الصديق هاني فحص ، قدّم في عدد " السفير " الصادر في الحادي عشر من نيسان 2003 هذا ، موجزَ سـيرةٍ في منتهى الفطنة ، للسيد عبد المجيد الخوئي ، القتيل في مقام الإمام عليّ " ليكون ثاني نجلٍ من أنجال المراجع الذين يُقتلون في النجف " .
يقدم هاني فحص إشارةً في غاية الأهمية عن ظروف مقتل الرجل ، حين يقول " دخل النجف من بوابة التحالف من دون أن يكون شريكاً حقيقياً لهذا التحالف بحيث يؤمِّـن له وضعاً أمنياً يحميه " . حقاً ، لقد " أطلَّ السيد عبد المجيد على أهل الحكم في لندن ، وانتهى به الأمر إلى حد مشاركة طوني بلير في أحد اجتماعات المؤسسة وإلقائه كلمةً في الإجتماع قبل سنة تقريباً تحدث فيها عن العراق ومستقبله " ، إلاّ أن الشراكة الحقيقية ، كما يبدو ، هي أكثرُ غوراً في جبل الثلج من خطبة في مؤسسة خيرية ، مما لم يكن السيد الخوئي معَـدّاً له وإن بدا مستعداً .
في إحدى القنوات التلفزيونية البريطانية ألمحَ أحد الذين يطلّـون على أوساط مافيا الفالاشا العراقية إلى أن الأجهزة
السرية لنظام البعث ( بقاياها في الأقل ) قد تكون وراء مقتل السيد الخوئي ، لكن التفاصيل التي توالتْ متلاحقةً
وضعت الأمر كله في صورةٍ مختلفةٍ تماماً عن ذلك التلميح .
الواقع أن الشعب العراقي ، في النجف ، أو البصرة ، أو الناصرية ، أو بغداد ، لن يرحِّـب بعملاء جددٍ ، بعد أن
أذاقه العملاءُ القدامى ( زمرة صدام حسين ) الأمرَّين .
إلتباسُ وضعِ السيد الخوئي كان السبب الرئيسَ في مقتله ، حتى قبل أن يتبين جيداً موطيء قدميه في الأرض التي غادرها قبل أحد عشر عاماً تقريباً . لقد كانت مرونته و فتوّته كفيلتين بأن تجعلاه يوائمُ حاله مع حقائق نشأتْ وتجذّرت ، بينما هو غائبٌ تحت غيوم لندن الرصاصية .كان بمقدوره آنذاك أن يضع حدّاً للإلتباس ، فيصون تقاليدَ المرجعية وشــبابَـه أيضاً .
لم يجد السيد الخوئي " وضعاً أمنياً يحميه " ، لكننا ، على شاشات التلفزيون ، لا نرى أحمد الجلبي إلاّ بين حرسه الشخصي ، محاطاً بجنود الإحتلال ، أيضاً ، زيادةً في الحيطة والحذر … مـمَّ ؟ ومـمّـن؟
إنه درسُ السيد الخوئي ، البليغُ والأخير ، والفاجع حدَّ البكاء .
لندن 12 / 4 / 2003