أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - 14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4















المزيد.....



14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1570 - 2006 / 6 / 3 - 08:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4
1- مَثَلَ الحراك الاجتماعي للجماهير الواسعة والمعبر عنها بجملة الانتفاضات الشعبية وخاصة للفئات الفقيرة في المدنية والريف الجزئية منها والعامة, منذ تأسيس الدولة ولغاية 14 تموز, وتلك الحركات الفكرية والسياسية عبر تنظيماتها السرية والعلنية, مثلت جميعها إرهاصات التغيير المطلوب وإنضاجها ذاتياً, وهي تعيبر عن معارضتها لمضمون العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية السائدة أو تلك المتبناة والتي كانت ذات ابعاد متخلفة, مطلقة ونسبية, في عراق المرحلة الملكية وفي تعارض مع روح العصر وماهيته ومع والحداثة ومنظومة قيمها[1]. كما كانت هذه الانتفاضات في بعض جوانبها الرد العملي الذي عكس التناقض البنيوي للنخبة الحاكمة والذي كان أحد مظاهره يتمحور في " التركيز الشديد للثروة وخصوصاً خلال العقدين الأخيرين من العهد الملكي... وكان التفاوت الحاد في حيازة الاملاك, وغياب أي تدرج معتدل بين ثراء قمة المجتمع وفقر الجماهير, واحدا من الأسباب غير قليلة الأهمية الكامنة وراء رديكالية لهجة سياسة المعارضة وعدم الاستقرار المزمن للنظام الملكي... [2] ".

لقد عبرت المطلبية الشعبية عن الامنية التطورية وضرورة التغيير نحو الغد الأفضل لفئات اجتماعية واسعة عددياً لها موقع مهم في عملية الانتاج الاجتماعي .. كما أنصبت في بعض جوانبها على ضرورة الاسراع حسب الامكان, في تعجيل وتائر التنمية الاجتصادية والتخلص من الفقر والإملاق وكسر حلقات التخلف بمفهومه العام, الذي كان في بعض جوانبه مريعا في ماهيته المادية وقيمه الروحية, الاقتصادية والاجتماعية, الفكرية والفلسفية والموقف من الحياة ومستقبلها. وقد عبرت هذه الإرهاصات من جانب آخر, عن المناهضة الواعية الرافضة للأسس والتوازنات التي أقيم بناء الدولة عليها في مجتمع متعدد الثقافات والاثنيات والاديان في حين كانت الدولة أحادية الدين والمذهب والقومية وهذا غير ممكن الاستمرارعليه ولا يخدم في إعادة انتاج مقومات الدولة ذاتها ولا في تمتين الهوية العراقية ولا في إعتماد التداول السلمي للسلطة. بمعنى أن هذه الانتفاضات كانت تعبير عن ضرورة إعادة بناء الدولة على اسس مادية أكثر إنسجاماً وواقع تركيبة العراق, وهذا ما قامت بانجاز الكثير منه ثورة 14 تموز, وإن لم يكتمل بتشريعه دستوريا بسبب انقلاب شباط 1963 المدعوم من المراكز الرأسمالية, والذي كان في أرأس تجلياته, ضد التصورات النظرية والعملية لإعادة بناء الدولة على وفق متطلبات العصر والحاجات الموضوعية لعراق تلك المرحلة والتي بدأت بجدية عملية منذ ثورة تموز 1958.

2- يوضح تاريخية نظام الحكم في العراق أن الصيرورات الحياتية والمؤسسات الحديثة من قبيل (الدستور, البرلمان, الاحزاب, نقابات, صحافة, مستلزمات وحدة وحرية السوق ومؤسساته الاقتصادية, مؤسسات المجتمع المدني وإدارتها و مهامها... الخ) بمعنى آخر أن العناوين الأرأسية للتحديث من قبيل التصنيع والتمدن والعلمنة واللبرلة ومضامينها ومؤسساتها قد غُرست في رحم المجتمع العراقي بصورة فوقية بصورةٍ ارادوية أكثر من كونها نتاجاً للسيرورات الحياتية وصيرورات التطور المادي ولتجليات الصراع الطبقي بين مختلف التكوينات والفئات والقوى الاجتماعية.. لأن " النظام السياسي نابع من إرادة الانكليز ومن مساندتهم له... وبكلمات أخرى فقد كانت هناك داخل اللعبة قوة غربية تتدخل – عندما تستطيع وبالطريقة التي تلبي أغراضها- في الاتجاهات الطبيعية أو الزخم الديناميكي للوضع البنيوي الداخلي...[3] ", لذا ولدت هذه المؤسسات وهي تعاني من تشوهات بنيوية وتنظيمية وفكرية بالإضافة الى عقم أواليات (ميكانزمات) عملها الداخلي وكذلك نشاطها الجماهيري وعلاقاتها مع المحيط, ونتيجة لذلك لم تتمكن من أنتاج وإعادة انتاج ذاتها بصورة صحيحة ووفق سنن تطورها الداخلية.. إلا بعد عملية عسر تكبدت فيها ولا تزال تكاليف باهضة وتضحيات كبيرة وإزدواجية في المعايير والسلوك, والتناقض بين القول والفعل.. مما افقدها التوازن الجدلي المطلوب؛ والسيرورة الواقعية للنشاط؛ وأضاعة بوصلة التوجه المرغوب؛ وانعدم لديها حس التوازن بين: الأرأس والرئيسي, الاستثنائي والطبيعي, الأني والمستقبلي وبين التكتيك والاستراتيج. ووما زادها تعقيدا هو طبيعة الصراع الذي أحتدم منذ مطلع القرن المنصرم بين الحداثة والتقليد من جهة وللطبيعة القلقة وعدم التجانس السسيولوجي والفكري للطبقة المتوسطة الوليدة التي هي بمثابة العمود الفقري لهذه التنظيمات المدنية من جهة ثانية. فالانتخابات, مثلاً, كانت في تاريخيتها, مزيفة وشكلية ونتائجها معروفة مسبقاً وقد اطلق عليها في مذكراته عضو النخبة الحاكمة علي الشرقي أسم (مهزلة الانتخابات[4]), أما الاحزاب السياسية, فبصورة عامة, فقد كان الكثير منها ولا يزال مصاباً بكساح عدم التواصل والشخصانية لرئيس/ أمين عام/ سكرتير التنظيم, والضعف في أوالية علاقاتها الداخلية وانعدام المرونة في التعامل مع القربين منها, ما بالك البعيدين. كما أن بعضها كان ضعيفاً وهشاً في تماسكه أمام إغراءات السلطة و شراء الذمم, كذلك بسبب قوة القمع الذي تعرضت له. أما الاحزاب السياسية السرية.. فقد عانت من الضعف وإنعدام الديمقراطية الداخلية وسادها حالة التوجس والريبة, التكتلية الضيقة والولاءات الدنيا, وكان خطابها السياسي (ولا يزال عند الأغلب), مفعم باللغة (الوكرية) وما تتسم به من حدية مطلقة وانعدام المرونة والانغلاق على الذات.. وغيرها من أمراض العمل السري التي تشتد أثناء القمعي البوليسي.

