محمد العبدلي
الحوار المتمدن-العدد: 1572 - 2006 / 6 / 5 - 05:51
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
البعثيون عائدون ، حقائق جديدة محمد العبدلي
رسالة مفتوحة الى السيد رئيس الوزراء
السيد رئيس وزراء الجمهورية العراقية المحترم
لم أسمكم ، سيدي ، رئيسا لمجلس الوزراء بدلا من رئاسة الوزراء ، فمجلس مثل هذا غير موجود اذ كل وزير يغني على ليلاه و يفعل ما يأمره به حزبه .
ليس هذا ، على كلٍ ، بيت القصيد أو مربط الفرس كما يقولون ، و لا هذا هو الموضوع الذي اود أن احدثكم عنه و إنما شيء آخر تماما .
إني أرى ، سيدي ، البعثيين عائدين بمعونة الامريكان الى سدة الحكم في العراق ، و إذا ما حصل هذا ، لا سامح الله فسيكون الذنب ذنبكم كما سأبين في السطور التالية ، و أراكم ، سيدي ، و رهطكم تحزمون حقائبكم ، ولكن هذه المرة الى ايران ، فلم تعد سوريا مكانا آمانا إذ تدور عليها الدوائر ، و اراكم سيدي و رهطكم ستغادرون هذه المرة الى الابد ، و سيضمن لكم الايرانيون بكل تأكيد و لرهطكم دفنا لائقا ، بعد عمر طويل بطبيعة الحال ، سيدي ، ستقضونه في كتابة مذكراتكم .
لا تضحك و تسخف ما أقول ، يا سيادة الرئيس ، و أقرأ هذه السطور ، فانا ايضا لست بالساذج ، و كان بإمكاني أن اكون مثلكم رئيسا للوزراء لو إنني أجاري مهازل الزمن و نكاته .
في مأمني من بطش الآخرين تصلني الاخبار من محافظات الوسط ، من تكريت ، و ديالى و الموصل ، و أطراف كركوك و طبعا الرمادي و أجزاء واسعة من بغداد ، بل وحتى من بعض محافظاتكم ( الآمنة ) ، إن البعثيين قد أقاموا انتخابات داخلية شبه معلنة لإنتخاب كوادرهم للمواقع الحزبية ، وقاموا بإجراء اتصالات مع رؤساء القبائل لكسب ودهم بالترهيب او الترغيب او بالمال و قد بدئوا بتصعيد تكتيكاتهم و نشاطاتهم و إغتيالاتهم أمام انظار السلطات المحلية و بعجز مطلق من بعضها ، و هم يحظون الآن بتعاطف الاهالي من الناس الذين ضاقوا ذرعا بجيش المهدي و قوات بدر و استهتارهم و أفراد أجهزة المخابرات الايرانية الذين يسرحون و يمرحون وخصوصا في المحافظات والمناطق الحدودية و بتغطية من الميليشيات الشيعية ، و إنهم ـ أي البعثيون ـ يقومون بدور حماية الناس من المليشيات المستهترة بأرواح الناس و يواجهون التدخل الخارجي ، و لن يمضي وقت طويل حتى يفرضون انفسهم على الناس كمنقذين بعد أن عجزتم عن كل شيء تقريبا ، و فتحتم الباب على مصراعيه للنفوذ الايراني المقيت .
و لن يمضي وقت طويل حتى يفرضون انفسهم على الامريكان أيضا كقوة سياسية معترف بها ، بل و بمباركة و دفع منها بعد أن عضضتم اليد التي امتدت اليكم و انقذتكم من صدام حسين و بطشه ، ولن يغفر لكم الامريكان أن تسلموا العراق الذي قتل على ارضه من جنودها اكثر من 2500 من خيرة شبابها و صرفت عليها مليارات الدولارات من أموال دافعي الضريبة الامريكان أن تسلموه الى ايران هدية بعد ان سمحتم بتصاعد النفوذ الايراني و نفيتم بكل حماس وجوده .
