أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - هشام حمدي - التنمية ومشروع توعية الإنسان














المزيد.....


التنمية ومشروع توعية الإنسان


هشام حمدي

الحوار المتمدن-العدد: 6477 - 2020 / 1 / 30 - 09:51
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


إن مستوى تحضر المجتمع أي مجتمع لا يقاس بما يملك من الأشياء وإنما يقاس بممارساته للأفعال وجودة الأقوال، كما أن المظاهر ليست محددا لدرجة الوعي لديه وإنما بتجلياته في أسلوب تعامل الفرد مع الآخر/الغير وأيضا في طريقة سلوكه.
وحتى تعرف وتتعرف على مستوى الوعي الحضاري لأي فرد توجد بعض المؤشرات الدالة التي من خلالها يمكن معرفة منسوب التحضر في المجتمع المغربي بملاحظة مدى احترامه وانضباطه للقواعد الأخلاقية الاجتماعية مثل طريقة الركوب والوقوف في الصف بانتظار الحافلة العمومية أو الطرامواي أو طريقة قيادته للدراجة النارية "ذات 2 أو 3 أو 4 عجلات" وسيارته الخ، أيضا هناك كيفية تعامله و ردة فعله خصوصا في أمر لا يناسب ولا يتماشى مع مصلحته، زد على ذلك طريقة الحوار وغياب إعطاء الرأي الآخر فرصة الرد بل وحرمانه في أغلب الأحيان من الكلام، واللائحة طويلة لا يتسع المجال لذكرها بالرغم من أهميتها.
حرية الفكر والتعبير عن الرأي واحترام القوانين والقواعد الأخلاقية هي السمة الأساسية للمجتمعات المتحضرة، ومتى ابتعد عنها الفرد فإنه يصبح، عاجزا، عن إنتاج المعرفة والثقافة والفن والعلوم وكذلك على استخدامها.
ولعل ظاهرة حوادث السير المميتة والمتزايدة هي برهان على غياب الانضباط الأخلاقي لقواعد وقوانين السير والسلامة الطرقية كما أنها دليل على اعتلال ومرض المجتمع وتأكيد لانخفاض حاد في مستوى
الوعي الاجتماعي وهنا لابد من وقفة تأمل بهدف معرفة الأسباب وتشخيص الداء لإيجاد دواء.
ومع أن هناك سلوكيات وتصرفات تعيق الطريق التنموي وإن دلت على انعدام وغياب روح المسؤولية الحضارية إلا أن ظاهرة حوادث السير هي من الإشكاليات المستعصية على الفهم وربما على الحل نظرا لعدد ضحاياها ومصابيها الذي يعاني الكثير منهم عاهات مستديمة فيصبحون عالة على العائلة وعلى المجتمع، إنها ظاهرة اجتماعية محزنة ومخزية لكشفها سوأة مجتمع عاجز عن ممارسته لحياة أمينة وآمنة اجتماعيا.
إنها حرب الطرقات أو قل هي حرب على الذات والذوات لأنها تزهق ثروات وأرواح إنسانية غالية فيوميا نعاين المستشفيات ملأى بالجثث والجرحى والطرق ملأى بما تبقى من السيارات والمآسي الإنسانية تتزايد بشكل مقلق، إنها حرب تملا النفس بالغم والهم والكمد وتتسبب في تيتم وضياع وخراب العائلات والوطن خيرة وخير أفراده. أبرياء كثر زهقت أرواحهم بالإضافة لذوي العاهات المستديمة مدى الحياة وكل ذلك بسبب سوء استخدام وعدم احترام سائقي السيارات لقوانين السير، لابد من الإشارة بأن عدد القتلى والجرحى والمصابين في حرب الطرقات لدينا هم أكثر من عدد القتلى في الحرب على فلسطين، وهنا يجب الانتباه لفظاعة هذا القتل الجماعي الممارس بأنانية ضد أنفسنا ثم ضد مستعملي الطريق الآخرين في غياب تام للإعلام الرسمي المقروء والمسموع الذي يتسابق في نقل وعرض الحرب على العراق وسوريا.
الحرب على الطرقات هي شكل من أشكال العنف تجاه النفس والذات والآخر لأنها لا تميز بين بريء ومجرم، فحوادث السير لا تفرق بين سائق طائش وآخر متعقل ومنضبط فلا ينفع الانضباط في مجتمع لا منضبط فالبعض يفاجأ بالموت وهو ملتزم بانتظار تحول ضوء إشارة المرور أو وهو يقطع الطريق من ممر خاص بالراجلين ولكن ذلك لا يحميه من طيش سائق سيارة أخرى يقودها مجنون تهاجمه وهو غافل فتسلب منه الحياة بدون وجه حق.
حسب الإحصائيات الحكومية فإن معدل حوادث السير لم ينخفض بل إنها تؤكد بأن كل ما تتوسع الطرق وتتحسن وتتنظم بمجهودات شرطة المرور كل ما تتضاعف الحوادث؛ لا نشك في الجهد المبذول من رجال المرور في المغرب والتضحيات بالرغم من قلة العتاد والعدة وعدم توفر العدد الكافي وغياب الإمكانات خصوصا حين يكونوا حاضرين وشاهدين في مواقع الحوادث وعلى الطرقات السيارة مما يزيد الأزمة تفاقما بسبب عدم التزام واحترام قواعد وقوانين السير والجولان مرجعه ضعف الوعي. وهنا لابد من دراسة هذه المأساة من زاوية بسيكوسوسيولوجية.
إن التربية والتعليم الحقيقيين هما من يتوليا بناء الإنسان بزرع القيم الأخلاقية والفكرية والسلوكية حتى يكون فردا وطنيا رفيعا في تعامله وناضجا في أحاسيسه وعواطفه ومنظما في تفكيره وحرا في ضميره وإرادته، وهي إشكالية أسالت مداد وحبر العديد من المفكرين والفلاسفة والمشتغلين بتنمية الموارد البشرية، ويعتبر غوستاف لوبون ممن تنبهوا لهذه المسألة الأساسية منذ بداية القرن 20 بحيث ضرب مثالا ببريطانيا المنضبطة خاصة إبان الثورة الصناعية وأن التعليم يأتي من حيث الأهمية في المرتبة الثانية في مكونات الفرد المتحضر بينما تأتي الأخلاق والقيم في المرتبة الأولى وهذا هو سبب رقيها وازدهارها. ويُرْجِع غوستاف لوبون سبب عدم التحضر، إلى عدم انضباط الأفراد أخلاقيا داخل المجتمع لعدم إدراكهم واستيعابهم قيمة ومعنى الالتزام، بالقول بأنهم أفراد ينفعلون بشدة وينقلبون بسرعة ولا يبالون بغير أنفسهم ولا يعيرون اهتماما للآداب والسلوك، فهم غير قادرين على ضبط زمام أهوائهم. فغياب وعدم استيعاب روح المسؤولية هي واحدة من بين تجليات التخلف.
أخيرا، من واجبنا أن ندق الأجراس حتى لا يبقى في المدينة أحد في فراشه. يجب أن ينهض كل الناس وأن يخرجوا .. وأن يسألوا ويتساءلوا وأن يثوروا .. فالنوم الطويل لم يحقق للإنسانية شيئا .. فالإنسانية لا تدين بشيء للذين ناموا .. إنما للذين عرفوا القلق والأرق والعرق وطار النوم من عيونهم ليحملوا أمانة الفكر ومحنته كما قال كيركغارد. للأسف لا زلنا نحلم بمشروع تنموي يمشي على أرض الواقع لا في صفحات الفيسبوك ويُغرّد في سماء الوطن لا فوق أغصان شجر تويتر، لا زلنا نحلم بمشروع تنموي يُقدّم التعليم والصحة والعدل والعمل بعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.

