|
المعركة من أجل بقاء -بيمبو-
محمد شيرين الهوارى
الحوار المتمدن-العدد: 6491 - 2020 / 2 / 13 - 23:27
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مقدمة نحو التأسيس لمفهوم جديد عن الصناعة بداخل إطار اشتراكى فى عصر العولمة
بقلم: محمد شيرين الهوارى الخبير فى الاقتصاد السياسى
لفت انتباهى تصريح صدر مؤخراً عن السيد جمال نجم، نائب محافظ البنك المركزى خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الصناعة بمجلس النواب المصرى حيث أدعى أن "الدراسات الاقتصادية تقول أن ضخ دولار واحد فى القطاع الخاص يحقق مردود فى التشغيل والإنتاجية أكبر بثلاث مرات عن الدولار الذى يتم ضخه فى القطاع العام"(1). وأنا فى الحقيقة لا أعلم إلى أى دراسات اقتصادية تحديداً يستند جمال نجم فى كلامه هذا ولا متى صدرت وأين تم احتساب هذه النسب ولكن ظنى الشخصى أنها، إن وجدت فعلاً وكانت تتحدث عن مصر تحديداً، لن يقل عمرها عن عشرة سنوات بأى حال من الأحوال لأن تلك النسب هى اليوم فى الواقع أعلى من ذلك بكثير واستثمار دولار واحد فى القطاع الخاص قد يوازى فى جدواه بحساب الأرباح والخسائر ما يزيد عن ستة أو سبعة دولارت مُستثمرة فى القطاع العام، بما فى ذلك قطاع الأعمال العام. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هنا منطقياً هو "هل هذا شئ كامن فى باطن طبيعة الأمور أم أنه ناتج مُصطنع أفرزته سياسات اقتصادية معادية بوضوح لمصالح القطاع الأعرض من جماهير الشعب ومُجاملة فى جوهرها للأكثر ثراءً وشديدى الثراء؟" هذا هو السؤال الذى سأحاول الإجابة عليه فى هذه الورقة المُختصرة والتى لا أعتبرها سوى مقدمة موجزة قد يُمكن فيما بعد البناء عليها لمحاولة فهم إشكالية الاتساق، أو بالأحرى "عدم الاتساق"، ما بين النسق الاقتصادى الذى ظهر فى عصر توحش العولمة منذ بدايات القرن الحادى والعشرون مع تبلور النظرية الليبرالية الجديدة ("النيوليبرالية") من ناحية وما يحقق العدالة الاجتماعية لبسطاء المواطنين عامة، والعمال خاصة، من ناحية أخرى. وليس هدفى هنا بالضرورة هو شن هجوم على الحكومة المصرية ولا شجب سياساتها الاقتصادية ولكننى سأخذها مثالاً عمليا أو دراسة حالة Case Study لشكل فج من أشكال هذا التضارب كما نراه وقد أصبح الآن نمطاً معتاداً فى العديد من الدول النامية، سواء فى أسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية والجنوبية، مما يؤكد على أن الإشكالية فى جوهرها إشكالية عالمية لا تخص فى الأساس بلدان معينة ولكن توجد لدى حكومات الدول المختلفة أدوات تمكنها من أن تقلل على أضعف الإيمان من قسوة مردود هذا التطور على رعاياها إن اختارت مثل هذا المسلك. كما رأيت أن قطاع الصناعة ربما يكون هو الأكثر ملائمة لتوضيح ما أقصد حيث أن قطاع الصناعة وبجانبه القطاع الزراعى بالطبع هى المُعبرات الاقتصادية الحقيقية بينما لا تتعدى القطاعات الخدمية والتجارية كونها أنشطة مُساندة قد تكون مهمة فى بعض الأحيان ولأداء وظائف مُحَدَدة لكنها ليست مُحَدِدة (مع مراعة التشكيل لإبراز المعنى) ولا يُمكن قياس الأوضاع الاقتصادية عليها. وبالعودة إلى تصريح السيد جمال نجم أكرر وأقول أن هذه الأرقام صحيحة وهى غالباً ما تُجامل حتى القطاع العام أو قطاع الأعمال العام وتُنسب إليه إنتاجية غير موجودة فعلياً. إلا أنه يُمكن تفسير هذا