سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 6492 - 2020 / 2 / 16 - 21:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة : لقد عاصرت هذه الثورة منذ ايامها الأولى حيث قدر لى ان اذهب الى الفلبين لاول مرة عام 1983 من القرن الماضى . وترافقت رحلتى الاولى مع اغتيال زعيم المعارضة الليبرالى نينوى اكينو , وشهدت البلاد حركة جماهيرية كبرى , انتهت الى الاطاحة بالرئيس الفليبينى فرديناند ماركوس فى فبراير 1986 . عايشت ايام الثورة فى شوارع مانيلا وبت مع المتظاهرين فى حى لونيتا وعلى طول طريق ادسا بوليفار . وتعرفت على المؤرخ الماركسى ريناتو كونستانتينو – جامعة الفليبين , والشاعر فريدى سالونجا , والمغنى الثورى فريدى اجيلار , ومناضل كان مدخلى لليسار الفليبينى هو الصديق المهندس سيزار فيلاريفا من مقاطعة كيزون . )
********
تم انتخاب الرئيس فرديناند ماركوس عام 1965 رئيساً لجمهورية الفيلبين . وقد أعلن حالة الطوارئ بعد إنتهاء مدة ولايته الثانية فى سبتمبر 1972 فى مواجهة معارضية حيث كان الدستور يمنعه من الترشح لمدة ثالثة .وكانت مبررات ماركوس، فى فرض حالة الطوارئ هى ، توترات الحرب الباردة بما تضمنته من وجود مراكز لتصدير الثورات فى القارة الأسيوية مثل الصين وفيتنام وكوريا الشمالية وكذلك حركة الكفاح المسلح التى بدأها الحزب الشيوعى الفيلبينى بعد تكوين جيش الشعب الجديد فى عام 1968 ، فضلاً عن الصراع الذى قادته جبهة تحرير المورو الإسلامية فى جنوب البلاد .. وقد أعلن حالة الطوارئ بعد إختلاق حادثا مفتعلا لإغتيال الجنرال فير رئيس اركان القوات المسلحة .
بعد إعلان حالة الطورئ انقسمت البلاد الى معسكرين ، معسكر مناهضة ماركوس شكلته عناصر من الطبقة الرأسمالية التى لم يرضها شكل الحكم الذى اعتمد على أقلية ضئيلة إستفادت من وجودها فى موقع السلطة ونهبت البلاد- ماركوس وحده نهب 10 بليون دولار- وكذلك الفلاحون والعمال الذين قادهم الحزب الشيوعى الفيلبينى ( الماوى ) . أما المعسكر الأخر فقد تشكل من أنصار ماركوس ومؤيديه .
فى 21 أغسطس 1983 قررالمعارض بينينيو (نينوى) اكينو عقب إنهاء حالة الطوارئ أن يعود إلى البلاد بعد أن كان منفيا فى بوسطن بالولايات المتحدة فجرى إغتيالة فى مطار مانيلا على يد عناصر من القوات المسلحة الفيلبينية لعدم إمتثاله للتحذيرات بعدم العودة . وقد أثار الإغتيال عاصفة من التحركات الشعبية وتحول نينوى أكينو إلى رمز للمعارضة السياسية . وبسبب ضغوط الولايات المتحدة ، والكنيسة الكاثوليكية ، والضغط الشعبى من أسفل ، وتذمر بعض قطاعات الجيش . دعا ماركوس لإنتخابات رئاسية مبكرة فى عام 1986 . رشحت كورازون ( كورى) أكينو ، وهى زوجة نينوى أكينو ، نفسها لرئاسة الجمهورية ،وباتت هذه الأرملة التى أغتيل زوجها بؤرة لتجمع المعارضة .
جرت الانتخابات الرئاسية وأستخدم ماركوس كل الوسائل الممكنة لتزوير نتيجة الإنتخابات حيث أعلن انتصاره فى نهايتها .
