|
واقع حال الطفولة العراقي 2
كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)
الحوار المتمدن-العدد: 1570 - 2006 / 6 / 3 - 08:36
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
سوء التغذية ينهش بأجساد أطفالنا
لن نخوض بتفاصيل الأزمة الإقتصادية الراهنة في العراق- نترك ذلك للإقتصاديين. لكننا نلفت الإنتباه هنا الى جوانب من تداعياتها على الأطفال، وتحديداً سوء التغذية، والتسرب من المدارس والأمية، وعمالة الأطفال وأخطارها..
لعل خير مؤشر على تدهور الأوضاع الإقتصادية والمعاشية للأسرة العراقية هو إنعدام الأمن الغذائي،حيث أعلن د. برهم صالح -وزير التخطيط والتعاون الانمائي المنتهية ولايته، وجود ما يزيد عن 4 ملايين عراقي يعانون من إنعدام الأمن الغذائي، محذرا من زيادة العدد الى نسبة 47 % من المجتمع في حال إلغاء البطاقة التمونيية التي يعتمد عليها منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع الجهاز المركزي للاحصاء للاعلان عن نتائج المسح الخاص بتحليل الامن الغذائي والفئات الهشة عن شهر آيار 2005 الذي نفذته الوزارة مع برنامج الغذاء العالميWFP وشمل 22050 عائلة،ومجموعها 143 الف فرد، من مختلف مناطق العراق، عدا محافظتي اربيل ودهوك.وأوضح صالح بأن المسح أظهر بان 15.4 % من الأسر التي شملها المسح غير آمنة غذائيا ،وهي بامس الحاجة الى مختلف أنواع المساعدات الانسانية، بما في ذلك المواد الغذائية، على الرغم من تسلمهم المواد التمونيية.وحذر من أن 8 ملايين و 300 ألف نسمة آخرين سيضافون الى مجموعة المواطنين غير الآمنين غذائيا إذا ما حرموا من مواد الحصة التموينية.وأضاف بأنه سيواجه 47 % من المجتمع مشاكل حقيقة في أمنهم الغذائي أذ ما قطعت مواد الحصة التمونيية دون تقويم متين لحاجاتهم. وأكد المسح أن نظام المواد التمونيية ما يزال هو المؤشر الرئيس للادلة على إستقرار الامن الغذائي في العراق، إذ أن 15 % من العراقيين يعيشون في فقر مدقع، وما ينفقه الفرد الواحد منهم يوميا يقل عن نصف دولار امريكي. وإعترف الوزير بعدم وجود حلول آنية وسريعة للمشاكل التي أشار اليها المسح بسبب التحديات وتراكم السياسات الخاطئة بحق الاقتصاد العراقي والبنى التحتية للاقتصاد والخدمات. وأعرب عن أسفة لما آل إليه العراق، ووجود الملايين من الفقراء في بلد كالعراق بكل مايمتلك من ثروات وطاقات بشرية، كان من المفترض أن يكون (يابان الشرق) لا أن يصنف من البلدان الفقيرة في المنطقة. وتطلع الى قيام مجلس النواب الحالي بتقديم الحلول اللازمة وإعتماد السياسات الاقتصادية الناجحة.
في السياق ذاته، يشير تقرير حكومي جديد، إعتمد على مسح شمل 22 ألف و 50 أسرة عراقية، في 98 منطقة في عموم البلاد، بأن واحد بين كل ثلاثة اطفال عراقيين، في مختلف المحافظات،يعاني من سوء التغذية.وأن الوضع أسوأ في المناطق البعيدة، حيث يعاني 33 % من الأطفال من مشاكل سوء التغذية، من قبيل بطء النمو ونقصان الوزن. وأظهرت النتائج الأولية لمسح الأمن الغذائي الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن نقص التغذية يهدد حياة طفل بين كل أربعة أطفال في العراق.وأوضح ان 25% من اطفال العراق، الذين تتراوح اعمارهم بين 6 اشهر و 5 اعوام ،يعانون في الوقت الحاضر من سوء التغذية المتمثل بالهزال والتقزم (سوء التغذية الحاد وسوء التغذية المزمن) ونقص الوزن عن المعدل الطبيعي، وأن هذه النسبة تتباين ضمن مناطق العراق. واعرب روجر رايت- الممثل الخاص لليونيسف في العراق عن اسفه العميق لما كشفته الدراسة، ونبه الى أن سوء التغذية يعيق النمو العقلي والإدراكي السليم للطفل، مما يتعذر علاجه.
