|
الأسوار والعدالة
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 6501 - 2020 / 2 / 28 - 11:32
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
إن الأسوار هي كل ما يحيط بالشيء من بناء وغيره وتعتبر من وسائل التضييق على الناس واقترن اسمها بالسجون والغياهب والمنافي وكل ما ينغص العيش، كما إنها ترمز إلى العز والدلال لان من عناوينها الحلي الذهبية والفضية التي تكون على شكل دوائر تضعها المرأة في معصمها أو في ساقها للتجمل والتغنج والتدلل لكنها حتى في دلالتها الحسنة تبقى قيداً لا يرتضيه الشاعر إيليا أبو ماضي بقوله (أيّ شيء في العيد أهدي إليك ........ يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟ .. أسوار؟ أم دملجا من نضار؟ .... لا أحبّ القيود في معصميك) وهكذا تبقى الأسوار عنوان الحجب والتضييق وهي ملجئ كل ظالم حينما يبني سوراً يحجبه عن شعبه ويتستر به و يتمترس خلفه ويخلق من السور حداً بين عالمين (عالم الظالم وعالم المظلومين) وعلى مدى التاريخ نجد إن جميع الطغاة كانوا يبنون الأسوار والقلاع واستمر الحال إلى ما عليه الآن وبصيغ أكثر حداثة باستعمال التقنيات الرقمية الحديثة لخلق تلك الأسوار التي تمنع الحاكم أو المسؤول وتجعله في منأى عن الاتصال بالأفراد ، ولم يقتصر الأمر على الأنظمة الشمولية بل حتى على تلك الأنظمة التي تحمل عناوين الديمقراطية ، حيث ترى المسؤول المنتخب من الشعب وهو مندوبٌ عنه في إدارة شؤون البلاد، يضع الأسوار والموانع بينه وبين من انتخبه وينتقل من لحظة تسلمه المنصب إلى سيدٍ محاطاً بأفواج الحماية والحُجَّاب الذين يمنعون الناس عنه، ويمنعونه عن معرفة شؤون ناخبيه ويزينون له الأفعال حتى وان كان على خطأ ، وكان لهؤلاء الظلمة مبرر في بناء الأسوار والموانع، بأنها تمنع الأعداء وتحفظ الحياة من الاعتداء ومن أهم الشواهد سور الصين العظيم الذي لم يحمِ الدولة من الغزو، مثلما لم يحميها سورها العلمي والالكتروني الأمني من تفشي مرض (كورونا) ، ويشير احد المختصين في الأمن (الضابط المتقاعد رياض هاني بهار) إلى أن تاريخ الحمايات في العراق لم يكن بهذا الاتساع ويستشهد بالراحل عبدالكريم قاسم الذي كان معه سائق ومرافق واحد فقط، إلا إن فترة السبعينات شهدت اتساع بعدد الحمايات حتى وصلت إلى الأفواج القائمة الآن في العراق ويشير أيضاً إلى إن سبب ذلك هو الاختلال في التوازن النفسي الناجم عن القلق، والشعور المفرط بالذنب كما يعزيها إلى عقدة النقص وهي حالة لاشعورية سببها نقص عضوي أو نفسي أو شعور بتدني المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية فيؤدي بالفرد إلى أن يعوض ذلك لاشعورياً عن طريق المبالغة في طلب القوة والسيطرة على الآخرين، وتعتبر هذه الحالة من أسباب الظلم لان توفر مصادر القوة بين يديّ المرء الذي لا يملك مقومات العدل تؤدي به إلى الافتراء على الآخرين، مستنداً إلى هذه القوّة من مال ومنصب ووجاهة مزيفة يخلقها المنافقون من حوله، وحيث إن الظلم نقيض العدل لان من معاني الظلم هو الاعتداء على الناس وإيقاع الأذى بهم، وأخذ أموالهم وسلب ممتلكاتهم وسفك الدِّماء بالباطل، وإقصائهم ومصادرة حقوقهم، وان كان للمتنبي قول يرى في الظلم سجية في الناس والعدل استثناء عنها بقوله (وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ ... ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ) إلا انه يعود ويستنكر ذلك الظلم لمن يتولى الحكم بقوله (من البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي .... عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ) لذلك فان الشريعة الإسلامية كان لها الاهتمام الواسع بالنهي عن الأذى وتحريم الظلم عن العباد واعتبر بعض الفقهاء إن العدل أصل من أوصول العقيدة، كما اعتبروا العدل وجوب على الحاكم وقال في ذلك الإمام علي (إِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ) ، لذا نرى إن التسور والاحتماء بأسوار الحمايات لن تنجي الظالم من عقاب الله كما لن تنجيه من غضب الناس ، فإذا ظلم الحاكم أو أي مسؤول فان المظلوم إذا دعا عليه واشتكاه إلى الله لن يقف بينه وبين الله حائل أو سور أو مانع ويقول نبي الرحمة (ص) (اتقوا دعوه المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس دونها حجاب) ، وما يشهده العراق الآن من احتجاج وتظاهر ضد الفساد الذي يعد من ابرز عناوين الظلم ، فإننا نجد إن من يتحكم بمصير البلاد لم يلتفت بجدية إلى تضحيات الناس من شهداء وجرحى وتعطيل لمصالحهم بل نجدهم ازدادوا إيلاما بالناس عبر وسائل الظلم بكل مسمياتها الديمقراطية والقانونية وغيرها ، حيث نسمع بين الحين والاخر مسؤول يستهجن طلبات الناس بمحاسبتهم ويعتقد بأنه هو من يحاسب نفسه ولا يجوز لغيره أن يحاسبه حتى وان اخطأ بحقهم وظلمهم، وانعكست هذه النظرة على التشريع العراقي ونجد عدة تشريعات تمنح الحصانة للمسؤول من الخضوع إلى المساءلة وتضفي عليه القداسة وعلى أعماله الكمال والتمام، ومما ورثناه من سلوك الأنظمة الشمولية ما ورد في نص الذي ما زال نافذاً الوارد في المادة (10) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل التي تمنع القضاء من النظر في أعمال السيادة والتي جاء فيها الأتي (لا ينظر القضاء في كل ما يعتبر من أعمال السيادة) ويذكر إن المراسيم الجمهورية تعتبر من أعمال السيادة وهي وسيلة رئيس الجمهورية بممارسة مهامه، فإذا ما جارَ الرئيس بإصدار مرسوم معين فان القضاء الاعتيادي يمنع من النظر في أي دعوى طعن في هذا المرسوم، لذلك كان وما زال فعلهم في اتقاء هذه الغضبة الشعبية هو التحصن خلف الأسوار لكن لا يعلمون إن هذه الأسوار لن تنجيهم وكان عليهم بدل الاحتماء بالأسوار والحمايات أن يعدلوا في ما تولوا من مناصب، وان يكون العدل ديدنهم فان العدل أنجى لهم في الدنيا وفي الآخرة، وكما يقول الخليفة عمر بن عبدالعزيز حينما كتب له أحد الولاة يطلب مالاً ليسوّر مدينته فأجابه عمر (ماذا تنفع الأسوار؟ حصّنها بالعدل، ونقِّ طرقاتها من الظلم) القاضي
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الذكرى الخامسة عشر لإنشاء المحكمة الاتحادية العليا (إنجاز
...
-
صلاحية رئيس الجمهورية بإصدار المراسيم بين التقييد والإطلاق
-
هل يجوز الحكم بعدم دستورية جزء من النص القانوني ؟
-
الديمقراطية بين النص الدستوري والواقع الراهن
-
حماية الملكية الخاصة في ضوء أحكام القضاء العراقي
-
لا يملك مجلس النواب سلطة الرقابة على حكومة تصريف الأعمال
-
عدم وضوح الصياغة التشريعية تكون سبباً في عدم دستورية القانون
...
-
هل تخضع الإعمال السياسية -أعمال السيادة- لرقابة القضاء
-
مفهوم المخالفة الدستورية في التشريعات وتصرفاتةالسلطة
-
فكرة الزعيم الأوحد والدستور العراقي في ضوء الأزمة الراهنة
-
في الذكرى السنوية لصدور الدستور العراقي المحكمة الاتحادية ال
...
-
آليات تعديل الدستور العراقي في ضوء احكامه النافذة
-
آليات تفسير نصوص الدستور العراقي والجهة المختصة بذلك
-
الإقالة والاستقالة وأثرها في خلو منصب رئيس مجلس الوزراء في ض
...
-
إسقاط عقوبة السجن في حالة التنازل والتراضي في ضوء قانون المر
...
-
قانون الانتخابات حجر الزاوية في الإصلاح
-
الدستور والمسؤولية التضامنية للحكومة عن اعمالها
-
مجلس النواب لا يملك صلاحية إصدار القرارات التشريعية
-
حظر التجوال الكلي أو الجزئي والموقف الدستوري
-
ماذا سيحصل لو أُعتُبِرتْ الحكومة مستقيلة؟
المزيد.....
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|