|
فتوى بوليف وتواطؤ الإخوان .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6496 - 2020 / 2 / 21 - 20:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أثارت فتوى نجيب بوليف ــ الوزير السابق والمُعفى لضعف كفاءته ــ حول ربوية القروض المخصصة لدعم المقاولين الشباب بأدنى نسبة للفائدة ، ومن ثم تحريمها، جدلا سياسيا بحكم موقع الشخص المفتي داخل الحزب الذي يقود الحكومة وكذا مسؤوليته السابقة في تدبير الشأن العام من داخل الحكومة. فهو ليس شخصا عاديا يمكن تجاهل فتواه ، بل مسؤول حزبي وسياسي لا تأتي تصرفاته من فراغ. ويمكن إبداء الملاحظات التالية حول هذه النازل: 1 ــ إن بوليف ليس مفتيا ولا عضوا بالمجلس العلمي الأعلى حتى يصدر فتواه في قرار ملكي يهم دعم آلاف المقاولين الشباب لخلق مشاريعهم وتحقيق أحلامهم . وهو بهذه الفتوى تطاول أولا ، على اختصاصات المجلس العلمي الأعلى الذي تُخول إليه صلاحية الإفتاء خصوصا وأن الموضوع لا يهم حالة فردية بل يتعلق بالمصلحة العامة ؛ وثانيا يتوخى استهداف المبادرة الملكية بغرض إفشالها وحرمان آلاف الشباب من الاستفادة من تمويل مشاريعهم وخلق مقاولاتهم . أي وضع نفسه ضد الإرادة الملكية التي تروم النهوض بأوضاع الشباب ودعم فرص التنمية ، وضد أحلام وطموحات الشباب التواقين إلى الانخراط في دينامية التنمية وتطوير الذات والموارد ، وضد مصلحة المجتمع الذي يعاني الفقر والبطالة. 2 ــ تواطؤ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة ويشرف على تنفيذ هذه المبادرة الملكية لفائدة المقاولين الشباب مع بوليف بحيث لم تصدر أي بيان أو بلاغ أو موقف رسمي بخصوص فتوى بوليف التي هي ليست رأيا شخصيا أو موقفا يخص الشخص ذاته ، بل "فتوى دينية" تُلزمه وتلزم هيئتيه الحزبية والدعوية معا. ولعل سكوت الأمانة العامة في موضوع الفتوى ليس له من دلالة سوى الإقرار بها و"بشرعيتها". كما أن إحجامها عن إصدار بيان في الموضوع خصوصا وأن بوليف ــ كقيادي في الحزب ــ أقحم الدين في السياسة ، يجعل الحزب وقادته في خرق صريح لقرار الملك الذي حمله خطاب العرش لعام 2004 حين حسم في عدم إقحام الدين في السياسة كالتالي ( وإن إصلاح الحقل الديني لا يستهدف فحسب التكامل مع الحقلين التربوي والثقافي، وإنما ينبغي أن يشمل كذلك إصلاح الحقل السياسي، الذي هو مجال الاختلاف الديمقراطي، وهو ما يقتضي أن يكون العمل السياسي بعيدا عن إقحام الدين فيه، لقدسية مبادئه المنزهة عن نوازع التفرقة، بسد الطريق أمام توظيفه السياسوي المغرض، فالسياسة والدين، في نظام الملكية الدستورية المغربية لا يجتمعان إلا في الملك أمير المؤمنين، حريصين في تقلدنا لهذه الأمانة العظمى على أن تزاول السياسة في نطاق المنظمات والمؤسسات والفضاءات الخاصة بها، وأن يمارس الشأن الدين داخل المجالس العلمية والهيآت المؤهلة والمساجد وأماكن العبادات). فتوى بوليف هي إقحام للدين في السياسة. 3 ــ تكريس التداخل بين الدعوي والحزبي في ممارسة مسؤولي حزب العدالة والتنمية . الأمر الذي يبهت مزاعم "التمايز" بين الدعوي الذي تختص به حركة التوحيد والإصلاح وبين السياسي الذي يتولاه حزب العدالة والتنمية . فبوليف تحمل مسؤولية الوزارة وهو قيادي بالحزب لكن يفتي في السياسية . لهذا ،فما سبق الإعلان عنه في المؤتمر الأخير لحركة التوحيد والإصلاح أو المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية من السعي إلى تحقيق التمايز بين الهيئتين في مجال اشتغالهما ليس سوى شعار للاستهلاك وللتحايل على بنود الدستور والقانون المنظم للأحزاب . والممارسة اليومية للهيئتين تثبتان التداخل بينهما ، بل وهيمنة الحركة على الحزب وتدخلها في الشأن الحكومي . 