أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [5]















المزيد.....

الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [5]


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6474 - 2020 / 1 / 27 - 18:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(13)
نسء/ إنساء/ نسأة..
ورد ملفوظ الكلمة في البقرة (2: 106)، كما ورد في سيرة ابن اسحاق النوفلي في باب (النسأة)، وهو تقليد سابق لدى عرب الجزيرة، أقرّته قريش، بتعيين أشهر من العام، (يحرم) فيها القتال.
لم تكن حياة العرب واحدة ذات يوم، قبل الإسلام ولا بعده، لا في القديم ولا اليوم. حتى أن لفظة (عرب) لا تكاد تنطبق على كثير من سكان منطقة الجزيرة وشمالها وغربها الأفريقي. ذلك فضلا عن ضبابية معناها، وعدم اجتماع/ اتفاق السكان على جوهر واضح لها.
تلك الضبابية والعشوائية والغموض، وراء ظهور (الإسلام) وتحوّله إلى محور مركزي، لتجميع الناس ثقافيا، ولكن بصورة أدنى للتعسف، منها للاختيار الاجتماعي الواعي الحرّ.
اختلاف أصول مكونات سكان الجزيرة، وراء اختلاف مظاهرهم وملامحهم الاجتماعية والثقافية، إلى درجة التناقض والوحشية، في ولعهم بالدم والعنف. وقد اأطلق أهل اليمن لفظة (بدو) على الخارجين عن حدودها، وأطلقت (قريش) لفظة (أعراب) على الخارجين عن الحواضر.
والاصطلاح الأخير، هو الوارد في سجلات الأشوريين، بلفظة (أعرُبي، عريبي)، للمتخرصين على حدودها/(جواد علي في المفصل).
بعبارة أخرى، ان سكان شبه الجزيرة، -ما عدا سكان الساحل الجنوبي-، هم خليط غير متجانس/ (خبط عشواء)، حدفت بهم رياح الأقدار، في صحراء الجزيرة، لمختلف الأسباب؛ وقد عجز هؤلاء البدائيون/(البُداة)/ (بدو)، عن الانسجام والتوافق مع بعضهم. ولم توحدهم ظروف البيئة، وضرورات المعيشة والتحديات الأمنية والطبيعية.
وبدلا منه، ترسخت قيم العداء والخلافية والتنابز والحسد، فعاشوا متربصين ببعضهم، كلما تحسنت ظروف جماعة وتفوقوا على البقية، اجتمعوا عليه وأشبعوه طعنا وقتلا وهدما، حتى لا يبقى فيهم رأس مرتفع، أو صرح يخرج بهم من الحياة البهيمية.
هاته الجماعات البهيمية المتنافرة فيما بينها، والمتشظية في ذاتها، كانت وراء تدمير كل محاولة أو خطوة للتطور والخرج من البدائية، إلى شواظئ المدنية والوحدة السياسية.
وإلى حدّ ما نجحت (قريش) في نهذيب جانب من حياة الأعراب/ (البداة)، وفرض مركزيتها الحضرية/ التجارية والدينية. ولم يكن (محمّد) خارج تلك المركزية، عندما انتقل إلى (يثرب)، وعمل على استمالة قبائل نجد واليمامة، حوله، إلى حين.
(قريش)، بعد نجاحها في تنظيم المجتمع المكي داخليا، عملت في تنظيم الحياة العامة في شبه الجزيرة، وذلك بإنشاء (الكعبة) رمزا لمركزية العبادة، رغم تعددية العقائد واختلافاتها، وإنشاء مراكز تجارية ومهرجانات خطابة ومباريات، تتنافس فيها القبائل، وتحصل على حاجاتها من مواد المعيشة والمؤونة الموسمية.
ولأجل ذلك، دعت لحصر القتال في أشهر معلومات، وإطلاق البقية لممارسة الحج والتجارة ومباريات الشعر والخطابة. وبحسب تفاوت الأخبار، اختزلت أشهر الحرب في (أربعة) متقطعة، وأطلقت الأشهر الثمانية المتبقية، بمثابة (النسأة) يحرم فيها القتال والثار، ومن خالفها تفرض عليها عقوبات المقاطعة، والحرمان من مزايا الحج والتجارة والخطابة، أي يكون منبوذا خارج الاجتماع القريشي والجزيري، لزمن معين.
