|
مسيو كورونا أنتَ لا تخيفني.
زيدان الدين محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6498 - 2020 / 2 / 24 - 01:43
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
"أوراقٌ صفراء وأُخرى حمراء الرَّيحُ تحمل ما يكفي للموت بينما الشجرة تلعق حكايا كورونا". - ندئ عادل.
هذا العالم الذي يحكّ عورتهُ بِمناديلِ الوحل، بهِ أكثر من هذا الفزع المُستلقي على ملامح حركة النّاس الخائفة في أيامنا هذهِ من "مسيو كورونا" الذي لا يُرى. كيف لفيروسٍ بذلك الحجم الذي لا يُرى أن يزعزعَ استقرارَ الناس إلى هذا الحدّ؟ يحكم حركتهم ويبني حواجزهم على الجدران، يُربّي حِرص معاملاتهم وخطواتهم، حتى أنّ تأثيره يصل إلى بثّ الرّياح العاصفة في الإقتصاد بقدرٍ عظيم في غضونِ عدّة أيام! لَم نلحظَ كُل هذا الفزع والإرتباك أمام شتّى مخاطرنا التي تُقّعي أمام أبصارنا كُل يوم من حياتنا، لَم نلحظَ كُل هذا الحذر والتحرّكات اللازمة يومَ الموت قتلاً وتعذيبًا يتأبّط ملايين الرؤوس، وأوتار العدالة مجدولة كالثّوم في بقاعٍ شتّى من الكوكب الأزرق، و يوم الكثير والكثير غنّوا للرياح يأسهم بعد ما تجاهلتهم الأسماع، و كم وجوهٍ خنقها الظلم فوق فوهاتِ المناصل، وكم حياةٍ سقطتْ فقرًا واضطهادًا كالدّهان على الطاولات، وكم عينٍ مفقوءة بين الرّمال، وكم سنابلٍ ماتتْ في قذارة الصّحون، وكم مخالبٍ تنمو في الطُرقات، وكم ملايينٍ يقيمون في السّاحات المُعتمة... فأين العالم من كُل هذا البُؤس الذي يخضّب ملامح حيواتنا مع كُل أصيلٍ وليل؟ ما رأينا هذا الخوف والحيطة الذي يستدعي التحرّكات اللازمة لإيقاف كوارثنا السحيقة في عامنا السّابق _على الأقل_ يوم الدماء تسيل في شتّى بقاع الأرض، يوم بكتْ العُراق ما تساقط من نخيلها، يوم على رابية اليأس السورية انتصبتْ قبورًا معتمة، ونقشَ الموت بردًا وصقيعًا على جبين النازحين الفارّين من خنادق الحرب في طُرقاتِ الشتاء القاسية...
وفي حين أنّ الصُحف وعقول الناس اليوم تَتناول بنهمٍ نغمةً جماعية عن الرُعب الذي سبّبه "مسيو كورونا" و تتّخذ الدول بعض تجهيزاتها ورفع استعداداتها إلى الدرجة القصوى بالموانئ والمطارات، وتنفّذ العديد من الإجراءات الاحترازية المشدّدة للتصدّي لـ "مسيو كورونا" الجديد وتقوم بتعزيز إجراءات الرصد والمُراقبة لهذا المرض في منافذ الدخول إلى بلدانها، أنا _ودون أن استميحكُم عذرًا_ لا يخيفني هذا الـ "مسيو كورونا" ولا يمثّل لي أي مصدرٍ من مصادر الجزعِ والخوف، هُناك الكثير على كتفيّ ما يستدعي الخوف منه، ذلك الكثير الذي لَم يتّخذ العالم احتياطاته وإجراءاته اللازمة لإيقافه. هُناك أمورًا تستحقّ قلقي وأسفي الطّويل مِن عالمٍ لا يتشارك فيه أفرادهِ تلك المصائب الخَطِرة كما يتشارك الرُعب من "مسيو كورونا". فبالي كاسفٌ وقلبي راجفٌ على جياعٍ ألقى بهم الجوع كالفطرِ فوق وجوه الأرصفة، و نسورًا في الأقفاص عاكفة لا يعوّل أحدًا على تحريرها، وروحي مكلومة على صرخاتٍ تنام وتفيقُ على جدران قِلاع المُعتقلات المُصرّحة هُنا وهُناك، على الجلود التي تغذّت عليها السياط والهراوات، على الجُثث العارية السابحة في الطُرقات، على الحقِّ المهدور في كلِ زاويةٍ من العالم، على الطفلِ الذبيح فوق صدر أمّه، على السّلام الذي تسري بهِ الرِّيح. وكم منطوي جناحي على أذًى طال امرأةً معنّفة في سُهدها و وعيها دون أن تحرّك معاناتها العالم، وكم مغضوضةٍ جفوني على قذًى من وأدِ طفولةٍ ما أحدثَ موتها ثورة، ومن نفوسٍ في سُلطان الكرى عمّن صعدوا القوارب مطّاطية هربًا من بُؤس اليابسة إلى فمّ البحر الذي ابتلعهم. وكم تُخيفني البلابل التي علّموها النَّعيق، وأتمزّقُ من فجيعة إقامة السنونو، وحال عصافيرٍ إذا ماحلّقتْ كانت أعشاشها في أعناقها تحت غيمةٍ مثقوبة بالرصاص، مِن خطابات الببّغاء و فوضى النَّمل، من حجارةٍ رشقوا بها السّلام في صوت فيروز، من أنين هواء قارس مزّق موسيقى الرحابنة، من طبولِ حربٍ دنّست مقامات الغزالي وصفاء زكي ناصيف ونقاء وديع الصّافي، مِن حواجز التّفتيش بعد كُل قصيدة، مِن كُل قبضةٍ بعد مسرحية، مِن فؤوسٍ قضتْ على تماثيل الفريد بصبوص، من عتمةٍ قاسية طلوا بها لوحات رفيق شَرف، من قيودٍ لعينة تحجبُ اللقاء عن أعين مُحبين يتنهّدون وجع البُعد كُل آن، من حذاءٍ داسَ أعناق الزهور. وعبثًا كم غضبتُ من عربيٍ يتدرّب على حمل جعبة الجهل وسهام الإستبداد كُل يوم ويأبى التدرّب على الحُرية. كم غضبتُ من حروبٍ نغريها بتخلّفنا، من قمعٍ يتغذّاه الصّغير والكبير، من مصانعٍ تنتج وباء الإفلاس، من أناشيد الرأسمالية وأباطيل الأحزاب، من أرجوحة اليسار و متاريس اليمين، من تطرّف الجُناة وعقدة القضاة، من اللصوص القابضين على القَتلة، من دعاوى الإرهاب اليومي، مِن صفير طنجرةِ الهلاك في المنطقة، من الإعتقالات المُعلّقة في كُل منعطفٍ كصناديق البريد ومِن كُل السوانح المُزيَّفة على لافتات الإصلاح.
