|
الظاهرة الطائفية وعلاجها
محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6485 - 2020 / 2 / 7 - 23:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظاهرة الطائفية وعلاجها يجمع المشاركون في السجال على أن الطائفية جزء عضوي من بنية المجتمع اللبناني. فهي متغلغلة في تفاصيل حياة اللبنانيين اليومية وفي علاقاتهم الاجتماعية والثقافية وفي عاداتهم وتقاليدهم، ويجمعون على أن الطائفية تكمن، على وجه الخصوص، في الطريقة التي يمارس فيها أهل النظام السياسة في لبنان(في الممارسة السياسية). أما النص الدستوري فلا يتضمن سوى تلك «التقاطعات» المذكورة أعلاه بين المعطى الأنثروبولوجي الثقافي والمعطى السياسي المتعلق ببناء الدولة (التوازن الطائفي في تشكيل الوزارات والوظائف الذي تنص عليه المادة 95، اعتماد القيد الطائفي في التمثيل البرلماني، قوانين الأحوال الشخصية) والتي ينص الدستور على الطابع المؤقت للأولين منهما الطائفية هي التعبير اللبناني عن ظاهرة التنوع الموجودة في كل بلدان العالم الحديث، ونادرة هي حالات الصفاء في التركيبة الاجتماعية لأي بلد من البلدان على الكرة الأرضية، ويتوقف على الإدارة السياسية توظيف هذا التنوع وضبطه وتوجيهه أو تفجيره في نزاعات وحروب أهلية. ومن الثابت أن نجاح المجتمعات في إخماد النزاعات والاضطرابات الناجمة عن التنوع مرتبط بمدى نجاحها في بناء الدولة الحديثة القادرة على استحداث رابط المواطنية الذي يوحد الروابط الأخرى ويجمع بينها ويسمو عليها وفي الوقت ذاته يصونها ويحافظ عليها ولا يلغيها. تلك الدولة هي التي يتساوى فيها المواطنون، على اختلافهم وتنوعهم، تحت سقف القانون. وبعبارة أخرى، هي التي يسود فيها القانون ذاته على جميع المواطنين، إذ ليست سيادة الأوطان إلا سيادة القانون الواحد فيها، داخل أراضيها وعلى حدودها. الدولة الدستورية شكلت واحداً من الخيارات المطروحة على الأوطان المستحدثة بعد الحربين العالميتين، لكنه الخيار الوحيد المفضي إلى الحداثة، فيما اتجهت مشاريع الدولة الدينية والدولة الاشتراكية ودولة الوحدة العربية إلى عدم الاعتراف بالدستور أو إلى انتهاكه أو إلى إلغائه بفرض حالات الطوارئ والأحكام العرفية، ولم يكن الاعتراض على النظام اللبناني من باب الطائفية أو من باب الولاء للغرب الرأسمالي إلا وسيلة استخدمتها أحزاب الله، في الحكم كما في المعارضة للانقضاض على الدولة الدستورية، كما استخدمها من وقف من هذه الأحزاب موقفاً نقدياً، انطلاقاً من الخلفية القومية أو الدينية ذاتها، على غرار ما فعل ياسين الحافظ، الماركسي القومي، حين اصطف مع من نعتوا «الميثاق الوطني لعام 1943 بأنه مبني على مرتكزات طائفية صريحة، تنفي عن الكيان اللبناني صفة الوطن»، من غير أن يقدموا دليلاً على ذلك من نصوص الميثاق، منطلقين من أن الطائفية ليست شيئاً آخر سوى التنوع، ومن أن هذا التنوع يندرج في إطار مشكلة الأقليات في الوطن العربي التي لا حل لها إلا في إطار الوحدة العربية بقيادة «القوم السني» بحسب تعبيره.(ص166 وص227 من كتابه، في المسألة القومية الديمقراطية، دار الحصاد، دمشق، 1997). إننا نعتقد أنه كان من الأولى، بدل شن الهجوم على الدستور وتعطيله بالانقلاب العسكري أو بالثورة الشعبية، بذل الجهود للتمسك به والحرص عليه، ثم العمل على إدخال التحسينات والتعديلات اللازمة عليه، لا سيما في المواد والفقرات التي تنتقص من سيادة القانون، ومن بينها قوانين الأحوال الشخصية. رفع شعار العلمنة كحل لمعضلة الطائفية، مع أن دستور الدولة اللبنانية دستور علماني لا يعتمد النصوص الدينية مرجعاً، وكان من الأولى أن يرفع شعار تعزيز الديمقراطية وتخليص الدستور من المواد المتعارضة مع سيادة الدولة،أي سيادة القانون داخل الحدود وعلى الحدود، وكذلك تخليص الممارسة السياسية من انتهاكات الدستور. من المواد المتعارضة مع سيادة الدولة تلك التي تنص على منح الهيئات الروحية صلاحية تشكيل مؤسساتها بموازاة مؤسسات الدولة أو بديلاً عنها، وهنا أيضاً ارتكب العلمانيون خطأ فادحاً حين طالبوا بإلغاء قوانين الأحوال الشخصية فيما كان المطلوب إلغاء المؤسسات القضائية وإلحاقها بالقضاء المدني، وإخضاع المؤسسات الدينية للرقابة المالية للدولة