|
حتي المسبحة!!
محمد أبو قمر
الحوار المتمدن-العدد: 6486 - 2020 / 2 / 8 - 00:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صفقوا وهللوا وكادوا أن يمزقوا القاعة فرحا حين قال إن التراث هو الذي جعلهم يضعون قدما في الصين والقدم الأخري في الأندلس . جيد ، لكن الحضارة الاسلامية ليست هي الوحيدة التي قامت بالتوسع وضم الأقاليم ، ولم تكن تلك الحضارات في حاجة إلي هذا التراث لكي يمكّنها من هذا التوسع الاستعماري ، فالحضارة الإغريقية مثلا كان لديها رصيد معرفي مختلف نوعيا بما كانت تتمتع به من شهرة هائلة في مجال الفكر والفن والعلوم والسياسة ، الأمر الذي جعلها من أعظم الحضارات التي نشأت في العصور القديمة ، وقد بلغت أوج مجدها في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد ، وامتدت توسعاتها من الهند مرورا بمصروسوريا وتركيا وبلاد البلقان حتي وصلت إلي بحر إيجه . الأهم من ذلك هو ما حدث بعد ذلك حيث انطلق الغرب من التراث الإغريقي فحقق إنجازات علمية وفلسفية ونقدية وفكرية وفنية وسياسية هائلة ، في حين انطلق الشرق الاسلامي من تراثه الذي يتباهي بأنه هو الذي أعطاهم القدرة علي وضع قدم في الصين وقدم أخري في الأندلس والنتيجة واضحة ولا داعي للخوض في تفاصيل هذه النتائج فإلي جانب ما فيها من دماء وصراعات وفوضي وفساد ومساخر فهي أيضا أودت بنا إلي هذه الأوضاع المتردية التي أخرجتنا من منظومة الحضارة الإنسانية . منذ مدة طويلة اطلعت علي كتاب مترجم بعنوان تراث الإغريق يقول فيه مؤلفه : رغم ما حققه الغرب من إنجازات هائلة في جميع مناحي الحياة إلا أن العلماء الأوربيين يقولون الآن : لقد انطلقنا من زاوية محددة في تراثنا الإغريقي فحققنا هذا التقدم المذهل في جميع المجالات ، فلماذا لا نعود إلي هذا التراث وننطلق من زاوية أخري لنري ما الذي يمكن أن نحققه من إنجازات مذهلة مختلفة؟؟!!. في الغرب ليس لديهم وقت للتباهي بتوسعاتهم الاستعمارية القديمة ولا يتباكون علي ضياع مستعمراتهم مثلما يكاد بعض فقهائنا أن يشقوا ألبستهم حزنا علي ضياع الأندلس ، التراث لدي الغرب ليس للعبادة وإنما هو رصيد للبناء عليه وانتاج معارف أخري أكثر تطورا . في الغرب لا يعودون إلي التراث إلا لتجاوز ما فيه ، غير أنهم في الشرق الاسلامي يقتاتون علي التراث ويعيشون في زمنه بل ربما يتناولونه حقنا مقوية في الوريد ، أحد مشايخ الاسلام الذي يصفونه بأنه أعلم أهل الأرض يقول إن ما نحن فيه الآن من أزمات اقتصادية يعود إلي توقفنا عن الغزو ، ويشرح بعد ذلك في وحشية وصلافة وضمير ميت كيف سيتعامل مع اهل البلاد التي سيغزوها ويحتلها ويصبح كل شيء فيها ملكا له . ما علينا ، خلينا في موضوعنا ، فقد لا يعرف الشيخ وهو يتباهي بالتراث الذي مكنهم من وضع قدم في الصين والأخري في الأندلس ، قد لا يعرف حجم المآسي التي عاناها المصريون تحت حكم الخلافة الاسلامية ، قد لا يعرف أن الخليفة كان يسمي حاكمه علي مصر ( عامل الخراج ) ، أي الشخص المكلف بتجريف ما في مصر من خير وإرساله إلي مقر الخلافة ، وفي هذا السياق أنصحه بالاطلاع علي ماورد في كتب التاريخ بشأن عزل الخليفة عثمان لعمرو ابن العاص وتكليف ابن سريح للولاية علي مصر بدلا منه ، حسب وصف ابن إياس كانت قافلة الخراج الذي جمعه ابن سريح من المصريين أولها في الشرقية وآخرها في القاهرة. فتح البلاد إذن يعني أن أهلها استقبلوك بالترحاب لأنك داخل إليهم محملا بخيرات تنقذهم من الجوع وشظف العيش ، أما وإن جئت لتجمع الجزية والمكوس ومختلف أنواع الضرائب باسم الدين وبالقوة والعسف فعليك أن تضع لك إسما آخر غير الفاتح الذي يجري علي لسانك بلا وعي بالحقائق . التراث الذي أتاح هذا التوسع الممتد من الصين إلي الأندلس هو الذي كفّر ابن حيان واتهمه بالزندقة وهو من أبرز علماء الكيمياء ، يقول ابن تيمية عنه في كتابه ( مجموع الفتاوي ) وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عن الكيماوية، فمجهول، لا يعرف، وليس له ذكر بين أهل العلم، ولا بين أهل الدين” ، ويضيف قائلا : “ولو أثبتنا وجوده، فإنما نثبت ساحرا من كبار السحرة في هذه الملة، اشتغل بالكيمياء والسيمياء والسحر والطلسمات، وهو أول من نقل كتب السحر والطلسمات” ، ولم يسلم ابن سينا ، ولا الفارابي ولا ابن رشد ولا الكندي ولا ابن الهيثم من تهمة الزندقة والكفر في هذا التراث وهم علماء ملأوا الآفاق علما ومعرفة. هذا التراث هو الذي قتل الحلاج بهذه الطريقة التي لا حدود لبشاعتها في تاريخ الانسانية ، والتراث هو الذي دفع مشايخ الأزهر إلي فصل الشيخ علي عبد الرازق من عمله ومصادرة كتابه ( الاسلام وأصول الحكم ) ، والتراث هو المعين الذي يستمد منه التكفيريون والارهابيون مشروعية ما يقومون به من مذابح. علي أي شيء كان التصفيق والتهليل إذن فلقد انهار كل شيء ولم يبق من الموضوع كله إلا أعداد من البشر مسجل في هوياتهم أنهم مسلمون ولا شيء بعد ذلك ، حتي المسبحة التي تراها مدلاة بين أناملهم يستوردونها من الصين التي كان لهم فيها قدم.
#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحلوة
-
ليست صيني ولا تيواني
-
مثقفون وعلماء
-
حرب بلا بنادق
-
الجميلة واللص
-
جذر واحد
-
رفع المبتدأ وشنق الخبر
-
الجميلة فيوليت
-
الكذابون
-
أنا لا أعرف
-
سقوط حتمي
-
وردة في شعر الحبيبة
-
البزازة
-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
-
هلوسات
-
لا صوت يعلو فوق صوت المرأة
-
أنا مصري ثم مسلم مسيحي أو مسيحي مسلم
-
فن الشعر وحدودنا البحرية
-
وهم إصلاح الخطاب الديني
-
كيفية صُنع آلهة من العجوة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|