أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [21]















المزيد.....



الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [21]


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6504 - 2020 / 3 / 2 - 16:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(35)
علم إجتماع الخرافة..
The Sociology Of Myths
[بالطلاسم، استعبدَ الأنبياءُ البشرَ]- ابن الراوندي [827- 911م]
(1)
[وَرَأَيْتُ عَلَى يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ
سِفْرًا مَكْتُوبًا مِنْ دَاخِل وَمِنْ وَرَاءٍ
مَخْتُومًا بِسَبْعَةِ خُتُومٍ
وَرَأَيْتُ مَلاَكًا قَوِيًّا يُنَادِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ
مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ؟
فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ فِي السَّمَاءِ وَلاَ عَلَى الأَرْضِ
وَلاَ تَحْتَ الأَرْضِ أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ
وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ
فَصِرْتُ أَنَا أَبْكِي كَثِيرًا،
لأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ
مُسْتَحِقًّا أَنْ يَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَقْرَأَهُ
وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ
فَقَالَ لِي وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ
لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ
الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا أَصْلُ دَاوُدَ
لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ
وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَة
وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ
لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ
هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ
فَأَتَى وَأَخَذَ السِّفْرَ مِنْ يَمِينِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْش
وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ
وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ
وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ
مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ
9 وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ
مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ
لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ
مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ
وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً
فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ]- (رؤ 5: 1- 10)
[اذْهَبْ خُذِ السِّفْرَ الصَّغِيرَ الْمَفْتُوحَ فِي يَدِ الْمَلاَكِ
الْوَاقِفِ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ
9 فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلاَكِ قَائِلًا لَهُ
أَعْطِنِي السِّفْرَ الصَّغِيرَ ، فَقَالَ لِي
خُذْهُ وَكُلْهُ، فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا،
وَلكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ
فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ
فَكَانَ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ.
وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا
فَقَالَ لِي: يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا
عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ]- (رؤ10: 8- 11)
(2)
[يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ]- (الرعد 13: 39)
البغوي [1044- 1122م] في (معالم التنزيل)..
قَرَأَ ابن كثير وأبو عمر وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ وَيُثْبِتُ بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ.. وأدناه اختلاف القراءات والتفاسير والتأويلات..
أولا: الانسان قدره ومصيره..
رَوَيْنَا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ عَنِ النَّبِيُّ: يدخل المَلَك على النطفة بعد ما تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحيفة فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ.
وقال مالك بن دينار [ت 784م] في المرأة التي دعا لها : اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .

ثانيا: الرزق والسعادة والأجل..
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا الرِّزْقَ وَالْأَجَلَ وَالسَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ.
وعن عمر وابن مسعود أَنَّهُمَا قَالَا: يَمْحُو السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ أَيْضًا، وَيَمْحُو الرِّزْقَ وَالْأَجَلَ وَيُثْبِتُ ما يشاء.
وقال قوم: إلاَّ السَّعادة والشَّقاوة والموت والرزق والخلق والخلق.
وقال ابن عمر : سمعت النبيّ يقول : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والموت .
وقال ابن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء الخلق والخلق والأجل والرزق والسعادة والشقاوة.
أن المحو المذكور والزيادة في الرزق والعمر ؛ إنما هو بالنسبة للقضاء أو القدر المعلق.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قالت كفار قريش لمّا نزلت: [وما كان لرسول أن يأتي بأية إلا بإذن الله]- (الرعد 13: 38): ما نرى محمدا يملك شيئا وقد فرغ من الأمر. فأنزلت هذه الآية تخويفا ووعيدا لهم. إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرك ما شئنا ونحدث في كل رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم.
وروى معناه أبو صالح عن ابن عباس . وقال الكلبي : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه.
وقال مجاهد : يحكم الله أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ، إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة.
[ يمحو الله ما يشاء ويثبت]: اختلف المفسرون في ذلك فقال الثوري ووكيع وهشيم عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: يدبر أمر السنة فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت.
كذلك قال مجاهد: ...فإنهما لا يتغيران.
وقال منصور سألت مجاهدا: أرأيت دعاء أحد يقول: اللهم إن كان اسمي فى السعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم، واجعله في السعداء!. فقال حسن.
ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر فسألته عن ذلك فقال: [إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم]- (الدخان 44: 3- 4): قال يقضي في ليلة القدر، ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء. فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير.
وذكر تمام الحديث ابن جرير وقال الكلبي: [يمحو الله ما يشاء ويثبت]: قال يمحو من الرزق يزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه. فقيل له من حدثك بهذا ؟ فقال أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب عن النبيّ، ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال: يكتب القول كلّه حتى إذا كان (يوم الخميس)، طرح منه كلّ شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب، مثل قولك أكلت وشربت دخلت وخرجت ونحو ذلك من الكلام، وهو صادق ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب.
قال القشيري [986- 1074م]: وقيل السعادة والشقاوة والخلق والخلق والرزق لا تتغير فالآية فيما عدا هذه الأشياء وفي هذا القول نوع تحكم . قلت : مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد ، وإنما يؤخذ : توقيفا ، فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده ، وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء. وهذا يروى معناه عن عمر بن الخطاب [584- 644م] وابن مسعود [594- 650م] وأبي وائل وكعب الأحبار [551- 652م] وغيرهم ، وهو قول الكلبي الكوفي (ت 146هـ) .
وعن أبي عثمان النهدي [590- 720م] أن عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب . وقال ابن مسعود : اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم ، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب.
وروى الاعمش ان أبا وائل شقيق أم سلمة، كان يكثر أن يدعو : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب .
وقد تقدم في الصحيحين عن أبي هريرة [603- 678م] قال : سمعت النبيّ يقول : من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه .

ثالثا: الأجل والموت..
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَقْطَعُ رَحِمَهُ فَتُرَدُّ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالرَّجُلَ يَكُونُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثَةُ أيام فيصل رحمه فيرد إِلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ ثَنَا أَبُو جعفر الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي زِيَادَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الدرداء أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الرَسُولُ: يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آخِرِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ فَيَنْظُرُ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ فِي أُمِّ الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ.
وقال الحسن: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ. أَيْ مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ يَذْهَبُ بِهِ وَيُثْبِتُ مَنْ لَمْ يَجِئْ أجله إلى يوم أَجَلِهِ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ: هَذَا فِي الْأَرْوَاحِ يَقْبِضُهَا اللَّهُ عِنْدَ النَّوْمِ فَمَنْ أَرَادَ مَوْتَهُ مَحَاهُ فَأَمْسَكَهُ وَمَنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ أَثْبَتَهُ وَرَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ َ: [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها]- (الزمر 39: 42]. [وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ]، أَيْ: أَصْلُ الْكِتَابِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ.
ومثله عن أنس بن مالك [612- 709م] أن الرسول قال : من أحب فذكره بلفظه سواء وفيه تأويلان : أحدهما : معنوي ، وهو ما يبقى بعده من الثناء الجميل والذكر الحسن ، والأجر المتكرر ، فكأنه لم يمت . والآخر : يؤخر أجله المكتوب في (اللوح المحفوظ) والذي في علم الله ثابت لا تبدل له.
وقيل لابن عباس لما روى الحديث الصحيح عن الرسول أنه قال : من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه كيف يزاد في العمر والأجل ؟.. فقال : قال الله: هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده . فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته ، والأجل الثاني : يعني المسمى عنده - من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلا الله فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء ، وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء ، فيزيده في أجل البرزخ ، فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان لقوله: [فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون]- (الاعراف 7: 34).
وقال الربيع بن أنس [ت 760م]: هذا في (الأرواح) حالة النوم يقبضها عند النوم ، ثم إذا أراد موته فجأة أمسكه ، ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه بيانه قوله :[اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى]- (الزمر 39: 42).
وقال الحسن البصري [642- 728م]: من جاء أجله يذهب ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله.
وقال الحسن : يمحو الآباء ، ويثبت الأبناء.

رابعا: الحسنات والسيئات.. والثواب والعقاب..
وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ إِنَّ الْحَفَظَةَ يَكْتُبُونَ جَمِيعَ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ وَأَقْوَالِهِمْ فَيَمْحُو اللَّهُ مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ. مِثْلُ قَوْلِهِ: أَكَلْتُ شَرِبْتُ دَخَلْتُ خَرَجْتُ وَنَحْوِهَا مِنْ كَلَامٍ هُوَ صادق فيه وَيُثْبِتُ مَا فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ، هَذَا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَكْتُبُ الْقَوْلَ كُلَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ طَرَحَ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو وَالَّذِي يُثْبِتُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي يثبت.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ مِنْ ذُنُوبِ الْعِبَادِ فَيَغْفِرُهَا وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فلا يغفرها.
وقال عكرمة: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ وَيُثْبِتُ بَدَلَ الذُّنُوبِ حَسَنَاتٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: [فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ]-(الْفُرْقَانُ 25: 70].
وقال الضحاك : يمحو الله ما يشاء من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب.
ثم سئل الكلبي عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ودخلت وخرجت ونحوه ، وهو صادق ، ويثبت ما فيه الثواب والعقاب .
وقال سعيد بن جبير أيضا : يغفر ما يشاء - يعني - من ذنوب عباده ، ويترك ما يشاء فلا يغفره .
وقال عكرمة : يمحو ما يشاء - يعني بالتوبة - جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات. قال تعالى : [مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ]- (الفرقان 25: 70).
وقال الحسن: ينسي الحفظة من الذنوب ولا ينسي .
وقال قيس بن عباد في اليوم العاشر من رجب : هو اليوم الذي يمحو الله فيه ما يشاء ، ويثبت فيه ما يشاء ، وقد تقدم عن مجاهد أن ذلك يكون في رمضان .
وروى أبو الدرداء عن النبيّ قال : إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، فينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء .
(الجامع الكبير) للشيباني الحنفي الكوفي: العلماء تكلموا في هذه الآية وبينوا معناها وأنها تعم أشياء كثيرة، تعم الذنوب والحسنات، يمحو الله ما يشاء من الذنوب والسيئات ويبقي ما يشاء على حسب حال العبد.
فإذا أطاع الله جل وعلا واستقام على أمره، كتب الله له حسنات؛ ومحا عنه السيئات.
وإذا تاب إلى الله محا عنه السيئات.
وقال العوفي عن ابن عباس في ذلك: هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة، فهو الذي يمحو. والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله، وهو الذي يثبت.
وروي عن سعيد بن جبير أنها بمعنى: يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، والله على كل شيء قدير.

خامسا: القضاء والقدر..
القرطبي في تفسيره الجامع ، فقال (5/ 332):
العقيدة: أنه لا تبديل لقضاء الله.
وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء.
وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعا (محتوما) ، وهو الثابت؛ ومنه ما يكون (مصروفا) بأسباب ، وهو الممحو .
وقد أشار والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله. وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً - وهو الثابت -، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب - وهو الممحو -!
وقال بعضهم هكذا .. بعض الأقدار المعلقة، يمحو الله ما يشاء من الأقدار المعلقة ويثبت، أما الأقدار التي ما فيها (حيلة) قد سبق فيها علمه أنها تكون فهذه ما تمحى بل هي ثابتة مثل الموت، ما أحد يسلم من الموت. هذا قدر سابق أنه لا بد منه وكذلك الهرم لا بد منه لمن كتب الله له البقاء لا بد ينتهي إلى الهرم، وفي الحديث: ما من داء إلا له دواء إلا الهرم وفي اللفظ الآخر: إلا الموت.
قال المثنى عن حجاج عن خصاف عن أبي حمزة عن إبراهيم أن كعبا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة قال وما هي ؟ قال قول الله: [يمحو الله ما يشاء..] ومعنى هذه الأقوال أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ويثبت منها ما يشاء.
تأويل البيهقي في قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ): بيان علاقة ذلك بالقضاء والقدر.
القضاء المبرم/(خلاف القضاء المعلق: المؤقت) المطابق للعلم الإلهي ؛ فلا محو ولا تغيير.
الطباطبائي: ملخص من مضمون الآية، أن لله في كلّ وقتٍ وأجلٍ كتاباً: أيّ حكما وقضاء.
وقد يُستأنَس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدماء ولا يزيد في العمر إلا البر!
وروى النسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري به وثبت في الصحيح: أن صلة الرحم تزيد في العمر!.. وفي حديث آخر : إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض!.
وقال الليث بن سعد عن زياد بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال: قال الرسول: يفتح الذكر في ثلات ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر، الذي لا ينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت!.

سادسا: محو وإثبات..
القرطبي: هذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء.
فالمحو والإثبات فيهما خاص بالأحكام في الكتب المتقدمة، أو في الشريعة المحمدية، ينسخ منها ما يشاء ، ويثبت ما يشاء.
وأنه يمحو ما يشاء من هذه الكتب والاحكام والأقضية ويثبت ما يشاء؛ أيّ يغير القضاء الثابت في وقت، فيضع في الوقت الثاني مكانه قضاء آخر.
طباطبائي: بالنسبة إلى كل وقت قضاء، لا يتغير ولا يقبل المحو والاثبات، وهو الأصل الذي يرجع إليه الأقضية الاخر، وتنشأ منه، فيمحو ويثبت على حسب ما يقتضيه هو.
وقد قوبل (المحو) في الآية بالاثبات؛ وهو إقرار الشئ في مستقرّه بحيث لا يتحرك ولا يضطرب. يقال أثبت الوتد في الأرض إذا ركزته فيها، بحيث لا يتحرك ولا يخرج من مركزه. فالمحو هو إزالة الشئ بعد ثبوته برسمه.
الأمر الثابت الذي يرجع إليه هذه الكتب، التي تمحى وتثبت بحسب الأوقات والآجال، ولو كان هو نفسه تقبل المحو والإثبات، لكان مثلها لا أصل لها؛ ولو لم يكن من أصله، كان المحو والاثبات في أفعاله، أما تابعا لأمور خارجة تستوجب ذلك، فكان تعالى مقهورا مغلوبا للعوامل والأسباب الخارجية مثلنا، والله يحكم لا معقب لحكمه.
وأما غير تابع لشئ أصلا، وهو الجزاف الذي يختل به نظام الخلقة والتدبير العام الواحد، بربط الأشياء بعضها ببعض، جلت عنه ساحته، قال: [وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحقّ]- (الدخان 44: 39)./ طباطبائي

سابعا: محو الباطل..
طباطبائي: [ويمح الله الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته]- (الشورى 42: 24): أي يذهب بآثار الباطل؛ كما قال: [فأما الزبد فيذهب جفاء]- (الرعد 13: 17).

ثامنا: الفرائض والشرائع..
فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْفَرَائِضِ فَيَنْسَخُهُ وَيُبَدِّلُهُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا فَلَا يَنْسَخُهُ.
يمحو الله ما يشاء من الشرائع وينسخها ويثبت ما يشاء في وقت الرسول الذي مثل ما شرع الله لنا أولا: استقبال بيت
المقدس ثم شرع الله بعد ذلك أن نستقبل الكعبة، يمحو الله ما يشاء ويثبت من الشرائع ومن الذنوب والأوامر والنواهي.
وقال قتادة وابن زيد وسعيد بن جبير : يمحو الله ما يشاء من الفرائض والنوافل فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ، وجملة الناسخ والمنسوخ عنده في (أمّ الكتاب). ونحوه ذكره النحاس والمهدوي عن ابن عباس.
رواه يزيد النحوي عنه ابن عباس؛ في قوله: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )، وقال: ( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل ... ) الآية ، وقال : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) ؛ فأول ما نسخ من القرآن القِبلة ... الخ.

تاسعا: أمّ الكتاب واللوح المحفوظ..
وَسَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ فَقَالَ: عِلْمُ اللَّهِ مَا هُوَ خالق وما خلقه عاملون.
وَقَالَ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمَا كِتَابَانِ: كِتَابٌ سِوَى (أُمِّ الْكِتَابِ) يَمْحُو مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَ(أُمُّ الْكِتَابِ) الَّذِي لَا يُغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَعَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ (لَوْحًا مَحْفُوظًا)، (مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ) مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا دَفَّتَانِ مِنْ يَاقُوتٍ لِلَّهِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ فيه (ثلاثمائة وستون لحظة)، [يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ]- (الرعد 13: 39).
وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سهل بن عسكر حدثنا عبد الرزاق أنا ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس قال: إن لله (لوحا محفوظا) مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت - والدفتان لوحان لله، كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
(الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) للواحدي [1010- 1076م]: اللَّوح المحفوظ يمحو منه ما يشاء ويثبت ما يشاء وظاهر هذه الآية على العموم.
القرطبي [1214- 1273م]: يمحو من ذلك الكتاب ما يشاء أن يوقعه بأهله ويأتي به . ويثبت ما يشاء أي يؤخره إلى وقته يقال : محوت الكتاب محوا ، أي أذهبت أثره . ويثبت أي ويثبته كقوله: [والذاكرين الله كثيرا والذاكرات]- (الاحزاب 33: 35).
وهو يلتقي مع ما رواه ابن جرير الطبري (16/ 485) وغيره بسند فيه ضعف عن ابن عباس : ( يمحو الله ما يشاء )، قال : من القرآن ؛ يقول : يبدل الله ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله. ( وعنده أم الكتاب ) ، يقول : وجملة ذلك عنده في (أم الكتاب)، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل، كلّ ذلك في (كتاب).
قال خسروجردي البيهقي [944- 1066م]: أصح ما قيل في تفسيرها عن الناسخ والمنسوخ يمحو الله ما يشاء أن ينسخه من القرآن ويثبت ما شاء أن لا ينسخه. وكلّ الناسخ والمنسوخ في (اللوح المحفوظ).
قال النحاس : وحدثنا بكر بن سهل ، قال حدثنا أبو صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، يمحو الله ما يشاء يقول : يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، وعنده أم الكتاب يقول : جملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ .
الغزنوي الحلبي [ت 1197م]/(حنفي ماتريدي): أن ما في (اللوح) خرج عن (الغيب)؛ لإحاطة بعض الملائكة؛ فيحتمل التبديل ؛ لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال ، وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل. و(عنده أمّ الكتاب) أي أصل ما كتب من الآجال وغيرها.
وقيل : (أمّ الكتاب) (اللوح المحفوظ) الذي لا يبدل ولا يغير .
وقد قيل : إنه يجري فيه التبديل .
وقيل : إنما يجري في الجرائد الأخر .