عند ظهور الاسلام، انقلبت مواقيت الأشهر، وتقلصت أشهر الحرم/(نسأة) إلى أربعة، وأطلقت الثمانية للقتال وملاحقة الثارات والكرّ والفرّ، وتمادى البدو في فوضاهم، فلم يدعوا غير شهر واحد/(محرم) لأغراض الحج والتجارة. وفي العالم الثامن للهجرة، قبل عامين من موت محمّد، جاء في كتابه: [سيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله..() وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن تاللله برئ من المشركين ورسوله.. () فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وهذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد..]- (التوبة 9: 1، 2، 4)
أما تبرير نسف الحرمة (ظاهرا) فهو: [ألا تُقَاتِلونَ قوماً نكثُوا أيْمانَهم وَهَمّوا بإخراجِ (الرّسولِ) وَهُمْ بَدَؤكم أوّلَ مَرّةٍ، أَتَخْشَونَهُمْ؟ فَاللهُ أحَقّ أنْ تَخشَوهُ إنْ كُنتمْ مُؤمنينَ. قاتِلوهُمْ يُعَذّبْهُمْ اللهُ بِأيديكُمْ وَيَجْزِهُمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيهُمْ وَيَشْفِ قُلُوبَ قَوْمٍ مُؤمِنِينَ]- (التوبة 9: 13، 14 )
أما المبرّر الحقيقي (باطنا) فهو: [مَا كانَ لِلمُشرِكينَ أنْ يُعمَروا مَسَاجِدَ اللهِ.. () إنّما يُعَمّرُ مَسَاجدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ]- (التوبة 9: 17، 18)
أي أنه يجعل أتباعه/(المؤمنين) أولى بالكعبة/(مساجد الله) من قريش التي رفضت دعوة محمّد، وأخرجته من أرضها. وهكذا يعلن حربا دينية ضد كهنة مكة وبطونها، لسحب البساط من تحت أقدامها، وتجريدها من قوامتها المركزية في مجتمع الجزيرة.
ويستطردُ في التفصيل الاستنكاري: [أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَجَاهَدَ في سبيلِ اللهِ..() الذينَ أمَنوا وَهَاجَروا وَجَاهَدوا في سبيلِ اللهِ بِأمْوالِهمْ وَأنْفُسِهُمْ أعظمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وأولئكَ هُمُ الفَائِزون]- (التوبة 9: 19، 20)
حقيقة الأمر هي (الهيمنة) و(التسلّط) السياسي والاقتصادي والعسكري، على (منصّة السيادة القريشية العربية)، وتسخيرها لصالح الحركة الانقلابي المسلّحة. وبتوفر الحركة الانقلابية، على مرتزقة وجيش من (البدو) تهيأت القوة العسكرية اللازمة، لاكتساح مكة/(8 هـ) والسيرة على أعيان قريش (صاغرين)، وإعلان زعامة (محمّد) السياسية والدينية في يثرب ومكة والجزيرة.
أما ما حصل للأنصار من تهميش وحرمان من المكاسب، وما حصل للأعراب تحت سيوف الردّة/(تصفية سياسية في الحقيقة) وطرد نحو العراق، فهم يستحقونهم بحق، ولا عذر للأحمق!.
وهاته بعض تفاصيل الخلاف والخيانة والغدر المحمّدي الصحابي، الذي أسس للانشقاق والانقضاض الداخلي لمشروع محمّد، والمجرور نحو الساحة العراقية حتى اليوم، وحتى يخرج العراقي عن طوره، وينبت وعيه الوطني المخلص، خارج (رزية) الدين، يبقى العراق، يتمرغ في وحل (الرزية) و(نحر) الذات.
أين هو الدين؟.. أين الأخلاق الدينية، أين القيم الدينية السامية؟.. أين مبادئ الدين (الحنيف)؟..
ليس ثمة غير (النحر)، (السيف)، (الدم)..
وما هي حقيقة الصراع في عراقستان السفيه؟.. الدين.. الدولة الدينية.. دولة مجوسية.. الانتقام لعلي والحسين وكل الفاشلين على هامش التاريخ.. أم التمسّك بالسلطة وسياسة النهب والسلب والنحر وتسقيط البلدان والسكان.. كلّ ما فعله محمّد بقريش ومكة والعرب، فعلته وتفعله زمرة الضلال في العراق العراقيين والهوية الوطنية..

(14)
مصانع الرواة..
أولا: النسخ: الحذف/ إلغاء..
1- ذكر أبو بكر الأنباري عن ابن شهاب عن قول أبي أمامة بن سهل بن حنيف في مجلس سعيد بن المسيب: أنّ رجلاً قامَ من الليلِ ليقرأ سورةً من القرآنِ فلمْ يقدرْ على شيءٍ منها. وقام (آخرٌ)، فلمْ يقدرْ على شيءٍ منها ، فغدوا على الرّسولِ، فقالَ أحدُهم : قمتُ الليلةَ لأقرأ سورةً من القرآنِ فلمْ أقدرْ على شيءٍ منها، ثمّ قام الآخرُ فقال : وأنا والله كذلك/(لاحظ (القَسَم) والتصنّع). فقامُ الآخرُ فقال: وأنا والله كذلك/(في الأصل شخصان صارا ثلاثة). فقال رسول الإسلام: [إنها مِمّا نَسَخَ اللهُ البارحةَ!]- (القرطبي).
2- عن سالم ، عن أبيه ، قال : قرأ رجلان سورة، أقرأهُما الرسولُ، فكانا يقرءان بها. فقاما ذات ليلة يُصَلّيان ، فلمْ يقدرا منها على حرفٍ، فأصبحا غَاديين/(في النص السابق: غَدَوَا) على الرّسولِ فذكرا ذلك له ، فقال: [إنّها مِمّا نُسِخَ وَأُنْسِيَ/(بناء للمجهول) ، فالهُوَا عنها]. فكان الزهري يقرؤها : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) بضم النون خفيفة.
3- عن قتادة في قوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) قال : كان الله تعالى ينسي نبيّه ما يشاء وينسخ ما يشاء.
4- قال ابن جرير .. عن الحسن في قوله : ( أو ننسها ) قال : إن نبيكم أقرئ قرآنا ثم نسيه.
5- ابن أبي حاتم : عن أبيه.. عن ابن عباس، قال : كان مما ينزل على النبي الوحيُ بالليل، وينساه بالنهار.
6- عبيد بن عمير : ( أو ننسها )= نرفعها من عندكم.

ثانيا: نسء/ إنساء = تأجيل
1- عبارة: (أو نُنْسِها)، فتُقرَأُ على وجهين : (نَنْسَأُها، نُنْسِهَا). فمن قرأها: (ننسأها): بفتح النون والهمزة بعد السين، فمعناها: (نؤخّرها).
أبو العالية: (ما ننسخ من آية)= لا نعمل بها؛ (ننسأها) = نرجئها عندنا. 2-
3- عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وعطاء : ( أو ننسئها ) نؤخرها ونرجئها.
4- عطية العوفي : ( أو ننسئها ) نؤخرها فلا ننسخها . وقال السدي مثله أيضا ، وكذا [ قال ] الربيع بن أنس.
5- ابن عباس عن عمر: (ما ننسخ من آية أو ننسها)= نؤخرها.
6- قال غير عطاء : معنى أو ننسأها : نؤخرها عن النسخ إلى وقت معلوم ، من قولهم : نسأت هذا الأمر إذا أخرته ، ومن ذلك قولهم : بعته نسأ إذا أخرته . قال ابن فارس : ويقولون : نسأ الله في أجلك ، وأنسأ الله أجلك . وقد انتسأ القوم إذا تأخروا وتباعدوا ، ونسأتهم أي أخرتهم . فالمعنى نؤخر نزولها أو نسخها على ما ذكرنا.

