|
عوامل نجاح واخفاق انتفاضة تشرين
خالد صبيح
الحوار المتمدن-العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 21:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استخلص بعض دارسي تجارب الربيع العربي ثلاثة عوامل باجتماعها تحقق النجاح لهذه الثورات؛ هي: اولا، استمرار التظاهرات واتساعها والتمركز في ساحات المدن العامة، وثانيا، تفكك النخبة الحاكمة واتباعها من اعلاميين ومثقفين وغيرهم، بتخليها عن النظام او بانشقاقها عنه، وثالثا، انحياز المؤسسة الامنية، خصوصا الجيش، الى جانب المنتفضين، أو على الاقل حيادها، بمعنى عدم تنفيذها لأوامر القمع.
تحقق هذا في مصر وتونس ولاحقا في السودان والجزائر. بينما في الحالة السورية والليبية اخذت الاحداث مسارا اخرا وتداعيات مختلفة لأكثر من سبب، وهي عموما لم تتحق بها العوامل الثلاثة تلك.
في التجربة العراقية تحقق الشرط الاول ولكن الشرطين الاخرين تعسرا وذلك لان تركيبة السلطة في العراق لها قوام مختلف عما هو عليه في البلدان الاخرى التي نجحت فيها الثورات. منها ان بنية النظام العراقي ليست مركزية ماجعل نخبته متعددة في تركيبتها واتجاهاتها، بل يمكن القول انها نخب عديدة وليست واحدة، ضمت تيارات وتوجهات مختلفة ومتعارضة بعض الاحيان، لذا صعب تفككها، وكذلك ينسحب الأمر الى المؤسسة الامنية، فقد بنيت واعيد بناءها وفق تعدد النخبة الحاكمة وغلب عليها الولاء الحزبي والفئوي ما جعلها تكتسب طابعا ميليشياويا، بمعنى أن النخبة الحاكمة بثت عناصرها داخل المؤسسات الامنية والجيش فتعددت اتجاهاته وولاءاته بتعدد مشغليه. لذا لا يمكن التعويل على هذه المؤسسة في تدخل حاسم يغير معادلة المواجهة بين المنتفضين والمؤسسة الحاكمة.
ملاحظة:
ما اعنيه بالنخبة الحاكمة في الوضع العراقي هو شلة الحكم ومن يلتفون حولها وليس النخبة بالمفهوم السوسيولوجي كمجموعة تتحلى بكفاءة ومؤهلات ورأسمال رمزي تميزها.
هذا الواقع قد يؤدي الى تعثر مسار الانتفاضة وربما اخفاقها بعدم تحقيق اهدافها التي سببت انطلاقتها.
لكن مسار التاريخ وحركة الحياة لايسيران وفق وصفات محددة مغلقة، وغالبا مايبتكر الفاعلون في المسار السياسي والاجتماعي وسائلا واساليبا جديدة تمليها عليهم ظروفهم ومستوى وعيهم. لهذا قد تبتكر التجربة العراقية مسارا جديدا لنجاح الانتفاضة يختلف عمن سبقها ويضيف إليه، مثل فكرة المسيرة الجماهيرية، التي تنطلق من مدن الجنوب وتتوجه الى العاصمة حيث مركز الحكم، بعدما فشلت فكرة العصيان المدني والاضراب العام.
وفكرة المسيرة هي فكرة مبتكرة ومناسبة لسياق الانتفاضة العراقية لاسيما اذا انضمت اليها العشائر الامر الذي سوف يمنحها زخما وفاعلية تساعد على خلخلة النظام وتفككه، لان معظم منتسبي المؤسسات الامنية هم من ابناء هذه القبائل وسيؤثر انضمامها للانتفاضة بشكل مباشر عبر فعالية المسيرة على مواقفهم وسلوكهم وبذلك تتخلخل بنية النظام الامنية وتتفكك.
لكن هناك خطرا ماثلا أمام الانتفاضة، هو التجاذبات الاقليمية والدولية حول النفوذ في العراق، وابرز قوى التجاذب هما ايران وامريكا، وبما أن إيران هي الاكثر (انكشافا) و(فضائحية) وتعرضت لنقد وإدانة متواصلة طوال مسار الأحداث، فان حظوظها في التاثير المباشر وفرض رجالها (ونسائها) على مؤسسات الحكم والتمثيل، سواء عبر القوى السياسية العراقية الموالية لها، او الميليشيات التابعة لها، بات غير ممكن، من غير ان يعني ذلك أن انهزامها في صراع التجاذبات سوف يعني استسلامها وانتهاء تاثيرها، فهي ستبقى تؤثر في الساحة العراقية طالما بقي التاثير الخارجي على هذه الساحة ممكنا.
