أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - مركزية الأنثى في الأديان..خطوة إصلاحية















المزيد.....


مركزية الأنثى في الأديان..خطوة إصلاحية


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6501 - 2020 / 2 / 28 - 20:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في استعراض لتاريخ الحروب على أساس ديني لم أجد لها ذكرا قبل ظهور الدين اليهودي في الألف الأول ق.م ومن ثم هي مرتبطة حصريا بمفهوم المتدين الإبراهيمي عن الله..وهذا غريب، فالله حسب ذهنية المسلم هو الرحمن الرحيم والغفور والسلام وغيرها من صفات أخلاقية تحمل المسلمين على نبذ الحروب، وكذلك الله حسب المتدين المسيحي هو الرحيم المتسامح بأبناءه..لكن في الذهنية اليهودية يبدو أن الأمر يختلف..

لن نتعرض لفهم اليهودي لدينه على أساس حربي لكن سأتعرض لشق آخر متعلق بربط الحروب والدينية تاريخيا مع ظهور اليهودية، ويكفي في هذا المقام الإشارة إلى أن فكرة تفضيل جماعة على أخرى سلاليا أو حصر مبادئ الخلاص لمجرد الانتماء الديني لا السلوكي هي كافية لتعزيز مبدأ التفاضل واحتكار الحقائق وبخسها عن الآخرين لتكون مقدمة لحمل الناس على هذا الانتماء لاحقا مع قدوم بعض الحكام العدوانيين، أي برأيي أن الحروب الدينية لم ترتبط بالنص الديني في الذهنية الإبراهيمية أكثر من نشوئها في رغبات ونفوس الحكام من ذوي تلك الأديان، وهذه الفكرة هي التي حفزت الأوربيين في عصر الأنوار على فصل الدولة عن الكنيسة لكونه فصلا بين النص الديني ورغبات الحكم في جوهره مما أنجز لاحقا مبدأ (الحروب سياسية لادينية)

مع ظهور اليهودية تمت الإطاحة بمعظم أديان مع قبل التاريخ في العراق والشام وفارس وغيرها، ثم جزئيا في مصر واليونان حتى انقضيت تلك الأديان في العهد المسيحي الذي هو امتداد للعقلية اليهودية في تصورها لله وفقا لرسالة المسيح، ويمكن اعتبار أن ظهور اليهودية ورسوخها قضى أيضا على أبرز معلم في أديان ما قبل التاريخ وهو (الآلهة الأنثوية) التي يذهب بعض الباحثين للقول بأن وجودها كان دالا على تقديس البشر الأوائل للأنثى وأن فكرة القوامة كانت للأنثى عن الذكر في بعض الفترات، أو على الأقل كانت القوامة مشتركة بين الذكر والأنثى نظرا لاشتراك كلٍ منهم في أساطير وملاحم لوحظ فيها أن مركزية الأنثى مساوية للذكر في القيمة وأن الحالة الذكورية التي نعرفها بسيادة وقوة الذكر على الإناث لم يعرفه القدماء.

فالبشر الأوائل يبدو أنهم فهموا دينهم بطريقة مختلفة عن ما نعهده، وأبرز دليل على هذه الطريقة هي سيادة وقوة آلهة أنثوية كانت رمزا للخير والحب والخصوبة والأمومة والجمال والتضحية، وقدراتها الإلهية كانت مساوية للذكر أو أكثر حيث كانت عشتار تتوفر فيها صفات القدرة الكلية والخلود بينما زوجها وحبيبها الإله تموز يموت عادي..أما غالب أحوال المرأة في مجتمعات البشر الأوائل كانت قوية فرأيناها ملكة ورأيناها تقود الحروب..هذا اختفى تقريبا منذ ظهور اليهودية على الساحة، وفي تقديري أن التغير حدث مع كثرة القتال وتوسع العمران مما أنتج مشاعر مركبة من الحقد والطمع أدى لملوك هذا الزمان لغزو بلدان أخرى كانت مسالمة وضعيفة، مما يؤكد أن غريزة القتل والتوحش الإنسانية كانت مرتبطة بالتطور المادي الذي أثبته الماركسيون في نظرياتهم المشهورة بأن فائض الإنتاج الزراعي والصناعي للبشر الأوائل كان هو البذرة التي أنتجت الدول والحكومات والحروب على هذا الفائض.

