|
طوبولوجيا التعليم الشبكي المعاصر
راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.
(Rawand Dalao)
الحوار المتمدن-العدد: 6475 - 2020 / 1 / 28 - 19:01
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
شذرات تربوية معاصرة
(طوبولوجيا التعليم الشبكي المعاصر )
التعليم التقليدي:
لقد كان التعليم في الماضي عبارة عن (معلم) مرسل واحد للإشارة و عدة مُتَلَقِّين لهذه الإشارة ( تلاميذ) .... و هو ما نسميه اليوم بالتعليم التقليدي.
تكون قناة الاتصال في هذا النوع من التعليم وحيدة الجهة ، حيث أن نقطة الإرسال هي المعلم فقط ، أما التلاميذ فهم عبارة عن نقاط استقبال لا أكثر و لا أقل ، بحيث تنطلق البيانات من نقطة الإرسال باتجاه واحد لتستقر في عقول الطلاب ( نقاط الاستقبال) ...
و تقتصر مهنة المعلم الأساسية في هذا النوع من التعليم على التفهيم ثم الإجابة عن بعض الأسئلة و تصحيح الواجبات (راجع مقالتي الفرق بين التعليم و التفهيم) ...
تنتهي رسالة المعلم التقليدي عندما يفرغ من شرح الدرس ثم يجيب عن بعض الأسئلة ليترك منصة التعليم و يغادر الفصل دون أن يكون باستطاعته التأكد من أن جميع الطلاب قد فهموا و أتقنوا المهارات المطلوبة أم لا !
في الحقيقة لقد انتهى إلى الأبد عصر التعليم وحيد الجهة الآنف الذكر ، و ها نحن في عصر التعليم التفاعلي ، فما هو التعليم التفاعلي ؟
التعليم التفاعلي :
هو التعليم الشبكي متعدد قنوات الاتصال ثنائية الجهة بين عناصر العملية التعليمية.
فقناة الاتصال في التعليم التفاعلي ليست وحيدة التوجه من المعلم إلى الطالب كما في حالة التعليم التقليدي ، بل تكون:
أ_ تشابكية من حيث الطوبولوجيا أي أن كل طالب في الصف يتفاعل مع بقية الطلاب و مع المعلم.
ب_كما أنها ثنائية الجهة من حيث الدفق البياني فالمعلومات تنتقل فيها من المعلم للطالب و من الطالب للمعلم .
فالتعليم التفاعلي عبارة عن شبكة معقدة يلعب فيها المعلم دور ( الراوتر الأب ) الموزع الرئيسي للبيانات المتداولة في شبكة الصف ككل ، في حين نجد أن كل طالب أثناء الدرس عبارة عن عقدة تواصل نشطة ، لها وظيفة ثنائية ( مرسلة و مستقبلة) و كل هذه العقد الصفية متواصلة مع بعضها بقنوات ثنائية الجهة الدفقية ليصبح الشكل العام للصف عبارة عن شبكة من القنوات التفاعلية تذهب فيها البيانات في كل الجهات.
(و قد تسمى بالطوبولوجيا النجمية الشكل ، حيث كل رأس من رؤوس النجمة يتصل بباقي الرؤوس).
فكل طالب يتواصل مع المدرس و مع الزملاء في الفصل ... فهو يرسل البيانات للمعلم و يستقبل منه ( تواصل عمودي) كما يرسل لزملائه و يستقبل منهم بحسب الطلب والحاجة ( تواصل أفقي).
لنغوص بشكل أعمق في هذه الشبكة العلائقية المعقدة لفهم بنية التعليم التفاعلي ، و لنركز على تواصل الطالب مع المعلم أولاً و الذي سميته (التواصل العمودي).
التواصل العمودي :
نسمي التواصل المستمر ثنائي الجهة بين الطالب و المعلم بالتواصل العمودي و هو دائم طيلة الدرس لا ينقطع حيث إن الطالب إما متلقي للمعلومات أو مرسل لها على شكل تفاعل مستمر.