و اذا كانت تراودكم الشكوك في قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات و اذا ما كنتم تنساقون الى الوهم القائل بقرب هزيمتها في المنطقة فإنكم ترتكبون خطأ فاحشا ، وستكونون على خطى خامنئي و احمدي نجاد و نصر الله و قبلهم صدام حسين الذين يرون إن الله ناصرهم على أعدائهم .
لا يا سيادة الرئيس إن الله لا ينصر الأغبياء و الذين يسيئون التقدير ، فما كان انتصار الرسول بأمر من ربه ، و الا لقال للشيء كن فيكون ، و لكن العقل و التدبير و ميزان القوى و الواقع على الارض و الذي أحسن الرسول حسابه هو الذي نصره ، و الا فما قولك في التخطيط و التكتيك و المعاهدات ؟
إن تحالفا قائما بين البعث و الاكراد و القوى العلمانية و حتى قوى شيعية ضاقت ذرعا بالفساد و السرقات و اكل المال الحرام و السحت و الرشوة والفساد و بمباركة من الامريكان و دعم منهم بات أقرب من حبل الوريد و سيبدو امرا قائما لا محالة اذا ما بقيتم على اصراركم بربط مصير العراق بالنفوذ الايراني و قوى الظلام و المرجعيات المتخلفة التي تعيش على و قود بائس من القرون الغابرة و اذا ما بقيتم مصرين على ابقاء العراق ساحة لأزلام طهران يسرحون فيها و يمرحون حتى و صلوا الى منطقتكم الخضراء ( الآمنة ) ، و اذا ما بقيتم على اصراركم على غرار تصريحات سلفكم السيد الجعفري بعدم وجود تدخل ايراني في الوقت الذي كان النفوذ الايراني قد و صل الى ما تحت سراويله .
و اذا ما غرتكم قواكم ، و رأيتم ما تعتبرونه تأييدا شعبيا في الحشود التي تحضر مواسم العزاء و الحسينيات ، فاني اقول لكم ان هذه الطائفة المنكوبة التي اعتادت البكاء و الهزيمة و الظلم ، والذي رسخه رجال الدين لدينا ، سوف تتخلى عن اية مقاومة و تصطف مع السلطة الجديدة بعد أن رأت ما رأت من فساد و سرقة للمال العام و بعد أن اعتادت أن تكون لعشرات القرون مهزومة باكية لطامة نائحة ، بمجرد ان يعلن على الملأ البيان رقم واحد من محطات التلفزيون و الاذاعة عن انقلاب عسكري بإسم الحكومة و رئيسها و بإسم السيد رئيس الجمهورية ، و لن يكون ذلك اليوم الذي سوف نشاهد السيد رئيس الجمهورية محاطا بضباطه الكبار و النياشين و النجوم تلتمع على أكتافهم وهو يعلن أن الامر لم يعد يحتمل بسبب تدهور الأوضاع و تفاقم التدخل الايراني و يعلن ان جنوب العراق منطقة محتلة من قبل ايران و الميلشيات التي تسرق المال العام و يعلن حالة الطوارئ و بدء العمليات العسكرية المدعومة بالطيران و الصواريخ الامريكية . و سوف يقولون للشعب أنكم قد وقعتم على وثائق مع الامريكان بأن تكونوا شركائهم في مواجهة الارهاب ، ليس الارهاب القاعدي فقط ، بل الارهاب بكافة اشكاله ومنه الشكل الايراني أيضا ، ولكنكم خرقتم الاتفاق و دعمت الارهاب الايراني .
و لكن واحسرتاه عليك سيدي فلن تظهر في المشهد التلفزيوني الدراماتيكي هذا ، بل ستكون مقيدا معصوب العينين مقادا من قبل ثلة من جنود امريكان ، حينذاك لا ينفعك أن تنتف زغب اللحية و تصرخ : " وا ذلاه " و ستظهر على شاشة التلفزيون لتدلي بإعترافاتك كعميل إيراني حين ينقلب عليك و ضدك حتى انصارك كما انقلبوا على من هو اشرف و أنبل منك أبي عبد الله الحسين ، كما تعرف من تاريخ العراق .