فرض الغزاه سطوتهم على الشعوب الضعيفة واستعبدوهم ولأن هؤلاء الغزاه كانوا ذكورا بدأ التحول الثقافي باعتبار أن الذكورة تعني القوة والقوامة والأنوثة تعني الضعف والتبعية، ومن هذا المدخل التاريخي أتفق مع الرأي القائل بأن صور الآلهة الأنثوية تطورت وفقا لسياق تاريخي يقول بأن مراتب الإناث بدأت تنحدر من القدرة الكلية والخلود إلى أدوار ثانوية في ملاحم وأساطير تدعي بأنهم مجرد زوجات وبنات للآلهة الذكور، وعندي مثال على ذلك لم أجد له دليلا بعد في التاريخ المصري القديم بأن الإلهة حتحور التي كان يرمز لها بحيوان البقرة لم تكن مجرد بنتا للإله الأكبر رع في بداياتها بل كانت أكبر ومشاركة للذكور في القوة والهيبة، وقد ساق الكاتب سليمان مظهر بعضا من قدرات حتحور في كتابه "قصة الديانات" بأنها قدرات إلهية خارقة وكلية مع ذلك هي بنت لإله أكبر "رع" تسمع وتطيع له، مما يعني اشتباكا بين وضعها القبلي ورمزيتها الدينية لم يحدث جزافا، وكان أولى بالإله الأب والأكبر أن يثنيها أو يحد من قدراتها على التدمير لا أن يتوسل إليها ويرجو منها الكف عن الانتقام.

ويمكن ملاحظة ذلك التطور في أسطورة "ميلوسين" الفرنسية التي تحكي عن أحد العفاريت والأشباح الأنثوية "ميلوسين" وهي تنتقم لأمها من أبيها الذي طرد والدتها إلى جزيرة معزولة جزاء خيانتها، وفي الأسطورة ملمح يشير إلى عدم المبالغة في جزاء الخيانة ضد الأنثى أو على الأقل عدم التفريق بين خيانة الذكر وخيانة الأنثى من حيث العقوبة، لقد أعطت ميلوسين قدرات شبه إلهية بما يشير إلى تطور فكرة الإله الأنثوي إلى ما يصطلح عليه في الثقافة العربية ب "الجِنّيّة" أو "الجِنّيّات" بما لهم من قدرات خارقة للطبيعة تساوي في حجمها قدرات "الجِنّ" الذكر، وعندي أن أساطير الأشباح والعفاريت في ثقافة البشر تطورت عن أساطير سابقة عن الآلهة بعد أن تطور مفهوم الإله الذي يحتك بالبشر ويتفاعل معهم في حياتهم الدنيوية إلى إله متعالي لا يُرى ويعيش في ملكوت خاص به لا يُدرَك.

والمثير للاهتمام أن البشر الأوائل لوقت قريب عرفوا ما يعرف ب "حوريّات البحر" وهي حيوان سمكي برأس امرأة وجذورها على ما يبدو من أساطير يونانية قديمة بوجود مخلوقات نصفها سمكية ونصفها الآخر نسائية برأيي أن وجودها دليل على عمق ضارب في وعي البشر بأصولهم البحرية الأولى التي أثبتها علم الأحياء المعاصر بأن جميع المخلوقات الحية تعود أصولها لكائنات وحيدة الخلية عاشت في الماء تطورت لزواحف بعد ذلك والأغرب أنه وفي الأسطورة الفرنسية سالفة الذكر تم تصوير "ميلوسين " بكائن نصفه العلوي "امرأة" والأسفل "ثعبان" ودلالة الترميز هنا أن المرأة في وعي البشر هي رمز الحياه وأصلها الذي أّدركه البشر الأوائل ليتم تصويره بإله أنثوي في معظم حضارات العالم القديم، ليأتي التحول الجذري في تصور اليهود بأن الأصل كان ذكرا وخرجت الأنثى من ضلعه برغم أن العلم والعقل يتفقان مع تصور الدين الأول بأصالة الأنثى في الحياه وأن الخروج الأول كان عكسيا أي "ذكرا من أنثى" وليس كما تخيله اليهود "أنثى من ذكر"