ببساطة من خلال أربعة محاور خلقت ذلك الوضع وأدت إليه فى مصر قصداً عمداً ليس فقط منذ أن تولى د/عاطف عبيد رئاسة الوزراء عام 1999 ولكن فى الواقع منذ أن تم تعيينه وزيراً لقطاع الأعمال العام سنة 1993. هذا مع التأكيد على أن الأمر يتعدى كثيراً مجرد الأشخاص، بل يتعلق برسم عام للسياسات وليست المشكلة فى "وزير أو غفير". وتتمثل العوامل الأربعة المُشار إليها فى كل من الآتى: - عدم تحديث خطوط الإنتاج وضعف سلسلة الإمداد بالخامات وعدم تطوير المُنتج - عدم حماية المُنتج المحلى عامة ومُنتج القطاع العام على وجه التحديد - إنعدام الشفافية فى التعامل مع نصيب العاملين من الأرباح والحوافز والحجر على حقوقهم - تعميق استغلال العامل فى القطاع الخاص بما يرفع ربحية الشركات لتبدو أكثر جدوى
أولاً: عدم تحديث خطوط الإنتاج وضعف سلسلة الإمداد بالخامات وعدم تطوير المُنتج وهذه الإشكالية فى الحقيقة هى الأكثر ظهوراً للعيان ويعرفها القاصى والدانى وتشتكى منها العمالة مر الشكوى منذ عقود. فليست كل شركة تماثل فى وضعها حالة "الشركة القومية للأسمنت" التى كان غلقها فى وجهة نظرى مُبرراً بدرجة كبيرة، ليس بالضرورة لتفاقم خسائرها ولكن أيضاً لكون المصنع قد أصبح داخل الكردون السكنى للمدينة مع الامتداد العشوائى للنشاط العمرانى بما كان يمثل ضرراً بيئياً كبيراً من ناحية وإهدار فج لقيمة الأراضى المُقام عليها المنشأة الإنتاجية بالإضافة إلى صعوبة المنافسة فى سوق الأسمنت تحديداً حيث أصبح المعروض أعلى من الطلب بكثير بعد دخول كبريات الشركات العالمية هذا المجال فى مصر مثل Cemex المكسيكية وLafarge الفرنسية وHeidelberg Cement الألمانية وشركتها الإيطالية التابعة Italcementi ثم زيادة استثمارات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة فى هذا المجال بافتتاح مصنع "أسمنت بنى سويف" الذى يُعد أكبر مصانع الأسمنت فى مصر. وهذه أنواع من المنافسة سنتعرض لها فى النقطة التالية لدى الحديث عن عمليات حماية مُنتج القطاع العام. وهناك فى الحقيقة مجموعة شركات أخرى تماثل مشكلاتها مشكلة "القومية للأسمنت" من حيث وقوعها بداخل الكتلة السكانية – وإن كان إنتاج معظمها غير ضار بالبيئة – وتحقيقها خسائر كبيرة ولكن الجزء الأكبر من هذه الشركات وبعكس "القومية للأسمنت (لأسباب يطول شرحها) قابل لإعادة الهيكلة والتحول من الخسارة إلى الربحية والنقل إلى إحدى المدن الصناعية الجديدة التى تصرف الدولة عليها المليارات أو تخسرها من مواردها فى سبيل إجتذاب المطورين الصناعيين كى يقوموا هم بالتجهيز والترفيق. ولكننا بدلاً من ذلك نرى تلك المصانع وهى تُهمل إهمال شبه كامل حيث لا يتم تطوير خطوط الإنتاج ولا شراء معدات وماكينات جديدة ولا رفع كفاءة ومستوى مهارات العاملين ثم يقول أحد أن العيب فى فكرة أو مبدأ القطاع العام. وحتى الماكينات القادرة على الإنتاج غالباً ما تكون مُعطلة لنقص الخامات المطلوبة لذلك نظراً لعدم توافر السيولة اللازمة وتعنت أجهزة الدولة فى فتح الاعتمادات اللازمة دون سبب وجيه. هذا وحتى إن جاءتها فرصة التطوير والنهوض بمصنع من المصانع نجدها ترفض ذلك بحجج واهية مثلما حدث عندما رفضت لجنة البت المنعقدة بالشركة القابضة للصناعات المعدنية عرض شركة "ميت بروم" الروسية لتطوير مصنع "شركة الحديد والصلب المصرية" – رغم أنه كان العرض الوحيد