أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مروان عبد الرزاق - رواية «واحة الغروب» أظافر طويلة تنحت في جسد «اللامعقول» والتاريخ السوداوي!















المزيد.....

رواية «واحة الغروب» أظافر طويلة تنحت في جسد «اللامعقول» والتاريخ السوداوي!


مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)


الحوار المتمدن-العدد: 6505 - 2020 / 3 / 3 - 16:52
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


نها الرواية العربية الأولى التي حازت جائزة البوكر عام 2008 للروائي بهاء طاهر، التي وصفتها لجنة التحكيم بأنها عمل روائي نوعي بالمعنى الجمالي والقيمي في آن. وهي رواية جميلة بالمعنى اللغوي البسيط، وتغرب فيها كل الأشياء. والقيم التي عملت على إحيائها في سرد تاريخي واجتماعي وسياسي، إثر فشل الحركة العرابية في التصدي للاحتلال الإنكليزي لمصر، واحتلالهم لمصر عام 1882. لكن اللغة البسيطة التي ابتدأها بفشل الثورة العرابية نتيجة خيانة الخديوي، وتضامن الشعب المصري معها، ضد الاحتلال الإنكليزي تدفع القارئ نحو فكرة الصراع بين الغرب والشرق، في حين أن مدلول الرواية يشير إلى تعايش الغرب مع الشرق، وليس الصراع في ما بينهما، كما يظن الكثير من النقاد. وهذا التعايش هو فكرة الرواية التي تمحورت حول التعايش بين محمود وكاثرين، رغم التوتر الذي ساد بينهما، وكونه ضابطاً في الجيش الإنكليزي.
ولذلك كان اختيار الروائي لشخصية «محمود عبد الظاهر» وهي مهزوزة ومتناقضة بالأساس، حيث كان ضابطاً في الجيش الإنكليزي، وكان متعاطفاً مع الثورة، وكان يعيش مترفاً وحياة لاهية في الحانات ومع بنات الليل، لكن لانكشاف أمره، تم إخضاعه للتحقيق وسؤاله هل كان مع أحمد عرابي. وأجاب أنه «كان من الساخطين على أفعال البغاة». وهو تعبير عام غير محدد، لكن المقصود ضمنه الثوار، وبذلك كان خائناً للثورة، وشعر بالخزي والعار والتقزز من نفسه بعد ذلك، مراهناً على النسيان، كي يطارد هذه الذكرى أو نفيها، متمنياً الموت في كل لحظة، وكان ذلك الغروب الأكبر عند محمود، الذي فشل في أن يكون ثائراً مثل الكثير من المصريين، وكذلك رافضاً أن يكون مثل طلعت الذي خان الثورة، وحقق ما يريده من الإنكليز، وبذلك سيطرت المشاعر السلبية على الرواية منذ بداياتها.
والسرد المتقطع وبأصوات الشخصيات يجعل القارئ متفهماً للشخصيات وصراعاتها النفسية والاجتماعية بشكل أفضل، وكان زواج محمود من «كاثرين»، بمثابة التعايش الآخر مع الغرب، وهي أيرلندية اشتركت مع محمود بخضوع بلديهما للاحتلال الإنكليزي، ومقاومة هذا الاحتلال! وحين قالت «لم يكن محمود سعيداً حين قابلته، ولا أنا كنت أيامها، لكننا استطعنا أن ننتزع السعادة وعشناها زمناً». وكانت ذات تعقيدات مهمة، أهمها: هروبها من زواج فاشل، بعد أن سيطرت على خطيب شقيقتها «القديسة» فيونا، وكانت هاربة من أيرلندا إلى مصر، وهي نقيض لكل خرافات الشرقيين، وتعاملهم السيئ مع المرأة، والباحثة عن آثار الغرب وروحانية الشرق، وكانت مولعة بالآثار، خاصة البحث عن جثمان الإسكندر الأكبر الذي يقال إنه دفن في واحة سيوة.
والمفارقة أن محمود بزواجه من كاثرين، عاش غربته عن «نعيمة» وهي الجارية السمراء بلون بشرتها الناعمة الخمري الرائق كلون النيل أيام الفيضان، والتي كانت تحكي له الحكايات عن الملوك والمشردين، ويمارس معها العشق بجنون، وعندما سألته: هل تحبني؟ أجاب بنبرة الضابط المتعجرف: لو قلت كلاماً عن الحب سأرميك في الشارع. ولكنها رحلت بدون أي أذن أو علم. إلا أنها ظلت تزوره في أحلام النوم واليقظة، وكانت سبباً في تدمير زواجه، لأنها كانت تمثل الدفء والحميمية والرابط العاطفي الحقيقي.
-2-
تدخل الرواية في جزئها الثاني عندما يقبل محمود وزوجته بالتغريبة الكبرى نتيجة اتهامه بالثورة، إلى السفر عبر الصحراء، التي تمتد لأكثر من خمسمئة كيلومتر، وتعيينه مأموراً في واحة «سيوه» لجمع الضرائب وإرسالها إلى المركز، وكانت الرحلة شاقة استغرقت عدة أيام، في الجو الحار، والعواصف الرملية، ونقص المياه. وكان أهل الجزيرة من الفلاحين الفقراء، منقسمين إلى عشيرتين، الشرقيين والغربيين، ويملكها إقطاعيون؛ والفلاحون ينامون في البساتين، ويقتلون المأمورين السابقين، ويتحدثون باللغة السيوتية «التاسيوت» المشتقة من الأمازيغية، ويتكلم بها الأطفال قبل العربية، بدون أن يحدثنا الطاهر عنهم وعن ثقافتهم وتقاليدهم، سوى انفصال النساء عن الرجال وهن يلبسن الـ»تارفوتيت» ولا تظهر إلا أعينهن، مثل البرقع الراهن التي تفرضه الكتائب الإسلامية المتطرفة على النساء، في سوريا والعراق. وكانت «سيوه» أرضا لغابات النخيل والزيتون، وعيون الماء تنبثق وسط أرضها الخضراء، المحاطة بالصحراء الصفراء في كل مكان. لكن لم يرَ محمود هذا الجمال في الرواية. ولم تُعِد الصحراء بجفافها وقسوتها وعواصفها الرملية، الروح المناضلة لمحمود، إنما حافظت على انكساره الداخلي والجرح النازف، وحافظت على تقوقعه وانهزاميته. وبقي كما عبر عن نفسه «المشكلة هي أنت بالضبط.

هل يمثل محمود ذلك الإنسان العربي المعاصر المليء بالخوف من كل شيء، من السلطة القمعية، والمجتمع المتخلف؟ أم أن هذه السوداوية في الرواية هي انتصار للوطنية المصرية التي انهزمت مع العرابية لكنها نجحت في عصور أخرى لاحقة؟

يا حضرة الصاغ! لا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف طيب ونصف شرير، نصف وطني ونصف خائن. نصف شجاع ونصف جبان. نصف مؤمن ونصف عاشق. دائماً في منتصف شيء ما». وعندما جاء الامتحان أنكر الوطن والثوار وتوقف في المكان السيئ مع الاحتلال. وكان مكروهاً من أهل الواحة، لأنه سيجمع الضرائب، وبسبب زوجته الأجنبية، التي راحت تبحث عن مرقد الإسكندر، وهم يحسبونها بأنها تبحث عن كنز الأجداد الذهبي، وكانت النساء لا يردن عليها السلام، حين كانت تعبر في الواحة. وحاول محمود الاقتراب من الرجال بمحاولته تخفيض الضرائب إلى النصف، وكان يصلي معهم صلاة الجمعة، ويمشي وحيداً بدون حراس، وقاتل البدو الذين يهاجمونهم، لكن ذلك كله لم يكن مفيداً، إنما ظل مكروهاً من الجميع، لأنه فرض الضريبة بالقوة عليهم.
وتعامل محمود مع الشيخ صابر وهو حاكم الواحة ومؤمن بالخرافات، وساعده في جمع الضرائب. والشيخ يحيى وهو المتنور الرافض للعنف والأساطير، وقوي بالتسامح والعزة والكبرياء، وطبيب الأعشاب التقليدي، و»مليكة» وهي المراهقة التي تم تزويجها بالقوة لعجوز عاجز جنسياً، وبقيت عذراء، وحين وفاته كان عليها «للعفة الإسلامية» أن تبقى في البيت لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام، لكنها ترفض ذلك وتذهب إلى بيت كاثرين لحمايتها، وأمها التي قتلتها لأنها تجلب العار والدمار. وتستمر كاثرين بالبحث عن جثمان الإسكندر الأكبر في معبد الواحة. الإسكندر الذي جاء نتيجة لدغة الحب بين «أوليمياس» وأمه، فكان ثمرة الحب المقدس، وهو ابن زيوس وأبوه ليس فيليب. وكان الشمس التي ستشرق على العالم كله، وسينعم بخلود الآلهة. وتم اختياره في المعبد من قبل «حورس» فرعوناً لمصر. لكنه اكتشف أنه يملك «إسكندر الدم الذي يطرد إسكندر النغم» وتعلم أن «الخوف لا الحكمة هي أساس الملك» وهذا ما تعلمه من آمون والمصريين وفراعنتهم. وقتل العديد من أصحابه الذين وصفوه بـ»طاغية العبيد»، والذي توفي إثر إصابته بالحمى لعدة أيام، و»أن خلود الآلهة لا يكون في عماء الظلمة والعجز، وعرف أنه ليس إلهاً».
ويستمر محمود في غروبه، حين يفشل في حبه لكاثرين، وبحثها اللامجدي عن الإسكندر، ويعشق أختها القديسة المريضة التي جاءت إلى مصر، ويرسل المركز له ضابطاً يمارس التجسس عليه، عندئذ تبرز الوطنية المتأخرة حين صرح أمام الضابط وصفي «عرابي باشا أشرف من عشرة خديويين مجتمعين. والبكباشي محمد عبيد أشرف من كل الخديويين والباشوات الخونة الذين باعونا للإنكليز، وركب حصانه وذهب كي يفجر