محمود سعدون
كاتب وناشط سياسي
الحوار المتمدن-العدد: 6487 - 2020 / 2 / 9 - 23:06
المحور:
الادارة و الاقتصاد
بعد التغيير عام2003 وما رافقه من انهيار بنى الدولة المركزية ومؤسساتها اطلقت سلطة الاحتلال عملية تحويل البنى الاقتصادية العراقية الذي يحتل فيه قطاع الدولة وشركاته الحكومية و المختلطة دورا مهيمنا الى اقتصاد السوق بدأً بإزالة جميع القيود عن التجارة الخارجية وفتح الاسواق العراقية امام تدفق السلع الاجنبية دون عوائق في الوقت ، ذاته شرعت سلطة الأئتلاف المؤقتة والحكومة التي اعقبتها في اصدار تشريعات التي تيسر تمويل التجارة والحركة الحرة لرؤوس الاموال التي كانت تتجه نحو الخارج بصورة شرعية وغير شرعية وتلازمت هذه الوجهة مع توجه في تصفية الشركات العامة عبر عدم تأهيلها والابقاء على قدراتها الانتاجية المعطلة تمهيدا لخصخصتها الامر الذي ادى الي الانحسار المتواصل للأنشطة الانتاجية الصناعية وشملت الوجهة ذاتها في القطاع الصناعي الذي رفعت عن منتجاته الاجراءات الحمائية ما سمح للمنتجات المستوردة وخصوصاً من دول الجوار باكتساح السوق المحلية على حساب المنتجات العراقية.
لا تزال الرؤية الاستراتيجية الضرورية على الصعيد الاقتصاد واعادة هيكلته الغائبة خاصة ما يتعلق بدور الدولة في الميدان الاقتصادي وتستمر المغالاة في تأكيد مزايا السوق الحر في اقتصاد البلاد دون معاينة الواقع الملموس واستحقاقاته الامر الذي يعيق عملية الاعمار واعادة بناء القطاعات الانتاجية الصناعية والزراعية وكذلك الخدمية وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة .
ومنعاً لأي التباس لابد من التذكير بحقيقة ان المقاربة الصحيحة لمفهوم الاصلاحات الاقتصادية تستدعي النظر اليها ليس باعتبارها عملية فنية بحتة بل هي في جوهرها عملية اقتصادية- اجتماعية – سياسية – ثقافية تحتاج اولاً الى ادارة سياسية لديها رؤية واضحة لما ينبغي القيام به من اصلاحات وثانيها ان تنطلق من الحاجات الفعلية للأقتصاد الوطني وليس استناداً الى وصفات جاهزة يمكن ان تكون صالحة للبلدان الاخرى ولكن ليس بالضرورة صالحة للبلدان المعنية ومن المؤكد انه ليس هناك من وصفة واحدة للإصلاحات الاقتصادية تنفع الجميع لوجود اختلافات كبيرة بين موارد البلدان ومستويات تطورها وثقافاتها وعلاقاتها الخارجية ولكن يمكن الاستفادة من تجارب الاخرين بعد دراسة نقدية جادة.
• الخصخصة
لقد اثبتت العديد من التجارب خطا النظرية ( القطاع الخاص خير مطلق و القطاع العام شراً دائم )
و للخصخصة منظورين . اقتصادي وسياسي , فمن المنظور الاقتصادي تهدف عملية الخصخصة الى استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وانتاجية اعلى , وذلك بتحرير السوق وعدم تدخل الدولة إلا في الضرورة القصوى وعبر ادوات محددة لضمان استقرار السوق والحد من تقلباته اما من المنظور السياسي فالتخصيص يدعو الى اختزال دور الدولة ليقتصر على المجالات السياسية مثل الدفاع والقضاء والامن الداخلي والخدمات الاجتماعية ,لذا فان التخصيص يتجاوز مفهوم الضيق المقتصر على العملية بيع اصول او نقل ملكية ليكون بمثابة نقلة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة وفلسفة جديدة لدور الدولة .
جوهر ومفهوم الخصخصة :
الخصخصة هي عملية تحويل الملكية العامة ( اي ملكية الدولة والقطاع العام ) الى القطاع الخاص عن طريق الايجار او المشاركة او بيع القطاع وغيرها من الاساليب الفنية المتبعة في عملية الخصخصة
وشهدنا خلال السنوات الاخيرة الترويج لمفهوم من قبيل الخصخصة واقتصاد السوق ومضامينه وآلياته التحريرية حيث يتم حصره في الخصخصة , بينما اقتصاد السوق هو منهج لتوزيع الموارد عن طريق آليتي السعر والمنافسة هكذا اذن سيطر مفهوم اختزالي وضيق الافق لمداولات المفاهيم بحيث حل التبرير الايديولوجي بديل عن المقاربات العملية الصحيحة للمشكلات الصحيحة التي يعاني منها الاقتصاد العراقي .