المُقدم لها – مبررة ذلك بأن عرض الشركة الروسية لا يتوافق مع الحد الأدنى للإيرادات والاستثمارات المطلوبة (2)وهو ما يفتقد أى منطق لو أعتبرنا أن الهدف هو إنقاذ الشركة والحفاظ على ما توفره من وظائف وتقوية الإنتاج الوطنى وليس أن تدر عائداً مادياً مباشر على الدولة يزيد عما يحق لها كضرائب وليس أرباح تجارية. هذا مع الإشارة إلى أن الشركة الروسية بما أنها بالتأكيد تريد تحقيق أرباح، لا يبدو معقولاً أن يكون تصورها عن الإيرادات والاستثمارات غير كافٍ. وومن هذا المنظور تُضفى تلك الحالة، وهى لا تختلف فى جوهرها عن حالات عديدة أخرى، صبغة واضحة مؤداها غياب الإرادة السياسية فى الحفاظ على الصناعة الوطنية وأن تدميرها متعمد ومرغوب فيه. ليس المطلوب إذن إضاعة المال العام فى مشروعات لا جدوى اقتصادية منها كما قد يتصور التيار الليبرالى الذى أصبح لا يختلف كثيراً عن أسوأ أشكال الرأسمالية المُستبدة، بل المطلوب هو فقط تسليح شركات القطاع العام بنفس الأدوات المُتاحة للشركات الخاصة وليس غلقه مادام يستطيع منافسة مُنتج القطاع الخاص من حيث الجودة والسعر. ومن منطق ليبرالى بحت سيكون لذلك أيضاً مردود إيجابى على الأسواق وتحمى المستهلك من جشع شركات القطاع الخاص المُبالِغة فى أسعارها. فلتكن إذن المنافسة يا أصدقائى الرأسماليين، أليس هذا هو ما تنادون به؟ خاصة وأننى هنا لا أتحدث عن نمط الإنتاج الناصرى الذى كان سائداً فى الخمسينيات والستينيات حتى جاء التحول الطفيلى الشهير على يد الرئيس الأسبق أنور السادات.
ثانياً: عدم حماية المُنتج المحلى عامة ومُنتج القطاع العام على وجه التحديد من حق المُنتج المحلى ومُنتج القطاع العام على وجه التحديد أن يحظى بنوع من أنواع الحماية، حتى فى زمن السوق الحر والنيوليبرالية وعصر العولمة وتقدم على ذلك كبريات الدول الرأسمالية منذ زمن طويل، بعيداً حتى عما يفعله مؤخراً الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لدرجة انقلب معها الخطاب الأيديولوجى رأساً على عقب جعلت حتى الصين تتهم الولايات المتحدة بالإضرار بالتنافسية فى الأسواق العالمية. إلا أنه وقبل أن يصبح ترامب رئيساً لقلعة الرأسمالية العالمية كانت هناك سياسات حمائية واضحة فى مناطق عديدة من غرب أوروبا، خاصة فى فترة الحرب الباردة وبالتحديد فى سياسة الإنتاج الزراعى والحيوانى فى فرنسا وألمانيا اللذان كانا وبدرجة كبيرة لا يزالا يضعان قيود نسبية Quotas على استيراد هذه النوعية من المنتجات ويتحدثان كل يوم مرتان أو ثلاث على الأقل عن وجوب احترام أسس السوق الحر والسموات المفتوحة وأهمية رفع الحواجز الجمركية وغير الجمركية لتسهيل حركة التجارة الدولية وما شابه من شعارات فارغة حفظناها ظهراً عن قلب. لست أريد العودة إلى سياسات حظر الاستيراد على طريقة حسنى مبارك فى منتصف الثمانينيات ولا أرى معنى كبير لفكرة فرض الضرائب والجمارك المُبالغ فيها على المُنتجات المستوردة ولكن من حق الدولة مثلاً حتى فى ظل النظام العالمى الحقير الحالى أن تعفى المُنتج المحلى الذى يجد منافسة شرسة من منتجات مماثلة مستوردة من جزء من الضرائب والرسوم حتى يستطيع الصمود أمام واردات الخارج التى تجد كل الدعم من حكوماتها وذلك بدلاً من التركيز الحالى على دعم الصادرات لمجرد جلب حفنة من الأوراق الخضراء تزيين صورة الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى وتزيد من مساحاته للتباهى على صفحات الجرائد وفى البرامج التليفزيونية. هذا مع العلم أن الصادرات المصرية ستظل فى مجملها غير قادرة على المنافسة فى الأسواق العالمية لمدة عشرة سنوات مقبلة على الأقل مهما فعلنا أو فعلت الدولة. الحل إذن فى دعم المنتج المصرى فى السوق المحلى وليس أسواق الخارج. ونخص بالذكر هنا القطاع العام الذى يمكن ببساطة شديدة إعفاءه من الضرائب كلياً دون أن يكون فى ذلك شبهة عدم العدالة تجاه القطاع الخاص الذى لديه طرق وأساليب قانونية عديدة لتخفيض حمل الضرائب عليه لا تتوفر للقطاع العام (3) ولن أتحدث هنا عن الطرق غير القانونية حتى نظل على مسار موضوعى قابل للتعميم. كما أن حماية ودعم مُنتج القطاع العام لا يتنافى وقواعد عدالة المنافسة مع القطاع الخاص أيضاً لأن القطاعين فى العادة وبطبيعتهما التاريخية لا يستهدفان نفس المستهلك. فمن يأكل شيكولاتة "كورونا" لا يأكل شيكولاتة "كادبورى" والعكس صحيح إلا فى بعض حالات الشجن ومن يستخدم مسحوق غسيل "برسيل" لن يلجأ لمسحوق "رابسو" وهكذا. ولقد رأينا هذا كثيراً فى التسعينيات وأوائل القرن الحالى عندما كانت المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزراة التموين تجاور أفخم سلاسل المتاجر العالمية بما تعرض من منتجات مرفهة ولم نسمع شكوى من تلك السلاسل، فلماذا يكون التغيير الآن من الأساس إلا على سبيل الخدمة المجانية لرجال الأعمال والشركات متعددة الجنسيات لتسيطر على الأسواق إنتاجاً وتوزيعاً وأيضاً تعجيزاً للمستهلك منخفض الدخل وهذا فى حد ذاته مخالف لقواعد السوق الحرة التى يطلبها البعض. كما أن القطاع الخاص لن يستفيد كثيراً من تدمير القطاع العام لأن أسعار منتجاته ستظل تشكل حائلاً مستعصياً أمام أن يقتنوها بسطاء المواطنين مهما كانت حاجتهم إليها وبالتالى لن تُضاف فئة جديدة إلى قاعدة عملائه إلا إذا كان الأمر برمته ضمان للشركات المذكورة لأنها فى الأساس تخشى أن تقف أمام القطاع العام الذى أثبت فى عدة حالات قدرته على الخروج بمنتج مرتفع الجودة وبسعر عقلانى إذا اتيحت له الفرص والإمكانيات، فأسرعت الدولة بوضع العراقيل أمامه كى تجهض مثل هذا التوجه. كما تجب حماية الصناعة المحلية والعامة من توغل الشركات الأجنبية والشركات التابعة للقوات المسلحة لأن مجرد وجودها يمثل منافسة غير العادلة. لن أنادى بالاشتراكية إذن ولكن: فلتكن المنافسة يا أصدقائى الرأسماليين، أليس هذا هو ما تنادون به؟
ثالثاً: إنعدام الشفافية فى التعامل مع نصيب العاملين من الأرباح والحوافز والحجر على حقوقهم ليس بجديد أبداً بالطبع تعامل الدولة المصرية مع العمال، خاصة الصناعيين منهم باعتبارهم كائنات لا حقوق لها أو أعداء أو يرونهم فى أحسن الأحوال شر لابد منه كى تتحقق مصالح البيروقراطية أو النخبة الحاكمة أو طبقة رجال الأعمال. حتى فى مصر ما بعد حركة 1952 تم إعدام خميس والبقرى لمجرد تصدرهم مشهد مطالبة العمال بحقوقهم المشروعة بتصديق من محمد نجيب وإن كان يُقال أن عبد الناصر وخالد محى الدين ويوسف صديق عارضوا الحكم وقتها. ومن بعدها اتخذ اضطهاد العمال مناحى عدة ما بين تقييد العمل النقابى وسجن النشطاء العماليين وإصدار قوانين مجحفة تحرمهم من أبسط حقوقهم. ولكن بما أن هذه الورقة ليست بورقة سياسية، دعونى أركز هنا على الجانب الاقتصادى البحت. كيف لنا أن ننتظر إنتاجية مرتفعة كماً وعالية الجودة من عامل لا يحصل سوى على راتب متدنى ولا يُعطى له ما يستحقه من أرباح وحوافز؟ كيف لنا أن ننتظر إنتاجية مرتفعة كماً وعالية الجودة من عامل يتعذب كل يوم صباحاً ساعتين وثلاثة ساعات فى مواصلات غير آدمية حتى يصل إلى محل عمله ومثلهم فى المساء كى يعود إلى المنزل؟ كيف لنا أن ننتظر إنتاجية مرتفعة كماً وعالية الجودة من عامل لا يعرف حتى ما إذا كان يحصل على حقوقه من الأرباح والحوافز غير منقوصة أم لا؟ لن أطالب هنا بزيادة الحد الأدنى للأجور ولا برفع نصيب العمال من الأرباح ولا زيادة أجورهم لأن مثل تلك الموضوعات ليست بالبساطة التى قد يتخيلها البعض وتخضع للعديد من الحسابات شديدة التعقيد وفى بعض الأحيان تؤثر زيادة واسعة النطاق للرواتب والدخول عامة بالسلب على القدرة الشرائية لمن يتقاضون هذه الزيادة، خاصة إذا ما كانوا من موظفى الدولة أو العاملين بالقطاع العام. ولكن دعونى أفترض هنا – وبما يتناقض مع قناعاتى أنا الشخصية من الناحية الأيديواوجية – أن منهج "ربط الأجور بالإنتاج" هو منهج سليم من حيث المبدأ: أليس من حق العامل فى مثل تلك المنظومة الاطلاع تفصيلاً على ميزانيات الشركة كى يكون مُلماً بتركيب العناصر المُكونة لما يتقاضاه من أنصبة فى الأرباح وأن يكون مشاركاً من خلال لجنته النقابية أو النقابة العامة أو المستقلة المُمثلة له فى إعداد هذه الميزانيات ويكون له حق حق إبداء الرأى والقبول والرفض لبنود الصرف؟ أليست هذه المعطيات هى التى تفرز عاملاً مُنتجاً، قادر على منافسة مصانع القطاع الخاص؟ الحقيقة هى أن عامل مظلوم لا يُمكن أبداً أن يكون عاملاً مُنتجاً. كما أن إعطاء العامل حقه من الأرباح لا يمكن أن تتولد عنه ضغوط تضخمية مثلما هو الحال بالنسبة لمجرد رفع الأجور أو الحوافز غير الناتجة عن إيرادات النشاط أو زيادة فى الأرباح. نعرف جميعاً الفساد المُتفشى فى قطاع الأعمال العام الذى يُسرق ويُنهب كل يوم وبالتالى تكون الرقابة الإضافية الفعالة عليه خير ضمانة للحد منه والرقابة الأفضل بالطبع هى رقابة أصحاب المصلحة الأصليين، أى العمال. إن تحقق ذلك، يُمكن فعلياً مسائلة العمال إذا ما قصروا فى الإنتاج ولم يستغلوا خطوط الإنتاج الحديثة التى اتيحت لهم والخامات الوفيرة التى تم إمداد المصنع بها الاستغلال الأمثل. ومن السذاجة هنا الاكتفاء بأقوال البرجوازية المصرية المعتادة بأن "العامل المصرى كسول" و"العامل المصرى يقضى يوم عمله فى قراءة الجرائد وشرب الشاى" و"العامل المصرى يفطر بمحل عمله فى ساعة ونصف" وهى إدعاءات لا أعرف فى الحقيقة من أين أتت ولا ما يدعمها من أدلة، حيث بكل تأكيد لا تكفى الملاحظات أو الخبرات الشخصية الحياتية وهى بالتالى ليست أكثر من حجة البليد. ببساطة متناهية: إن حصل عامل القطاع العام على حقه كاملاً وأشرك بشكل حقيقى فى إدارة شركته وكان هناك ما يكفى من الشفافية فى كيان المؤسسة التى يعمل بها ككل، سيكون قادراً على إنتاجية تفوق إنتاجية القطاع الخاص من حيث الكم والجودة ويكون منافساً شرساً له. فلتكن إذن المنافسة يا أصدقائى الرأسماليين، أليس هذا هو ما تنادون به؟