والتأثير اليهودي في ذلك كان كبيرا في وعي المسلمين حيث انتقلت قصص خروج حواء الأنثى من الذكر آدم في سفر التكوين إلى كتب الحديث والتفسير الإسلامية التي كان مصدرها الأول الحبر اليهودي "كعب الأحبار" وتلميذه النجيب "أبي هريرة" مدعومة بقصة أخرى تقول أن الذكر آدم كان على صورة الله مما يعني أن آدم هو انعكاس لصورة الإله العلوي في الأرض، وبالتالي لا دور هنا للأنثى التي أصبحت مجبرة على طاعة مخلوق سفلي ذكر وإله علوي ذكر، وهذا المدخل هو الذي أسس لنشأة الذكورية في مجتمعات البشر بعد اليهودية برغم أن قضية ذكورة وأنوثة الله مبحث فلسفي ولغوي مهم طرحت رأيي فيه منذ سنوات واختصاره كالآتي:

أن الله لا يتصف بذكورة ولا أنوثة، هذه مشكلة لغة لا تعترف بخطاب غير الأجناس.. فكل شئ من حولنا جنس أي نوع.. وحكايتنا عنه وصفية مقيدة بخطاب الجنس، وفي الحقيقة نحن نجنس اللفظ لا الذات.. الله عندنا يقول (لم تكن له صاحبه) قال أيضا (لم يلد) وهذا نفي لصفات و طبائع الأجناس.. كأنه يقول لا تجعلوا الله مثلكم، وبرأيي أن قصة تذكير الإله بدأت مع اليهود لعلاقتها مع قصة خلق حواء من ضلع آدم..خلافا للبدايات التي كان فيها الإله مؤنثا في عشتار ثم وبالتعدد جمعت الآلهة بين صفات البشر فكما أن هناك إيزيس المصرية وإنانا السومرية وأفروديت اليونانية كان هناك رع المصري وإنكي العراقي وزيوس اليوناني..مما يعني أن احتكار الجنس الذكرى للإله بدأ مع اليهود والزرادشتيين معا وفقا للسياق التاريخي الذي يؤكد ظهور كلتا الديانتين معا في الألف الأول ق.م وبهدف مشترك هو جمع الآلهة المتعددة في واحد، وعليه أرى بكل وضوح أن نتائج القول بذكورية الله قد تجحف حق الأنثى ويخلق معضلات فلسفية وأخلاقية عدة أظن أن لها امتدادات في خيال المتدينين المنتمين للدين الإبراهيمي.

أما الآن فقد وصلت الذكورية الدينية لأوجها في ذهن المسلمين بمبدأ "الرجال قوّامون على النساء" ليتم تفسير تلك القوامة بطريقة ذكورية محضة ، برغم أن هناك اجتهادا عقليا آخر يفسر تلك القوامة حسب ما تعارف عليه العرب وقتها بأن الرجل أقوى في المعارك والعمل والصبر، وبنيانه الجسدي بهرمون الذكورة.."التستوستيرون".. Testosterone أقوى، وفيه قال تعالى.."بما فضل الله بعضهم على بعض"..ولأن الرجل أقوى في العمل والمعارك كان هو الأغنى والأوفر مالا.."وبما أنفقوا من أموالهم"..إذن القوامة هنا اجتماعية معلولة بتفضيل إلهي للذكر في البنية والمال، وما دام اجتماعيا يبقى عُرضة للتغيير، فوارد أن تتغير المجتمعات وتصبح الأنثى أكثر مالا..وربما أكثر قوة كما هو معتقد في تاريخ البشر الأوائل..هنا تكون القوامة لها، أي الشاهد في هذه المسألة هو (البيئة) والتاريخ ينقل لنا أن احتمال قوامة الأنثى منذ آلاف السنين موجود بتعدد صور الآلهة الأنثوية كعشتار وأثينا وأفروديت واللات وإيزيس وحتحور ونوت وإنانا وأرشكيجال..وغيرهم..