ومنعها من جباية الضرائب، وإخضاع المنابر الإعلامية المرئية والمسموعة، بما فيها مكبرات الصوت والفضاء العام والأملاك العامة، كالطرقات وأعمدة الكهرباء، لسلطة الدولة؛ فضلاً عن سن قانون اختياري للأحوال الشخصية، فيكون للدولة قانونها ولكل طائفة قانونها، لكنها جميعاً تخضع لسلطة القضاء المدني الذي يحكم باسم الشعب اللبناني، لا باسم الأب والإبن والروح القدس ولا باسم اللّه الرحمن الرحيم. مثل هذه الإجراءات لا تكون موجهة ضد الدين والمعتقدات ولا ضد الوعي الديني الشعبي، بل ضد المؤسسة الدينية التي تمارس السلطة بديلاً عن الدولة، وقد أثبتت التجربة في كل من تونس وماليزيا، وكذلك في كل الأنظمة العلمانية، أن فرض سيادة الدولة داخل أراضيها، أي على رعاياها، هو الذي يوفر لها فرص النجاح في فرض سيادتها على حدودها، لأن الوحدة الوطنية الداخلية هي شرط أساسي وضروري، وقد لا يكون كافياً، لمواجهة أي خطر خارجي. أما انتهاكات الدستور، باسم الطوائف، فهو ما كان يمارسه أهل السلطة بخجل قبل الحرب، ثم تجاوزوا بعدها كل الحدود فألغوا الأسس الديمقراطية في النظام اللبناني: تعطيل الدستور، تعطيل عمل الهيئة التشريعية، تحويل القضاء من سلطة ثالثة إلى واحدة من إدارات الدولة الملحقة بالسلطة السياسية، إلغاء مؤسسات الرقابة، تزوير الإرادة الشعبية وإفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي بتفصيل القوانين على أساس المحاصصة وتقدير نتائجها سلفاً. إلغاء الطائفية، فضلاً عن كونه لا يشكل علاجاً ناجحاً لهذه الانتهاكات، مستحيل لأن الطائفية متغلغلة في النفوس والعادات والتقاليد باعتبارها واحدة من مظاهر التنوع التي يمكن ضبطها والتعامل معها كمصدر غنى في الثروة البشرية والثقافية. أما إلغاء الطائفية السياسية فهو مناورة طرحتها قوى التغيير ثم وقعت ضحيتها بعد أن تحول النظام البرلماني الديمقراطي اللبناني، على يد رجال السياسة وفي غياب رجال الدولة، إلى نظام توتاليتاري استبدادي تحولت فيه الحرية من واحدة في سلّم القيم الكبرى لحقوق الإنسان إلى أداة لممارسة الفساد العلني ومنصة للتطاول على الدولة والقانون والقيم الأخلاقية. وأفضل من وصف هذه الحالة رجل القانون نقيب المحامين الأديب والشاعر رشيد درباس في قوله «أن دولة، أنشئت في فجر القرن العشرين، على قاعدة قانون أساسي عصري(في وقته) وفق أصول مدنية، تراعي التنوع الطائفي، لكنها غير دينية على الإطلاق، تحكمها قوانين وضعية، وفيها سلطات مستقلة عن بعضها رغم وجود هيمنة الانتداب، في إطار معادلة جغرافية عبقرية، غسلت بالموج أقدام الثلج، ووصلت السهل بأسواق المدن، وصانت بالنص القانوني للأكثرية والأقلية، حق التمثيل وتجاورت فيها المآذن والأجراس يمكن لهذه الدولة أن تصبح محل عبث ينكره حتى صموئيل بيكيت رائد مسرح اللامعقول» (جريدة النهار 8 تشرين الأول 2018) الحل بالدولة، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والحريات والديمقراطية. خاتمة الفصل المتعلق بالطائفية في كتاب أحزاب الله. أما الفصل فهو مشاركة في السجال مع مؤلفات مهدي عامل عن الطائفية
#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)
Mokaled_Mohamad_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة والقضاء
-
رسالة حب إلى الثورة اللبنانية
-
مقدمة كتاب أحزاب الله بقلم الشيخ علي حب الله
-
كتاب مفتوح إلى دولة الرئيس نبيه بري
-
نقاش في الحتميات مع مهدي عامل: أحزاب الله اليسارية
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
-
البرلمان اللبناني: إهانة للديمقراطية
-
الديمقراطية، نقد المصطلح في الأدب اليساري
-
احتفالات النصر على الأنقاض
-
الدولة عند مهدي عامل : في نقد المصطلح
-
داعش: مفرد بصيغة الجمع: إصلاح ديني أم إصلاح سياسي؟
-
تفكيك شيفرة حزب الله
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
-
الثورة: قراءة نقدية في المصطلح
-
الرأسمالية، قراءة نقدية في المصطلح
-
الصراع المغلوط في العقل اليساري
-
ذكرى مؤلمة منذ البداية
-
الحزب الشيوعي اللبناني: القاعدة بخير لو لم تكن القيادة في أز
...
-
كتاب الربيع العربي بين نقد الفكرة ونقد المفردة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|