فما هو رد فعل المسؤولين العراقيين المعنيين بهذه المشكلة الإجتماعية والطبية ؟ وهل يدركون مدى عواقبها الوخيمة على الجيل الحالي والأجيال القادمة ؟
ترك الدراسة وتزايد الأمية
إقتراناً بتردي الحالة الإقتصادية والمعاشية تدهورت حياة الآلاف من الأسر العراقية، وخاصة أسر الأرامل واليتامى، حيث تفشى وسطها الفقر والجوع والحرمان، الأمر الذي إضطر الآلاف منها الى حرمان أطفالها من مواصلة الدراسة ومن التعليم.واليوم فان عدد التلاميذ المتسربين من المدارس وتركوا تعليمهم لا يقل عن 25 % من مجموع التلاميذ العراقيين.
وقسم من العوائل إمتنعت عن إرسال أطفالها الى المدارس وضاعت عليه سنة دراسية، بسبب الإنفلات الأمني، وتصاعد العمليات الإرهابية، وعودة أنشطة عصابات الجريمة المنظمة، وبضمنها إختطاف الأطفال ومطالبة ذويهم بمبالغ يعجزون عن دفعها، والإغتصاب والقتل، وعجز الإجهزة الأمنية عن حماية المواطنين.
وثمة سبب اَخر لترك الدراسة،هو الواقع المزري لحال المئات من المدارس، حيث أعلن عن وجود 1000 مدرسة مبنية من الطين، وتفتقر الى أبسط المستلزمات. وأكدت دراسة نفذتها الحكومة العراقية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» بداية العام الدراسي 2004/2005،إفتقار اًلاف المرافق المدرسية إلى المستلزمات الأساسية اللازمة لتوفير التعليم اللائق للأطفال.وبينت بأنّ ثلث المدارس الابتدائية في العراق تفتقر تماما إلى مصادر تجهيز المياه، ولا توجد في نصفها تقريباً مرافق صحية على الإطلاق. وأظهرت الدراسة ان المحافظات العراقية الأكثر تضررا هي ذي قار، وصلاح الدين، وديالي، حيث تفتقر أكثر من 70 في المائة من مباني مدارسها الابتدائية تماماً إلى مصادر تجهيز المياه، او أن شبكة المياه الموجودة فيها معطّلة عن العمل.والسبب الأهم هو أن الآلاف من التلاميذ الذين تركوا المدارس، وبخاصة الذكور، وتوجهوا الى ميادين العمل كي يساعدوا في إعالة أسرهم الفقيرة.
حيال هذه العقبات الشاخصة أمام العملية الدراسية تبرز من جديد قضية الأمية في العراق، التي لم يقض عليها في ظل النظام المقبور، وإنما تزايدت وبلغت نحو 50 % من مجموع شريحة المجتمع المدرسي، التي صارت أمية بالكامل، وطالت أكثر من 70 % من النساء. والمؤسف أن العهد الجديد في العراق لم يشهد إنخفاض نسبة الأمية.واليوم فان مئات الآلاف من الأمهات العراقيات لم يلتحقن بصفوف محو الأمية. وبينت أحدث دراسة قام بها المركز الإنمائي للبحوث التربوية والنفسية في محافظة الناصرية،بالتعاون مع دائرة الرعاية الاجتماعية، وبدعم من منظمة " وور جايلد" الإنسانية، وأعلن عن نتائجها مدير المركز الباحث عبد الباري الحمداني، ان 60% من أفراد العينة، البالغ عددهم288 طفلاً تركوا الدراسة في مرحلة الصف الثالث الابتدائي، والـ 40% الباقية منهم على وشك ترك الدراسة بسبب ما يعانونه من صعوبات تواصلية وتعليمية نتيجة سوء حالتهم المعيشية والصحية والاجتماعية.وأكد تربويون عراقيون بأن أعمار التلاميذ الذين تركوا الدراسة تتراوح بين 7 و 15 سنة.والأعمار الأولى( 6 – 8سنوات ) تعني أنهم تركوا التعليم وهم في الصف الأول، وهذا يعني أنهم لم يتعلموا شيئاً، وبقوا أميين. أليس بقاء الأمية والعالم في القرن الحادي والعشرين هو دليل تأخر الدولة إقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً ؟