و لن تدوخ السلطات في العثور علىمن سيقوم بمطاردتك و مطاردة انصارك إن أفلتت من قبضتهم إذ سيطاردك و يطارد انصارك الشيعة انفسهم الذين خدموا صدام حسين وشكلوا أغلبية في حزب البعث ثم تابوا و انتموا الى صفوفكم ، سيتوبون هذه المرة لصدام حسين و البعث و الامريكان و سيسحل الاوباش أنفسهم والذين تعرفهم من خلال التاريخ العراقي القريب و البعيد رجال الدين المعممين من لحاهم صائحين هؤلاء هم عملاء إيران .
و اذا ما فاتك قنص التطورات الاخيرة في محاكمة صدام حسين و الذي دارت فيه الأمور دورة كاملة لتصب في مصلحته فانا سأقرأ لك الأحداث : يريد الأمريكان أن يوصلوا لكم الرسالة التالية : " هذا صدام حسين وهذا البعث ، بمقدورنا أن نحولهم الى ابطال محررين ، من النفوذ الإيراني المقيت لكل عراقي " . وسيجري الامر وفق السيناريو التالي : سيسمح الأمريكان للنفوذ الإيراني أن يتفاقم أمام سمعهم و بصرهم حتى يستغيث الناس و يصيحون الويل طالبين منقذا ما ، سوف يحتفظون بالوثائق الدامغة عن التدخل الايراني بالاسماء و الوقائع و لا يعلنونها و سوف يتركونكم تتمادون في ظنكم انهم جاهلون بما يجري ، و ستتصورون انهم غافلون على غرار ما اعتقد صبيكم صولاغ ، ثم يدمغونكم بالوثائق .
أخرج من منطقتك الخضراء سيدي و أسمع ما يقوله الناس ، فحتى الذين يبغضون صدام حسين ، بل وحتى ضحاياه قد بدئوا الآن يترحمون على أيامه و يتمنون عودته ، و اذا ما خافك و خاف من ميلشياتك الناس و امتنعوا عن الادلاء بمثل هذا التصريح فانني أوكد لك ، رغم انني لست احد مستشاريك ، ان الناس بدأت حتى من الطائفة الشيعية تترحم على أيام صدام حسين ناهيك عن اتباع الديانات الاخرى الذي تمارسون ضدهم كل أنواع الابادة .
اتعرف سيادة الرئيس ماذا فعلوا بالعسكري الامريكي الذي خالف الاوامر و داهم أوكار صولاغ الذي يديره أزلام المخابرات الايرانية ؟ لقد حصل على توبيخ شديد لأنه خالف الاوامر ، و قالوا له : " نحن نعرف كل شيء لا تتحرك بدون أوامر ! أترك للساسة هذه التوقيتات فهذا ليس شأن العسكر !
و سيكون المنقدون جاهزين : البعث و الاكراد و العلمانيين و الحركات القومية العربية و الدول المجاورة بدعم من الآلة العسكرية الامريكية ، و ستدور عليكم الدوائر ، وسوف يحضى الامريكيون هذه المرة بدعم كبير من عدة جهات : دعم شعوبهم و دعم الدول الاوربية التي ستنظر الى وصول ايران الى السيطرة على اكبر احتياطي للنفط في العالم على أنه خط أحمر ، و سيحاربكم في ذلك حتى السويسريون المسالمون حين تكون القضية قضية حياة أو موت . كما ستدعمهم الانظمة العربية و تركيا و حتى السوفييت و الصينيون الذين يرون تنامي الارهاب القاعدي الذي يهدد الصين و جنوب روسيا و مناطق القفقاز .