رابعاً: تعميق استغلال العامل فى القطاع الخاص بما يرفع ربحية الشركات لتبدو أكثر جدوى دون الخوض فى التفاصيل، فلكل مقامٍ مقال، ولكن بشكل عام يجوز لنا القول أن قوانين وأعراف العمل السائدة فى مصر تتيح لأصحاب الأعمال فى القطاع الخاص استغلال العمالة الموجودة لديهم بكافة الأشكال. وأنا هنا أقصد تحديداً العمالة الصناعية Blue Collar Workers وليس العمالة الإدارية البرجوازية فى أغلبها White Collar Workers. صحيح أن عامل القطاع الخاص يتقاضى راتب أكبر وربما يحيا حياة أفضل نسبياً من نظيره فى القطاع العام ولكن ما يبذله فى المقابل من جهد يفوق هذه الزيادة بمراحل ويؤدى إلى تعظيم ربح الشركة من خلال استغلال العمالة وزيادة الثراء الفاحش لأصحاب هذه الشركات أو المساهمين فيها وهو أمر غير متاح بنفس هذا الشكل فى القطاع العام حيث نرى الشركات الخاصة وهى تستنزف عمالتها إلى أقصى حد ممكن وبمجرد أن يؤثر ذلك الاستنزاف على جودة أدائهم، يتخلصون منهم ويستبدلونهم بآخرين أصغر سناً وأوفر جهداً أو كما يقول المثل الشعبى المصرى الشائع "خدوهم لحم ورموهم عضم". ومن هنا يبدو الأمر بالطبع وكأن القطاع الخاص بطبيعته أكثر فعالية من حيث المبدأ وأن القطاع العام غير قادر على الأداء بنفس المستوى وهى أكذوبة كبرى. دعونا نعطى عامل القطاع الخاص حق التنظيم غير المُقيد وحق المشاركة باتخاذ القرارات فى شركته ودعونا أيضاً نغلق كافة الثغرات الموجودة فى القانون الحالى التى تتيح لصاحب العامل استغلال عمالته ثم التخلص منها كالنفاية ومن بعد ذلك يمكننا عقد مقارنة عادلة بينه وبين عامل القطاع العام وقدراتهم الإنتاجية. فلتكن إذن المنافسة يا أصدقائى الرأسماليين، أليس هذا هو ما تنادون به؟
دعونا إذن نخوض المعركة. المعركة من أجل بقاء "بيمبو"، تلك الحلوى المصنوعة من البسكوت والشيكولاتة والتى لها مكانة خاصة فى قلوب الجيل الأكبر من المصريين والتى هى من صنع القطاع العام.
(1) نقلاً عن موقع "Cash News" بتاريخ 10 فبراير 2020 (2) نقلاً عن جريدة "البورصة" بتاريخ 9 مايو 2019 (3) تحويل الأرباح إلى شركات الملاذات الضريبية Offshore Tax Havens أو الاستفادة من محفزات قانون الاستثمار الجديد أو تجزئة الشركات إلى كيانات أصغر إلخ
#محمد_شيرين_الهوارى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زمن عاطف عبيد.... وأهو قضاء أخف من قضاء
-
على رصيف النترو
-
الضربة القاضية للشعب - الإجهاز على القليل المتبقى من الأدوات
...
-
فتح عينك، تاكل ملبن - أفكار ومقترحات لإصلاح المنظومة الضريبي
...
-
كوكى كاك - صناعة الدواجن نموذجاً على إشكالية الصناعات الغذائ
...
-
استراتيجيات تقليص الدعم - قراءة فى التجربة المصرية من منظور
...
المزيد.....
-
عالم روسي: الغرب يطرح مشكلات علمية زائفة من أجل الربح
-
مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال
...
-
مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة
...
-
وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد
...
-
الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال
...
-
العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال
...
-
تبون يصدّق على أكبر موازنة في تاريخ الجزائر
-
لماذا تحقق التجارة بين تركيا والدول العربية أرقاما قياسية؟
-
أردوغان: نرغب في زيادة حجم التبادل التجاري مع روسيا
-
قطر للطاقة تستحوذ على حصتي استكشاف جديدتين قبالة سواحل ناميب
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|