عمالة الأطفال وتداعياتها الخطيرة
توضح د.اَمال كاشف الغطاء بأن المقصود بعمالة الأطفال هو الأطفال الذين يعملون دون سن السادسة عشر لاعالة ذويهم بحيث ان العائلة لاغنى لها عنهم. وهؤلاء يختلفون عن أولاد الشوارع في انهم يمارسون عملاً بشكل منتظم، والأعمال التي يمارسونها أما تحت أمرة معينة أو بدون أمرة. والواقع ان النسبة الكبيرة من الأطفال " العمال" هم بأعمار لا تتجاوز 10 - 13 عاما ، وبهذه السن الصغيرة صاروا يتحملون مسؤولية إعالة عوائل كبيرة،إضافة الى مسؤولية إعالة أنفسهم. جاء في تحقيق أعدته صحيفة " الصباح" عن عمالة الأطفال:عايشنا، في ساحة الميدان والصدرية ومحلة الدهانة وسوق جميلة، وبعض معامل الحلويات، وغيرها،العديد من الاطفال العاملين في بيع الاكياس، والسجائر، والصحف، والحلي الرخيصة، وتلميع الاحذية، وجميع هؤلاء يجمعهم قاسم مشترك واحد هو أن أحوال أُسرهم مضطربة، فتسببت في تركهم لمدارسهم واللهاث وراء لقمة العيش.وأضاف التحقيق بأن الكثير من الاطفال يعملون بمهن خطرة لا تتناسب مع اعمارهم، وعادة ما يستغل اصحاب المعامل والمحترفون هؤلاء الاطفال في العمل.. وذكر مثال في ساحة الحبيبة، وعلى ضفاف بحيرة ماء آسن، ابتكر “الشطار” من الكبار هناك محطات (سفري) للغسيل والتشحيم، تعتمد على سحب الماء من البحيرة عبر مولد او مضخة .. منظر الاطفال العاملين هناك يثير الاسى.. وبينت دراسة للدكتور علي عبد علي بان مهنة صهر المواد المستعملة، ومهنة اعمال البناء، تشكلان النسبة الاعلى من المهن التي تسبب الامراض الناتجة عن بيئة العمل لدى الاطفال واليافعين،حيث بلغت نسبة كل منهما 22.2%، تأتي بعدهما مهنة بيع المواد المستعملة، ومهنة الاعمال الخدمية، وبنسبة 18.5% لكل منهما. وتشكل التمزقات الجلدية النسبة الاعلى من الاصابات لدى الاطفال وبنسبة 61-41% ،ثم تليها الرضوض، والجروح، وبنسبة 25%. وتشير الدراسة الى ان النسبة الاعلى من الاصابات بين الاطفال العاملين توجد في صناعة المواد الغذائية وبنسبة 41.66% ثم تليها مهنة اعمال البناء. وأظهرت أحدث دراسة قام بها المركز الإنمائي للبحوث التربوية والنفسية في محافظة الناصرية، بالتعاون مع دائرة الرعاية الاجتماعية، وبدعم من منظمة " وور جايلد" الإنسانية، أن اغلب المهن التي يعمل بها الأطفال هي أعمال ومهن غير مهارية، لا تعدهم للحياة، ولا لسوق العمل، وتتمثل في بيع الأكياس البلاستيكية (40%)، ودفع عربات الأحمال (40%) ، وصباغة الأحذية (10%) ، والحمالة ( 10%) ، وتوجد مهن أخرى كبيع الخمور والأدوية المهلوسة والعقاقير النفسية ، كما ان ما معدله ( 3%) منهم يتعاطون مواد مخدرة ( كالسيكوتين ، والثنر ) ويتناولون حبوب الفاليوم لانهم يعانون صعوبات في النوم ، واليوم فان عمالة الأطفال