أدى ذلك إلى إندلاع انتفاضة جماهيرية أسميت " سلطة الشعب " أو " ثورة إدسا ". ( إدسا هو أحد الطرق الرئيسة الكبرى فى العاصمة مانيلا). بدأت الإنتفاضة حين أعلن أثنان من كبار قادة القوات المسلحة إحتجاجهما على تزوير الإنتخابات بالنتيجة التى إنتهت إليها وهما : هوان بونسية إنريلى , وفيدل راموس وإعتصما فى ( معسكر كرامه ) وكتلا بعض رجال القوات المسلحة المعارضين حولهما .( الجيش الفيلبينى جيش مسيس بل وله فى بعض الأحيان تنظيماته نصف السرية / نصف العلنية )
أعلن قسم آخر من القوات المسلحة إنضمامه ودعمه لماركوس ( الجنرال فير ، العقيد جريجوريو هوناسان ) وتجمعوا فى معسكر مقابل لمعسكر كرامه يدعى أجينالدو وبدا أن حربا أهلية توشك أن تبدأ . دعا الكاردينال جايمى سين أسقف مانيلا ( سمى فيما بعد صانع الملوك ) جماهير الشعب للنزول إلى الشارع وتشكيل درع بشرى أمام معسكر كرامه للحيلولة بين القوات المناصرة لماركوس فى المعسكر المقابل من أن تبدأ معركة عسكرية ... ركعت الراهبات أمام الدبابات وتآخى الشعب مع الجنود وكان تردد ماركوس فى إصدار الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين أحد أسباب " سلمية " الإنتفاضة .
فى مواجهة تلك الحركة الجماهيرية الواسعة وبتأييد من الولايات المتحدة هرب ماركوس إلى هاواى مع زوجته ، مصطحبا الجنرال فير ، وباتت أكينو رئيسا للبلاد .
ويمكن تلخيص "سلطة الشعب" أو " ثورة إدسا " بأنها كانت تحالفا بين أقسام من البورجوازية المستبعدة من السلطة ، مع الكنيسة ، وبعض العسكريين المناوئين للنظام ، والولايات المتحدة التى رأت فى إستمرارماركوس إضراراً بمصالحها ، بإستخدام القوى الشعبية ووضعها فى مسار يهدف الى خدمة مصالح الرأسمالية الفيلبينية المتحالفة مع الغرب . وهكذا فإن ما تمخض عنها كان (ماركوسية بدون ماركوس) , وقد كشفت عن وجهها الطبقى حين واجهت فلاحى منديولا المطالبين بإصلاح زراعى ( 1987) بمذبحة قتلت العديد منهم ، وبإغتيال قيادات عمالية وشيوعية ، وبالإستمرار فى منح القواعد العسكرية للولايات المتحدة ... وبمحاولة تصفية جيش الشعب الجديد ، وبخلقها عصابات مسلحة من البروليتاريا الرثه , وقطاع الطرق لمواجهتة .
ينبغى أن نؤكد على أن تلك الإنتفاضة كانت شعبية الطابع بمعنى أن مليونين من الكادحين / العمال / البورجوازية الصغيرة ( المدينية ) مع غلبه الاخيرة قد خرجوا فى عمل سياسى مباشر ضاغطين من أجل الإطاحة بدكتاتورية ماركوس ، وبينما كانت الجماهير تتظاهر , كان الكاردينال جايمى سين يدعوها لصلاة كنسية من أجل إزاحة سلمية ، وإنتقال سلمى للسلطة .
نظرا لغياب قيادة ثورية ماركسية تستهدف إقامة سلطة الطبقة العاملة , فقد قادت هذه الانتفاضة أقسام من الطبقة الحاكمة وتحت شعارتها التى تعبر عن مصالحها فقط ، ورغم إسهام الطبقة العاملة الرئيسى فى الانتفاضة فإنها لم تشارك فى ال " سلطة " أو تستفيد من ثمارها ، حيث لم تتوجه تلك الإنتفاضة إلا الى الإطاحة بأفراد ، لحساب أفراد آخرين ( فئه طبقية) مستخدمين الحركة الشعبية .
ولم يكن هناك أى بديل إشتراكى مطروح لنظام ماركوس المتعفن .