المثير في الامر ان ما يطرحه منظروا الخصخصة و ( الاصلاح الاقتصادي )هو تأكيدهم على عدم كفاءة القطاع العام , ولكنهم و للأسف الشديد لا يكلفون انفسهم بطرح سؤال اضافي ومهم وهو لب القضية : لماذا لم يعد هذا القطاع كفؤا؟
لقد اوضح الكاتب الاقتصادي الكبير صالح ياسر هذه الاشكالية في العديد من مقالاته وكتبه حيث يعطي جواباً علمياً لحل هذه القضية حيث يقول ( انهم يهملون عامدين على ما يبدو العلاقات والشروط وبنية المصالح التي انتجت قضايا الفساد والنهب الذي تعرض له هذا القطاع على ايادي نهابة النظام المقبور وتواصه بهذه الصيغة او تلك بعد 9-4-2003 بدعم وتأييد سلطات الاحتلال ومنظريه ومستشاريه على الجبهة الاقتصادية في العراق وممارسات الحكومات المتعاقبة في ضل انعدام الشفافية في المرحلتين وإن بشكل متفاوت)
والمعنى واضح هنا اقصاء الدولة والرهان على القطاع الخاص دون ان تجري الاجابة عن السؤال استراتيجي : عن اي قطاع خاص يجري الحديث ؟ نحن اذا هنا امام مقاربة أيديولوجية تبريرية صارخة وليس رؤية استراتيجية واضحة وثمة فرق واضح بين الدعوة لتقديس السوق الحر واقتصاده والياته , والدعوة الى اقتصاد مفتوح والاندماج في الاقتصاد العالمي.
واستنادا الى جملة الملاحظات اعلاه يمكن القول ان الرهان على خيار الخصخصة بحسب هذه الوصفة وفي ظروف الازمة الاقتصادية البنيوية , والفوضى الامنية والاستقطاب السياسي الراهن لن يؤدي في الواقع الا لخلق الشروط لتبلور استقطاب اقتصادي – اجتماعي اعمق بكل ما يحمله هذا من اثار سلبية ونشوء مافيات اقتصادية ستوظف حجمها الاقتصادي في ضمان موقع في البنية السياسية وهي التي تحمل الكثير من التناقضات السياسية المكبوتة
واستنادا الى الملاحظات التي سبقت سيمكننا ان نكتشف الاثار السبية الناجمة عن الخصخصة في حال تطبيقها :.
1- مصادرة القرار الوطني والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الاخرى والغاء دور الدولة في الحقل الاقتصادي .
2- تؤدي الى انعدام المنافسة الاقتصادية في حال تحول الشركات العامة الى شركات احتكارية مما يزيد لها فرصة زيادة اسعار السلع والخدمات الى مستويات عالية لتحقيق الارباح السريعة على حساب المستهلك .
3- تسريح العمال ما يؤدي الى خفض اعداد القوى العاملة وخلق جيش من العاطلين عن العمل وتفاقم مشكلة البطالة .
4- تقليص الرقعة الاقتصاد الخاضعة لسيطرة الدولة مما يؤدي الى اضعاف دور الدولة في تعميق الدعم والمعونة للفئات الضعيفة وانخفاض مستوى المعيشة .
• السوق الحر
ان جوهر هذا النموذج يتجلى بالسعي الى " طرد" الدولة من الحقل الاقتصادي , وتقليص دورها في الهياكل الارتكازية التي تسهل نشاط المؤسسات وتطور المنافس . لقد قام الكاتب الاقتصادي العراقي صالح ياسر بإعطاء تسمية الى السوق الحر تتماشى مع الواقع الراهن حيث يسميه الموديل الليبرالي الجديد , ويذهب معلقا , غير انه يتعين الاشارة الى ان هذا المفهوم للسوق الحر ( بصيغة متطرفة ) يمثل البنية النظرية الخالصة وليس بنية تشغل في الواقع الملموس . انه موديل نظري صافي وهو بهذه الصورة يتحقق في البلدان التي تدعي تطبيق المذهب الليبرالي الجديد مثل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ومن المهم الاشارة الى ان اي من البلدان الرأسمالية المتطورة لا يسود فيها اقتصاد السوق الحر بصيغه الخالصة اذ يلاحظ اشتغال آليات السوق المقترنة بضبط متعدد الجوانب لتلك الاليات من طرف الدولة وبالرغم من ان النزوع المتصاعد لتقليص هذا الضابط الدولاني ( نبه الى الدولة ) ورغم الجنوح المتصاعد نحو الخوصصة privatization فان هذا الضبط ما يزال يعمل , وفي بعض الحقول يشتغل بقوة وقد اكدت الازمة الاقتصادية الراهنة صحة هذه الفرضية حيث لاحظنا كيف تصرفت الدول في البلدان الرأسمالية المتطورة وطرحت عدة برامج لمواجهة هذه الازمة والخروج منها. اذن ان الواقع لا يقدم لنا اقتصادا سوقيا بحسب وصف الليبرالية الجديدة , بل اقتصادا مختلطا حيث اقتصاد السوق مقترنا بتدخل حكومي ملحوظ في قطاعات متعددة ويعني ذلك ان الامر لا يتعلق في الممارسة بتدخل او عدم تدخل الدولة فمثلا هذا الامر حسمته التجربة التاريخية بل ان القضية تتعلق بالفروقات في حجم واشكال التدخل الحكومي .
