|
لينين.. كراكوف وأوشفيتز
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 19 - 11:40
المحور:
القضية الفلسطينية
حين قرأت خبر الاحتفال بالذكرى ال 75 لتحرير «معسكر أوشفيتز» (ال 27 من يناير / كانون الثاني عام 1945) على أيدي الجيش الأحمر السوفييتي، استعدت حدثين مؤثرين في نفسي عشتُ تفاصيلهما: الحدث الأول: زيارتي لهذا المعسكر قبل أكثر من خمسة عقود من الزمان، وذلك خلال مشاركتي عام 1969 باحتفالية التحضير للذكرى المئوية لميلاد لينين (ال 22 من إبريل / نيسان عام 1970)، حيث التأم اللقاء في مدينة كراكوف (بولونيا)، التي كان لينين قد عاش فيها بضعة أشهر، وقد نظمت الجهة المضيفة زيارة إلى معسكر أوشفيتز، ولا أنسى مدى تأثري البالغ بما شاهدته وسمعته من أهوال تفوق حدّ التصوّر. ففي ساحة كبيرة وعميقة ذات سقف زجاجي، كانت تتناثر فيها عشرات الآلاف من فرش الأسنان والأحذية والملابس الداخلية والأمشاط والخواتم والساعات والمحافظ والصور والهوّيات الشخصية للضحايا الذين قتلوا في هذا المعسكر، مثلما توقّفت في أماكن أخرى منه عند آلات التعذيب وآثاره المختلفة على الجدران وفي الزنازين والممرّات والقاعات، فقد كان كل شيء فيه يئّنُ من فرط الألم على الرغم من مضي أكثر من عقدين حينها على تحريره. أما الحدث الثاني، فهو الذي لفتت نظري إليه إحدى المستشرقات بشأن «مذكرات» إيغون ردليخ العضو القيادي البارز في المنظمة الصهيونية (ماكابي هاكير)، الذي كتب «يومياته»، وإن كان بحذر شديد خوفاً من وقوعها بيد السجانين، حيث كان نزيلاً في أوشفيتز من عام 1940 لغاية عام 1944. وتكشف «اليوميات»، التي أعدّها للنشر ييرجي بوهاتكا (اسم مستعار) في أواسط السبعينات، التعاون الوثيق بين الصهيونية والنازية بإرسال مئات الآلاف إلى أفران الموت، مقابل إرسال بضع مئات من المتموّلين والقيادات الصهيونية إلى فلسطين، وقد تسنّى لي إعداد وترجمة الحلقات الأربع التي نشرتها مجلة «المنبر»، لنشرها في مجلة الهدف الفلسطينية في أواسط الثمانينات، وكان قد عُثر عليها في سقف أحد البيوت الحجرية في مدينة غودوالدوف التشيكية في عام 1967، في حين أُعدم ردليخ على الرغم من تعاونه مع النازية. كان أدولف إيخمان الضابط النازي الكبير في جهاز القوات الخاصة (SS) المسؤول عن نقل المبعدين إلى معسكرات الإبادة، حيث اتخذ القرار في مؤتمر فانزيه في ال 29 من يناير / كانون الثاني عام 1942، بتنظيم حملة إبادة في معسكر أوشفيتز والمعسكرات الستة الأخرى، بما فيها معسكر النساء «رافينسبروك»، عبر آلة تدمير للقتل الجماعي بدوافع عنصرية استعلائية شكّلت جوهر النظرية النازية للحزب النازي الألماني، وذلك تحت عنوان «الحل الثاني للمسألة اليهودية». جدير بالذكر أن إيخمان اختفى بعد سقوط برلين، وظلّت الموساد «الإسرائيلية» تبحث عنه، حتى توصّلت إلى مخبئه في الأرجنتين، فقامت باختطافه في عام 1960، ونقلته إلى «تل أبيب» فحاكمته ثم أعدمته. أما المسؤول عن المعسكر منذ تأسيسه، فكان ردولف هوس حتى نوفمبر / تشرين الثاني عام 1943. وقد نظّمت عمليات قتل ومحارق في معسكر أوشفيتز - بيركيناو الموسّع، حيث كان الأسرى والسجناء ينقلون إليه من مدينة كراكوف، وكلّما ازدادت أعداد السجناء، كان يتم اللجوء إلى القتل. وبغض النظر عن التهويل أو التقليل من شأن عدد الضحايا، لكن رواية القتل كانت قائمة على قدم وساق، ويوثق متحف المعسكر الضحايا القادمين من هنغاريا وبولونيا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا وهولندا وكرواتيا وتشيكوسلوفاكيا وروسيا والنمسا وألمانيا وغيرها، وقد نجا عدد قليل من المعتقلين لم يزد عددهم على 7 آلاف، ولا سيّما بعد محاولة ال SS تفريغ المعتقل والفرار غرباً مع قوافل الأسرى والسجناء بعد وصول الجيش الأحمر إلى سياج الأسلاك الشائكة. في أوائل عام 1946 سلّمت سلطات الاحتلال السوفييتي أراضي المعتقل السابق إلى بولونيا، وارتفع النصب التذكاري 1979 في مدخله، واعتبرته اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي. سيبقى ما حصل في معسكر أوشفيتز محفوراً في الذاكرة الجماعية العالمية باعتباره من جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، ولا سيّما باستذكار معاناة الضحايا وعذاباتهم، ولعلّ ذلك يذكّر اليوم بما حصل ويحصل للفلسطينيين من مجازر في دير ياسين وكفرقاسم ومذابح الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى وجنين، إضافة إلى مذابح غزة والعدوان المستمر عليها، فضلاً عن حصارها الدامي منذ عام 2007 إلى اليوم. ولا تزال المأساة الفلسطينية ماثلة للعيان وشاهداً حياً على الجرائم «الإسرائيلية»، حيث يحرم الشعب العربي الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانية، وفي مقدمتها حقه في الحياة والعيش بسلام، وتقرير المصير والعودة إلى وطنه وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، بل وأكثر من ذلك أن حقوق الفلسطينيين وأراضيهم هي اليوم أكثر عرضة للمزايدة في سوق النخاسة الدولية، تحت عنوان «صفقة القرن» من دون أي اعتبار إنساني أو حقوقي أو أخلاقي، حيث يجري قضمها وضمها واستيطانها وإجلاء أهلها سكان البلاد الأصليين منها.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طارق الدليمي: -الصديق اللّدود-
-
«الصفقة» من منظور الداخل «الإسرائيلي»
-
-قفص الدجاج -و - القوة الناعمة-!
-
اقتصاديات الثقافة
-
مجلة الهدف (الفلسطينية) في حوار شامل مع الدكتور عبد الحسين ش
...
-
الهند وإدارة التنوع الثقافي
-
«إسرائيل» وقفص الاتهام
-
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى تأسيسها ال52
-
قانون قيصر - الأمريكي-
-
جريمة ساحة الوثبة
-
المثقف الرؤيوي نوري عبد الرزاق: الذاكرة التاريخية والفرادة ا
...
-
الكرد واللغة العربية
-
الضاد تتآكل في صيغتها البليغة ومستواها الحضاري
-
الأديان وحقوق الإنسان : أثمة إشكالية ؟
-
علاقة الفكر بالمجتمع
-
العراق: هل سيتم إعادة تدوير الزوايا..؟
-
الكوموتراجيديا العراقية بين فقه الواقع وفقه الضرورة
-
لبنان.. الوجه الآخر!
-
موريتانيا وتحديات التداول السلمي للسلطة
-
الحوار العربي - الكردي : وقفة مراجعة
المزيد.....
-
ترامب يأمر الجيش الأمريكي بتنفيذ ضربات جوية في الصومال
-
تظاهرات في مدن ألمانية ضد سياسة الهجرة المدعومة من البديل
-
نتنياهو: سنواصل العمل لتحقيق أهداف الحرب
-
شاهد.. نيران وحطام طائرة متناثر في الشوارع إثر الحادث الجوي
...
-
مصر.. اجتماع عربي لرفض تهجير الفلسطينيين
-
صحيفة: في الغرب يدركون أن بوتين يعرف نقطة ضعفهم
-
اختفاء معلومات وبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية من
...
-
السودان.. الجيش يعلن استعادة السيطرة على عدة مدن في ولاية ال
...
-
دانماركي يحرق مصحفا أمام السفارة التركية في كوبنهاغن (فيديو)
...
-
واشنطن: يجب إجراء انتخابات في أوكرانيا
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|