أسباب فشل وثبة كانون عام / 1948

فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 6477 - 2020 / 1 / 30 - 11:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تعتبر الوثبات والانتفاضات حالة من الصراع بين الشعب وسلطة الحكم التي ربطت مصيرها للاستعمار وسخرت الوطن وخياراته وامكانياته وسياسته في خدمة الاستعمار ... وثبة كانون عام / 1948 عملية احتجاج قام بها الشعب ضد حكومة صالح جبر التي أراد ربط العراق ومصيره بالاستعمار البريطاني من خلال استبدال معاهدة عام / 1930 بمعاهدة جديدة أشد وأتعس من المعاهدة السابقة وبعد سفر رئيس الوزراء صالح جبر إلى بريطانيا ووقع على المعاهدة الجديدة التي أطلق عليها معاهدة (بورتسموث) انتفض الشعب العراقي في وثبة كانون عام / 1948 وقدم عشرات الشهداء والجرحى واستطاع من إفشال المعاهدة واستقالة رئيس الوزراء صالح جبر وهروبه من بغداد وانتصر الشعب وانسحب البلاط الملكي واستطاع الشعب من فرض مطاليبه الديمقراطية إضافة إلى إسقاط المعاهدة ومن أبرز المكاسب الديمقراطية إطلاق حرية الصحافة وحرية التعبير وتأليف النقابات والجمعيات وحرية والتظاهر وغيرها من الإنجازات وكان أبرزها فرض الطلبة اتحادهم الجبار (اتحاد الطلبة العام) فكانت لجنة طلاب الكليات والمعاهدة التي نظمت منذ الأيام الأولى للوثبة والتي ضمت جميع أجنحة الحركة الوطنية التي لعبت دوراً بارزاً في الوثبة وقيادة الحركة الطلابية التي ساهمت بقسطها المشرف إلى جانب قوى الشعب المناضلة في الانتصار الذي حققته الوثبة المجيدة وقدموا العديد من الشهداء الأبطال كما شاركت لجنة الطلاب في الحملة من أجل اطلاق سراح الطلبة المعتقلين بسبب نشاطهم الوطني في الوثبة والمطالبة بفتح الكليات التي أغلقت بسبب الوثبة وبعد الانتصار أصبحت شوارع بغداد وساحاتها لبضعة أشهر في أيدي الطلبة وجماهير الشعب وكذلك البصرة ومدن أخرى وتوجه نشاط الطلبة إلى تأسيس اتحاد عام للطلبة العراقية وفي مطلع نيسان عام/ 1948 تمت الانتخابات في 52 كلية ومعهد ومدرسة ثانوية وتقرر أن ترسل كل كلية ومعهد ومدرسة ثانوية مندوبين اثنين إلى المؤتمر وانعقد المؤتمر الأول لأول اتحاد طلابي في العراق هو اتحاد الطلبة العام في 14 نيسان/ 1948 في ساحة السباع في بغداد لأن السلطات الحكومية رفضت السماح بعقده في أحد القاعات العامة وتولى الطلبة البواسل حراسة الساحة التي انعقد فيها المؤتمر الأول لاتحاد الطلبة العام وصادق المؤتمر العام الأول لاتحاد الطلبة العام على الميثاق الوطني للاتحاد ونظامه الداخلي وانتخبت قيادته وكذلك وافق على الانتماء إلى اتحاد الطلاب العالمي.