فالمعلم العصري لا يشرح الدرس بشكل تقليدي بل يطرح الأسئلة التي تقدح شرارة العصف الذهني ثم ينوه للفكرة و يخططها بشكل عام في ذهن الطالب بمدة لا تتجاوز الربع ساعة ، ثم يدل الطالب على أدوات البحث ليبدأ بممارسة البحث العملي عن تفاصيل الفكرة و التفاعل مع المعلم و الزملاء في سبيل ذلك ...
أي أنه و خلال انطلاق الطالب لاكتشاف حيثيات الفكرة مندفعاً بمحفزات العصف الذهني التي أثارها المعلم ، يلعب المعلم في هذه الأثناء دور المشرف على مغامرة الاكتشاف تلك و الموجه لأدواتها ، و التي يكون بطلها الطالب بشكل تشاركي مع معلمه و زملائه بنفس الوقت.
و من هنا نجد أن قنوات التواصل العمودي بين الطالب و المعلم دائمة النشاط ، حيث أنها مثقلة بالبيانات ثنائية الجهة الدفقية . فالطالب يكتشف المعلومات لوحده ولكن بإشراف المعلم و توجيهه ليضمن المعلم سلامة النتيجة التي توصل إليها الباحث الصغير.
و بذلك نلاحظ بأن الطالب عبارة عن باحث يعتمد على نفسه و على توجيهات المعلم ليصل للفكرة النهائية.
التواصل الأفقي:
أما قنوات التواصل الأفقي (علاقة طالب مع طالب) فنلاحظ بأن لها عدة مستويات ، فقد تكون القناة نشطة مع أفراد مجموعته أثناء أداء البحث الصفي ، كما قد تكون نشطة مع أفراد المجموعات الأخرى عبر النشاطات الصفية الجماعية. هذه القنوات غاية في الأهمية لأنها تعكس مدى مهارة الطالب في كل من العمل الجماعي و التواصل الاجتماعي.
و ينبغي أن أشير هنا إلى أن قنوات التواصل الأفقي لا تقل أهمية عن قنوات التواصل العمودي في بناء المجموع التحصيلي العلمي للطالب ، فالنجاح المعرفي لوحده لا يكفي بل لا بد من النجاح في مهارات التواصل لإنتاج جيل ينخرط بسلاسة في سوق العمل.
بعد أن يقوم المعلم العصري بتقسيم الطلاب إلى مجموعات صفية تفاعلية ينتخب قائداً لكل مجموعة ( أنصح بتغيير قادة المجموعات أسبوعياً لأسباب تربوية عدة لا مجال لذكرها هنا ) ، و يلعب هذا الطالب القائد دور الراوتر الابن التابع للراوتر الأب ( المعلم) حيث يشرف على سير النشاط في المجموعة التي تقع تحت تغطيته ، فيستقبل من الراوتر الأب و يوزع البيانات للطلاب (العُقَد الطرفية للشبكة ) كما أنه يشرف على سير البيانات في القنوات الأفقية ضمن المجموعة . فلهذا الراوتر الابن شخصية مزدوجة ( طالب_معلم) فهو طالب من وجهة نظر معلم الفصل و معلم إشرافي على زملائه في المجموعة من وجهة نظر أعضاء المجموعة . و من هنا ندرك مدى أهمية أن يشغل كل طفل في الفصل هذا الدور بشكل مؤقت.
و على معلم الفصل أن يتأكد من فاعلية كل طالب في مجموعتة و مشاركته في كل النشاطات الأكاديمية العملية و النظرية التي تجري في الفصل ، و لهذا استراتيجيات لا مجال لذكرها هنا سأفردها بشذرة تربوية مستقلة.
و بهذا يستطيع المعلم الماهر أن يسيطر على حيثيات و تفاصيل البحث الصفي من خلال هؤلاء ال(راوترات الأبناء ) و يضمن بذلك تفاعل كل طالب في الفصل و قيامه بالبحث الذاتي عن المعلومة و اكتشافها بشكل شخصي ...
و يجب أن نلاحظ بأن إشراف الراوتر الأب على الراوترات الأبناء (الطلاب قادة المجموعات) لا يعني عدم إشرافه المباشر على كل طالب في كل مجموعة ، فالمعلم في التعليم التفاعلي كالمظلة التي تشمل الجميع و كالنحلة التي تدور بين المجموعات لا تكل و لا تمل ، يجيب عن سؤال هنا ، ليُلقي استفساراً قادحاً للعصف الذهني هناك ، ثم يعالج مشكلة بحثية هنا ثم يوجه طالباً هناك ثم يعطي ورقة عمل لحالة خاصة هنا .... الخ
فالمعلم في الفصل التفاعلي كالنحلة التي لا تهدأ بين الزهور ( المجموعات) ...
لو راقبت الفصل من الخارج في التعليم التقليدي لوجدت معلماً واقفاً عند السبورة و طلاباً فرادى في مقاعد متوازية يستمعون إليه.
أما في حالة التعليم التفاعلي لو نظرنا إلى الفصل من الخارج لرأينا نحلة (معلماً ) تدور بين المجموعات دون توقف.
و لا بد من أن نذكر بأنه في حالة التعليم التفاعلي ينشغل الطالب بالتنقيب عن المعلومة أثناء البحث ، بينما ينشغل المعلم بالتنقيب عن المهارات الكامنة في الطالب و تقييم مستواه و تحديد احتياجاته التعليمية و السلوكية و تقييم مهاراته البحثية و قدرته على استخلاص المعلومة.
فالكتب و الأدوات التجريبية هي عينات الطالب ( باحثنا الصغير) بينما يلعب الطالب نفسه دور العينة التجريبية التي يبحث فيها معلم الفصل (باحثنا الكبير).
فالمعلم في الصف العصري باحث مختبره الفصل و أدواته و عيناته الطلاب.
ملاحظة أخيرة ... لم أتطرق لشبكة التواصل بين المعلم و أولياء الأمور حيث أنني أعتبرها قنوات تواصل ضمن الفصل نفسه لأهميتها ، فالمعلم العصري يتواصل يومياً و باستمرار مع أولياء الأمور ، و لكنني أرى قنوات التواصل مع الأهل من نوع آخر مختلف عن الشبكة الصفية التي شرحتها في هذه المقالة.
#راوند_دلعو
#راوند_دلعو (هاشتاغ)
Rawand_Dalao#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأديان جراثيم الكوكب الأزرق
-
فيه اختلافاً كثيراً _ أخطاء قرآنية واضحة في السجعية رقم 4 من
...
-
السارق من الماضي و السارق من المستقبل
-
مغالطة التوسل بالعيون الزرقاء و الشعر الأشقر !!
-
كوميديا الأغبياء _ محمد يقوم بتسريب نتائج يوم القيامة.
-
القصيدة اللاأدريَّة
-
فيه اختلافاً كثيراً _ خطأ قرآني واضح في الترتيلة المسماة ( ف
...
-
الدين على مذبح السخرية و الازدراء
-
لاهوتُ مِحبَرَة !
-
أنت هو دماغك !
-
إكسير الخلود
-
المحتل الحقيقي للبلاد
-
سورة الروح _ سورة أبلغ و أحكم من سجعيات القرآن
-
إسلامويات لا منطقية _ الحسين بن علي بن أبي طالب باختصار
-
الطفل الذي قتل الله ثم مات !
-
الانتماء على مذبح العقل
-
أسئلة على مائدة الله و الحقيقة _ ١
-
عباس بن فرناس علامة فارقة
-
هادم الأصنام الحقيقي
-
وطن من علماء _ يا وطني !!
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|