أما الامريكان، الذين اجتهدوا بصبر لبناء قاعدة اجتماعية، عبر فعاليات وادوار متعددة، لـ (توسيع) دائرة قبولهم في المجتمع العراقي، وللتخفيف من حدة الرفض التقليدي عراقيا لوجودهم ولدورهم، سعوا لمصادرة الانتفاضة وتوظيفها لصالحهم في مواجهة ايران تحديدا. وما اشتداد العداء لايران، وتوسع دائرة نقدها عراقيا، رغم مبرراته الواقعية، إلا أحد تجليات هذا التوظيف.
لكن الأمريكان، بطبيعة تكوينهم، لا يريدون، بعدما انتعشت امكانات لعبهم دور في عملية التغيير، أن تتحول الانتفاضة الى ثورة بابعاد اجتماعية واقتصادية تطالب باصلاحات سياسية حقيقية ذات منحى استقلالي، فهذا سيتعارض مع مصالحهم ورغباتهم بالضرورة، لذا سوف يسعون لايجاد نخبة بديلة عن تلك التي فشلت وانتفض الناس ضدها.
غير ان هذا ليس بالامر اليسير، ومايزيد من صعوبته امامهم هو انهم لايمكنهم الاعتماد كليا على عملائهم وصنائعهم في تغيير النظام السياسي، عبر الانقلاب مثلا، ليقوموا بتغييرات شكلية مبقين على جوهر النظام كنظام تابع لهم. فالمؤسسة الامنية العراقية متعددة الانتماءات والولاءات ولا يمكن الارتكان اليها كليا للقيام بهذا التحول.
لهذا تبدو فكرة التدويل طريق مناسبة لفرض البديل الامريكي، فالاستراتيجية الامريكية، في العراق على الأقل، تعمل بآلية خلق حاجة داخلية لها، بمعنى انها تدع الامور تسوء لحد لا يمكن احتماله، لتسوّق نفسها منقذا، مايضطر حتى خصومها لغض نظرهم عن دورها في هذا (الانقاذ)، لأن الواقع إن استمر على ماهو عليه سيكون اسوأ من بديلها.
بيد أن التدويل، كما يهيأ لي، هو خطوة بعيدة الآن، فهو بحاجة لمتطلبات ليست ممكنة التحقق، وذلك لصعوبة حشد قوى دولية كافية له. غير أن البدائل (الدستورية)، وترميم الوضع داخليا عبر تسويق شخصيات قد يتمكن الامريكان من تمريرهم عبر قناتهم الكبيرة (الدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية فيه). يمكن ان تكون واحدة من بدائلهم الانية.
وفي هذا فان تجربتهم تدلهم، كما تدلنا تجارب التاريخ كذلك، على أن العناصر القومية هي الاكثر ملائمة لهم، لهذا يبدو ان هناك محاولة لإعادة تسويق شخصية ( اياد علاوي) من جديد لتوفر مواصفات فيه تجعله الانسب لهم في تحقيق متطلباتهم، منها: خلفيته المدنية و (العلمانية)، عداؤه الثابت لإيران، استعداده لتنفيذ كل متطلبات الهيمنة الامريكية، بالاضافة الى ان له حضور تمثيلي سياسي واسع، (خلفيته البعثية أحد العوامل المهمة في هذا)، اذ أن سنّة العراق لديهم استعداد لقبوله كـ( شر لابد منه) أو باعتباره أهون الشرور بعد تجربتهم المريرة مع احزاب الاسلام السياسي الشيعية. وبظني أن استقالته من البرلمان (الذي لايحضر جلساته اصلا) وادعاءاته بـ (البطولة) بأثر رجعي (كالادعاء بمحاولة اغتياله من قبل ايران في 2009) وغيرها، تبدو وكأنها مقدمات تهدف لتسويقه شرط أن يتم قبوله، و إن على مضض، من قبل المنتفضين.
على العموم، اي يكون الشخص الذي سياتي به الامريكان فان الزمن القادم، كما يبدو، سيكون زمنا امريكيا خالصا، بلا شوائب إيرانية وغير إيرانية، وعلى العراقيين التهيؤ لتلقي تبعات هذا الزمن، والاستعداد لخوض صراع جديد بعناوين جديدة.
#خالد_صبيح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نبوءة النحس في فارنا
-
أهل الخارج
-
هويات الارهاب المتعددة
-
زيت وماء
-
العنف في السياسة 22
-
العنف في السياسة 1-2
-
لمحة سريعة عن الازمة الوزارية في السويد
-
التحولات السياسية في الانتخابات السويدية
-
حجج لا تشيخ
-
وماذا بعد؟
-
حراس العقيدة
-
في حتمية زوال (اسرائيل)
-
من شّب على شيء شاب عليه
-
طفح الكيل في السليمانية
-
أولوية الأولويات
-
ممكنات التغيير في العراق
-
لمحة عن الصراع في الحركة القومية الكردية
-
تحديات الاستفتاء
-
شيء من الماضي
-
حلقات مفقودة من سيرة (مناضل)
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|