3- إن قواعد المنهج العلمي الجاد لدراسة الظواهر, ينطلق على العموم من قاعدة أولوية العلاقات الداخلية في التأثير على سيرورة وطبيعة تطور أية ظاهرة كانت..أما العلاقات الخارجية فتلعب دورا ثانويا في تحقيق ذلك التطور, لكونها تتوقف على العلاقات الداخلية وتَظَهُرِها وتَكَشُفِها[5]. أزعم كباحث ومن خلال دراستي لواقع عراق المعاصر والظاهرة العراقية وسيرورات تطورها إن (للعلاقات الخارجية) للعامل الخارجي دورا يوازي دور العامل الداخلي.. إن لم يكن يضاهيه في بعض الآحيان المفصلية. وتتضح هذه الصورة كمثال بارز, في ظروف الاحتلال الثلاثة [6], وما اعقبها من نتائج مصيرية شهدها العراق خلال تسعة عقود من الزمن. كذلك يبرز هذا الدور وأهميته كعامل مقرر وأرأسي في أسقاط التغيرات التحررية الجذرية التي شهدها عراق القرن المنصرم وهي على وجه التحديد: اسقاط حكومة الانقلاب الأول 1936؛ إجهاض حركة مايس التحررية 1941؛ و(نحر) ثورة 14 تموز في انقلاب شباط 1963 الذي خططت له ورسمت أبعاده المراكز الراسمالية الدولية ونفذته بأيادي عراقية. لقد علقت في ذاكرة العراقيين تلك العبارة المشهور لأحد قادة الانقلاب (جئنا بقطار أمريكي) لتعبر عن جوهر تأثيرات العامل الخارجي[7]. كما برز دور العامل الخارجي بقوة في انقلاب تموز 1968 حيث كانت القوى الخارجية الأجنبية تقف وراءه وهي, أو بعض منها على الأقل, قد أطاحت به عام 2003.

إن فهم هذه الحقائق تساعدنا في إستيعاب وفهم اهمية وطبيعة ثورة 14 تموز, بإعتبارها ليست ظاهرةً عابرة أو انقلاباً فوقياً, قدر كونها تغييراً اجتماعيا جذرياً ترتبت عليه تغيرات بنيوية في طبيعة وأهمية كل من القاعدة المادية للتطور والطبقات الاجتماعية للمجتمع العراقي . إذ طردت الثورة تلك الطبقات القديمة (الاقطاعيين وشيوخ العشائر ونخبة الكمباردور والقوى التقليدية) من مسرح التأثير على القرار السياسي المركزي, وصعدت طبقات وفئات جديدة (الفئات الوسطى بمختلف شرائحها) إلى مركز القرار الأرأس وانفتح طريق بسعة ملحوظة لإعادة انتاجها ووجملة من الفئات الاجتماعية الحديثة الأخرى (من برجوازية صناعية وتجارية, والتوسع في الطبقة العاملة والاجراء والمالكين المنتجين الصغار), كما تغيرت طبيعة العلاقة الاجتماعية بمختلف أشكالها, وماهية العقد الاجتماعي بين السلطة والمجتمع ضمن هذه الصيرورة الجديدة التي نما فيها دور الدولة كثيراً, باعتبارها جزءً مهماً في حياة الناس كأكبر مالك منتج ومستهلك في آنٍ واحد, حتى " تعزز تأثير الحكومة في البنية الاجتماعية أو على الأقل في قدرتها على تحديد توجه التغير الاجتماعي بسلطاتها التخطيطية ونفوذها الأكبر في مجال توزيع الدخل الوطني وترتبط بهذا أيضاً الزيادة في وظائفها على معظم الجبهات الاقتصادية... [8] " في المصارف والتأمين وفي الصناعة والنقل وفي الاستثمارات الجديدة والتخطيط لها وكذلك التربية والتعليم وما رافقها من سياسات اجتماعية عميقة. هذه الظروف والتغيرات مهدت لكي يرتقى هذا التغيير الجذري, بذاته ومضمونه إلى مفهوم الثورة، وابتعد عن كونه مجرد انقلاب عسكري فوقي غَيَرَ نخبة الحكم بآخرين, إذ:

- أنصب التغيير على إحداث تغييرات في المواقع الاجتصادية (الاجتماعية-الاقتصادية) والسياسية للطبقات والفئات الاجتماعية؛

- وتغير الطبيعة المادية للقاعدة الاقتصادية وعلاقاتها؛

- وبدلت من أولويات أنماطها ومستوياتها وتاثيراتها في الانتاج الاجتماعي.