إن الإنتقال من " سلطة الشعب" كما تجسدت تاريخيا إلى سلطة المنتجين الكادحين كان يتطلب أن تتجاوز الطبقة العاملة وعيها السياسي وأن تخلق من بين صفوفها قيادة ثورية مدركه للواقع وإمكانات آفاقه .
لقد دخلت الماركسية الفليبين مع بدايات القرن العشرين على يد نقابى كان معتقلا فى اسبانيا متأثرا بالمذاهب الفوضوية ، يدعى إيزابيلو دى لوس رييس.
وفى عام 1930 تأسس الحزب الشيوعى الفليبينى على يد كريسانتو إيفانجليستا وبعض قادة الطبقة العاملة الذين تأثروا بالثورة الروسية .
أضطهد الحزب الشيوعى الفليبينى من قبل السلطات الإستعمارية الأمريكية التى تحتل البلاد فأضطر للإنتقال للعمل السرى : وفى عام 1937 أطلق سراح القادة المعتقلين ونشط علنيا مرة أخرى . وفى عام 1938 إندمج مع الحزب الإشتراكى الذى ترأسه بدرو أباد سانتوس .
حين إحتل اليابانيون مانيلا عام 1942 اعدمو سانتوس وإيفانجليستا .
شكل الحزب الشيوعى جيشا شعبيا لمناهضة اليابان ( هوك بالاهاب ) ظل موجودا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية إلى أن تمت تصفيتة علم 1957 بتدخل أمريكى مباشر .
إثر الخلاف الصينى السوفياتى فى ستينيات القرن الماضى أنقسم الحزب الشيوعى الفليبينى عام 1968 إلى قسمين قسم يناصر خط موسكو آنذاك بقيادة ( هوسيه لافا ) ، والقسم الآخر يناصر الخط الصينى حرفيا بقيادة ( هوسيه ماريا سيسون ) . وكلا الخطان لم يعبرا بالفعل عن الضرورات الثورية التى كانت تمليها الأوضاع القائمة . فكليهما اعتبر الفليبين تمر بمرحلة الثورة الديمقراطية ، لذا طرحا أن هناك جناحا داخل البورجوازية يتعين التحالف معه مما أدى إلى وضع الطبقة العاملة ذيلا دائما للبورجوازية ، ووضع سياسات الحزب الشيوعى فى خانة الإنتهازية .
لقد رأى الحزب الشيوعى الفليبينى ( الماوى) أن الفليبين مجتمع شبه إقطاعى شبه مستعمر , ومن ثم يتعين الصراع ضد كبار الملاك والمستعمرين بالتحالف مع البورجوازية الوطنية ( خط المرحلتين الشهير المدمر للثورة ) دون إدراك لهيمنه العلاقات الرأسمالية من الناحية الأساسية فى الريف , والمدينة , وإرتباط الإقتصاد " المحلى " بالإقتصاد الرأسمالى العالمى . وعدم إمكان تكرار تجربة الثورات البورجوازية الغربية .
وبينما اعتمد ح.ش.ف ( موسكو) على النضال السياسى المدينى أساسا فقد إنتج الماويون خط الكفاح المسلح . فبعد أربع إلى خمس شهور من الإنفصال عن الموسكوفيين بدأو فى تشكيل جيش الشعب الجديد ذى القاعدة الفلاحية , وإنتهجوا تاكتيك الحرب الشعبية طويلة الأمد بهدف محاصرة المدينة من الريف ، وبلغ عدد أعضاء هذا الجيش الذى بدأ بحوالى 600 مقاتل ، 200 ألف مقاتل جيد التسليح ، وتمكن هذا الجيش المنتشر فى انحاء الأرخبيل الفليبينى من أن يقيم حكما تحتيا غير منظور فى أجزاء كثيرة من البلاد .
كما شكل ذات الحزب الجبهة الوطنية الديمقراطية ، وحزب واجهه :هو حزب الوطن : فضلا عن عدد من المنظمات العمالية النقابية , ولم يكن مسعاه يتجاوز إقامة " حكومة ثورة شعبية " عبر مرحلتين ثوريتين : ثورة وطنية ديمقراطية , تتبعها ثورة إشتراكية ، تقودهما البروليتاريا .
