أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - أيهما خلق الآخر: الإله أم الإنسان؟















المزيد.....


أيهما خلق الآخر: الإله أم الإنسان؟


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1572 - 2006 / 6 / 5 - 12:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


علماء الجيولوجيا وعلماء علم الأجناس "الأنثروبولوجي" يقولون إن الأرض عمرها من أربعة ونصف إلى خمسة مليارات من السنين وأن أول ما ظهر على الأرض من حياة بعد أن تكوّن الماء فيها كانت النباتات ثم الحشرات ثم الطيور ثم بقية الحيوانات. وأول ما ظهرت الرئيسيات، وهي أعلى مرتبة في الثديات كان حوالي قبل خمسة وستين مليون من السنين. وقبل حوالي خمسة وعشرين مليون من السنين ظهرت فصيلة القرود. وأقدم هيكل عظمي للإنسان البدائي وجد في شرق إفريقيا وعمره حوالي مليونين من السنين، وسماه العلماء Homo habilis وكان حجمه صغيراً وحجم جمجمته حوالي سبعمائة وخمسين سنتمتراً مكعباً. وقبل حوالي مليون ونصف المليون من السنين ظهر الإنسان القائم Homo erectus وكان حجم جمجمته حوالي تسعمائة وخمسين سنتمتراً مكعبا. وظهر هذا الإنسان القائم في إفريقيا ثم هاجر وانتشر في آسيا وإندونيسيا وأوربا. ثم ظهر الإنسان الحديث Homo sabiens قبل حوالي نصف مليون من السنين، وأصبح حجم جمجمته في المتوسط ألف وثلاثمائة وخمسين سنتمتراً مكعباً.ً والإنسان الحالي ظهر على هذه الأرض قبل مائة وخمسين ألف سنة. وقد كان هذا الإنسان البدائي يعرف من قبل حوالي ثمانمائة ألف عام كيف يصنع الآلات من الحجارة، فقد كتب عالم الأنثروبولوجي الأسترالي آدم بروم Adam Brumm وزملاؤه في مجلة "الطبيعة" Nature مقالاً أكدوا فيه أنهم قد اكتشفوا في كهف يُدعى Mata Menge في أحد الجزر الإندونيسية آلات حجرية جيدة الصنع يرجع تاريخ صنعها إلى ما يقرب من ثمانمائة ألف عام.