وسئل ابن عباس عن (أم الكتاب) فقال : علم الله ما هو خالق ، وما خلقه عاملون فقال لعلمه : كن كتابا ، ولا تبديل في علم الله ، وعنه أنه الذكر دليله قوله: [وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ]- (الانبياء 21: 105)وهذا يرجع معناه إلى الأول وهو معنى قول كعب .
وقال سنيد بن داود حدثني معتمر عن أبيه عن يسار عن ابن عباس: أنه سأل كعبا عن أم الكتاب فقال: علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون. وثم قال لعلمه: كن كتابا فكان كتابا.
رواه سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس؛ في قول الله: (يمحو الله ما يشاء)، قال : من أحد (الكتابين)؛ هما (كتابان): يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت ، ( وعنده أم الكتاب ) ؛ أي : (جملة الكتاب).
وفي رواية لابن جرير (16/ 491) من طريق عليّ عن ابن عباس: ( وعنده أم الكتاب ). يقول : وجملة ذلك عنده في (أم الكتاب)؛ (الناسخ والمنسوخ)، وما يبدل وما يثبت، كلّ ذلك في كتاب.
طباطبائي: ووقوع قوله: [يمحو الله ما يشاء ويثبت]- () بعد قوله: [لكلّ أجلٍ كتابٌ]- (الرعد 13: 39) واتصاله به من جانب، وبقوله: [وعنده أمّ الكتاب]- (الرعد 13: 40) من جانب ظاهر، في أنّ المراد (محو) الكتب، وإثباتها في الأوقات والآجال. فالكتاب الذي أثبته الله في الأجل الأول، إن شاء محاه في الأجل الثاني، وأثبت كتابا آخر. فلا يزال يمحى كتاب ويثبت كتاب آخر!
وإذا اعتبرنا ما في الكتاب من آية، وكلّ شئ آية، صحّ أن يقال: لا يزال يمحو آية، ويثبت آية، كما يشير إليه قوله: [ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها]- (البقرة 2: 106)، وقوله: [وإذا بدّلنا آية مكان آية]- (النحل 16: 101).
طباطبائي: قوله: [وعنده أم الكتاب]: أيّ (أصله): أيّ (أصل جنس الكتاب). فأن (الأمّ هي الأصل) الذي ينشأ منه الشئ، ويرجع إليه. وهو دفع للدخل وإبانة لحقيقة الامر.
طباطبائي: إنّ اختلاف حال الكتاب المكتوب لأجل، بالمحو والاثبات؛ أيّ (تغير الحكم) المكتوب والقول المقضى به، حينا بعد حين؛ ربّما أوهم أن الأمور والقضايا، ليس لها عند الله صورة ثابتة؛ وإنّما يتبع حكمُهُ (العلل) و(العوامل الموجبة له من خارج)؛ كأحكامنا وقضايانا، معاشر ذوي الشعور من الخلق؛ أو أن حكمه (جزافيّ)، لا تعين له في نفسه، ولا مؤثر في تعينه من خارج؛ كما ربّما يتوهّم أرباب العقول البسيطة، أن الذي له (مَلِكٌ) مُطلَقٌ وسلطنة مطلقة، له أن يريد ما يشاء ويفعل ما يريد، على حرية مطلقة من رعاية أي قيد وشرط وسلوك، أيّ نظام أو لا نظام في عمله. فلا صورة ثابتة لشئ من أفعاله وقضاياه عنده. وقد قال: [مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ]- (ق 50: 29)، و: [وكلّ شئٍ عندَهُ بمقدارٍ]- (الرعد 13: 8).
وقال قتادة: (أمّ الكتاب) أى جملة الكتاب وأصله.
وقال الضحاك: (وعنده أمّ الكتاب): يعني كتاب عند رب العالمين.
و[عنده أم الكتاب]: وجملة ذلك عنده في (أمّ الكتاب) الناسخ وما يبدّل وما يثبت، كل ذلك في كتاب.
قال كعب الأحبار : (أمّ الكتاب) = علم الله بما خلق وبما هو خالق.
وقال ابن جريج عن ابن عباس: (أمّ الكتاب) = الذكر!.
يمحو الله ما يشاء (منها) ويثبت: يعني: حتى (نسخت كلّها) بالقرآن.