إن وثبة كانون دلت شأن كل تجربة ثورية على أن تقييد انطلاقة الجماهير لن يؤدي إلى غير سرقة مكاسبها والرجوع إلى المربع الأول وإعطاء المجال لأعداء الشعب أن ينتعشوا ويتنفسوا ويعيدوا نشاطهم لانزال الضربة بكل مكتسبات الشعب وإعادته إلى الوراء ... فلم يمض سوا أربعين يوماً وجماهير الشعب ما زالت تقيم أربعينية الشهداء حتى طلعت علينا أحزاب وتكتلات البلاط الملكي العميلة ببيانها إلى جماهير الشعب في 6/3/1948 موقع من قبلهم الذي جاء فيه :
(والآن قد مر أربعون يوماً على الشهداء الأبرار نناشد جماهير الشعب ووفود الألوية الكرام بعد اتمام واجبهم في تمجيد الشهداء ... ونناشد الطلبة الذي أظهروا مشاعرهم الوطنية ... ونناشد هؤلاء جميعاً الانصراف إلى أعمالهم الاعتيادية والكف عن المواكب والمظاهرات والمسيرات من أجل أن يتجه العمل من الحكومة إلى تحقيق أماني الشعب ومطاليبه بجو يسوده الهدوء والاستقرار...).
لقد كان باستطاعة الجماهير الثائرة آنذاك أن لا تعطي المجال (لحكومة السيد الصدر) التخدير واستغلال البلاط والمستعمرين الانكليز هذه الفرصة لسلب مكاسب الوثبة ومن ثم انزال الضربة بالحركة الوطنية باسم حماية مؤخرة الجيش العراقي الذي يحارب الصهاينة في فلسطين عام/ 1948 فقد استفاد البلاط والانكليز من بيان الكتل والأحزاب الذي خدر الشعب وجعل الجماهير تثق به ... كما استفاد البلاط والمستعمرين الانكليز من تفكك جبهة القوى الوطنية وأصبحوا كتل متفرقة وضعيفة بعد أن وحدتهم الوثبة الجبارة وقد أصدرت الحكومة الأحكام العرفية في العراق بحجة حماية الجيش العراقي ونصرة الشعب الفلسطيني وصيانة عروبته وفي يوم 15/ مايس/ 1948 بدأت الحرب الفلسطينية التي تضافرت فيها جهود المستعمرين والصهيونية وخونة العرب ... لقد استغلت الحكومة العراقية العميلة ومن ورائها البلاط والمستعمرين الأحكام العرفية إلا أنها لم توجه ضد عملاء الاستعمار والصهيونية بل وجهت ضد الحركة الوطنية بما فيهم الطلاب وأخذت الحكومة العميلة تطارد وتحارب القوى الوطنية وتلقي القبض عليهم وترميهم بالسجون بحجة (إثارة الشغب) و (الإخلال بأمن الدولة) و (ترويج المبادئ الهدامة) حتى ملأت سجون بغداد والكوت ونقرة السلمان).
ومنذ اليوم الأول لإعلان الأحكام العرفية بدأت الإدارة العرفية تصدر البيانات والقرارات (حضر الاجتماعات العامة) و (منع المظاهرات) و (منع الإضرابات) و (غلق جميع الصحف المشكوك بولائها للبلاط الملكي) و (غلق جميع نقابات العمال وإلقاء القبض على قادتها) و (غلق اتحاد الطلبة واتحاد الشبيبة واعتقال قادتهما) و (غلق المؤسسات والجمعيات الإنسانية ومصادرة ممتلكاتها) ويوما بعد يوم أخذت تشتد الإجراءات القمعية ضد الشعب بقصد تصفية المكاسب الديمقراطية لوثبة كانون/ 1928 وكسر معنويات الجماهير المناضلة والطلبة البواسل تمهيداً لفرض (معاهدة بورتسموث) وفرضها على الشعب العراقي وهي المعاهدة التي انتفض الشعب ضدها وقدم العشرات من الشهداء والجرحى من أجل القضاء عليها ... ولم يسكت الشعب على هذه الخيانة وهذه الأساليب فخرجت جماهير صاخبة في مدينة الكاظمية بتاريخ 17/ أيلول/ 1948 وانتهت المظاهرة بإلقاء القبض على عشرات المواطنين ورميهم بالسجون والمعتقلات وهكذا وبكل بساطة ذهبت دماء الشهداء ودموع الأرامل واليتامى ورجع العراق إلى المربع الأول.

#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات