف يمكن للمستعمِر أن يعتني بعماله إذا كان من وقت لآخر يستخدم بندقيته ضد جمع من المستعمَرين؟ وكيف للمستَعمَر أن يتجاهل هذا الواقع ليبالغ في مطالبه؟ كيف يجمع المستعمَر بين كراهيته للمستعمِر وإعجابه العاطفي به؟"
أي ضمان لنا من أن هذه الحرب تؤدي إلى قتل صدام حسين؟ ربما يتحكم الأجنبي بلدنا، وينهزم نظام صدام، ولكن قد يبقى صدام حيا ويختفي، ويستمر في الإرهاب ككل الإرهابيين في العالم.
لقد صدق (باولو فرايري) في كتابه "Pedagogik for fortryckta" بقوله: "إذا لم يبدأ الأفراد بتحرير أنفسهم بأنفسهم في عمل جماعي، لا يمكن للقيادة أن تحررهم رغم أهمية الدور الذي تقوم به القيادة الثورية في العمل الثوري. إلاّ أن القيادة التي تحاول فرض رؤيتها على الأفراد محكوم عليها بالفشل لأنها في حقيقتها ليست قيادة ثورية إنما بديل متسلط يحل محل القاهرين... فتحرير المقهورين هو تحرير الناس وليس تحرير الأشياء، وينبغي على ذلك أن الذي لا يستطيع أن يحرر نفسه بنفسه فلن يستطيع أحد غيره أن يحرره".
تعاون المعارضة العراقية والكردية والكويتية مع أمريكا وبريطانيا
لاشك أن الكويت والمعارضة العراقية وخاصة الشيعة والكرد قد تعرضوا لأعنف حملات الإهانة والجينوسايد على أيدي نظام صدام ، مما جعلهم يحملون ذكريات مؤلمة جدا جدا في ذاكرتهم تجاه ذلك النظام. فقد تعرضت أراضيهم للحرق، وممتلكاتهم للنهب، وأسراهم للقتل، وضمائرهم للإهانة. وحاول نظام صدام معاملتهم كالعبيد، فأصبحوا يشعرون بالكراهية وضرورة النضال من أجل أن يحرروا ذواتهم من تلك الحالة المأساوية التي تأصلت في أعماقهم، ويحرروا أرضهم وضمائرهم من الآلام التي يحملونها منذ سنين. ولا شك أن الأطراف الثلاثة التي ذكرناها وهي الكويت والشيعة والكرد يحملون الحب الكبير للشعب العراقي والشعب العربي، ويرون بأن الخلاص من الظلم لن يتم إلا بإزالة النظام العراقي ودائرته بالقوة. وقد وصلوا إلى قناعة بأن النظام العربي مفقود، وأن الأمن العربي الإسلامي معدوم، وأن العقل العربي مهزوم، وليس لهم من طريق إلا الطريق الذي فتحه صدام حسين للقوات الأمريكية. وقد وجدوا ضالتهم بأن يسلكوا هذا الطريق الصعب بالتعاون مع الأجنبي، لأنهم قد يجدون في هذا التعاون خلاصهم، أو على الأقل وسيلة لإعادة الأهلية إليهم، بجعل البعث العراقي يشعر بمرارة الإستعباد كما كانوا هم يستعبدون الناس حين كانوا في السلطة. هنا تتحمل الأنظمة العربية مسؤولياتها أيضا، بأنها لم تهتم بهذه القوى المعارضة ، واستمرت في تعاملها مع البعث، رغم مساهمته الجادة في إعدام النظام العربي الشامل، وبالتالي فإن هذه الأنظمة هي الأخرى ساهمت في عقوبة الإعدام الموجع.