بعد كُل مقالٍ مُتلتل بتهويلِ الحدث والرّعب من "مسيو كورونا" ينبثقُ لي في كُل واجهة مِن صفحات الإنترنت، أتساءلُ ما إذا كان حُكّام العالم وشعبه قد يتّخذ ذات الإجراءات الحازمة للنظر فيما يُمثّل خطرًا حقيقيًا لنا ونُكابده كُلّما أمسينا وأصبحنا في عالمٍ يُفشي أسرار الخراب كما لَم يحدث قبل؟ أن ينظروا إلى دوافع ومُسبّبات المشكلة العاصفة، كإنتشار الأسلحة الناريّة في كُل طرفٍ من أطراف العالم وخصوصًا العالم الثالث، مِن ظواهر عدم المساواة المُستفحلة في مُجتمعاتنا، من بطالةٍ قتلتْ كم روحٍ أبيّة بالأحلام، من عدم الاستقرار السياسي والقوالب النمطية المبنية على النوع، من بلاغة جيب الفساد الذي يُدفئ الأفراد أنفسهم فيه، مِن أشرعة العُنصرية و ملح تجلّيات الإحتلال المُشَرّع و زفرات العبودية والجهل المعبود، مِن خطر بعض عقول العجزة الذين يحكموننا ويسعون لإباداتنا كيف ما ارتأى لهم، مِن التضخّم السُّكاني والإحتباس الحراري، من التكاثر واستهلاك الثروة الحيوانية ومِن كُل تمثيلٍ نيابي غير متوازن أمام الظلم الاجتماعي، أينظروا أم أنّهم لا يجيدون سوى إثارة الزوابع في الفناجين؟ لَن نَرى هذهِ الجلبة المُفزعة أمام المخاطر الحقيقية التي تتهدّدنا بين الثانية والأُخرى ما دام العالم مبهورًا ومنشغلاً بالتصفيق لِـ "مسيو كورونا" وهو يغنّي متفاخرًا: سألتك حبيبي لوين رايحين؟
#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة -الزوج المُتفلّت- من مسئولية الحياة الأسرية والزوجية.
-
تفاصيلٌ بسيطة تُنقذنا.
-
منطقُ -الله يهديك- .
-
الكاتِب العَربي: جمال التَّعبير ومزبلة التَّفكير.
-
الشعوب هي القاعدة المُؤسِّسة لِهرمِ الطُّغيان.
-
قمّة مكّة ومسرحية لهو الحكومات العربية.
-
الله لَيس عَربيًا .
-
الإرهاب القمعي والمُعتقلات، وجهٌ صريح للأنظمة العربية.
-
رمضان المُسلمين فانوسٌ بلا نور.
-
اخجلوا مِن أنفسكم واعطونا الطّفولة.
-
مُثقّف الفُقاعة.
-
-الوطن- الكذبة التي تَليقُ ب إبريل .
-
ضِفَّة الطُغاة و قمّة الرِّمم العربية.
-
إلى مَتى سَنبقى نُحارب طواحين الهواء؟.
-
لماذا لا تصدر كِتابًا؟.
-
حادث نيوزلندا و تواطئ منهجية التَّطرف مع سلوك الإرهاب.
-
حتَّى طرزان مُسلمًا حنيفًا.
-
مِن التصديق الصبياني إلى الإعتقاد النَّاضج.
-
التَّهادر الزوجي و سلبيته على الأبناء.
-
ضَحايا تجارب إلهية.
المزيد.....
-
سوريا تطالب بانسحاب إسرائيل من مناطق سيطرت عليها بعد سقوط بش
...
-
الخارجية السلوفاكية تستدعي السفير الأوكراني وتسلمه -احتجاجا
...
-
لقاء مرتقب بين مبعوث ترامب ونتنياهو والجيش الإسرائيلي يسقط م
...
-
بسبب اكتظاظ السجون.. السويد تدرس ترحيل المدانين لقضاء عقوبات
...
-
السيسي ردا على ترامب: -لا يمكن أن نشارك- في تهجير الفلسطينيي
...
-
السويد تدرس إمكانية استئجار -سجون- في دول أخرى!
-
كانت في طريقها من دبي لموسكو.. طائرة -بوبيدا- الروسية ترسل إ
...
-
تقرير عبري يثير تساؤلات حول غياب سلاح الجو خلال الساعات الأو
...
-
أنباء عن مقتل ثمانية من أبرز قادة الدعم السريع في السودان
-
نائب روسي: الضغط على موسكو بخصوص أوكرانيا أسطورة من تأليف زي
...
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|