وهذا ما ميز ثورة 14 تموز عن كل الانقلابات العسكرية التي تمت في عراق القرن العشرين.. بمعنى آخر أن " الثورة في المجتمع, إذاً, ظاهرة طبيعية لتحول اساسي وجذري في الحياة العامة, إنها انقطاع لاستمرار وضع قائم وقيام عهد جديد. وهي إن بدت وكأنها حدث فجائي حاسم إلا انها في الواقع نتيجة تراكم العوامل المناهضة للوضع الزائل تنمو في كيانه حتى تبلغ أشدها وتفرض إرادتها التي لا مرد لها...[9] ", مما أهلها بأن تكون الثورة الوحيدة في عراق القرن المنصرم. وبمعنى آخر فقد " دشنت سياقاً تاريخياً يختلف جذرياً عما سبقه من نواحي القضايا التي تبنتها, القوى المحركة لها, الأفق التاريخي لمشروعها التحرري. لنصف أولاً, بخطوط عريضة, تلك المحددات الثلاثة للثورة. فقضاياها الأبرز تمثلت في إنهاء الحكم الملكي ومعه التبعية للاستعمار البريطاني, واستكمال عناصر السيادة والاستقلال, تقليص العلاقات الاقطاعية وتحرير الثروة النفطية, بناء نظام سياسي تمثيلي يتبنى الديمقراطية وحل القضية الكردية. أما قوى الثورة فضمت أحزاباً علمانية, من برجوازية وطنية وشيوعية وقومية. وكان الجيش ذراعها الضارب. فيما يخص أفقها التاريخي فقد توفر على خلطة من أهداف بدت مترابطة في وقتها, حيث أقترن إتباع سياسة الحياد الايجابي مع التقارب مع الدول الاشتراكية, وإقامة حكومة وطنية مع تمهيد لوحدة عربية, وتدشين تعددية سياسية مع مفهوم تقليدي (( كاريزماتي)) للرئاسة [10] ".

في الوقت نفسه يمكننا القول من الناحية المنهجية إن مفهوم الثورة الذي هو: (نقطة تحول في الحياة الاجتماعية تدل على الاطاحة بما عفى عليه الزمن وإقامة نظام اجتماعي تقدمي جديد وهي النتيجة الضرورية لتطور المجتمع) تختلف جذريا عن مفهوم الانقلاب (التغيير الداخلي الفوقي بالقوة لقمة النخبة الحاكمة) على الأقل في سمتين أساسيتين هما:

" - المشاركة النشطة للجماهير بدلاً من سلبيتها؛

- استمرارية التغيير مقابل الحدث الوحيد.

لذا كانت ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 " تدشيناً لثورة عظيمة[11] " نظراً لما احتوته من جوانب سياسية واجتماعية في آن واحد. في وقت كان يوجد هنالك فاصلاً زمنياً كبيراً بين هذين الجانبين في العديد من الثورات الكبرى في التاريخ، إذ غالباً ما تحدث الثورة السياسية ومن ثم تعقبها, الاجتماعية. كما أن ثورة تموز قد سرعت بخطى سريعة من صيرورات الارتقاء وغيرت بعمق من الاتجاهات الفكرية/الاجتماعية لدرجة أصبح معها الكم المختلف، كيفاً جديداً.

في الوقت ذاته لا ينبغي التسليم (الرغبوي) بأن كل التغيرات التي وقعت بعد ثورة 14 تموز كانت مفيدة ونافعة على وفق منظور التطور العام, لأن هذا مخالف لمنطق صيرورة التطور ذاته وقوانينه الموضوعية وأوالية علاقاته، لأنه يجب أن لا ننظر إلى تاريخ المجتمع باعتباره صيرورة مضطردة نحو التقدم وأن كل خطوة هي إلى الأمام. أي لا ننظر إلى الثورة من وجهة نظر برغماتية حسب، التي تنطلق من فكرة إن كل ما هو ناجح هو صحيح بالضرورة لأن " الموقف الصحيح هو أن لا نقيس الصحة بالنجاح وإنما نقيس النجاح بالصحة والسبيل إلى النجاح الأكثر دواماً واستقراراً هو اللجوء إلى الموقف الصحيح وليس العكس[12] ". إذ " يجب ان لا تفهم طبيعة الثورات ودوافعها بإحالتها إلى اساس أيديولوجي عقائدي حيث يحركها بإتجاه معين.. الثورات هي نتيجة الصراع الطبقي الاجتماعي وهويتها لا تأتي من هوية قادتها، بل من مطالبها التي تأتي الثورة للوفاء بها وهي مطالب عامة الناس، لا فئة محددة من أهل العقائد [13] ". وهذا ما ينطبق على ثورة 14 تموز.

وعند العودة إلى بعض منتقدي ثورة 14 تموز من ذوي التوجه الوطني العراقي أو/و التيار الديمقراطي (اللبرالي واليساري) الذي كان يجري في [الحيز الرمادي الواقع بين اللوم والأسف والذي لا يخلو من إعجاب ضمني أيضاَ].. فإني أزعم تلمسي إلى ماهيات منطلقاتهم المستنبطة من الامنية المتمحورة حول روح التطلع المتعطش إلى الاسراع في الخروج من حالة التخلف المزمن وكسر حلقات الفقر ومن أجل شيوع الممارسة الديمقراطية خاصةً ببعدها الاجتماعي. كما إن نقدهم يتضمن عتاباً ضمنياً على قيادة الثورة وسيرورة حلها لإشكاليات الواقع العراقي وكيفية إدارتها للصراع السياسي/الفكري الذي نشب بعد الثورة بين القوى الاجتماعية التي (أغلبها) كان قريب من منطق الثورة ومضامينها وآفاق مستقبلها.. وكذلك في عدم تحقيق ذاتها وتجسيد أهدافها المرتجاة, فالتجأ البعض منهم, منهجيا, إلى المقارنة السطحية (المحتملة) مع المرحلة الملكية ونظر إلى شكليتها وعلاقاتها الفوقية دون الغوص في أوالية حركتها الداخلية وتناقضاتها البنيوية وعلاقاتها الخارجية, مما أدى إلى عدم توفر الظروف الموضوعية والذاتية لإعادة انتاج مكوناتها, بحكم ظروف ولادتها والقوى الاجتماعية المساندة لها وتبعيتها للقوى الخارجية مما اوجب ضرورة التغيير الاجتصادي/السياسي.. وسهل للظروف الموضوعية على طردها من الحياة بفعل ازمتها البنيوية الداخلية. في الوقت الذي صوروها لنا (المرحلة الملكية) كما لو أنها تجربة ديمقراطية ناجحة وقابلة للتطور وفيها الكثير من مفاصل الاصلاح اللبرالية القابلة للنمو. لكن الواقع المادي, حسب قراءتي, يدحض هذا التصور.. ويشير بقوة إلى أن النخبة الحاكمة ومجمل علاقاتها الفكرية ونظامها الاجتماعي وتبعيتها للمراكز الرأسمالية هي التي عرقلت تطور التجربة البرلمانية.[14]

