محمود سعدون
كاتب وناشط سياسي
الحوار المتمدن-العدد: 6497 - 2020 / 2 / 22 - 14:46
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ان الادبيات المحاسبية والاقتصادية مليئة بالمقارنات في موضوعات عديدة بين الفكر المحاسبي والفكر الاقتصادي منها مفهوم ( الدخل , الاندثار , كلفة الفرصة البديلة , راس المال .....) والذي يميز هذه الموضوعات انها موضوعات متلازمة المنشأ ملأت ادبيات الفكر التقليدي للمجالين المحاسبي والاقتصادي , و هنا سيكون حديثنا عن اليات تكوين راس المال بين المفهوم المالي والاقتصادي , وفي موضوعنا هذا العودة الى ماركس هنا ضرورية ، فهو الذي كشف عن قوانين حركة راس المال في مختلف صوره وتجلياته وقطاعاته الانتاجية والتجارية والمالية الخالصة , ورغم ان كثيرا من معالم تطورها في عهده لم يكن يعدو ارهاصات , الا انه مهم لكل من يريد ان يدرس راس المال على شكل ظاهرة معينة , وعندما يستخدم ماركس تعبير راس المال المالي فهو يعني بنوك الاعمال وغيرها التي تستمد اسباب حياتها ووجودها من العمليات التي تجري على المسرح المالي , هذا المسرح يشغله المال الذي ينتج مالا او المال الذي يصنع مالا .
و يعد تكوين الراس مال بين المفهومين الاقتصادي والمالي مترابطاً بعض الشيء ولكن كمحتوى مختلف كليا عن الاخر, وهنا لابد من ان ابين امر في غاية الاهمية كون الاختلاف بين الاقتصاديين والمحاسبيين في تحليل نتائج ظاهرة معينة ك ( راس المال ) مثلا متباين في التحليل وكيفية تكوين الارباح والدخل متباين بعض الشيء ايضا يقول الاقتصادي الانكليزي ادم سمث " الرجل الذي يوظف قسما من امواله على شكل رأسمال فهو دوما يتوقع ان يحصل على تعويض له مضافا اليه الربح . لذلك فهو يوظفه في اعالة عمال منتجين فقط , وبعد ان يؤدي هذا الجزء من الاموال وظيفة راس المال عنده , يشكل دخلا لهؤلاء, وعندما يوظف اي جزء منه في اعالة عمال غير منتجين اياً كان نوعهم فان هذا الجزء من المال يصبح من لحظة سحبه من الاموال للاستهلاك المباشر " (1) وهذا الامر يبين الفرق بين المكاسب الرأسمالية والمكاسب الإيرادية , ويمكن ان نعرف المكاسب الرأسمالية " على انها العائدات المتحققة من بيع او استبدال الموجودات الملموسة والثابتة في الزيادة عن قيمتها الدفترية " (2) اي انها تدخل في عملية الانتاج بشكل مباشر .
" انا اعرف الثروة القومية او راس المال القومي كإجمالي القيمة السوقية لكل شيء يملكه المقيمون والحكومة في بلد ما في نقطة محددة من الزمن بشرط ان يكون تداوله في سوق ما " ( 3 ) ويعد ادم سمث اول من عرف الدخل اقتصاديا حيث " هو الزيادة بالثروة او على انه القيمة النقدية في الزيادة الصافية الحاصلة في قدرة الشخص الاقتصادية ما بين نقطتين من الزمن " وهذا المفهوم شامل وغير دقيق اضافة الا انه يصعب استخدام هذا المفهوم لأغراض الحساب الدقيق حيث لو اردنا حساب ارباح معينة لدورة مالية كاملة وتجاهلنا المصاريف الإيرادية والرأسمالية لما توصلنا الى ارقام صحيحة ودقيقة ولعدم وجود معايير يمكن الاعتماد عليها في قياس القدرة المالية للفرد كما ان اغلب الاصول ( النقد , الاراضي , المباني .....) ليست قيمة سوقية او دقيقة كما يبرز المفهوم الاقتصادي مشكلة تفرقة بين الدخل النقدي والدخل الحقيقي والتي يمكن ان تعرف بانها التغيير الحاصل في مستوى العام للأسعار , ان مفهوم الاقتصاد وتنامي راس المال في النظام الرأسمالي يعتمد على البضاعة بشكل كامل ويشير ماركس بمؤلفه ( راس المال ) الى الاهمية العالية للبضاعة في النظام الانتاجي للرأسمالية " ان ثروة المجتمعات التي يسيطر فيها اسلوب الانتاج الرأسمالي بوصفه تراكما لا حد له من البضائع " (4) ويضيف قائلا " الشكل المباشر لرواج البضائع هو تحول البضاعة الى نقد والدعوة الى تحول النقد الى بضاعة , البيع بغية الشراء " (5) اي ان نواة هذا النظام يعتمد على البضاعة كخلية للبناء الاقتصادي .