لقد أدت هذه المفاهيم النظرية والسياسية الدوجماتية إلى ذيلية وعزل ح . ش. ف، فقد اعتبر الإنتخابات الرئاسية بين ماركوس واكينو بمثابة أمر " عائلى " داخل السلطة الحاكمة , وطلب من القاعدة العمالية عدم المشاركة ، وحين شارك العمال أخضعهم للسياسة البورجوازية ، وفى الوقت الذى دعت فيه كورى أكينو إلى القيام بعصيان مدنى ونزل مليونان إلى الشوارع ، لم يوجه الحزب قاعدته العمالية النقابية العريضة لأى عمل مستقل فضلا عن إضاعته فرص حوار مع جماهيره للتوجه نحو الإطاحة بالنظام ككل بدلا من إحلال فئة طبقية محل أخرى . لقد انشدت جماهير عريضه الى معمعه الإنتخابات وأسهمت فى نشاط سياسى عملى مباشر ، وانشقت صفوف الطبقة الحاكمة وبعض أعمدتها ، الجيش والكنيسه .... لقد توفرت كل علائم الوضع الثورى عدا وجود قيادة ثورية . كان يمكن لدعوه النقابات العمالية الى الإضراب السياسى العام وعزل نفوذ البورجوازية وممثلها الدينى الكنيسه أن تفتح الطريق أمام الطبقة العاملة ومجالسها العمالية وميليشياتها الشعبيه ، خاصة مع وجود جيش الشعب الجديد فى المناطق الريفية ، وأن تتحول الإنتفاضة فى العاصمة مانيلا إلى انتفاضة قومية تشمل الأرخبيل الفليبينى كله . وهكذا فاتت فرصة تاريخية نادره بسبب غياب القيادة الثورية . إن القطيعة مع الخط السياسى للحزب الشيوعى الفليبينى باتجاهيه مثلت شرطا ضروريا لإنطلاق الثورة الفليبينية بما تفترضه من التحرر من الصيغ الدوجماتية القديمة سوفيتية كانت أم صينية . حيث يتعين بناء حركة يتلاحم فيها العمال والفلاحين الفقراء بالدرجة الأولى من أجل مصالحهم هم لا لحساب مصالح هذا النفر أو ذاك فلا أكينو ، وكذلك راموس واسترادا وآرريو فيما بعد ، وهو ينتمون للرأسمالية ومن كبار ملاك الأرض سوى واجهه ديمقراطية فاسدة يمكنهم أن يحققوا مصالح العمال وفقراء الفلاحين " الاصلاحية " فضلا عن الأساسية " الجذرية " وهم على إمتداد فترات رئاستهم لم يحققوا لهم شيئا سوى القمع المتواصل .
ديقراطية عمالية فى مواقع العمل ، وفى المزارع الكبرى ، هى التى يمكن أن تقيم سلطة المنتجين .
لقد آن الآوان لدفن كل أشكال الجبهات مع الاتجاهات البورجوازية " التقدمية " أو السياسيين البورجوازيين " التقدميين " أو العسكريين " التقدميين " أى بإيجاز الإستراتيجية الستالينية والماوية كشرط أساسى لبناء قيادة ثورية عملا لا قولاً .
لقد وصفت سياسة الحزب الشيوعى الفليبينى ( الماوى ) من أحد الثوريين بأنها جرعة مزدوجة من السم " لأنها تروج الأوهام حول نظام أكينو وتعتبره حليفا يتعين مساندته فى لحظة ، وحين يلوح فى الأفق احتمال ظهور دكتاتورية عسكرية ، فإنهم ينزعون سلاح الطبقة العامله بالقول بأن مثل هذه الدكتاتورية سوف تسرع من إنتصار القوى الثورية .
هناك مثل فيلبينى يقول :
MASAMANG DAMO MATAGAL MAMATAY
أى أن " العشب الضار يموت ببطء"
ولعله قد بات من الضرورى إقتلاع هذا العشب الضار فى مناطق كثيرة من عالمنا بدلا من إنتظار موته البطىء .
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