الموضوعية تفرض ذاتها علينا لفحص المرحلة الملكية بدقة من ذات المنهج اللبرالي الذي ينطلقون منه ويحبذون الأخذ به. أرى أن أية ظاهرة اجتماعية تحمل في طياتها أبعاداً ايجابية وسلبية, ورؤية هذه الجوانب يحددها المرء على ضوء مصالحه ونظرته الفلسفية والفكرية. فنقول, بأحرف كبيرة, أن المرحلة الملكية لها ايجابياتها وسلبياتها, لها أمراضها المزمنة وتلك العرضية المشتقة من الطبيعة الطبقية للحكم وكيفية ممارسته للصراع الاجتماعي. إن النظرة العدمية وحدها تنفي مثل هذه الابعاد عند تقيم أثر المرحلة في بعدها التاريخي. لكن علينا منهحياً أن لا نغالي في عملية التقيم ونمركزها حول جانب دون أخر, في حين يفترض دراستها, كأية ظاهرة, بكل ابعادها الكلية: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية, وما انجزته وما لم تنجزه.. حتى نستطيع أن ننتج معرفة علمية حول المرحلة وأهميتها ونحدد الابعاد المستقبلية للبلد.

ومن هنا ينطلق بعض الباحثين في نقدهم لثورة 14 تموز من فرضية لم تستكمل ذاتها, كما اعتقد على الأقل, تتمحور في نقطتين أرأسيتين: الأولى كون الثورة قد أجهضت حالة (احتمالية) لمشروع ديمقراطي لبرالي وتوجها إصلاحياً تدريجياً [15]. والثانية تتمركز في كون الثورة قد ادخلت المجتمع, في اطيافه الاجتماعيةالمتعددة, في صراعات دموية عنفية, بالإضافة إلى جملة من الاعتراضات الأخرى.

أن اية مراجعة موضوعية للمرحلة الملكية ستصطدم, بالضرورة, بالمتطلبات الأرأسية لتطور الصيرورات الليبرالية التي بدأت بالظهور منذ تشكيل الدولة العراقية المعاصرة, ناهيك عن تلك ذات الأبعاد الفكرية المتحررة والمضامين التقدمية والمساواتية الاجتماعية, وعن البطأ الشديد في بناء المقومات المادية للمشاريع اللبرالية سواءً على صعيد: مؤسسات الدولة وتزامنها مع ايقاع العصر والحاجة, أوالقوانين المنظمة للمجتمع وأليات تطورها اللاحق, أو مؤسسات السوق وترابطها,أو مؤسسات المجتمع المدني بمفهومه الكلاسيكي والمعاصر[16].

سأحاول هنا الوقوف بعجالة على عدة مفاصل تصادمية تعكس الأزمة البنيوية للمرحلة الملكية والتي حاولت ثورة تموز أستكمالها ضمن عمرها القصير (1666) يوماً.. وهي في الوقت نفسه مناقشة لمضمون الفرضية المذكور أعلاه بشقيها.. من هذه المفاصل:

1- محاولة الخروج من حالة التخلف المزمن.. توضح تاريخية السلطة في العراق الملكي أن نخب الحكم لم تستطع إنجاز المؤمل منها في إحداث تغيرات جذرية في مكونات الحياة الاجتصادية لأغلب المكونات الاجتماعية وخاصةً الطبقات والفئات الفقيرة والكادحة في الارياف والمدن.. بل أن السياسة الاقتصادية التي اتبعت ساهمت في تعميق هوة التفاوت, خاصة منذ بدء تطبيق الطرد الكيفي والواعي لمجاميع قوة العمل من الريف خلال سيرورة تبني الاقرار التشريعي (منذ عام 1918 وأشتد منذ نهاية العشرينيات) للعلاقات الحقوقية لملكية اللاراضي الزراعية وتبني الاسلوب شبه الاقطاعي لعلاقات الانتاج في الريف.. وما تبعها من فرض جملة من القوانين المنظمة لعلاقات الانتاج ومن أهمها قانوني تسوية الأراضي ودعاوي العشائر, اللذان لعبا دوراً هاماً في صعود طبقة جديدة وتَغَيٌّر طبيعة العلاقات الاجتماعية مما غيّر في المواقع والقوى في الريف برمته والتي وسمت المرحلة الملكية برمتها. كما وقد اتسم التطور الاجتصادي بالبطء الشديد ولم يحقق النجاح المطلوب..[17] مما زاد من الاحتقانات الطبقية وعمق صراعاتها الاجتماعية, وعلى الصعيد السياسي نرى أن النخبة السياسية الحاكمة آنذاك لم تنجح حتى في إعادة انتاج ذاتها وتوسيع مداها وتجديد أواليتها الداخلية لتداول السلطة, ما بالك بتطوير التوجهات الليبرالية التي من المفروض ان تنطلق منها في رؤيتها السياسية والاقتصادية والفكرية. لقد اصطدمت هذه العلاقات والتوجهات بقوة الرفض, المادي والمعنوي, من قبل بعض الكتل المحورية لنخب الحكم التي ساهمت في اجهاض العديد من المشاريع النهضوية التي طرحتها القوى الوطنية العراقية المعارضة بل وحتى تلك المتبناة من بعض القوى الليبرالية, ناهيك عن القوى الراديكالية اليسارية النزعة والمضمون. ومن إستقراء الوضع العراقي طيلة المرحلة أكاد أقول إن هذه النخب ومنذ تاسيس الدولة العراقية قد تعاملت مع جماهير واسعة من العراقيين بإعتبارهم كائنات مكرسة لخدمة العرش والحكام, وقد إنعكست وجهة النظر هذه في إزدراء الحكام لتطلعات هذه الجماهير في العديد من المجالات الحياتية وخاصةً في المطالبة بدستورية الحكم ودمقرطته, الذي وسم حراك الحركة الوطنية المعارضة طيلة المرحلة. إن طاعة الشعب إزاء حكامه منوطة بمدى تحقيق الرفاه العام والعدالة الاجتماعية في نسبيتها من قبل النخبة الحاكمة بإعتبارهما يمثلان حقاً طبيعياً ومكتسباً في الوقت نفسه. إن التعويل على أن ثورة 14 تموز قد وأدت المحاولات الاصلاحية لا يصمد أمام الواقع المادي لتاريخية وحقائق التطور في العراق, بدليل تفاقم الصراع الداخلي لحد دخول الحكم في أزمته الذاتية التي تمحورت بين القوى التالية:

- النخب السياسية الحاكمة والقوى المعارضة, العلنية والسرية, بمختلف توجهاتها؛

- بين كتل النخب السياسية الحاكمة ذاتها والمنطلقة من الانوية والمصلحية الفئوية.

2- تلعب الفئات الوسطى دوراً مركزياً في تحقيق صيرورات أي مشروع تنموي نهضوي حضاري خاصةً تلك التي تتضمن الماهيات العقلية المتحررة وبالأخص بصيغته البرالية ذات المنحى البرلماني.. بإعتبارها العتلة المركزية تفكيراً وتنفيذاً لمثل هذه المشاريع ولكونها العقل المدبر في رسم أبعادها بالتلائم مع طبيعة ظروفها واتجاهاتها الاجتماعية وزمنية مستقبليتها ومضامينها الطبقية. لقد تغلغلت مختلف الايديولوجيات الأوربية الحديثة إلى عقول الانتلجنسيا العراقية منذ مطلع القرن المنصرم وأبدت قطاعات واسعة منها وخاصة تلك المنحدرة من الطبقات الوسطى الصاعدة, " إلى تبني الدستورية البرلمانية واللبرالية الاقتصادية. أما المراتب الدنيا من الفئات الوسطى ذات النزعة الرديكالية فقد توزعت على تبني أيديولوجيات قومية (فاشية وقومية /شعبوية) وماركسية, تعارض الصيغة البرلمانية للحكم السياسي من مواقع متباينة [18]". ومن المعلوم أن ظروف التخلف الاجتصادي, بمفهمومه العام, يؤثر بصورة جدلية على سعة أنتشار هذه الفئات التي كانت في الحقبة العثمانية قد انتسبت في الهلال الخصيب " عموماً إلى فئة لا تختص بطبقة اجتماعية محددة آنذاك, إنما إلى فئة إصطفت أغلب عناصرها من الابناء الذين خرجوا من أحشاء عائلات عريقة أتصلت وتأصلت في المدن, وقد جاء معظم عناصر هذه الفئة من أصلاب أثرياء المدن, وكان التجار بحكم إتصالهم بالاجنبي وثرائهم, الفئة الاجتماعية الأكثر إستعدادا لتنوير أبنائهم بل والأقدر على تعليمهم في المدارس الحديثة [19] ".

في وقتٍ تدلل القرائن التاريخية أن النخب الحاكمة في المرحلة الملكية[20] , لم تستطع أن تدرك دور هذه الطبقات الاجتماعية ولا خطورتها, وبالتالي لم تحظى بالرعاية والاهتمام الكافيين. كما لم تساهم هذه النخب, بوعي أو بدونه, في ضرورة التعجيل بخلق الظروف التي تساعد على تنمية الطبقات الوسطى نوعياً وكمياً إلا بالقدر الذي يخدم انويتها ومشاريعها الآنية. ويبدو أن القاعدة الاجتماعية للحكم الملكي كانت تخاف من هذه الفئات وخاصةً الجذرية والمتنورة منها, وكانت تعتبرها أكثر الفئات خطورة على نظام الحكم نتيجة " الظروف التاريخية لضعف الظروف الموضوعية والذاتية التي تساعد على تواجد وانتشار[21] " الاتجاهات الرديكالية. ولهذا وجدت هذه الفئات وعلى الأخص الدنيا منها, في العراق الملكي, منفذا للتعبيرعن طموحاتها وتصوراتها في الأحزاب السياسية السرية " من اسفل بفعل استبعادها من فوق. إن بناء الدولة الحديثة يعني اتساع قاعدة الطبقات الاجتماعية الجديدة وبالتالي ضمورالطبقات القديمة, وإن عدم استجابة النظام السياسي لهذا التغيير أوقعه في لجة أزمات متتالية أودت به آخر الأمر[22] ".

