في صبيحة الحادي عشر من ايلول، سرقت انظار العالم جريمة لم يسبق لها مثيل. فاثر عمليات انتحارية لفرق ارهابية تنتمي للحركات الاسلامية، دُفِنَ الاف الناس العزل في مدينة نيويورك، وبمدة قصيرة، في اتون تل من النار والركام. ان الايادي الدموية للاسلام السياسي قد زحفت من قرى الجزائر، من سجون ومذابح الجمهورية الاسلامية، من ساحات قطع الرؤوس والاعدام بالرصاص في افغانستان، الى مدينة نيويورك. مع فاجعة 11 ايلول، ولج الاسلام السياسي والحركات الاسلامية مرحلة جديدة وحاسمة من حياتهما السياسية.
1- ان كانت الحكومات الغربية ووسائل اعلامها حتى 11 ايلول قد حجبت عن انظار العالم حقيقة ان الحركات والحكومات الاسلامية قد دمرت في ركن اخر من العالم حياة ملايين البشر عبر الارهاب والقمع والقتل اليومي، وقد صمّتا اذان الناس بترهات من قبيل اسلامية جماهير هذه المناطق؛ اما بعد 11 من ايلول، وبشعورهم بالخطر المباشر للحركة الاسلامية، اصبح لامفر للمؤسسات الدعائية الهائلة للغرب من ان تستل الافلام الوثائقية المريعة التي علاها الغبار في ارشيفاتهم ليجعلوها في متناول ايدي الجماهير. رات ملايين من الناس، من جهة، كيف ان حفنة من الارهابيين الاسلاميين وبقساوة قل نظيرها من ضرب طائرات محملة بالناس وبمئات الاطنان من البنزين لمكان تجمع وعمل خمسين الف انسان ولينظموا محرقة اسلامية في غضون فترة قصيرة، وراوا، من جهة اخرى، كيف ان القادة الاسلاميين يقومون بالقتل الجماعي و بتوثيق ايادي النساء بالسلاسل في الملاعب الرياضية. بعد 11 من ايلول، تم، وبسرعة، طبع صورة الاسلام السياسي والارهاب والقتل سوية في اذهان ملايين الناس في العالم.
2- ان القسم الاهم من الحركات الاسلامية في العقدين الاخيرين ، تحديداً الزعيمين الاصليين لهذه الحركات، اي طالبان والجمهورية الاسلامية، جاءا بفضل الدعم المباشر لامريكا والغرب. في تلك المرحلة، دفعت امريكا و دول الغرب بهذه الحركات لمجابهة الكتلة الشرقية وقوى اليسار والشيوعية للمنطقة لتفتك بالناس. بعد الابادة الجماعية في 11 ايلول، انقلبت هذه المعادلة، كلياً، على الاقل الى الحد الذي يتعلق بالقسم المتطرف والمناهض لامريكا من هذه الحركة. اذ بدلا من الدعم المالي والعسكري والتدريبي لامريكا ودول الغرب، قوبلت هذه الحركة بالحملة الدعائية والعسكرية الهائلة لهذه الدول.
3- ان طالبان التي تعد احد المصادر المعنوية والمادية المهمة للحركات والجماعات الاسلامية ستواجه مستقبلاً كالحاً. ان كان نتيجة النزاع الذي شرع هو الاطاحة بطالبان، عندها سينضب احد الشرايين الاساسية لتحرك الاسلام السياسي في المنطقة. على وجه الخصوص، لو تمكنت القوى العلمانية، مع اسقاط طالبان، ان تحول دون ان يكون للاسلاميين المنظمين في "تحالف الشمال" اليد الطولى، ستضيق بنفس الدرجة الخناق اكثر على الجماعات الاسلامية.
4- وان يكن مع سقوط طالبان فان الحركة الاسلامية لازالت تتمتع بسند حكومي اخر، اي الجمهورية الاسلامية. بيد ان نفس الجمهورية الاسلامية اولاً في الداخل، ومنذ مدة طويلة، تواجه نمو سخط واحتجاج واسعين. وثانياً، سيسوء وضعها مع سقوط طالبان. فمع سقوط طالبان، ستأمل الجماهير وتصبوا للاطاحة بطالبان ايران. ستتفاقم حدة الصراعات داخل الحكومة الاسلامية. ان هذا يعرفه جيداً الرؤساء الاسلاميين. انه القلق التالي لقادة النظام الاسلامي بعد ذرفهم دموع التماسيح في البداية على الابادة الجماعية في نيويورك. ان ابداء قادة الحكومة الاسلامية قلقهم ينبع من هنا.