ولأن القوامة أصل اجتماعي نزل القرآن بآيات اجتماعية أيضا تثبت تلك القوامة.."للذكر مثل حظ الأنثيين"..و.."للرجال عليهن درجة".."فانكحوا ما طاب لكم من النساء".."فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان"..هذه الآيات اجتماعية وليست تشريعا دينيا، فقام الأغبياء المسلمين بتشريعها دينيا..رغم أنها تندرج تحت أصل القوامة عند قبائل العرب ظرفيا، وما كان يفعله العرب بالإناث شاهدا...حيث كانوا يحرمون الأنثى من الميراث، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، وكانوا يقتلونهم أطفال، والسبب أن قوامة الرجل جعلت مصادر القوة والمال في أيدي الذكور، والعرب مجتمعات مادية ليست روحية..يغلب عليهم الطابع الدنيوي الذي فصله وشرحه ابن خلدون في المقدمة، أي أن الأنثى لديهم لم تكن إنسان كامل بل اعتبروها مخلوقا آخر.

أفهم هنا لماذا لم سكت الشارع الفقهي الإسلامي عن تحرير المرأة ، وأعطى لها بعض الحقوق تدريجيا، كحق الميراث ولو بالنصف، وحقها في الزوج.."ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"..ثم يترك البعض هذه الآيات ويجازفون بأن التشريع الإسلامي عنصري من حيث الجوهر دون النظر للنصوص بطريقة اجتماعية لا دينية أو تشريعية كما تخيله الفقهاء ، فلو كان التشريع هو الذي يعطي للمرأة حقوقها وليس العكس فالقوامة كذلك ليست في العقل لأن نسبة ذكاء المرأة تتخطى نسبة ذكاء الرجل أحيانا، وشخصيتها قد تكون أقوى بحُسن إدارتها للأمور، وهنا خلط الفقه الإسلامي بين (الأصل والمباح) فيجعل كل مباحا أصلا، ويقيس عليه يما يناسب هواه برغم وجود فارق بين المصطلحين: فالأصل جاء بحُكم كلي أو بنص محكم قاطع في ثبوته ودلالته، كمسائل التوحيد مثلا والنبوات والمعاد والفضائل وتبيان الخير والشر، أما المُباح فهو الزيادة التي أطلقت لتناسب قوماً بالخطاب ، والقول بأصوليته جهل بخطاب الشارع

مثال: للذكر مثل حظ الأنثيين..فرجل وامرأتان..هذا مباح وليس أصلا، يعني ممكن برجل وامرأة عادي..ذكر مثل الأنثى عادي، إنما هذا المباح في الأخير يخضع لمراد الدين..الأصول التي أقرها الشارع.."إن الله يأمر بالعدل".."أمر ربي بالقسط"..التفريق فقط في العلم وليس بالجنس.."قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".. والإشكال هنا بأن الشيوخ قديما جعلوا تلك النصوص الاجتماعية تشريعا أصليا، وأهملوا الأصول والثوابت الدينية التي تساوي بين الجنسين في الشهوة والكفارات والعتق..وغيرها، ثم بالتقليد وتقديس الأئمة واستبداد الخلفاء ظلت هكذا عدة قرون فاعتبروها دينا..وهي ليست دين بل نصوص اجتماعية كان لها زمن بأجواء وبيئة ومعارف..فوقتما تتغير هذه الأشياء يتغير الحكم.

كذلك يمكن فهم قصة تعدد الزوجات في الإسلام بنفس الطريقة الاجتماعية، ففي زمن الرسالة الإسلامية كانت تكثر الحروب واعتداء القبائل على بعضهم..وبالتالي ينخفض معدل الذكور عن الإناث فتكثر حالات الترمل واليُتم حتى تحدث شرخا اجتماعيا هائلا، فعلاوة أن الأرملة لا تجد من ينفق على أيتامها كانت تلجأ للبغاء، أصبح العلاج الحل في تشريع قانوني ينظم تلك المشكلة وهي الزواج بأمهات الأيتام لضرب عصفورين بحجر ، الأول: تحصين الأرملة ، الثاني: الإنفاق على أيتامها، وفي علوم التفسير العقلية أصبح ذكر أحدهم نصا - وهو الإنفاق على اليتيم - يعني أن الآخر عُرِفَ قياسا، ولضبط المسألة أكثر كي لا تنحرف عن مقصدها تم تحديدها بشرط العدل، وتقديم النفي كإشارة خفية من الله بأن التعدد مكروه لكنه مطلوب لعلاج حالات بعينها، بالضبط كتشريع الطلاق المكروه أيضا لكنه مطلوب لو وصلت العلاقة لمنتهاها.