ويظهر من هذه المقدمة أن الإنسان الذي صنع الآلات الحجرية لتساعده على الصيد قد عاش من قبل ما يزيد على ثمانمائة ألف عام. وتاريخ الأديان، خاصة اليهودية، التي اقتبس منها الإسلام أشياء عديدة، يخبرنا أن الإله الذي في السماء، "يهوه" أو "إلوهم" قد خلق آدم قبل حوالي خمسة آلاف عام قبل أن يُنزل التوراة، أي قبل حوالي ثمانية آلاف من السنين قبل الآن، ووافق التوراة أهل التفسير في الإسلام. فإذا تابعنا منطق التوراة والقرآن نجد أن الإله الذي خلق الأرض والسماء قبل حوالي خمسة مليارات من السنين، ظل يفكر طوال هذا الوقت في ما يصنع بهذه الأرض التي خلقها، وأخيراً قرر خلق آدم قبل مدة وجيزة. ونستطيع أن نستنتج من هذا المنطق الديني بعض الاستنتاجات:
أن الإله ظل آلاف الملايين من السنين لا يعرف أو لا يقدر أن يخلق إنساناً يعيش على هذه الأرض قبل آدم1-
2-عندما قرر الإله حديثاً جداً أن يخلق الإنسان، خلق إنساناً لا يمكنه أن يعيش على هذه الأرض إذ كان طوله ستين ذراعاً. وما كان من الممكن لمثل هذا الإنسان أن يعيش على الأرض لأنه لم يكن في استطاعته بناء ما يحميه من العوامل الطليعية مثل الجليد أو المطر، ولم تكن الكهوف من كبر الحجم بحيث تسمح له أن يسكنها. فمثل هذا الإنسان لا بد له أن ينقرض كما انقرضت الديناصورات بسبب حجمها الهائل. وحجم الإنسان الذي تقول به التوراة ويقول به مفسرو القرآن، هو عكس كل الاكتشافات العلمية حتى الآن. فكل الهياكل العظمية التي اكتشفها العلماء تُثبت أن حجم الإنسان الأول كان حوالي ثلاثة أقدام واستمر في الازدياد إلى أن بلغ حجمه الحالي. وحتى العمر الذي عاشه الإنسان الأول كان حوالي ثلاثين عاماً وظل يزداد إلى أن بلغ مع تقدم الطب والغذاء إلى معدل ثمانين عاماً في وقتنا الحالي، بينما تخبرنا المصادر الدينية أن عمر آدم ونوح وأحفادهما كان حوالي ألف عام ثم نقصت إلى وقتنا الحالي. فالإله يظهر كأنه قد أخطأ في تقدير العمر والطول فظل يُنقّص منهما حتى الآن. ولكنه غيّر رأيه مرة أخري وبدأ يزيد في طول الإنسان. فكل الإحصاءات الحديثة تثبت أن الأطفال عندما يبلغون يكون طولهم في الغالب أكبر من طول الوالدين، ويظهر هذا جلياً في أمريكا ولاعبي سلتها الذين يبلغ متوسط طول الواحد منهم ستة أقدام ونصف القدم.
3- أن الإله عندما خلق الإنسان في صورته، كما تقول التوراة ويقول القرآن، خلق إنساناً لا يعرف القيم الأخلاقية التي تدعو لها أديان الإله، فكان الرجال من أحفاد آدم يضاجعون أخواتهم على مدى مئات السنين إلى أن كثُر عدد الناس وتعلم الإنسان أن يضاجع غير أخته. وجعل أول طفلين في العالم (هابيل وقابيل) من الحماقة وسوء الخلق أن قتل أحدهم الآخر. والمنطق يخبرنا أن الإله الذي ظل يفكر كل هذه السنين في خلق الإنسان كان يمكنه أن يخلق رجلين وامرأتين لتفادي هذا المطب الأخلاقي الذي دعا له الإله فيما بعد، وأن يخلق إنساناً سوياً على درجة عالية من الأخلاق التي ينادي بها هذا الإله
4- لو كان هناك إله قد خلق الإنسان، لا يمكن أن يكون هذا الإله من القسوة بحيث يخلق أطفالاً مشوهين خلقياً فيعذبهم في هذه الحياة الدنيا ولا ذنب لهم. وحتى لو علم أنهم سوف يذنبون عندما يكبرون، كان من الممكن له أن يزيل عنهم هذا الذنب في المستقبل، فالإنسان لا يفعل شيئاً إلا بمشيئة الخالق، كما تقول الأديان. ولا يُعقل كذلك أن يخلق الإله آلاف الأطفال الأبرياء ثم يهد على رؤوسهم المدارس فيقتلهم شر قتل، ثم يقول لنا "وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قُتلت".

ولو كان هناك إله وهو قد خلق العالم والإنسان، ألا يحق لنا أن نتخيل أن هذا الإله إله عادل وخيّر ويعامل الجميع معاملة متساوية؟ فإذا كان ذلك هو الحال، فكيف أرسل هذا الإله أول نبي معروف لدينا بعد خلق آدم، وهو النبي إبراهيم، ثم أرسل من بعده ابنه إسحاق ثم من بعده ابنه يعقوب ثم من بعده ابنه يوسف ثم موسى الذي هو من قبيلة ليفي التي ترجع إلى أحد أبناء أيوب. ثم بعد ذلك داود ثم ابنه سليمان ثم ختمهم بعيسى الذي هو من أحفاد داود؟ أليس في العالم أناس آخرين خلقهم هذا الإله ويستحقون أن يرسل لهم أنبياء ورسل؟ فهذا الإله يبدو كأنه إله منحاز إلى جنس واحد من الناس الذين خلقهم. وحتى يحدث نوع من التعادل الإقليمي جاء نبي الإسلام وزعم أنه من سلالة إسماعيل الابن الآخر لإبراهيم من خادمته المصرية هاجر. ولم يكن الإله قد أرسل من سلالة إسماعيل هذا أي نبي قبل محمد. فلماذا انتظر هذا الإله العادل وغير المتحيز حوالي ألف وثمانمائة عام قبل أن يرسل أحداً من سلالة إسماعيل؟