ولعل الأمر كان أصعب بكثير للكرد حيث شعروا بأن جامعة الدول العربية لم تستنكر إستخدام النظام البعثي للسلاح الكيماوي بحقهم عام 1988 في حلبجة، بل دافعت عن النظام في خضم الإستنكار العالمي لتلك الجريمة. كما أصبحت القضية الكردية شبه منسية في الأوساط العربية والإسلامية حين مارس النظام حملات الجينوسايد بحق الكرد عامي 1987-1988 في عمليات الأنفال وقتل ما يقارب مائتي ألف مدني كردي وحرق حوالي أربعة آلاف قرية كردستانية. كما تعرضت قوى المعارضة العراقية الأخرى من آشوريين وكلدان وتركمان وأرمن وغيرهم لحملات القمع المنظم، وفي كل ذلك كان النظام العربي غائبا. والأمَرُ من كل ذلك، سكوت المؤتمر الإسلامي عن تلك الجرائم لأنه مؤتمر الأنظمة المسلمة وليس مؤتمر الشعوب الإسلامية. كيف السبيل أمام الكرد غير اللجوء إلى الغرب والولايات المتحدة، وهم يجدون الجيران من الأنظمة العراقية والتركية والفارسية والسورية يحيكون المؤمرات ضدهم؟ ماذا يمكنهم أن يخسروا إذا تعاونوا مع الأجنبي؟ فبقاء النظام العراقي يأخذ منهم ما بنوه بقواهم خلال هذه السنين الطويلة منذ الإنتخابات البرلمانية الكردستانية عام 1992 ، كما أنهم معرضون لتدخل القوات التركية في أراضيهم. لذلك لابد أن يتحركوا كالغريق في البحر يطلب النجدة، والمنقذ الذي ينقذ الغريق لا يُمنَعُ أن يكون غريبا طالما أن القريب يحاول غرقه. فإذا أنقذه الغريب فقد نجى بنفسه، وإذا تركه فهو غارق على أي حال.
من الجدير بالذكر أن المعارضة العراقية والكرد والكويت ليسوا الوحيدين متعاونين مع الولايات المتحدة وبريطانيا إنما جميع دول الخليج تقريبا. فقطر مركز قيادة القوات الأمريكية في حربها على العراق، والبحرين مركز تجمع مهم للقوات الأمريكية، وعمّان والأردن إضافة إلى تركيا. وحصلت مصر والأردن وتركيا على مساعدات وقروض بالمليارات. السؤال الذي يطرح نفسه هو أن نظام صدام حسين أحدث شرخا في جسد الأمة العربية والأمة الإسلامية، وأساء إلى القضية الفلسطينية بفسح المجال لإسرائيل بقتل الشعب الفلسطيني تحت مظلة الإستسلام العربي للوضع المأساوي الذي يعيشه.
صحيح أن مئات الآلاف من العرب يتحسرون ويتألمون لهذا الوضع، وكلنا نشارك الشعب العراقي آلامه، ونقف ضد الحرب، ولكن الجميع خاسرون، لأن هذه الحرب غامضة تقودها قوة غريبة عن المنطقة، تريد أن تجني ثمرة دماء أبنائها، ولا ندري فيما إذا كان للمتعاونين نصيب من الكعكة.
الصهيونية على الأبواب
إقتربت الصهيونية من الأبواب المفتوحة على مصراعيها لدخولها سياسيا وعسكريا وإقتصاديا. فالذئب الإسرائيلي قد فرغ من فريسته الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وما اكثر هذه الفرائس، وهو في طريقه لإصطياد فريسته الخامسة والسادسة ووو. بل أن الذئب الصهيوني يصداد ما يشاء بين الأغنام الوديعة. وسيأتي يوم لا يستطيع الحاكم العربي أن يفوز في الإنتخابات إذا لم يحصل على دعم اللوبي الصهيوني في بلده. فالإقتصاد سيبرمجه التجار اليهود، والسياسة سيخططها الإستراتيجيون الصهاينة، والإستقرار في الدولة يكون مرهونا بمساندة إسرائيلية. فهل يفكر العرب يوما أنهم أحفاد أولئك العمالقة العظام من الأجداد الذين صنعوا المجد للعرب والعالم؟ لقد دخل العرب التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن حطموا الأصنام التي كانوا يصنعونها بأيديهم، وبعد أن هاجروا تلك الأصنام التي كانوا يصنعونها من الحلوى ليعبدونها، ثم يأكلونها حين كانوا يشعرون بالجوع. نعم العرب، الشعب العظيم الذي كانت بلادهم في ظل الإسلام مركز الحضارة العالمية وقبلة العلماء والمبدعين، دخلوا التاريخ وهم مفعمون بالكرامة والإيمان، وقضوا على عبادة الإنسان للإنسان، وأختاروا عبادة الإنسان للرحمن، ودافعوا عن الحق والعدل في بقاع الأرض. واليوم بدؤوا يتراجعون، ويتركوا تلك الحضارة العظيمة التي صنعوها، لتقتاد منها الذئاب، وسلكوا سبيل الخضوع والهوان. فأين العرب من أولئك، وأين نحن من هؤلاء؟
فهل من نهاية لليل الطويل؟ وهل ينجلي هذا الليل القاتل؟ وهل من صبح جميل تتفتح فيه العيون بعد نوم طويل، وتعي العقول بعد مرض عضال، وتنهض االأفئدة من سباتها بعد كسل مقيت؟ كيف السبيل إلى أن تفيق العقول من الكسل؟ أما آن الأوان أن يتحرك الإنسان ليعرف ذاته بعد أن هرب من نفسه التي يخشاها، ومن عقله الذي لايرضاه، ويغير ما بنفسه حتى يغير الله ما به.
وحدة الأضداد
يبدو من خلال فهمنا لأزمات الشرق ألأوسط بأن صدام حسين ونظامه هو المسؤول الأول للتناقضات التي تحكم المنطقة من خلال الكوارث والحروب وحملات القمع والإضطهاد. لكن ينبغي أن لا نغفل عجز العقل العربي والعقل الكردي ومعهما الأقليات في قراءة التاريخ بوعي. فالتناقضات والعداوات شديدة بين هذه العقول في فترات متفاوتة. فعندما سُئل وزير الدفاع الصهيوني الأسبق موشي دايان عن أسباب هزيمة العرب في حرب الأيام الستة عام 1967، أجاب ب "أن العرب لا يقرؤون". وأعتقد بأن هذه المقولة تنطبق على الكرد والأقليات أيضا. ولعل القصد من ذلك ما فهمته من قول مستشرق ألماني، لا تحضرني الذاكرة بذكر إسمه، بضرورة فهم التاريخ عن وعي وإلا فليس للتاريخ أهمية. فقراءة التاريخ بدون وعي هي قراءة بلا فائدة، وكأنه لم يُقرأ . فالنكسات المتلاحقة على شعوب منطقة الشرق الأوسط نتائج لأسباب معينة، وهذه الأسباب هي غياب الديمقراطية والعقليات التي تحكم المنطقة. ومن هذه الزاوية يفهم المرء الهزائم المتلاحقة أيضا في تاريخ المنطقة، وخاصة في العقد الثاني من القرن العشرين. أما هذه الحرب التي نشهدها من قبل الصهيونية على الفلسطينيين، وهذه الحرب التي نشهدها من قبل الأنظمة العراقية والتركية والفارسية والسورية على الكرد، وهذه الحرب التي نشهدها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها على العراق، خلقت حالات ومواقف متناقضة من مؤيد ومعارض. فهناك مَن يعتبر هذه الحرب أو تلك حربا عادلة أو حربا ظالمة، أو عدوان أو تحرير أو أو. تناقضات تتوحد في بوتقة المآسي التي تعيشها شعوب المنطقة كلها. والكل خاسر. أما الرابح فهو الذي جاء من بعيد.
متى يستيقظ العقل من غفوته؟ ومتى ينتهي الفكر من سباته، والوعي من كسله؟ ومتى يغيب اللاوعي وتفيق الشعوب لتقول للأنظمة التي تحكمها الإدارات الأجنبية، بأن الكلمة للشعوب، حيث العرب والكرد والفرس والترك أخوة في الحقوق والواجبات، بعيدا عن الصراعات القومية والطائفية في حياة حرة كريمة لي ولك ولنا جميعا؟
إذا تحرر الشعب العراقي من سلطة صدام سيقع تحت سلطة أخرى إذا لم يكن هذا التحرر عن وعي. لابد من الوعي الكامل بالتاريخ، ودراسة أسباب الهزائم والنكسات لتزول النتائج. أما بقاء صدام في السلطة فستؤدي إلى قتل مئات الآلاف من الأبرياء العراقيين من عرب وكرد وأقليات، كما ستؤدي إلى قتل الألاف من الكويتيين والعرب الآخرين لأن الدكتاتور لا يعرف لغة الحرية والديمقراطية. أما إذا كانت هذه الحرب غزوا ، فستبقى الأزمة ويُضيف إحتلال آخر إلى الواقع المحتل عقليا وفكريا.
هل نحتاج إلى معجزة ديمقراطية أيها السادة؟ وهل يمكن إستيراد الديمقراطية بالبارود؟ هل الديمقراطية تربية وممارسة عقلانية ووعي وثقافة، وتقبل الآخر والإعتراف بحقوق الآخرين أو أنه قتل وإضطهاد وإلغاء الآخر؟ إنك لن تكون حرا إذا سلبتَ مني حريتي فلن أدعك تعيش حرا بأمان إذا لم أكن حرا. لا حرية في ظل العبودية، ولا عبودية في ظل الحرية، ولا يمكن للإنسان أن يكون نصف حر أو نصف عبد، فإما حر وإما عبد ولا وسط بينهما. فلنعي التاريخ في قراءتنا له ولنكن أحرارا على أساس الإعتراف المتبادل أو ليذهب الظالم إلى الجحيم.
فكيف يمكن وحدة الأضداد لخلق حالة جديدة من خلال عملية ديالكتيكية بين الترابط والتكامل والحركة والتفاهم؟
الحقيقة التي تعلمناها عبر تجاربنا هي أنها لا وجود لحرية بدون سلطة، ولا وجود لسلطة بدون تنظيم، ولا وجود لتنظيم بدون شعب. فهل لنا من سلطة في بلد شرق أوسطي يحكمه الأحرار من أهله؟ وربما كان ذلك تعليلا للسوسيولوجي الكلاسيكي المعاصر (أريك فروم) في كتابه القيم Escape from freedom بهروب الإنسان الغربي من الحرية حين يفقد الطمأنينة، وينغلق في فرديتة الذاتية. فإذا تقبلنا ما نعانيه من مآسي وويلات، وهربنا من حياتنا، وتقبلنا الحرية بدون سلطة، فإنه ينبغي أن نفكر بأن الذي يريد أن يتطور بدون أن يقضي على قابلياته، عليه أن يسيطر على "كاليبان". وكاليبان هو الشخصية الغريبة التي يعتبرها شكسبير ، الإنسان الحيوان في مسرحية " العاصفة". ف كاليبان كما سماه (بليك) الشبح، وهذا الشبح هو العدو. وقد كتب (بليك) كما نقله (كولن ويلسون) في كتابه "سقوط الحضارة" قائلا: "كل إنسان في قبضة شبحه، حتى تحين الساعة التي تستيقظ فيها إنسانيته وتلقي بشبحه إلى البحيرة".
فإلى اللقاء بعيدا عن خيمة الشيطان وعبادة الإنسان للإنسان. وإلى اللقاء تحت خيمة الإيمان الذي لايعبد فيها الإنسان إلاّ الرّحمن الواحد المنّان حرا معززا، يرفض الإستعباد أبدا أبدا.
* باحث وكاتب صحفي عراقي مقيم في السويد