فيما يعرف الدخل المالي على انه الفرق بين الايرادات المختلفة من العملية خلال المدة المحاسبية وما يقابها من مصروفات خلال نفس المدة ( سنة مالية ) كمفهوم مالي ومن هذا التعريف يمكن ان نوضح ان الدخل المحاسبي يحتوي على عدة خصائص 1- ان يحتسب على العمليات التي حدثت فعلا , 2- يحسب على اساس فرض المدة المحاسبية ,3- يحتسب على مبدا اساس تحقيق الايرادات , " ان الدور الابرز هو للمؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية ايضا , فالمنظمات الرأسمالية الاقوى اصبحت تفضل المضاربات والسيولة المالية المتحركة كما حدث ما بين الحربين العالميتين والتي ادانها حينذاك كينز لدورها في ازمة الثلاثينات وذلك في تحقيق القيمة لرؤوس اموالهم بمعنى الربح والعائد مع احتفاظها بالشكل المالي الخالص اي بالراس المال الذي يحقق ربحا دون ان يمر بالإنتاج " (6) وتعكس هذه الفكرة الى قوى المؤسسات المالية في الاقتصاديات اليوم في انشاء راس المال ويقول " لانهم هم الذين يتعاملون في مليارات المليارات من الدولارات من رؤوس الاموال التي تعبر كل يوم من بلد الى اخر فقد اصبحت الاسواق المالية هي القاضي والمحلفون للاقتصاد العالمي , في آن واحد وهو الامر المثير للقلق اذا وضعنا في اعتبارنا نزوعاتهم الى النظر للأحداث والسياسات من خلال الزجاج المشوش بالخوف والجشع " (7) " وعندما يبدا الرأسمالي بمراكمة راس المال فوق راس المال تولد لديه فضيلة جديدة وتتطور هذه الفضيلة نسميها التقشف الذي يهدف الى تخفيض النفقات بشكل كبير بهدف استعمال الجزء الاكبر من المردود للتراكم " (8) .
من خلال العرض السابق يتبن الاختلاف بين المفهوم المحاسبي والاقتصادي لراس المال و مع أواخر القرن العشرين بدأت المحاسبة تأخذ شكلا واتجاها جديدا, متأثرة بالتيارات السياسية الجديدة, لذلك ينبغي على المحاسبة الجديدة فهم التيارات السياسية الجديدة, إذ لـطالما بنيت المحاسبة التقليدية على مفاهيم وفرضيات الاقتصاد الليبرالي لارتباط المحاسبة والاقتصاد بعلاقة وثيقة الصلة, كما ارتبطت السلطة السياسية بالاقتصاد وتنافسه على تحقيق المنفعة الذاتية في عالم الأسواق الحرة, وجاء الوقت الذي تبتعد فيه المحاسبة عن المونولوجية , وأن تراعى مصالح ومنافع المجتمع, وأن تتركز الجهود البحثية نحو إيجاد المنهج البديل عن المنهج الذي يطغى على الفكر المحاسبي السائد. " وجاء المنهج البديل من مفاهيم الديمقراطية السياسية المبنية على النظريات السياسية المعاصرة الجديدة التي ظهرت باسم الديمقراطية التداولية Deliberative Democracy والديمقراطية التعددية التصارعية Agonistic pluralism Democracyلتكون منهج الحوارية Dialogic approach لتساهم في البناء الفكري للمحاسبة الجديدة المسماة بالمحاسبة الحوارية Accounting Dialogic. على أن هذا التغيير في قواعد اللعبة السياسية لا يبعد المحاسبة عن تأثيرات السياسة في بناء قواعد المجتمع الجديد وفق مفاهيمها " ( 9) , ولما كانت المحاسبة لغة الأعمال فللرقم المحاسبي سلطة و دورا كبير في تنفيذ التغيرات الاجتماعية المطلوبة وان لم تستخدم هذه السلطة من اجل الصالح العام, مما يفسر لماذا على المحاسبين في ظل التيار الجديد والمحاسبة الجديدة فهم قواعد اللعبة والجذور الأساسية التي اعتمدت في تركيب وبناء المنطق الفكري والخريطة الذهنية للمحاسبة الجديدة.
الاستنتاج يمكن ان يكون موجزا من خلال العرض اعلاه بفقرتين هما :
- الاقتصاديون يعتبرون الدخل قيمة تعتمد اساسا على التوقعات المستقبلية بينما المحاسبين يعتبرون الدخل بتعابير تدل على الماضي معبرا عنه بوحدات نقدية لذلك يعتبرون المفهوم الاقتصادي غير عملي وصعب التطبيق لافتقاره الى الدقة والموضوعية .
- المحاسبون لا يعترفون بالدخل الا اذا تحقق لذلك زيادة قيمة ممتلكات الشخص لا تعتبر دخلا كما ان انخفاضاها لا يعتبر خسارة اما الاقتصاديون يعتبرون اي زيادة في قيمة ممتلكات الشخص بين مدتين من الزمن دخلا .
الهامش
__________________
1- ثروة الامم – ادم سمث – ترجمة وليد شحادة – دار الفرقد – الطبعة الاولى ص( 341 ) – المجلد الاول
2- محاضرة للدكتور اشرف في قسم المحاسبة المالية – كلية شط العرب الجامعة – عن الدخول الخاضعة للضريبة
3- انظر – راس المال في القرن الحادي والعشرين – توماس بيكيتي – ترجمة وائل جمال وسلمى حسين – الطبعة الاولى – منتدى البحوث الاقتصادية – ص ( 54 )
4- راس المال - كارل ماركس – مكتبة المعارف – بيروت 1988 - ترجمة محمد عيتاني ص (44) – الجزء الاول – اقسم الاول
5- راس المال - كارل ماركس – مكتبة المعارف – بيروت 1988 - ترجمة محمد عيتاني ص ( 200 ) – الجزء الاول – القسم الثاني
6- دكتاتورية راس المال – اديب دميتري – دار المدى – الطبعة الاولى ص ( 310)
7- دكتاتورية راس المال – اديب دميتري – دار المدى – الطبعة الاولى ص (308 )
8- ملخص راس المال لكارل ماركس - كارلو كافيرو – المعقدين – الطبعة الاولى – ترجمة وليد ضو – ص (69)
9- مجلة جامعة بابل – العلوم الانسانية – المجلد 23- العدد 4 – 2015 – عنوان البحث المحاسبة والديمقراطية استمرارية المحاسبة التقليدية بين منطق الفردية ومنطق الحوارية لتحقيق الديمقراطية إيمان محمد عبدالله
#محمود_سعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