إنياسيو رامونه
الحوار المتمدن-العدد: 1570 - 2006 / 6 / 3 - 07:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"لا نلجأ الى التعذيب". هذا ما أكّده السيد جورج والكر بوش في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في باناما، مع نهاية جولة من خمسة ايام في اميركا اللاتينية التي طالما عانت من الانظمة الديكتاتورية ـ المدعومة من واشنطن ـ والتي كانت تلجأ، بشكل واسع، الى "إخفاء" من تشتبه بهم وتمارس التعذيب. كان الرئيس الاميركي يجيب على الاتهامات التي ساقتها صحيفة "واشنطن بوست" [1] ضدّ اجهزة الاستخبارات الاميركية المتّهمة بالاختطاف السرّي لأشخاص وتعريضهم للتعذيب خارج الولايات المتحدة، في سجون سرّية تُسمّى "المواقع السوداء".
هل نصدّق السيد بوش؟ كلا. ألمْ يؤكّد، وفي سبيل اجتياح العراق، أنه كان لنظام صدام حسين علاقات مع تنظيم القاعدة؟ وأنّ بغداد تمتلك اسلحة الدمار الشامل؟ كذبتان أعلنت واشنطن بموجبهما "الحرب الوقائية" التي كلّفت عشرات آلاف الضحايا (من بينهم أكثر من ألفي جندي أميركي).
لا يملك السيد بوش المصداقية المطلوبة. في موضوع التعذيب كذلك. فالتقارير التي أعدّتها هيئات لا ترقى اليها الشّبهة، مثل الصليب الاحمر الدولي ومنظمة العفو الدولية او مرقب حقوق الانسان [2]، تؤكّد أنّ السلطات الاميركية، ومنذ اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 وحربها على "الارهاب الدولي" [3]، لا تحترم نصوص معاهدة جنيف حول معاملة المعتقلين ولا اتفاقية الامم المتحدة حول التعذيب.
لقد غيّرت ادارة بوش قواعد اللّعبة عندما قرّرت، غداة 11 ايلول/سبتمبر، إنشاء محاكم استثنائية وإنشاء سجن غوانتنامو خارج الاراضي (والقوانين) الاميركية لاعتقال "السجناء في أرض المعركة" (تسمية مختلفة عن "أسرى الحرب"، تهرّباً من تطبيق اتفاقية جنيف).
تقدّم القانوني البيرتو غونزاليز، وهو من المحافظين الجدد والمستشار السابق للرئيس ووزير العدل حالياً، بالطرح التالي: لا يفترض بأميركا أن "تضعف" نفسها بسبب احترامها حقوق الانسان. في تقريريْن وقّعهما في شباط/فبراير وآب/اغسطس 2002، أعاد السيد غونزاليس صياغة القانون الخاصّ بالتعذيب. وقد بات هذا التعبير ينطبق في الولايات المتحدة فقط على الافعال "التي تضرّ بالحصانة الجسدية للمعتقلين، بشكل لا يُعوَّض". في ما يتجاوز ذلك، كلّ تعذيب يصبح مشروعاً.
من أين لنا أن نُفاجأ اذن بلجوء الجيش الاميركي الى التعذيب بصورة منهجية في معتقل باغرام في افغانستان، ابتداءً من كانون الاول/ديسمبر 2002؟ فالمشتبه بهم "يُوضَعون في الأغلال داخل زنزاناتهم، وغالباً ما يُضرَبون" و"يُرمَون على الجدران والطاولات" او يتلقّون "الرفسات في اقفيتهم او افخاذهم" و"يُسكَب الماء في افواههم حتى الاختناق". توفّي العديد منهم [4].
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" [5]، في تحقيق لها، كيف أنّ التعذيب بات من اعمال "الرّوتين" التي يمارسها العسكريّون الاميركيون، من دون أن يطرحوا اسئلة على السجناء أحياناً... ويكشف التحقيق أنّ الاساليب، التي يستخدمها رجال الكتيبة 519 التابعة للمخابرات العسكرية في سجن باغرام، قد تلقّنوها في غوانتانمو... وإنّ هذه الكتيبة 519 نفسها كُلِّفت، فيما بعد، الإشراف على التحقيقات القاسية في سجن أبو غريب العراقي.
وقد كشفت تحقيقات أخرى أنّ وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية تختطف المشتبه بهم عبر العالم ـ من ألمانيا، ايطاليا او السويد وغيرها ـ لتسلّمهم الى بلدان "صديقة"، أمثال السعودية والأردن ومصر، حيث يمكن تعذيبهم من دون حدود. وفي تقرير جديد أنّ الوكالة تملك شبكة من السجون السرّية في العالم ـ تصفها منظمة العفو الدولية بأنها "غولاغ عصرنا" ـ يقع بعضها في دول الاتحاد الاوروبي (بولونيا؟) او اوروبا الشرقية (رومانيا؟).
إنّ هذه الإجراءات، المرفوضة قانونياً وأخلاقياً، تلحق الضرر الكبير بالهيبة الاخلاقية للاميركيين في العالم. فعلى غرار الديموقراطيات التي تواجه خطر الارهاب، تجد الولايات المتحدة نفسها امام مُعضلة سياسية مركزية إسمها التعذيب. في نقاش له مع نائب الرئيس المتشدّد، ديك تشيني، ذكّر السيناتور الجمهوريّ جون ماكاين أنّ عظمة الديموقراطية تكمن في قدرتها على الامتناع عن اللجوء الى القوّة، لأنّ هنالك عقوبات لا يمكن لحكومة ديموقراطية أن تُنزلها بالانسان. وأوّلها التعذيب.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] "واشنطن بوست"، 2/11/2005
[2] "Au nom du droit, crimes et exactions en Afghanistan", extraits du rapport de Human Rights Watch, Le Monde diplomatique, avril 2004. Stephen Grey, "Les Etats-Unis inventent la délocalisation de la torture", Le Monde diplomatique, avril 2005.
[3] انها في الواقع حرب على "الارهاب الاسلامي" لان السلطات الاميركية ما تزال تحمي وترفض تسليم ارهابيين دوليين حقيقيين عملوا لصالحها، امثال لويس بوسادا كاريلس المسؤول عم مقتل عشرات الابرياء.
[4] "لو موند"، 16/3/2005.
[5] "هيرالد تريبيون"، 21/5/2005.
#إنياسيو_رامونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