فالعقل يخبرنا أنه لا يمكن أن يكون هناك إله بهذه الصفات البينة من التحيّز والعصبية لقوم بعينهم فيحصر جميع الرسل المعروفين فيهم ويعدهم ميراث الأرض ويدعوهم شعب الله المختار، رغم عصيانهم المتكرر له، في حين أن العالم، عندما ظهر النبي إبراهيم، كان مليئاً بعدة شعوب منهم قدماء المصرين الذين نزح إليهم إبراهيم، ومنهم شعوب مابين النهرين، دجلة والفرات، الذين خرج من عندهم إبراهيم ولم يبعث الإله لهم رسولاً. ثم أننا نعرف الآن أن تاريخ الجنس البشري سبق أدم وإبراهيم بملايين السنين. فآدم لم يكن أول إنسان على الأرض.

والحقيقة الظاهرة للعيان هي أن الإنسان خلق الإله في مخيلته الجماعية ليجد لنفسه ملجأً يرجع إليه عندما تغلبه الظواهر الطبيعية والموت والمصائب الأخرى. وبما أن الإنسان قد خلق الإله، فقد خلقت كل مجموعة إلهها الخاص بها وأعطته من الصفات ما ينسجم مع صفات تلك المجموعة. فإله اليهود الذين ذاقوا مر العذاب والعبودية في مصر، كان إلهاً سريع الغضب وشديد العقاب ويُعبّر عن الغضب الذي كان يحسه اليهود نحو المصريين. ولما كان المصريون يقتلون أطفال اليهود، كما تزعم التوراة وكما يزعم القرآن، فقد جعل اليهود إلههم قاتلاً للأطفال، فقال لهم: (3 فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً, طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً) (سفر صموئيل 1، الإصحاح 15). ولما كان اليهود مستعبدين في مصر ويُسخّرون في الزراعة والبناء، كان الرجال فقط هم الذين يعملون نسبةً لطبيعة العمل الشاق وكان النساء ينعمن بحياة شبه رخوة في بيوت أسيادهن المصريين، فرأى العبرانيون أن المرأة لم تشاركهم عناء العبودية والذل، لذلك اضطهدوا المرأة وجعلوا إلههم يُشرّع قوانينً صارمة ضد المرأة، فجعلها نجسة لا تمس كتبهم المقدسة وقت الحيض، ويجب أن تصون نفسها لزوجها وإن لم تكن عذراء وقت زواجها تُقتل رجماً. ولخوف اليهود من أن يُستعبدوا مرة أخرى، جعلوا إلههم يُصدر قوانين تأمرهم بقتل كل من لا ينتمي إليهم، فقال لهم: (16 وَأَمَّا مُدُنُ هَؤُلاءِ الشُّعُوبِ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيباً فَلا تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَا 17 بَل تُحَرِّمُهَا تَحْرِيماً: الحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالكَنْعَانِيِّينَ وَالفِرِزِّيِّينَ وَالحِوِّيِّينَ وَاليَبُوسِيِّينَ كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ) (سفر التثنية، الإصحاح 20). فلماذا خلق هذا الإله هذه الشعوب التي طلب من موسى إبادتها، وهو لم يكن قد بعث إليهم رسولاً ليدلهم عليه؟

وجاء الإسلام إلى قبائل كانت لا تعرف غير الثأر وقطع الطريق وأسر النساء في الحروب الدائمة بين القبائل، والتي كانوا يسمونها أيام العرب. فيوم العربي العادي كان حرباً. وحاول محمد في أول دعوته وأيام ضعفه أن يكون متسامحاً مع الآخرين ويدعوهم إلى عبادة إله واحد بدل عدة أصنام، لكل قبيلة صنمها الخاص. ولكن بمجرد أن استقر الأمر له في المدينة، غلبت الطبيعة التطبع فجعل محمد إلهه كإله اليهود يأمر بالقتل وضرب الرقاب واستعباد النساء والأطفال وقتل الرجال. وبما أن حياة الصحراء القاسية علمتهم أن قوة الرجل في عشيرته وأولاده الصبيان، فقد جعل العرب إلههم يبيح لهم الزواج بأربعة نساء في وقت واحد وسهّل عليهم الطلاق حتى يستبدلوا الأربعة زوجات متى شاؤوا، ثم أباح لهم مضاجعة الإماء بلا عدد حتى ينجب الرجال أكبر عددٍ من الصبيان الذين هم عز الرجل وعز قبيلته. وأخرجوا أحاديث مثل (تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة.) وقال لهم القرآن "إنا خلقناكم شعوبَاً وقبائل".