الدين يفترض قيامه على العدل: والعقل يوجب على من يريد التعدد أن يلتزم شريعة الله في الآية وهي عدم الزواج الثاني إلا بالأرامل أو المطلقات المُعيلات، وأن توافق الزوجة القديمة كي لا ينحرف التعدد عن مقصده، فليس من المنطقي أن أقيم أسرة هنا وأهدم أخرى هناك، كذلك يجب أن تعلم الزوجة الجديدة أنها ثانية، فلا يجوز خداعها بأنها أولى، يجب أن تعلم الحقيقة منذ البداية، علما بأن كل النساء تقريبا يرفضن هذا الوضع أي يصبحن زوجات لشخص متزوج إلا ما ندر، قليل جدا من يوافق فليجأ الزوج بالتحايل وخداع نفسه أن الشريعة أحلّت له ما يكرهه نسائه..وهذا غير صحيح، كراهية زوجته لشئ يمنعه من إتمام التعدد أصلا فالمقصد من الزواج الثاني البناء وليس الهدم.

علما بأن بعض مناطق الهند تبيح (تعدد الأزواج) وليس الزوجات، تصديقا لأسطورة هندية قديمة تقول أن العذراء.."دروبادي"..تزوجت من خمسة أخوة في الملحمة الهندوسية الشهيرة.."ماهابهاراتا"..وملخصها أن والد دروبادي أقام مسابقة لتزويج إبنته فنجح فيها خمسة أخوة بالتساوي فتزوجتهم جميعا، والحقيقة رغم غياب الحكمة أو الفائدة من هذه الزيجة الغريبة لكن مجرد ذكرها في الملاحم السنسكريتية كافٍ جدا لتبني بعض الأصوليين الهندوس لها واتخاذها شعيرة مقدسة، بالضبط كما أن السلفي يتعصب لتعدد الزوجات لنفس السبب كونه منصوص عليه دينيا لكن لم يفهم الحكمة من وراء النص فأوقعه ذلك في شراك التقليد والفساد وظلم المرأة وهدم الأسر..

فإذا قمنا بترتيب مركزية الأنثى على هذا النحو سنكتشف كيف أن الشيوخ والأحبار والقساوسة لم يقبلوا دورا للأنثى في فهم الدين ولا الخطابة أو الزعامة، وغيابها الكلي عن ما يسمى ب "علم الحديث" الإسلامي برغم حضور عائشة كمصدر حديثي، وعندما ناقشت شيخا منذ سنوات وطرحت عليه هذا السؤال: لماذا غابت الأنثى عن علم الحديث ؟ قال: فماذا عن عائشة؟..والجواب دال على سفاهة وغباء قائله، لأن عائشة هنا كانت مصدر حديث وليست رواية بنظام حدثنا وأخبرنا، والخلط بين المصدر والراوي شائن في عقول الفقهاء، حتى ظهر ذلك في تسميتهم لعلوم الجرح والتعديل ب "علم الرجال" أي لا دور للأنثى مطلقا في السند برغم أن كلمة رجل في القرآن قد تأتي أحيانا كوصف طباع معهودة عربيا لا تمييزا جنسيا، وإلى الآن لا زال مدلول كلمة رجل بالشهامة والقوة والشجاعة حاضرا في ذهن العربي.

إن غياب المرأة عن علم الحديث والتفسير الإسلامي بسبب أنها شكاكة ومتمردة على وضعها النفسي في مجتمع ذكوري سقنا جذوره في هذا المقال، تلاحظ لو ضيقوا عليك في العمل وقتها تصبح أكثر احتياطا وريبة من الجميع، فالعقل الباطن للمرأة لا يصدق بمجرد حدثنا وأخبرنا، ولا يعرف النفاق للحاكم، ويتميز بالصدق والاتحاد مع النفس أكثر من الرجل، والسبب أن الشك النسائي كلما ارتفع يرفع مستوى الذكاء ويقلل الرغبة في الكذب، فالصادق بالأصل إنسان مطمئن لقوته وما يدفع الناس للكذب غالبا هو الخوف، وهذا يعني أنه في حال اشتغال المرأة في علم الحديث كانت ستقضي عليه ولن نسمع وقتها عن البخاري وابن حنبل، حتى عائشة نقلوا عنها تكذيبا للرواة أكثر مما نقلوا عن كل الصحابة..

أكبر دليل أن علم الحديث هو علم (الكذب) هو عدم اشتغال النساء فيه، ليس فقط لوضعهن الاجتماعي الأنثوي بل لعقلهن وطبائعهن المتمردة ورؤيتهن ثاقبة الذكاء، ولمن يقول أن عدم تحديث النساء بسبب ذكورية مجتمع العرب، قلت: كان يكفي أن تكون الطرق كلها نسائية، فالطريق الواحد النسائي لا يصطدم مع عادات العرب ويحفظ ذكورية المجتمع، فمثلا عائشة عن خديجة عن رقية عن عن عن ..كلهم نساء ألا يعد ذلك طريق معتبرا إذا توفر فيه شرط الثقة؟....ثم بالمصري (اعتبرهم قعدة مصاطب) قس على ذلك ما حدث في الدينين المسيحي واليهودي فالمنهج الذكوري واحدا تبعا لتصورهم الذكوري للإله أيضا والذي اعترضنا عليه بإشارة لطيفة أن قصة تذكير وتأنيث الآلهة هي مشكلة لغوية أنتجت تصورات ذهنية خاطئة وقع فيها حتى خصوم الرسالة الإسلامية التي جعلت الملائكة إناثا فظهر النص القرآني يعترض ويؤكد على أن تجنيس العالم ماورائي في معتقد المسلمين هو تهور لم يناقش مصدره وطبيعته بل في رأيي أن الاعتراض دال على وجود فسحة اجتهاد تاريخي وفلسفي لفهم حكمة ذلك الاعتراض.

إن أولى طرق الإصلاح في الأديان الإبراهيمية كلها ستكون من إعادة مركزية الأنثى في الدين، فمعها سيعود العقل والروح والسلام للأرض ويخلو الكوكب من حروبه الدينية أو يصبح وجودها عارضا شاذا لطباع الحاكم فحسب، أما الآن فغياب الأنثى أحدث مشكلات عديدة في مناهج الدين وطريقة تفكير رجاله وأنصاره..ولعل ما أنجزته الحضارة الأوروبية بإعادة الاعتبار للأنثى ولو جزئيا أو بشكل متدرج ساهم في ظهور قوة الغرب بشكل عام في شتى المجالات، برغم أن هذا التدرج واجه صعوبات تحدثت عنها قديما بعرض وجهات نظر بعض فلاسفة التنوير منذ 200 عام ضد المرأة، مما يعني أن تحول البشرية وخصوصا الإبراهيميين لإعادة مركزية الأنثى هو مسألة فكرية صعبة الحدوث، فالفلاسفة الأوائل لم يتقبلوها بينما عادت بأثر الحداثة تدريجيا وعلى شكل قانوني ما زال الذكوريون يقفون عقبة ضده ولو كلفهم ذلك خسارة أكبر مما يعتقدوه بخسارتهم في حال لو ردوا اعتبارها.



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهرجانات مصر وأزمة العشوائيات
- ويسألونك عن تجديد الخطاب الديني..ما هو؟
- لماذا الأزهر لا يصلح للتجديد؟
- الاعتذار عن الفتوحات مطلب تنويري
- هل سينقذ الأزهر جماعة الإخوان ؟
- الحضارة المصرية بين الأمومة وبطريركية الأبوية
- أضواء على المذهب الشيعي الإمامي
- الإصلاح السعودي والمصير العثماني
- أضواء على الديانة المصرية القديمة
- شرح الوضع الليبي
- عبدالملك بن مروان..قصة خليفة
- تداعيات مقتل سليماني وخريطة الأزمة
- أوروبا بين التحدي والاستجابة
- التدين ومعادلة ستيفن هوكينج
- ماذا يحدث لشعب الإيجور المسلم في الصين؟
- السادية العراقية والوطنية المزيفة
- خراب الإصلاح في عَمَار الأصولية
- التفاضل العددي في صناعة الآلهة
- معضلة التمييز في نظرية التطور
- الباريدوليا وفلسفة الصورة


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - مركزية الأنثى في الأديان..خطوة إصلاحية