تمثل- بحسب مصدر في وزارة التربية- فئة الأطفال الذين لم يستوعبهم التعليم أو حرموا في مرحلة عمرية مبكرة واتجهوا الى مجال العمل، رغم ما فيه من مخاطر تهدد نموهم الجسمي، وصحتهم النفسية، وتطورهم الإجتماعي، وتعوق ارتقائهم العقلي، الذي ينمي قدراتهم ومواهبهم من خلال التعليم، بالإضافة الى تعرضهم لظروف العمل القاسية وذلك بسبب إتجاه الأطفال الى سوق العمل تأثراً بالعوامل الإقتصادية والتربوية والصحية والبيئية والإجتماعية.ودعا الى تطبيق أحكام قانون التعليم الإلزامي رقم 118 لسنة 1976،ومعالجة موضوع الأطفال المتشردين، ومتابعة تنفيذ قانون اشتغال الأطفال دون السن المحددة، والقيام بحملات توعية إعلامية بأهمية الدراسة والإستمرار بها في بداية العام الدراسي وخلاله ،وبكافة الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة. ويجب أيضاً مراقبة الورش الصناعية، ومحاسبة أصحابها في حالة تشغيلهم الأطفال، والتوسع في فتح المدارس الإبتدائية المسائية لفسح المجال أمام التلاميذ الراسبين والمتسربين في الإستمرار بأعمالهم نهاراً والدراسة ليلاً، والتوسع في فتح صفوف اليافعين وجعلها مسائية لتمكين الأطفال الذين فاتتهم فرص التسجيل في المدارس في مواصلة تعليمهم ليلاً والعمل نهاراً.
وأشار الباحث الإجتماعي كاظم عبد الرحمن الى إرغام الاطفال على هجر طفولتهم اما بسبب فقدانهم لذويهم، او لكثرتهم داخل الاسرة، وعدم القدرة على الايفاء بمتطلباتهم.لفت الإنتباه الى قضية مهمة، بقوله: وما ان تنتعش الاحوال بعض الشيء حتى تجد الاب والابن يتصلب على جملة: “ المدرسة لا تطعم خبزا ” !!..
واكدت مديرة قسم مكافحة عمل الاطفال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بلسم حسين بان قسمها،الذي تاسس في العام 2004، ويهدف الى نشر الوعي الاسري لمنع تشغيل اطفالهم في مهن خطرة تؤثر على صحتهم ووضعهم الاجتماعي، قام بالتنسيق مع العديد من منظمات المجتمع المدني، ودوائر الدولة الاخرى، لتحقيق الهدف المذكور، وذلك بعد ان وجد بان اعدادا كبيرة من الاطفال يجبرهم اباءهم على ترك الدراسة والعمل باي مكان لاجل توفير لقمة العيش لهم عقب زيادة اعداد العاطلين عن العمل.وأكدت بان هناك العديد من الاعمال تؤثر صحيا على الاطفال، منها أعمال الصباغة، وتصليح السيارات، ودباغة الجلود، التي تتعامل بمواد كيماوية تؤثر على صحة الاطفال.
على أن كل هذه الإجراءات وأمثالها لا تحل المشكلة جذرياً، بل ولن تقلص من حجمها. المطلوب من البرلمان العراقي والحكومة المنتخبة تشكيل لجنة واسعة لدراسة المشكلة ووضع المعالجات الجذرية لها، وفي مقدمتها تحسين الظروف الإقتصادية والمعاشية للأسرة.
ضحايا التهجير القسري والصدمات النفسية والعصبية
إنضم الأطفال من ضحايا عمليات التهجير القسري، وترك البيوت والأحياء السكنية التي نشأوا وشبوا فيها، الى الاَلاف من نظرائهم من ايتام الحروب، والمقابر الجماعية، والقتل الجماعي، على أيدي الإرهابيين والمليشيات المسلحة.. بينما حكومات العراق الجديد لم تفعل شيئاً لهم لحد الآن..