4 ــ تناقضات بوليف يوم كان عضوا بالحكومة وحين أبعِد منها . إذ طيلة عضويته بالحكومة لم يحدث أن ارتدى جبة الفقيه ليواجه قرارات رئيسها بالاستدانة من الدوائر المالية العالمية حتى أغرق البلاد بالديون التي تجاوزت 92% من الناتج الداخلي الخام ، ورهن بذلك مستقبل الشعب بيد تلك الدوائر . فأين كان بوليف الفقيه من بوليف الوزير الذي بلع لسانه وساند قرار الحكومة باللجوء إلى القروض "الربوية" ؟ وهل كان يجهل الأحكام الفقهية التي يستند إليها اليوم في تحريم الفوائد البنكية ؟ أم أن الفتوى تدور مع المصلحة الذاتية وجودا وعدما ؟ كان من المفروض في بوليف ، وهو عضو بالحكومة حينها، أن ينبه أعضاءها إلى حرمة القروض الربوية ويقدم إليهم الحلول المناسبة لمواجهة العجز في الميزانية مثل تخفيض الأجور العليا وحذف تقاعد الوزراء والبرلمانيين وإلغاء الامتيازات لجميع موظفي الدولة وضبط النفقات ومحاربة الفساد المالي والإداري والاقتصادي ومصادرة الأموال والممتلكات المتراكمة من النهب ومحاكمة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة . التناقض الثاني أن بوليف ، وحسب ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي ، اقترض من البنك التقليدي بفوائد"ربوية" لاقتناء ڤيلا خاصة به . الأمر الذي يطرح السؤال عليه حول "الضرورات" التي أباحت له "المحظورات" ومكّنته من الاستفادة من القروض "الربوية" التي يحرّمها على المقاولين الشباب ؛ علما أن اقتناء ڤيلا ليس بنفس "الضرورة" والمنفعة مقارنة مع إقامة مشروع إنتاجي أو مقاولة لمواجهة الفقر والبطالة . التناقض الثالث أن بوليف يحرّم قروض الأبناك التقليدية ويشجع على قروض الأبناك التشاركية التي لم يلجأ إليها هو نفسه ، وفي نفس الوقت يقرّ ، في مقالة له (أن المنتوجات المقدمة من طرفها ( الأبناك التشاركية) لا زالت قليلة و ضعيفة لم ترق بعد للاستجابة لمختلف حاجيات الزبائن، وتبقى مركزة على الجوانب التجارية كالبيع بالمرابحة). ليعلم بوليف وإخوانه أن السياسة علم مستقل عن الفقه الإسلامي وفتاوى شيوخه التي أفتوى بها فدمروا شعوبا وخرّبوا أوطانا ثم اعتذر بعضهم وتراجع عن ضلاله وتضليله . وليس من العلم ولا من المنطق ولا حتى المصلحة أن نربط مصير شعب بفتوى شيخ حتى ولو اجتمع كل الشيوخ والفقهاء. فجميع هؤلاء اعتدوا على التحريم منذ قرون دون تقديم الحلول والبدائل. وكم ممارسات حرّموها فاضطرهم الواقع المجتمعي والحضاري إلى إباحتها.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-أطردوا الفقهاء من حياتنا اليومية-.
-
حين تكون -قلوب وسيوف- البيجيدي مع الأردوغانية.
-
أسْلمة المسيرات إساءة للقضية الفلسطينية.
-
مؤتمر الأزهر وتكريس منظومة التطرف الديني.
-
بلاغ وزارة الأوقاف أقبح من الزلة.
-
حين يوظف بنحمزة إمارة المؤمنين لخدمة الوهابية.
-
من يحرّر الجامعات من قبضة الإسلاميين ؟
-
متى تكفّ الجزائر عن معاداة الوحدة الترابية للمغرب؟
-
الخوانجية ملّة واحدة.
-
لما يعطّل البيجيدي القانون بمباركة من بعض القضاة.
-
ولاء الإخوان لأردوغان ضد مصالح الوطن.
-
خلفيات مهاجمة الريسوني للحموشي.
-
حزبكم يا رئيس الحكومة من يزرع اليأس ويسيء إلى المؤسسات .
-
إحصائيات الرّضع في القمامة معلومة والحلول معدومة يا معالي ال
...
-
حقوق الإنسان كل لا يتجزأ يا وزير حقوق الإنسان.
-
حكومة البيجيدي أكبر عائق أمام التنمية.
-
الحاجة إلى تحالف ديمقراطي لإنقاذ البلاد من قبضة الإسلاميين.
-
الإرهاب الناشئ في تندوف .
-
تآمرُ الإخوان على أمن الأمة والوطن .
-
لهطة بنكيران وتعفف ماكرون .
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|