ان السوق الحرة او المدارة ذاتيا قد بدأ بالموت مع بداية هذا القرن وقد كانت الحرب العالمية الاولى تمثل المعلم الذي لا يخطئ لمرضة المميت هذا في حين كانت الازمة الاقتصادية 1929-1933 تمثل رصاصة الرحمة . يتمثل السبب في ذلك ان السوق المدار ذاتياً يتضمن العديد من العناصر الطوباوية .
لقد اعتمدت الليبرالية على عدة اهداف اساسية للتكيف:.
1- خلق جيش احتياطي متزايد من العاطلين عن العمل وتنميته باستمرار .
2- طرد الدولة من الحقل الاقتصادي .
3- العمل على التدمير المنتظم والتدريجي للطاقة الإنتاجية المحلية .
4- التأثر في العلاقات الاجتماعية من خلال العمل على خلق فئات اجتماعية تستفيد من حزم السياسات التي تتضمنها برامج التكيف الهيكلي.
5- العمل على توفير رصيد كافي من العملات الصعبة ليس بهدف تمويل عملية التنمية ولكن اساسا لتمويل تحولات ارباح ودخل الشركات .
لقد بين الحزب الشيوعي العراقي وفي العديد من مؤتمراته على ضرورة توفير شروط اعادة تدوير العجلة الاقتصادية , خصيصا في المؤتمر الوطني العاشر الذي اقيم في بغداد عام 2016 , وقد خط برنامجه في تعديل عجلة الاقتصاد . كذلك نوه على التخلص من الطابع الانتاجي الريعي الاحادي وكيفية تطوير المعامل والمصانع عن طريق الريع نفسة.
1- توفير شروط اعادة تدوير العجلة الاقتصادية وفي مقدمتها اعادة استتباب الامن والامان وتامين حماية الارواح والممتلكات وحسن سير عمل القضاء
2- تبني استراتيجية تنمية مستدامة واعتماد خطط تنموية متوسطة وقصيرة الاجل بالاشتراك مع الحكومة الاقليم والحكومة المحلية تهتف الى توسيع وتنويع وتحديث قاعة الاقتصاد وتنمية القدرات البشرية واستخدام العقلانية والكفوء لموارد البلاد بما يحقق مستوى متنوع ونوعية حياة اجمل لجميع المواطنين .
3- وضع سياسية اقتصادية فعالة والقيام بالإصلاحات الضرورية لتامين ما يقتضيه ذلك من تنسيق وتكالم بين السياسة المالية والسياسة النقدية وتطوير اليات وضع الموازنة العامة وتخطيط وتنفيذ البرامج الاستثمارية .
4- مكافحة البطالة باعتبار ذلك من الاهداف الرئيسية للسياسة الاقتصادية واعطاء الاولوية للبرامج الاستثمارية الى خلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز .
5- الوقوف بوجه الدعوة الغى اعتبار الخصخصة حسب وصفة المؤسسات المالية والنقدية الدولية الرأسمالية قادرة على حل المشاكلات الاقتصادية وتحقيق التنمية في مطلق الاحوال ,ولا سيما خصخصة المؤسسات والشركات المملوكة للدولة ذات الجدوى الاقتصادية بدلا من اعادة تأهيلها واصلاح اداراتها .
6- محاربة الفساد الاداري والمالي والاقتصادي ودعم الهيئات الرقابية المتخصصة واستقلاليتها وتفعيل وتطوير الاليات والقوانين التي تهدف الى حماية المال العام ووضع خطط واجراءات عملية لاستعادة الاموال المنهوبة .
كل ما سبق كانت قراءة مبسطة للخصخصة والسوق الحر. لقد اعتمدت دراستي وبشكل مفصل على الدكتور صالح ياسر وبعض ادبيات الحزب الشيوعي العراقي في المجال الاقتصادي .
#محمود_سعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