لندقق بنتائج الأحتقان والتعصب الطائفي، ومنها اًلاف العوائل المهجرة قسراً، وسنجد بأن اَخر إحصائية لوزارة المهجرين والمهاجرين- نشرها مكتبها الإعلامي في 30/5/2006، بينت بانه نتيجة لسياسة التهجير القسري التي تتبعها العناصر الارهابية من اجل تفكيك وحدة المجتمع العراقي،وصل العدد الى 17 ألف و 129عائلة، منذ منذ 15 شباط ولغاية 28 اَيار 2006، موزعة على المحافظات التالية:بغداد 3718 عائلة،كربلاء 2113 عائلة،النجف 2000 عائلة،ديالى 1258 عائلة، السماوة 1500 عائلة،صلاح الدين 1317 عائلة، ميسان 1091 عائلة، واسط 966عائلة، ذي قار 769 عائلة، البصرة 713 عائلة، القادسية600 عائلة، بابل 550 عائلة ، الأنبار300 عائلة، كركوك190 عائلة، ونينوى44 عائلة.وقد عرضت الفضائيات صوراً بينت أن أغلب هذه العوائل تعيش في العراء أو في خيم، محرومة من الماء والكهرباء والمرافق والخدمات الصحية، الى جانب أفتقارها الى راحة البال. ولو حسبنا ان معدل الأطفال في العائلة الواحدة 5 أطفال، فهذا يعني ان أكثر من 85 ألف طفل تركوا بيوتهم وأحيائهم وأصدقائهم. ولكل هذا أثره السيء على نفسيتهم.ولو أضفنا الى ذلك ما عانوه وشاهدوه بأم أعينهم،سواء أيام الحرب الأخيرة،أو في الأحداث التي أعقبتها،وما يشاهدونه يومياً من أعمال القتل والجثث المقطعة والدماء النازفة،وقسم منها لأفراد من أسرهم،وأقربائهم، وأصدقائهم،فقد تركت كل هذه الفضائع على حياة أطفالنا الأبرياء اَثاراً مدمرة، وصار الآلاف منهم يعانون من حالات مرضية وخيمة،أبرزها الحالات النفسية والعصبية، والتي أصبحت سمة جلية للعيان، ومؤلمة، خصوصاً وهم يفتقرون الى الرعاية الصحية اللازمة. أحصائيات وزارة الصحة تقول يوجد أكثر من 2.5 مليون مريضاً نفسياً.لكن تقارير طبية غير رسمية تؤكد بأن العدد يتجاوز الخمسة ملايين طفلاً.
الموضوعية تقتضي لأن نوضح بأن الأمراض النفسية والعصبية والتخلف العقلي وسط الأطفال العراقيين ليست جديدة في المجتمع. فعلى مدى عقود من الزمن إقترف نظام الطاغية صدام حسين والبعثيين المجرمين،الفضائع بحق الإنسان العراقي، وبخاصة الطفل، الذي زجوه منذ صغر سنه في عسكرة المجتمع ومشاريعهم العدوانية، ماسخين اَدميته، مدمرين بنيته النفسية، حارمين إياه من طفولته، ومن أبسط حقوقه. والواقع،إن العالم لم يشهد مثيلاً لتلك الاعمال الاجرامية. واليوم فان تركة النظام المقبور وحروبه العدوانية وجرائمه البشعة هي تركة ثقيلة ورهيبة، خصوصاً بالنسبة للصحة النفسية والعقلية.
المؤسف ان الخلاص من نظام القتلة والمقابر الجماعية لم يضع حداً للصدمات النفسية، والتوتر العصبي، والإضطرابات والأمراض العقلية، بل تفاقمت هذه الحالات أكثر أكثر في ظل الإنفلات الأمني، وتصاعد العمليات الإرهابية، وجرائم القتل الجماعي عبر التفجيرات،والمليشيات المسلحة، وعصابات الإجرام، وإنتشار عمليات السطو والسلب، وخطف الأطفال، ومطالبة ذويهم بمبالغ لا يقدرون على دفعها..