5- ان مجمل ذلك لايعني ان الجماعات الاسلامية سواء ابان انهيار طالبان او بعده سيقفوا مكتوفي الايدي. على العكس، ستشرع هذه الجماعات، وبالاخص مع رؤية مصيراً كالحاً يتربص بهم، بتحرك اوسع لتعبئة قواهم في مناطق مثل كشمير، المناطق المحتلة الفلسطينية وبالاخص باكستان. بدون شك، ستزيد حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله اللبناني وجماعة ابوسياف من عمليات تفجير الحافلات، خطف الناس وجعلهم رهائن، ذبح الفلاحين العزل، وعموماً، عملياتهم الانتحارية بوحشية اكبر. في باكستان تحديداً، من الممكن ان تشرع القوى الرجعية الاسلامية باعمال وحشية منفلتة العقال. ان هذا يعني ان القوى العلمانية ستكون في موقف خطر جداً في مجابهة العصابات الاسلامية.
6- ان الحملة العسكرية لامريكا ضد طالبان، ان ادت الى الاطاحة بطالبان، رغم كل تاثيرها الخاص باضعاف الاسلام السياسي، الا انها لاتستطيع ان تستاصل هذه الغدة الموبوئة بصورة تامة عن الحياة السياسية للمنطقة. اولاً، طالما ان الفقر والياس بالاضافة الى وجود الحكومات القمعية سائدة على حياة جماهير المنطقة، فان ارضية نهوض هذه الحركات الرجعية قائمة. طالما ان دولة قومية على سدة الحكم في السلطة، طالما ان جماهير فلسطين لاتتمتع بحق ارساء دولتها، وبحق التمتع بحياة انسانية، وطالما الدبابات الاسرائيلية تدمر البيوت يومياً على رؤوس الفلسطينيين، فان الارضية قائمة لقيام التيارات الاسلامية الرجعية في المنطقة بجذب وكسب القوى.
7- ان حكومة امريكا التي نفسها قد دعمت، دوماً، في سياستها الخارجية، الارهاب الحكومي المنظم طالما ان ذلك يخدم مصالحها الدولية ليست عاقدة العزم، هذه المرة، ايضاً، على ان تجابه الاسلام السياسي بصورة تامة. انه، من ناحية امريكا، نزاع مع ذلك القسم من الاسلام السياسي الذي يهدد بالارهاب مصالح امريكا والغرب بصورة مباشرة. في الواقع، ان عملية القتل الجماعي في نيويورك التي قام به تيار رجعي بغيض، استفادت منه امريكا بوصفه وضعاً لاضفاء الشرعية على نزعتها الحربية والاستعراضية العسكرية وتثبيت نفسها بوصفها قوة عظمى. توفرت لها الفرصة لاستكمال اهداف نظامها الجديد الذي تعقبته في حرب الخليج. بموازاة هذا الصراع مع الارهاب الاسلامي المناهض لامريكا، تبقى صلة امريكا بالاسلام السياسي تحدده النفعية السياسية. ان وساطة جيك استراو وزير خارجية بريطانيا لكسب تعاون ايران التي هي اهم الداعمين والمنظمين الدوليين للارهاب الاسلامي لهو تلاعب سياسي تكتيكي لا يهدف الى مواجهة طالبان بصورة مؤثرة اكبر. ان هذه الحركة لهي اشارة للحكومة الاسلامية بكون امريكا والدول الغربية مستعدة للوقوف بجنب اي حكومة اسلامية مهما كانت خلفيتها في ارهاب الجماهير داخل بلدانها شريطة ان لاتعرض مصالح امريكا والدول الغربية للخطر. نظراً لهذه الحقيقة، فان التحديد النهائي لمصير الاسلام السياسي والحركات الاسلامية يقع على كاهل قوى اليسار والشيوعية والجماهير المناصرة للعلمانية.