الإنسانية هي الحل



#هشام_حمدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيل الخامس من الحروب
- مسلمون؛ ملحدون وباحثون .. يتساءلون
- عيد الشغل، بأي وجه عدت يا عيد؟
- الناس تَتْبَعُ الشعر ولَا تتْبَعُ وَلَا تتَّبِعُ الشعراء
- حين تصبح رذيلة الكذب السياسي فضيلة
- في فلسفة الفن
- ... فيما بين كرة القدم وحكومة الكَدَم من اتصال
- ديموقراطية الفلسفة وفلسفة الديموقراطية
- المسجد الأقصى ومؤامرة الصمت القاتل
- أحزاب الفيسبوك السياسية
- الحرب الداعشية الناعمة، المسلسلات التركية أنموذجا
- العالم العربي بين مطرقة المؤامرة وسندان التآمر
- عيد الأضحى والبعد الروحاني والاجتماعي
- التاريخانية في قراءة التراث الفكري الإسلامي
- تعليب الوعي
- الاستشراق بين الاختلاف والائتلاف
- ذكرى نكبة فلسطين ... صوت 67 عاما، بلا صدى
- تديين المظهر وتسييس الجوهر
- الغرب فوبيا بدل الإسلاموفوبيا
- العالم العربي الاسلامي بين عار الصهيونية و نار الداعشية


المزيد.....




- -أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س ...
- فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر ...
- الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
- تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
- مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن ...
- -فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات ...
- مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني ...
- بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب ...
- أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
- كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - هشام حمدي - التنمية ومشروع توعية الإنسان