إذا كان نظام صدام حسين قد سقط فلا رحمة على هذا السقوط .. لكن اللعنة قائمة على الذين استباحوا بغداد ، وعلى من أغرى الغزاة بإستباحتها بعد أن حفّزهم لحرب أسماها ( حرب الحواسم ) فكانت حربا" لسقوطه المشين ولم تكن حربا" لحرب أو ندا" لند .
أراد الطرفان أو مدعيان الحرب إصابة بغداد بمقتل .. وعلى الرغم من استباحة أطرافها ومركزها وضفتيها ، لكنهم لم يكن بوسعهم إطفاء ( عيون المها بين الرصافة والجسر ) .
تتعلق أبصارنا بمشاهد التلفاز المرئية عن حلكة بغداد وعن ظمأ بغداد وهي تحتضن دجلة .. عن الموت المتشظي على الأرصفة والجسور ، حتى غدا كل بؤبؤ في أعيننا ستارا" من الإستحياء لتلك المشاهد ، ان لم نقل فواجع النظر التي فجرت صاعق الحزن والحنين الذي يستمد ذخيرته من الشتات والمنافي .. ومن الندم الذي لا يضاهيه ندم ابن زريق البغدادي ( أستودع الله في بغداد لي قمرا" ) .
هي بغداد .. تنبض بالطهر السرمدي وتستحم بالدمع تارة وتارة أخرى تغتسل في دجلة ، وهي أغنى من كنوز الفوضى والنهب .. وأصلب من المستبيحين والإستباحة ، وأعلى قامة من راكبي ومرافقي عربات الإستباحة بشتى الذرائع .. وتظل بغداد في حل من وجل الموت لكنها تستذكره كما قال الجواهري ( مات النديم وغطت نعشه كسر – من الكؤوس وغنى الموت قيثار ) .
أجل .. أستبيحت بغداد ، ونكبت بغداد ، وأصيبت بغداد .. فلا تعقدون أملا" على من أصابها واستباحها ، ان يدر عليها برحمة ، لأن بغداد لا تطلب رحمة مادامت موئلا" للكبرياء والكرامة .. وما دام الموت لا يطالها فلن تموت ولن يموت العراق .
وستتقد جذوتك يا بغداد من جديد ، وستطردين الغزاة .. وستركلين من أدمنوا دور العبيد ..أجل يا معشوقة الغار ، ستعودين عاصمة الرشيد .