عاشرا: ظاهر النص بخلافه..
إن كان المحو والإثبات في الآية خاصاً بالأحكام الشرعية ؛ كما تقدم - ؛ فليس في الشرع ما ينفيهما في غيرها ، بل إن ظواهر بعض النصوص تدل على خلاف ذلك ؛ كمثل قول النبيّ: ( لا يرد القضاء إلا الدّعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البرّ ). وقوله: ( من أحبّ أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره (وفي بعض الطرق : في آجله) ؛ فليصلْ رحمه).
وقال ابن عباس أنه قال : (لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر).

أحد عشر: لكلّ أجلٍ كتابٌ، ولكلّ كتابٍ أجلٌ/ (نظرية الدورات الزمنية)..
قال الالباني [1914- 1999م]: (اعلم أن المفسرين اختلفوا اختلافاً كثيراً في تفسير آيتي (الرعد): [لكلّ أجلٍ كتابٌ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب]- (الرعد 13: 39- 40 ) على أقوال كثيرة، استوعبها الشوكاني [1759- 1834م] في (فتح القدير في التفسير)، وذكر بعضها ابن جرير، ثم ابن كثير. وأختار هنا ما هو أقرب للسياق ؛ فقال: ( أي : لكلّ كتابٍ أجلٌ ، يعني : لكلّ كتاب أنزله الله من السماء (مدّة) مضروبة عند الله ، و(مقدار) معين، فلهذا : (يمحو الله ما يشاء) : منها : (ويثبت) ؛ يعني : حتى (نسخت) كلّها بالقرآن.
وقال علي بن أبي طالب [599- 661م] يمحو الله ما يشاء من القرون، كقوله:[وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا]-(الاسراء 17: 17).
طباطبائي [1904- 1981م] في (تفسير الميزان): ومما تقدم يظهر ان ما ذكره بعضهم في قوله: [لكلّ أجلٍ كتابٌ]: من باب (القلب)، وأصله: (لكلّ كتابٍ أجلٌ): أيّ أنّ لكلّ كتاب (منزل) من عند الله، (وقتا مخصوصا)، ينزل فيه ويعمل عليه. فللتوراة وقت، وللإنجيل وقت، وللقرآن وقت وجه لا يعبأ به!
طباطبائي: قوله: [يمحو الله ما يشاء ويثبت] على ما فيه من (الإطلاق)، يفيد فائدة (التعليل) لقوله: [لكلّ أجلٍ كتابٌ]، والمعنى: (أنّ لكلّ وقتٍ كتاباً يخصّه) فيختلف. فـ(اختلاف الكتب) باختلاف (الأوقات والآجال)؛ انما ظهر من ناحية (اختلاف التصرف الإلهي) بمشيئته، لا من جهة اختلافها في أنفسها ومن ذواتها. فيتعين لكلّ أجل كتاب في نفسه، لا يتغير عن وجهه، بل الله هو الذي يعين ذلك، بتبديل كتاب مكان كتاب، ومحو كتاب واثبات آخر.

إثنا عشر: في الطبيعة وظواهرها..
وقال السدي: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ يَعْنِي الْقَمَرَ وَيُثْبِتُ يَعْنِي الشَّمْسَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ: [فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً]- (الْإِسْرَاءُ 17: 12)
طباطبائي: أذهبنا اثر الابصار من الليل، فـ(المحو) قريب المعنى من (النسخ): يقال: نسخت الشمسُ الظلّ، أيّ: ذهبت بأثره ورسمه.
وقيل : يمحو الله ما يشاء - يعني الدنيا - ويثبت الآخرة .

(3)
خلاصة..
أحاط كهنوت الإسلام، أو المنسوبون إليهما، بما يحصل في ظلمات الرحم، وتوزيع الأعمال بين الملائكة الوظيفية، حتى يتشكل ابن الإنسان بالهيئة والطبيعة والطبع والمصير الذي هو عليه عند تعرضه لهواء العالم ولسعة مياهه.
كما أحاطوا بما يدور في عوالم السماء، مما وراء وراء النجوم المعروفة عند الإغريق بالميتافيزيكا، وهو المجال الذي تسبح فيه الملائكة والجنّ. ولم يفتهم رصد تخرّصات [الملائكة والجنّ] على ما يدور في [ذهن] خالق السموات، وخواطره أثناء تأليف كتبه وأفكاره عن خليقة الكون والبشرية، وسكان الحجاز منهم تحديدا.
وظيفة (الجنّ) - أصدقاء البشر قبل خلقهم-، لا تختلف عن وظيفة أجهزة (المخابرات) المعاصرة وطواقم الكوكيز/(مخابرات إلكترونية)، مما يتجسسون على حياة الناس وأفكارهم وأحلامهم. لكن مخابرات البشرية يتجسسون على المادون، لمصلحة المافوق، بينما يتجسس (الجنّ) على (مافوق) لصالح (ما هو دون).
ومن هنا، فـ(الجنّ) شريف وشجاع، بينما (الأنس والكوكيز)، يفتقدون الشرف والشجاعة.
والسؤال هنا؛ ليس كيف توصّل فقهاء (الإسلام) لعلوم الجنّ والميتافيزيكا؛ ولكن.. كيف استفادوا من تلك العلوم والمعارف في نشاطاتهم؛ وما هي نشاطاتهم العملية تلك؟.. وهل هي في مصلحة البشرية، أم خلافها؟!..



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [20]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [19]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [18]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [17]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [16]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [15]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [14]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [13]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [12]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [11]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [10]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [9]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [8]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [7]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [6]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [5]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [4]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [3]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [2]
- الناسخ والمنسوخ وما وراءهما- [1]


المزيد.....




- هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية ...
- المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله ...
- الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي- ...
- أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ ...
- -حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي ...
- شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل ...
- -المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [21]