وبما أن العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام كوسيلة توصلهم إلى الله البعيد عنهم في السماء، وكان لهم كهانٌ يخبرونهم بما يكنه لهم الله في الغيب، فقد جعل المسلمون لأنفسهم كهاناً يوصلونهم إلى ربهم بعد أن مات صلتهم الوحيد الذي كان يتلقى الوحي من الله. وجعل المسلمون من أصحاب النبي كهاناً وأولياء معصومين عن الخطأ في القول والفعل رغم أن تاريخهم مليء بالأخطاء الفاحشة. ومع مرور الزمن وبعد المسلمين عن الوحي والاتصال بإلههم في السماء، جعلوا من كهنة الصحابة آلهة جديدة معصومة، وأصبح نقد رجال الدين عامةً والصحابة خاصةً جريمة تؤدي إلى الكفر المباح الذي لا عقاب له غير القتل والدمار. وقد رأينا كيف هبت جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تصرخ بالهتاف ضد الدنمارك وإسرائيل وتحرق المتاجر والسيارات وحتى الكنائس، انتقاماً من رسام الكاريكاتير الذي أساء إلى سمعة نبي الإسلام الذي أصبح بالنسبة لهم إلهاً أخراً يتبركون بشرب بوله ولعق بصاقه.
وكان لا بد لهذا الإله الجديد من كهنة يتصلون به نيابةً عن العامة، فجعل الشيعة من الخليفة علي بن أبي طالب إماماً بل قال بعضهم إنه إله وقال آخرون إن جبريل أخطأ في الرسالة وأعطاها محمد بل علي الذي كان المقصود بالرسالة. وما دام الخليفة علي أصبح إماماً فلا بد أن يكون أحفاده أئمة من بعده، تماماً كما فعل إله اليهود عندما جعل الرسالات كلها وراثة محصورة فيهم. فأصبح الأحفاد الذين بعدوا عن النبي بعدة أجيال كهنةً يتصلون بالإله وينقلون عنه مشيئته إلى عباده من الشيعة. ولذا أصبح هؤلاء الكهنة معصومين عن الخطأ.
ولما بعد عهد الصحابة المعصومين عن مسلمي اليوم وبُعد أئمة الشيعة بعد غيبة الإمام الثاني عشر، وأصبحت كتبهم الصفراء لا تثير في المسلمين نفس الخشية والخوف من الله، نقل المسلمون وظيفة الكهنوت إلى رجالات الدين. فأصبح رجال الدين الشيعة أئمة مثل الإمام الخميني، الذي تسبق اسمه عدة ألقاب مثل (سماحة حجة الإسلام والمسلمين سيد العلماء والمجتهدين رئيس الملة والدين آية الله العظمى ومولانا الأعظم الحاج روح الله الموسوي الخميني). ومادام الإمام الخميني روح الله فهو كالله لا يجوز نقده. وعندما تجرأ أحد رسامي الكاريكاتير في البحرين وانتقد أحد الآيات العظمى، اعتصم أكثر من أربعمائة شخص أمام مبنى جريدة الأيام في العاصمة البحرينية المنامة احتجاجا على ذلك الرسم الكاريكاتيري الذي نشرته جريدة الأيام على صفحتها الأخيرة في عددها الصادر يوم الاثنين 27 يونيو 2005 عن الانتخابات الإيرانية الأخيرة، واعتبره المحتجون البحرينيون إهانة موجهة لمرشد الجمهورية الإسلامية السيد على خامنئي. وأصدر عدد من علماء الدين الشيعة في إيران والبحرين بيانات استنكار لذلك العمل الذي فيه استفزاز للطائفة الشيعية حيث أصدر مكتب الشيخ حسين النجاتي، أحد علماء البحرين بيانا استنكر فيه ما ورد في جريدة الأيام البحرينية حول رسمٍ كاريكاتوريٍ أساء فيه لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي الخامنائي " دام ظله" .جاء فيه: (قد ورد في جريدة الأيام العدد ( 5952 ) الأثنين - 20/ جمادى الأولى / 1426 هـ – الموافق 27/6/2005م، رسماً كاريكاتورياً انتهكت فيه حرمة المرجع الديني الكبير سماحة السيد علي الخامنئي (دام ظله)، مما لا يمكن أن يكون له أية صلة بالعمل الصحافي و الإعلامي و الآداب الواجبة الرعاية في ذلك، إننا نستنكر هذا العمل و ندينه و نطالب بمسائلة المسؤولين عنه و إدانتهم، كما إننا نطالب باعتذار الجريدة رسمياً عن هذا العمل غير الأخلاقي و غير الإسلامي و الذي يرفضه كل مسلم يحترم مبادئ الدين و أصوله و أخلاقياته، ومن الواضح أن هذا العمل أقل ما يقال فيه أنه هتك لحرمة وكرامة الإنسان المسلم ، وهو من المحرمات الواضحة في الشريعة، فضلا عن أن من انتهكت حرمته يعد من كبار علماء المسلمين ومراجع الدين الذين لهم حرمتهم وكرامتهم الخاصة بهم.) (إيلاف 28 يونيو 2005). فأي نقد لسماحة الكاهن الشيعي، رغم أنه أصبح سياسياً يدير دفة الحكم في البلاد، يُعتبر شيئاً غير أخلاقي لا يقبله أحد من المسلمين، ويحط من كرامة المسلم التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدين الذي هو من عند الإله. ونلاحظ هنا كثرة الألقاب التي سبقت اسم السيد علي خامنئي، فهو(سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد ). فإذا كان لله في الإسلام تسعة وتسعون اسماً وللنبي كذلك تسعة وتسعون صفة، وللإمام الخميني أكثر من عشرة ألقاب، فلا أظن أن خمسة أو ستة ألقاب وإضافة (دام ظله الوارف) بعد اسمه تُعتبر مبالغة من الشيعة.
وشيعة لبنان لا يقلون حماساً عن شيعة البحرين في تأليه رجال الدين، فبعد أن حرقوا السفارة الدنماركية والمتاجر المجاورة عندما تظاهروا احتجاجاً على الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة لنبي الإسلام، قرروا قطع طريق المطار فتظاهر آلاف المواطنين اللبنانيين الموالين لحزب الله اللبناني ليلة الخميس الأول من يونيو، على طريق مطار بيروت احتجاجا على بث المؤسسة اللبنانية للإرسال (ال بي سي) برنامجا ساخرا تناول الأمين العام للحزب حسن نصرالله. كما شهدت مناطق لبنانية مختلفة تظاهرات مشابهة أطلقت خلالها الصيحات وحرقت إطارات السيارات. ..وحتى طلبة الجامعة الذين يُفترض فيهم العلم والعقل، قد تظاهروا ونفذ طلاب كلية العلوم، الفرع الخامس في النبطية، اعتصاما احتجاجا على ما تناوله برنامج "بس مات وطن" من المؤسسة اللبنانية للإرسال لشخص الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله. وتجمع المعتصمون في باحة الكلية رافعين الأعلام اللبنانية وصورا للسيد نصرالله ولافتات تنتقد البرنامج. وألقت كلمات أكدت الرفض والاستنكار لهذا التطاول، "ولتؤكد انه لا يمكن لأحد أن ينال من رمز شريف بمثابة السيد نصرالله". ورأى المتحدثون انه "بعد فشل الضغوط على المقاومة وسلاحها، رأينا بالأمس محاولة للنيل من قدسية وهيبة رمز هذه المقاومة"، وطالبت بوقف هذا البرنامج الذي "كاد أن يوصل إلى كارثة لولا حكمة السيد نصرالله".) (إيلاف 2 يونيو 2006). فالتطاول على الكاهن الجديد الذي تخصص في السياسة، رغم قدسيته، يُعتبر تطاولاً على الإسلام والمسلمين. وحتى المجلس الوطني للإعلام، الذي مهمته الأساسية هي الدفاع عن حرية الإعلام، لم يتحمل المساس بالإله الجديد، فأصدر عضو المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع غالب قنديل البيان التالي : "إن ما شهدته مناطق لبنانية عدة مساء أمس من تحركات شعبية غاضبة احتجاجا على التعرض لسماحة السيد حسن نصرالله في برنامج تلفزيوني ساخر ، يمثل تعبيرا عن ذروة الخطر الذي يثيره العبث السياسي والإعلامي المنفلت من جميع الضوابط والأطر القانونية والأعراف المهنية، وهو ما سبق لنا التحذير منه مرارا على امتداد السنة الماضية" (نفس المصدر). أما الشيخ عفيف النابلسي، رئيس هيئة علماء جبل عامل الشيخ فقد قال: (التعرض الى مقام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هو إهانة للشعب اللبناني بأسره وللمسلمين والأحرار الذين يرون في شخصه ودوره وفكره وجهاده، صورة حية عن العظماء والقادة الصالحين). واعتبر أن أهل الدين والورع والجهاد خط أحمر لا يجوز المس به أبدا.(شفاف الشرق 2 يونيو 2006). فهذه القدسية والخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها تنبئ أن الرجل قد فاق درجة الكاهن وأصبح إلها. ألا يثبت هذا أن الإنسان قد خلق الإله؟
والمسلمون السنة الذين لم يتسن لهم خلق آيات الله عظمي، فقد اكتفوا بأن ألهوا حكامهم وقباب موتاهم من الأولياء الصالحين، وجعلوا رجالات الدين من أمثال الشيخ القرضاوي والشيخ طنطاوي كهنة وحراس هذه الأضرحة، والداعين لطاعة ولي الأمر الإله الوراثي.
والمسلمون ليسوا الوحيدين الذين خلقوا وما زالوا يخلقون الآلهة، فالسادة الهنود الذين يبلغ تعدادهم ربع سكان العالم، والذين تجاهلهم إله السماء تجاهلاً تاماً، خلقوا لأنفسهم إلهاً جعلوا روحه تتقمص الأبقار، فعبدوها. والصينيون الذين تجاهلهم إله السماء كذلك خلقوا لأنفسهم عدة آلهة يعبدونها. وشباب اليوم في الغرب "الملحد" أصبحت لا تهمهم الكنيسة كما كانت تهم آباءهم الذين خلقوا الإله القديم، فخلقوا لأنفسهم آلهة جديدة تتمثل في نجوم الغناء والموسيقى مثل "الفس برسلي" الذي يحج إلى منزله في "ممفس" آلاف المؤمنين به ليصلوا ويبكوا على قبره في عيد ميلاده من كل عام. فالحج لا يقتصر على مكة وكربلاء وقُم فقط. وهناك الأميرة "ديانيا" الإنكليزية التي كان لها أتباع في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إفريقيا المظلمة، ولذلك فقد الشباب أسباب الحياة بعد موتها ومنهم من قتل نفسه.
وعليه لا يخامرني أي شك أن السماء خاليةٌ من السكان، وأن الإنسان الحديث خلق الآلهة كما خلقهم قبله السومريون وقدماء الإغريق وجميع القبائل البدائية التي صنعت الطواطم وروت قصص المثولوجيا العديدة عن تشاجر الآلهة في السماء، وعن سكرهم وعربدتهم، تماماً كما كان يفعل القدماء أنفسهم. فهم قد خلقوا آلهةً في صورتهم. وقد حاول الفلاسفة القدماء مثل أرسطوطاليس أن يثبتوا وجود الإله بالمنطق وقالوا إن العالم لا بد أن يكون له "محرك أساسي" Prime Mover ثم تفككت هذه النظرية بمرور الزمن إلى أن جاء أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (ت 930م) وقال إن المادة لا يمكن أن تأتي من الروحنيات. وأخيراً قال إن فكرة الإله الخالق لا يمكن أن تتصالح مع العقل. وأيده في ذلك أبو نصر الفارابي، وكلاهما كافر مرتد في نظر حجة الإسلام الغزالي. فالإنسان هو الذي خلق الإله وما زال يخلق آلهة جدداً بأسماء مختلفة، رغم أن العقل هو الإله الذي يجب أن نعبده.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآنيون ومحاولة تجميل صورة الإسلام
- النقيضان لا يجتمعان: الدين والعقل
- آلهة من صفيح
- هل للجُبِ من قاع؟
- تعارض الدين مع العلم والمنطق
- قد أخطأ الشيخ العبيكان
- مؤتمر مكة يُثبت أن الإسلام يدور حول الجنس
- احتضار عيد العمال
- الترابي ليس مرتداً
- العرب…الإسلام…والإرهاب


المزيد.....




- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...
- 40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - أيهما خلق الآخر: الإله أم الإنسان؟