كما لم تتطور الفئات الوسطى في العراق الملكي بما يوازي متطلبات حتى حاجات المشاريع التي كانت تتبناها بعض أجنحة السلطة الحاكمة. هذا الظرف العام أدى إلى عدم قدرة هذه الفئات أو/و لم يسمح لها بإعادة انتاج ذاتها (كميا ونوعياً) إلا ببطء شديد جداً. وقد عكس كيفية تركيبة وتداول السلطة التنفيذية عن حقيقة هذا الموقف, حيث طيلة 4 عقود من الزمن تناوب عليها 168 وزيراً وكان معدل الاستيزار ما يوازي ثلاث مرات لكل وزير, حتى باتت حركة التجديد في قوام الوزارة ضعيف جداً بل معدوم في اكثر من 13 وزارة تألفت من وزراء سابقين, وتراوح عدد الوزارات التي كانت نسبة التجديد فيها أقل من 20% في حدود 17 وزارة[23]. بمعنى أن النخبة الحاكمة لم تكن حرة في إدارتها للدولة, إذ كانت تعمل ضمن إطار اجتماعي محدد من جهة ولكون النظام السياسي الملكي نابع من إرادة بريطانيا ومن مساندتها للنخبة الحاكمة, من جهة ثانية.. ولهذا أغلقت أبواب تداول السلطة سلميا أمام الفئات الوسطى وحتى تلك القريبة منها, ما بالك الرديكالية.. مما فسح المجال لتحرك هذه الفئات الوسطى والصغيرة (من خلال رفع وتيرة المطالب الاجتماعية للجماهير الشعبية), وخاصةً جناحها العسكري- الانتلجنسيا العسكرية (الضابط/ السياسي) من خلال فعل التحرك الغائي ذو الطابع العنفي المنظم لقيادة المجتمع وحل القضية الوطنية والاجتماعية ما أمكن لصالح التطور الاجتماعي العام, وهذا ما دللت عليه النتائج التي ترتبت على ثورة تموز والتي كانت ثمار لهذه العملية المعقدة من جهة , ومن جهة ثانية كانت سبباً أرأسياً في تطور هذه الفئات كماً ونوعاً وبطفرات كبيرة.. إنها ثورتهم.. ثورة الفئات الوسطى ومجاميعهم حيث شغلوا, ليس بالمعنى الضيق, "... نوى الدولة صاحبة المبادرة والقرار بل إنهم احتكروا تقريبا كل المناصب العليا والمتوسطة في إدارتها " كما يرصدها حنا بطاطو. في الوقت نفسه عملت ثورة تموز على تطوير الطبقات الفقيرة ماديا ومعنويا وكانت في بعض اوجهها قد حكمت لهم , ولم تحكم بهم, بل بالفئات الوسطى. بمعنى آخر أن هذه الفئات قد افلحت في بلوغ قمة الدولة بعد ثمرة 14 تموز حيث لعبوا دورا مفصلياً في رسم وتنفيذ القرار المركزي للدولة ولفترات زمنية لاحقة. وهكذا نمت الفئات الوسطى نموا كبيرا متسارعاً على قاعدة التحضر[24] الواسع والثورة الثقافية, مما حدى ببعض الباحثين بالتوصيف المبالغ فيه للمجتمع العراقي بعد الثورة على أنه مجتمع الفئات (الطبقة) الوسطى.[25] إنطلاقا من كون أن الظروف التي أسست لها الثورة كانت ملائمة لنمو الفئات الوسطى بل "... والواقع ان مصالحها أخترقت الدولة بدرجة أكبر من مصالح اي عنصر آخر من عناصر المجتمع [26]".

وإستمرت هذه الحالة لغاية مرحلة الترييف العام المعتمد من قبل سلطة البعث العراقي منذ مطلع الثمانيات ولغاية سقوط النظام السابق بالاحتلال الثالث (مايس 2003) الذي كان في أحد تجلياته نتاج لهذا الترييف الذي عم الحياة العراقية وعقد اللوحة الاجتماعية وشوهها وإنعكس في منظومة قيم وانساق إدارة السلطة وتجلياتها[27].





--------------------------------------------------------------------------------

[1] يشير مفهوم الحداثة إلى "جملة من سيرورات تراكمية يشد بعضها بعضاً. فهو يعني بناء تحديث الموارد وتحويلها إلى رؤوس أموال ونمو القوى الإنتاجية وزيادة إنتاجية العمل, كما يشير إلى إنشاء سلطات السياسية المركزية وتشكل الهويات القومية, يشير أيضاً إلى نشر حقوق المشاركة السياسية وأشكال العيش المدني و التعليم العام, وأخيرا يشير إلى علمنة القيم والمعايير". محي الدين صبحي, ص. 89, مصدر سابق.

[2] بطاطو, الجزء الثالث, ص. 429, مصدر سابق. ويستطرد المؤلف في ذات الصفحة بالقول: " إن 11 من 23 من أكبر العائلات الرأسمالية, و41 من 49 من أكبر عائلات ملاك الأراضي, بما فيها البيت الملكي, كانت ترتبط رسمياً, بطريقةأو بأخرى, أو في لحظة معينة أو أخرى, بالدولة مقدمةً لها رؤساء الوزارات أو الوزراء أو الأعيان أو النواب. وفي الوقت نفسه, فإن رؤساء 28 من هذه العائلات وعائلات المشايخ القبليين و(السادة) القبليين كانوا من كل النواحي, حكاماً حقيقيين في عقاراتهم أو على قبائلهم...".

[3] بطاطو, الجزء الثالث, ص. 430, مصدر سابق.

[4] راجع علي الشرقي , الأحلام, ص. 137, مصدر سابق. حيث يصف كيف جرى التلاعب في عدم انتخابه نظرا لتعرضه لضغوط من البلاط.. ويشير في ص.172 إلى " أن ارشد العمري كان بإندفاع يشبه الهستيريا يدير الانتخابات في الظاهر بصفة حيادية ولكن معمل الترشيح كان غي غرفة رئيس الديوان الملكي...".