فقد اكدت دراسة ميدانية، نشرت نتائجها قبل ايام قلائل، بان الاطفال هم الاكثر تعرضاً للأخطار الناجمة عن اعمال العنف والسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية في العراق. وأوضحت الدراسة ان 40% من المصابين جراء حوادث العنف في العراق هم من الاطفال.وبينت دراسة أخرى إرتفاع نسبة الاطفال الذين يعانون من صدمة ما بعد الحرب بشكل مخيف بسبب تزايد عمليات العنف واستمرارها لحد اليوم،بحيث إنعكست الحرب وأعمال العنف والجرائم الإرهابية بشكل لافت على مجمل سلوك وتصرفات الاطفال، وتجد الإرهاب والعنف معكوساً في ألعابهم، وحتى في كتاباتهم ورسوماتهم.فلا تجد طفلاً عراقياً لا يملك لعبة مسدس او بندقية، مفضلاً إياها على أية لعبة أخرى. وشاعت ألعاب العنف،حتى تحولت الازقة في الأحياء الشعبية الى " ساحة مواجهات" بين الأطفال،الذين إنقسموا الى " مليشيات مسلحة"، تمنع " وحداتها" الأطفال الآخرين من دخول أحيائهم،وذلك تأثراً بما يشاهدونه يومياً على الشاشات من جرائم قتل وأعمال عنف وتأجيج للمشاعر الطائفية والعنصرية.
وتعد الآثار النفسية المدمرة للحرب،ولجرائم القتل،والعنف الوحشي، مشكلة وخيمة، وتنطوي على نتائج اَنية ومستقبلية.وما يزال يتزايد عدد الأطفال العراقيين الذين يعانون من حالات الصدمة، والإنهيار، والخوف، والقلق، والإكتئاب الشديد، والضغط النفسي، والكوابيس، والتبول اللاإرادي،والأرق، أضعاف ما كان عليه قبل الحرب الأخيرة. وكان قد حذر أطباء كبار ووكالات إغاثة دولية متخصصة من ارتفاع هذه الحالات، التي تمتد آثارها لسنوات وسط المجتمع.وناشدوا الجميع حماية الأطفال في العراق من كل ما يؤثر سلبيا عليهم من الناحية النفسية والجسدية، منطلقين من وخامة تداعيات الصدمة والأزمة النفسية، التي يصاب الأطفال بها جراء الأعمال الفضيعة، حيث ستؤثر على نموهم، وتنعكس على شخصيتهم وسلوكيتهم، وتدوم لسنوات طويلة، ومن نتائجها جنوح الأطفال،والسلوكية العدوانية، والعنف، والجرائم، وما الى ذلك.ومن تلك المنظمات المنظمة الدولية "أطفال ضحايا الحروب" في لندن، التي حذرت من كارثة إنسانية لأطفال العراق،الذين يواجهون وضعاً أسوأ مما كان عليه الحال إبان العقوبات،وهم يعانون من العنف ومن الأزمة المدنية والاجتماعية. وأوضحت جو بيكر- مديرة المنظمة-بإن كل طفل في العراق يعاني من صدمة نفسية على مستوى أو آخر. ومن جهتها،أكدت منظمة "اليونسيف"، في برنامجها الانساني الخاص بتأهيل الاطفال، بأن الطفل العراقي يعاني من اشرس ما يمكن ان يمر به الطفل عالميا، وأن اعادة تأهيله اجتماعيا ترتطم عكسيا بما يراه الطفل امام عينيه من مجازر وانفجارات وجثث ودوي قنابل وشظايا ورصاص ودماء، وأن ذلك كله ينعكس سلبيا على حياته وسلوكه، وقد يؤدي الى الجنون او التخلف العقلي، ناهيك عما حدث لمئات الأطفال من بتر لأعضاء من اجسادهم.. فهل إهتم أحد من المعنيين بهذه التحذيرات ؟ وما الذي فعلوه لصالح هؤلاء الأطفال الأبرياء ؟!! هل يعلموا بالحاجة الماسة للآلاف من أطباء الصحة النفسية،بينما لم يكن موجوداً في العراق سوى 100 طبيب نفساني، وقد غادر قسم منهم العراق مجبراً خوفاً من الإختطاف والقتل. وليس هناك اي عيادة للعلاج النفسي؟
إن الأطباء والباحثين المختصين يجزمون بأن خطورة التداعيات النفسية والعقلية سوف لن تقتصر على الجيل الحالي، وإنما ستطول الأجيال اللاحقة، بكل تأكيد، وستنعكس تداعياتها طويلاً على المجتمع العراقي.وهو ما يستلزم إهتماماً إستثنائيا من قبل المسؤولين العراقيين، راهناً ومستقبلاً، وفي مقدمة ذلك التعجيل بإجراء دراسات طبية وعلمية تشمل كافة أطفال العراق الأحياء، لتقييم حجم المشكلة، والعمل الجدي والعاجل، أيضاً، لمعالجة المرضى، ورعايتهم، بإشراف مؤسسات متخصصة، طبية ونفسانية وتربوية. وخير من ينظم ذلك ويديره هو مركز وطني للصحة النفسية، يشرف ويوجه الوحدات الخاصة بالصحة النفسية في كافة أرجاء العراق.