المعبد بالديناميت، مردداً «سيشكرونني ذات يوم، لابد أن يشكروني». وكان هذا هو الغروب الأخير لمحمود بتدمير المعبد حتى يتخلص الشعب من قصص الأجداد، وحتى يفيق الأحفاد متخلصين من أوهام العظمة وخرافات الماضي وأساطيره. لم يسامح نفسه أبداً على خيانته للثورة، وفشله في مصالحة أهل الواحة، وأجرى محاكمة لنفسه، وأخذ دور القاضي والمتهم. وكان هذا الموت هو الهروب النفسي من نفسه ومن المجتمع، وهو الأسلوب الوحيد كي يتخلص من صراعه النفسي الذي حوله إلى كتلة من الاضطراب والتعقيد والعجز. إنها المحاولة الفاشلة في تعايش الشرق مع الغرب، طالما أن الغرب مستعمر بالقوة، فكان الرد بالقوة حتى من ضباطهم المصريين. وكان هذا التفجير رمزاً لقتل كل رموز الغرب المحتلين، فالإسكندر كان غازياً ومستعمراً، وبالتالي التعايش مع المستعمر غير ممكن. ثم لماذا اختيار الروائي لشخصية محمود، الإنسان الذي تحول من مدافع عن عرابي وثورته إلى عميل للمستعمِر الإنكليزي؟ وهو الخائف من كل شيء حوله. مقابل كاثرين الجريئة، مع كل عقدها المختلفة عن تعقيدات محمود. هل يمثل محمود ذلك الإنسان العربي المعاصر المليء بالخوف من كل شيء، من السلطة القمعية، والمجتمع المتخلف؟ أم أن هذه السوداوية في الرواية هي انتصار للوطنية المصرية التي انهزمت مع العرابية لكنها نجحت في عصور أخرى لاحقة؟ إنها رواية سوداوية لكنها جميلة بلغتها وسردها، رغم عدم وجود للشعرية الروائية فيها.
من القدس العربي : ٢ فبراير- ٢٠٢٠



#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)       Marwan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية آيات شيطانية: بين إشكالية المحتوى والموضوع.. والنقد -ب ...
- «مصائر- كونشرتو الهولوكوست والنكبة: فلسطين في حقائب المنافي ...
- رواية «طوق الحمام»: صرخة ضد الموروث الاجتماعي
- رواية «موت صغير»: ابن عربي بين ترحال الحبّ والعقاب وغياب الت ...
- الثورة اللبنانية المجيدة
- -نبع السلام- أو -نبع الدم- في الجزيرة السورية
- رواية «حرب الكلب الثانية»: «فانتازيا واقعية» ومرايا ضريرة لو ...
- رواية «بريد الليل»: رسائل لم تصل للقارئ عبر ساعي البريد التا ...
- انكسار المقاومة وتوحّش الواقع في رواية «القوس والفراشة»
- رواية: فرانكشتاين في بغداد
- ساق البامبو
- حمام الدار-احجية ابن الازرق
- الانبثاقات السياسية في الثورة السورية
- القمة الأمريكية وكوريا الشمالية
- تشريح الثورة
- ثورة السودان
- وارسو: مؤتمر للسلام أم للحرب
- صعود الجهادية التكفيرية
- هل النظام السوري طائفي؟
- صراع المتشابهات في سوريا(الجزء الثاني)


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مروان عبد الرزاق - رواية «واحة الغروب» أظافر طويلة تنحت في جسد «اللامعقول» والتاريخ السوداوي!