أتعتقد ، ياسيادة الرئيس ، أن الامريكان الذين قارعوا القوة السوفييتية القاهرة و المدرعة بالسلاح النووي و التي غزت الفضاء و سيطر نفوذها على مساحات شاسعة من كوكبنا و كانت الاكثر نفوسا بين العالم سوف يعجزون عن مواجهة ايران و نفوذها في اخطر المناطق ستراتيجية في العالم و إنهم سوف يتركون العراق هدية لألد أعدائها و اعداء العالم المتمدن ؟
و اذا ما راودت الأوهام سيادتكم في جدية الموقف الأمريكي ، و اذا ما اعتقدتم بأن أمريكا سوف تتردد في توجيه ضربة قاصمة لإيران و نفوذها في المنطقة استنادا الى الموقف الروسي و الصيني فأذكركم بنفس أوهام صدام حسين و تعويله على الموقف الروسي ، و الرحلات المكوكية الخائبة لوزير خارجية روسيا مرتين ، مرة في حرب الخليج الثانية حرب تحرير الكويت ومرة في الحرب الاخيرة ، و اذكركم ايضا بما ليس بوسعكم أن تنكروه : إن المصالح المشتركة للروس و الصينيين من جهة و أمريكا من جهة اخرى في مجال معاداة الارهاب و المصالح الاقتصادية المشتركة هو اكبر بكثير مما بين هذين الطرفين و ايران ، و ان الولايات المتحدة هي المستورد الاول للبضاعة الصينية .
و اذا ما كنت مثل أحمدي نجاد تعتقد أن المهدي المنتظر سوف يهرع لنجدتكم ، فانني اذكرك بما رآه الخميني نفسه بان المهدي المنتظر ما هو الا رمز لمنقذ ارضي يتدبر الامور الواقعية و ليس هبة من السماء ، و اذا ما بقيت مصرا على ظهورة و مترقبا مقدمه الميمون فسوف تنتظر كثيرا ، كثرا جدا يا سيادة الرئيس بدون فائدة .
و اذا ما أعتقدت اخيرا أن السيد اية الله العظمى السيستاني سوف يهرع لنجدتك بفتاواه التي يحرك بها الملايين فانك ستكون واهما ، فهذا السيد الجليل و الحكيم قد عرف كيف يعيش في زمن صدام و يحافظ على نفوذه و حياته فيما تساقط زملاؤه الواحد بعد الآخر ، سيتخلى عنك مؤثرا عزلته معلنا انه رجل دين لا يتدخل في السياسة .
و سترون انه نجح في استخدم نفوذه لإخراج أتباع مقتدى من العتبات المقدسة لأن ذلك كان متطابقا مع الرغبة الامريكية .
سيشكل الأكراد و البعثيون و أحزاب اسلامية سنية و شيعية منها حزب الفضيلة مثلا و القوة الأمريكية الضاربة جبهة يسمونها جبهة تحرير الجنوب المحتل بعد أن تفشلوا قطعا في إدارة الأمور في جنوب البلاد اذا ما اخترتم طريق التحالف مع ايران و عملائها .
و قبل هذا ، أي قبل وقوع الكارثة سيخيركم الامريكان و حلفائهم أن تتركوا اتباع النموذج الايراني ، و يعدونكم إن وافقتم على شروطهم في مستلزمات تطور البلد ، الاقتصادي أو على غرار تركيا و اندماجها بالمجتمع الدولي . إن ما تكرهونه إكراما لإيران ليس سوى النموذج الامثل الذي سيدعونكم لإختياره : دول الخليج التي قدمت النموذج الحقيقي للتنمية و الاستفادة من الموارد النفطية
سيدي رئيس الوزراء : اذا ما قررت أن لا تستمع للنصيحة و تمتنع عن مد يدك للمحررين و تفضل عليها اليد الايرانية فانا بشخصي المتواضع أقدم لك النصيحة المجانية التالية :
احرص على ان تأخذ معك معطفا سميكا فالطقس في ايران بارد ، و حاول ان تعتاد على الذل ، فلا أحد يكره العرب بقدر ايران .
#محمد_العبدلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