لقد طالبنا قبل عامين بإصدار قانون حديث للصحة النفسية، والتعجيل بإنشاء وحدات للصحة النفسية في أرجاء العراق، وتأسيس مركز وطني للصحة النفسية،بوصفها إجراءات اَنية وملحة وعاجلة يتطلبها حجم وخطورة الأمراض النفسية والعقلية والعصبية، وضحيتها الأساسية براعم حاضر ومستقبل الشعب العراقي.وقلنا إن إنجاح المهمة في العراق يستلزم تظافر جهود العائلة والمدرسة والمؤسسات الصحية والنفسانية، ولابد لمظمات المجتمع المدني ان تلعب دورها الفعال في هذا المضمار، الى جانب وزارة الصحة، و الجمعية النفسية العراقية.ولن تتحقق المهمة بنجاح، في المرحلة الراهنة، من دون طلب المساعدة من منظمة الصحة العالمية، والجمعية العالمية للصحة النفسية، ومؤسسات أخرى..
فهل ستتكفل الحكومة المنتخبة بإنجاز مثل هذه المشاريع، وتسعى للتخفيف من محنة أطفالنا المعلولين والمقهورين ؟
- يتبع - --------- د.كاظم المقدادي- أكاديمي وباحث عراقي،عضو الهيئة التدريسية للأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك.
#كاظم_المقدادي (هاشتاغ)
Al-muqdadi_Kadhim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمناسبة الأول من حزيران- عيد الطفل العالمي: واقع حال الأمومة
...
-
لِمصلحة مَن تتواصل التصفيات الجسدية للكوادر العلمية العراقية
...
-
وزارة الصحة ونقابة الأطباء.. ما الذي فعلتاه لحماية منتسبيهما
...
-
إشكاليات المجتمع المدني والمجتمع السياسي والديمقراطية
-
لماذا يسكت دعاة حقوق الإنسان عن مذبحة اللاجئين السودانيين؟
-
لتكن المحكمة بإسم الشعب حقاً وفعلاً
-
لماذا التمييز بين العاملين في المؤسسات الطبية والصحة العراقي
...
-
البيئة العراقية..في مؤتمر علمي في لندن
-
إستباحة حياة المدنيين العراقيين.. إلى متى ؟
-
البيئة والصحة في مسودة الدستور المقترحة
-
لِمَ أصابهم التوهان والعشو أمام مشاكل البيئة العراقية ؟ََ
-
لماذا لم تُشكِل الجمعية الوطنية العراقية لجنة دائمة للبيئة ؟
-
رقابة المواد والمصادر المشعة.. من يقوم بها ؟
-
في يوم الصحة العالمي:صحة الأمومة والطفولة تستوجب حلولاً جدية
...
-
الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك تستحق دعم ومؤازرة كل ا
...
-
التلوث الإشعاعي ينتشر في أرجاء العراق والضحايا بإنتظار المعا
...
-
المرأة العراقية تستحق الإنصاف والتكريم
-
وزارة البيئة العراقية والكوادر العلمية
-
الشيوعيون العراقيون غير مسؤولين عن عدم ظهور قائمة وحدة وطنية
-
الدور المطلوب للقوى الديمقراطية اليسارية العراقية في الإنتخا
...
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|