[5]- " من الضروري أن نفرق بين العلاقات الداخلية, الجوانب المختلفة- وخاصةً المتضادة- لشيء ما وعلاقاته الخارجية بالأشياء الأخرى, فينبغي أن يحسب – أولا حساب الطبيعة النسبية للاختلافات في العلاقات الداخلية والخارجية, وثانيا لإنتقال الواحد منها إلى الأخرى, وثالثا حقيقة ان العلاقات الخارجية تتوقف على العلاقات الداخلية وتظهرها وتكشفها" راجع للمزيد الموسوعة الفلسفية, بإشراف روزنتال ويودين, ترجمة سمير كرم, دار الطليعة, الطبعة السادسة , 1987

[6] - نقصد بها:الاحتلال الأول (1914-1932), الثاني (1941-1947), الثالث ( 2003 - ).

[7]- حول هذه الموضوعة, راجع كتابنا عبد الكريم قاسم في يومه الأخير, دار الحصاد 2003, فصل: سباق المسافات الطويلة, كذلك د. علي كريم سعيد, عراق 8 شباط, مراجعات في ذاكرة طالب شبيب, الكنوز الادبية, بيروت 1999, وحنا بطاطو, الجزء الثالث, مصدر سابق.

[8] بطاطو, الجزء الثالث, ص. 433, مصدر سابق.

[9] عبد الفتاح إبراهيم, معنى الثورة, ص.9 , مصدر سابق.

[10] كامل شياع, هل طوت ثورة 14 تموز 1958 فصلها الأخير؟ ص.55 , الثقافة الجديدة العدد 310

[11] اليعازر بعيري ، ضباط الجيش والسياسة في المجتمع العربي، ترجمة بدر السباعي ص. 175،، المكتبة الثقافية- بيروت وسينا للنشر- القاهرة 1992

[12] د. رفعت السعيد ، تأملات في الناصرية، ص.67، الطبعة الثالثة، دار المدى، 2000 دمشق

[13] هادي العلوي، المرئي واللامرئي في الادب والسياسة، ص, 89 ، دار الكنوز الادبية بيروت 1998.

[14] حول هذا الموضوع يمكن مراجعة بعض اعضاء النخبة الذين نشروا مذكراتهم منهم على سبيل المثال: توفيق السويدي؛ خليل كنه؛ عبد الكريم الأزري؛ جميل الأورفه لي؛ علي الشرقي؛ ناجي شوكت؛ ومحمد حسن سلمان وغيرهم.. بالاضافة الى الدراسات الجادة من قبل الباحثين العراقيين والاجانب وبالأخص عالم الاجتماع علي الوردي وحنا بطاطو وكاظم حبيب والزوجان سلكليت مارون وبيتر وغيرهم.

[15] حول تاريخية نشوء هذا التيار راجع الكتاب القيم للدكتور عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي في العراق الحديث, 1914-1939, وزارة الثقافة, دائرة الشؤون الثقافية العامة, بغداد 2002.

[16] يرتبط مفهوم المجتمع المدني بإتجاهات سياسية وفكرية متباينة من حيث الاستخدام. ويرجع اصل المفهوم بصورة خاصة إلى فلاسفة الثورتين:الانكليزية من امثال هوبس 1588-1679وجون لوك 1632- 1704 ؛ والفرنسية وبالاخص جان جاك روسو1712-1778. وتبلور المفهوم في الفكر النظري الكلاسيكي على أنه " ذلك التجمع البشري الذي خرج من حالة الفطرة (الطبيعة) إلى الحالة المدنية التي تتمثل بوجود هيئة سياسية قائمة على اتفاق تعاقدي. يقصد بذلك ان المجتمع المدني هو المجتمع المنظم سياسياً وليس أي مجتمع... بعد قرن ونيف ادخل الفكر الاوربي (مونتسكيو, آدم سميث وهيغل) تمايزاً, انصب بموجبه المجتمع المدني كمفهوم عن الدولة. وبات المجتمع المدني هو رديف المجتمع التجاري/الصناعي الحديث المتمركز في المدن والمنظم في طبقات وهيئات تنشط بصورة مستقلة عن الدولة...أي كل اشكال التنظيم الاجتماعي الناجمة عن تقسيم العمل الحديث بما فيها من تضارب وتناحر أو تساوق وتفاهم. ولم يطرأ تغير كبير على هذا المفهوم في عصرنا الحالي من الناحية النظرية, سوى أن هناك تنويعين:الأول يركز على وجود الطبقات كفاعل اقتصادي ووجود منظماته الاجتماعية (نقابات عمالية, اتحادات صناعية, غرف تجارة ألخ) ووجود الثروة الاجتماعية منفصلة ومستقلة عن الدولة كمالك. أما الثاني فيركز على المنظمات وحدها, موسعا أياها إلى الاحزاب السياسية" د. فالح عبد الجبار, لمحة في فكرة المجتمع المدني, مجلة الديمقراطي, العدد30/ أيار/مايو 1997, لندن. في حين يعرف د. سعد الدين إبراهيم المجتمع المدني بكونه: " هو مجموعة التنظيمات الطوعية الحرة التي تملء المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها, ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف... وينطوي المفهوم على ثلاثة مقومات أو أركان أساسية: الركن الاول, هو الفعل الإرادي الحر... والركن الثاني, هو التنظيم الجماعي... والركن الثالث هو ركن أخلاقي سلوكي... ". مستل من مقدمة كتاب فالح عبد الجبار الدولة والمجتمع, ص. 5, مصدر سابق. ومن الناحية التطبيقية أصبح المفهوم, وهو على حق, مرادفا للديمقراطية في اغلب مجتمعات العالم الثالث.. والمجتمع المدني كمفهوم وممارسة يمثل أحدى واجهات الصراع الاجتماعي اللاعنفي الذي كما يقول فالح عبد الجبار: " يدار ويدور على قاعدة التنوع والتسامح" وليس الاجتثاث والإلغاء. حول ذات الموضوعة راجع د. عبد الوهاب حميد رشيد, التحول الديمقراطي والمجتمع المدني, دار المدى دمشق 2003.

[17] " استندت توجهات العهد الملكي الاقتصادية, وحكوماته المتعاقبة على السلطة للفترة 1921-1958 بشكل عام على رفض التدخل الحكومي المباشر بالشؤون الاقتصادية إلا بالقدر الضروري لحفظ الأمن العام وصيانة الملكية الفردية. واتسم الاقتصاد العراقي خصوصاً في السنوات الأولى من الفترة بالخصائص التالية:إن معظم الناتج المحلي الاجمالي يتولد من قطاع الزراعة - استحواذ الزراعة على حصة كبيرة من القوة العاملة, كما يعيش معظم سكان البلاد بالأرياف.- تميزت معظم الصناعات القائمة بالأنماط الحرفية البسيطة... أن عقد الخمسينيات شهد نشاطات مجلس الأعمار المؤسس حديثاً كذلك التنامي الملحوظ لصادرات النفط وعوائده, إلا أنه لم تظهر دلائل تؤكد رغبة أو اهتمام النظام بتغيير خصائص أو هيكل الاقتصاد, حيث أستمرت سياسته التنموية في تعزيز أوضاع الأمر الواقع, الأمر الذي خدم مصالح فئة كبار ملاك الارض, بدلا من خدمة مصالح الفلاحين أو عمال المدن ". د. عباس النصراوي, الاقتصاد العراقي النفط. التنمية. الحروب. التدمير. الآفاق. 1950-2010, ت, محمد سعيد عبد العزيز,ص.175. الكنوز الادبية بيروت 1995.

[18] فالح عبد الجبار, الدولة ,المجتمع المدني, ص.195, مصدر سابق.

[19] د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي في العراق الحديث 1914- 1939, ص.136, دار الشؤون الثقافية العامة, بغداد 2002.

[20] تشير الوثائق المنشورة إن قوى الاحتلال الأول (1914- 1932) قد انقسممت بصدد الموقف من الفئات المتعلمة (الأفندية) في إدارة الدولة الوليدة, ومن ثم غلبة الرأي الذي كان تحبذه مس بيل وغيرها, والتي كانت " بدورها تخشى المثقفين والمتعلمين وتريد إبعادهم عن الهيمنة على الحكم , إذ رأت فيهم مصدراً لاحتمال مناهضة الحكم البريطاني في العراق وبسبب وعيهم وروحهم الوطنية ولذلك كانت تفضل شيوخ العشائر على الافندية لحكم البلاد... ومثل هذا التقدير دل على الوعي الطبقي الذي تمتع به ممثلو الإمبريالية البريطانية حينذاك وفهمهم الواسع لطبيعة العلاقات الطبقية الاجتماعية التي سادت العراق حينذاك ". للمزيد راجع د. كاظم حبيب ود. زهدي الداوودي, فهد والحركة الوطنية في العراق, ص. 58, الكنوز الأدبية, بيروت 2003. كذلك د. عبد الجليل الطاهر, العشائر العراقية, مكتبة المثنى, بغداد 1962. بطاطو, مصدر سابق.

[21] د. جمال مجدي حسين, ثورة يوليو ولعبة التوازن الطبقي, ص. 127, دار الثقافة الجديدة, القاهرة 1977.

[22] فالح عبد الجبار, الدولة والمجتمع المدني, ص. 57, مصدر سابق.

[23] راجع كتابنا الجيش والسلط, الجدول 11, ص.214, مصدر سابق.

[24] أزداد مجموع سكان المدن في العراق من 1,7 مليون عام 1947 إلى 2,5 عام 1957 وإلى 4,1 مليون عام 1965. مستل من بطاطو ,ج. 3, ص. 439, مصدر سابق.

[25] راجع للمزيد فالح عبد الجبار ,الدولة والمجتمع. كذلك بطاطو, ج. 3, الخاتمة, مصدران سابقان.

[26] بطاطو, المصدر السابق , ص. 441.

[27] تتميز الفئات الوسطى وخاصةً فئة المثقفين منهم بكونها ذات طابع مديني مما " سهل إنتماءهم للفكر المعاصر بما فيه الفكر الديمقراطي اللبرالي, فمن المعروف أن المحيط الريفي يتميز على العموم, بالطابع المحافظ, حيث تسود الثقافة التقليدية في حين أن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للمحيط المديني وهذا ما يؤكد طبيعة الفضاءات الفكرية التي تنفست فيها هذه الفئة المثقفة ثقافتها العصرية " د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي, ص. 148, مصدر سابق.



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14 تموز.. الضرورة والماهية
- الزعيم قاسم و الجواهري ولقائهما الأول:
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 6-6
- دراسة عن حركة الضباطالأحرا ر 5-6
- دراسة في حركة الضباط الأحرار4-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرار 3-6
- دراسة عن حركة الضباط الأحرا ر2-6
- دراسة في حركة الضباط الاحرار في العراق
- النضوج والتكتل الغائي 1948-1958
- حركة الضباط الأحرار- التكوين والتكتل الغائي
- النواتات الأولى لحركة الضباط الأحرار
- 14 تموز.. ضرورات الواقع وتناقضاته
- 1- عبد الكريم قاسم في عوالم الحياة العسكرية:
- مــن ماهيــات سيرة عيد الكريم قاسم
- في:الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لعراق مطلع القرن الماضي
- الضباط والسياسة في العراق الحديث :مدخل تاريخي
- عودٌ إلى البدء في أرأسيات التطور: 14 تموز: جدلية الفهم والمو ...
- البيئة الاجتماعية لبغداد ومحلاتها الشعبية
- من تاريخية الأنقلابية في العراق الحديث
- أفكار أولية: عن طبيعة ومهام المؤسسة العسكرية في عراق المستقب ...


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عقيل الناصري - 14 تموز.. الضرورة والماهية 2-4