ثالثا: نسخ = تبديل
نسء= إهمال/ إلغاء
1- عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس: (ما ننسخ من آية أو ننسئها ) = ما (نبدل) من آية ، أو (نتركها).
2- الضحاك (ت 726م) : ( ما ننسخ من آية أو ننسئها ) يعني : الناسخ من المنسوخ.
3- وقرأ الباقون (ننسها) بضم النون = من النسيان الذي بمعنى الترك ، أي نتركها فلا نبدلها ولا ننسخها. قاله ابن عباس والسدي. ومنه القول: (نسوا الله فنسيهم): أي: تركوا عبادته فتركهم في العذاب. قالها: أبو عبيد وأبو حاتم.
4- حكى أبو منصور الأزهري [895- 981م]: (ننسها) نأمر بتركها ، يقال : أنسيته الشيء أي أمرت بتركه ، ونسيته تركته ، قال الشاعر: إن علي عقبة أقضيها لست بناسيها ولا منسيها

رابعا: لا إلغاء ولا تبديل ولا نسيان..
1- ابن جرير .. عن سعد بن أبي وقاص [595- 674م] يقرأ : (ما ننسخ من آية أو تنسها). قيل له : إن سعيد بن المسيب يقرأ: (أو تنسها). فقال سعد : (إن القرآن لم ينزل على المسيّب ولا على آل المسيّب). جاء في القرآن: ( سنقرئك فلا تنسى ) [ الأعلى : 6 ] ( واذكر ربك إذا نسيت ) [ الكهف : 24 ] .
2- الإمام أحمد [780- 855م].. عن ابن عباس [619- 687م]، قال : قال عمر : علي أقضانا ، وأبيّ أقرؤنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أبيّ، وأبي يقول : سمعت الرّسول يقول ، فلن أدعه لشيء . والله يقول : ( ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها).
3- قال البخاري [810- 870م].. عن ابن عباس ، قال : قال عمر : أقرؤنا أبي ، وأقضانا علي ، وإنا لندع من قول أبي ، وذلك أن أبيا يقول : لا أدع شيئا سمعته من الرّسول.

خامسا: تفاوت الحكم..
مجاهد عن أصحاب ابن مسعود: (أو ننسئها ) نثبت خطها ونبدل حكمها .

البقرة (2: 106): .. نأت بخير منها..
1- (نأت بخير منها أو مثلها ) أي : في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( نأت بخير منها ) يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم.
2- السّدي (ت 747م) : ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول : نأت بخير من الذي نسخناه ، أو مثل الذي تركناه
3- قتادة : ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول : آية فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي

(15)
مقالة القرطبي [1214- 1273م] حول النسخ.. معانيه وأحكامه..
[مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]- (البقرة 2: 106)
وفيه خمس عشرة مسألة..
الأولى : قوله: ما ننسخ من آية أو ننسها: نُنْسِهَا: عطف على (نُنْسِخُ) وحُذِفَت الياءُ للجزم . ومَنْ قرأ: (نُنْسِأَهَا): حَذَفَ الضّمّةَ من الهمزة للجزم، وهي جملة شرط. (نأتِ): جواب الشرط.
سببها: أنّ اليهود (حسدوا) المسلمين في التوجه إلى الكعبة، وطعنوا في الإسلام بذلك، قائلين: أنّ محمّدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه، فما كان (هذا) القرآنُ إلّا من جهته/(على هواه)، ولهذا (يُناقِضُ بَعْضُهُ بَعْضَاً).
فكانت الآيةُ.
الثانية : معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة ، لا يستغني عن معرفته العلماء، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام ، ومعرفة الحلال من الحرام.
الثالثة : النسخ في كلام العرب على وجهين
أحدهما : النقل ، كنقل كتاب من آخر . وعلى هذا يكون (القرآن) كلّه منسوخا ، من (اللوح المحفوظ)؛ وإنزاله إلى (بيت العزة) في (السماء الدّنيا)، وهذا لا مدخل له في هذه الآية ، ومنه قوله تعالى : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون أي نأمر بنسخه وإثباته.
الثاني : الإبطال والإزالة ، وهو المقصود هنا ، وهو منقسم في اللغة على ضربين..
أحدهما : إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه، مثل: نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله! وهذا معنى: ما ننسخ من آية أو ننسها... وفي صحيح مسلم [822- 875م]: لم تكنْ نبوّة قطّ، إلا تناسخت! أي: تحوّلت من حال إلى حال، يعني أمر الأمة.
الثاني : إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه ، كقولهم : نسخت الريح الأثر ، ومن هذا المعنى قوله: (فينسخ الله ما يلقي الشيطان..) أي يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف بدله. وزعم أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني: (قد كان ينزل على النبي السورة فترفع فلا تتلى ولا تكتب)!.
ومنه ما رُويَ عن أبي بن كعب وعائشة: أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة في الطول.
الرابعة : أنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخرين جوازه ، وهم محجوجون بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة. وأنكرته أيضا طوائف من اليهود ، وهم محجوجون بما جاء في توراتهم بزعمهم أن الله قال لنوح عند خروجه من السفينة : إني قد جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك ، وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ، ما خلا الدم فلا تأكلوه . ثم حرم على موسى وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان. .
الخامسة : اعلم أن الناسخ على الحقيقة هو (الله)، ويسمى الخطاب الشرعيّ ناسخا تجوزا ، إذ به يقع النسخ. كما قد يتجوز فيسمى المحكوم فيه ناسخا ، فيقال : صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء. .
السادسة : اختلفت عبارات أئمتنا في حدّ الناسخ.
السابعة : المنسوخ عند أئمتنا أهل السنة هو الحكم الثابت نفسه، لا مثله.
الثامنة : اختلف علماؤنا في الأخبار هل يدخلها النسخ. فالجمهور على أن النسخ إنما هو مختص بالأوامر والنواهي. والخبر لا يدخله النسخ لاستحالة الكذب على الله.
التاسعة : التخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به، لأن المُخصّص لم يتناوله العموم قطّ. ولو ثبت تناول العموم لشيء ما ثم أخرج ذلك الشيء عن العموم لكان نسخا لا تخصيصا ، والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخا توسعا ومجازا .
العاشرة : قد يرد في الشرع أخبار ظاهرها الإطلاق والاستغراق، ويرد تقييدها في موضع آخر فيرتفع ذلك الإطلاق. كالقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان). فهذا الحكم ظاهره خبر عن إجابة كل داعٍ على كل حال ، لكن قد جاء ما قيّده في موضع آخر ، كقوله: فيكشف ما تدعون إليه إن شاء . فقد يظن من لا بصيرة عنده أن هذا من باب النسخ في الأخبار وليس كذلك ، بل هو من باب [الإطلاق والتقييد]. .
الحادية عشرة : قال علماؤنا: جائز نسخ الأثقل إلى الأخف، ويجوز نسخ الأخف إلى الأثقل، وينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة ، كالقبلة. وينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى .
وهذا كله في مدة النبيّ، وأما بعد موته واستقرار الشريعة فأجمعت الأمة أنه (لا نسخ). ولهذا كان الإجماع: [لا ينسخ ولا ينسخ به]. ولكن فتاوى الشيوخ تجاوزت واجتهدت حتى انحرفت بالإسلام عن صراطه، وخرجت عن سياقه.
الثانية عشرة : لمعرفة الناسخ طرق ، منها - أن يكون في اللفظ ما يدل عليه ، كقوله: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكرا ونحوه .
ومنها: أن تجمع الأمة على حكم أنه منسوخ وأن ناسخه متقدم . وهذا الباب مبسوط في أصول الفقه.
الثالثة عشرة : قرأ الجمهور ما ننسخ بفتح النون ، من نسخ ، وهو الظاهر المستعمل على معنى : ما نرفع من حكم آية ونبقي تلاوتها ، كما تقدم . ويحتمل أن يكون المعنى : ما نرفع من حكم آية وتلاوتها ، على ما ذكرناه . وقرأ ابن عامر : (ننسخ) بضمُ النون ، من أنسخت الكتاب ، على معنى وجدته منسوخا . قال أبو حاتم : هو غلط : وقال الفارسي أبو علي: ليست لغة؛ لأنه لا يُقال: نسخ وأنسخ بمعنى، إلا أن يكون المعنى ما نجده منسوخا.
الرابعة عشرة : أو ننسها: بفتح النون والسين والهمز. وبه قرأ عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وأبي بن كعب وعبيد بن عمير والنخعي وابن محيصن ، من التأخير ، أي نؤخر نسخ لفظها ، أي نتركه في آخر أم الكتاب فلا يكون . وهذا قول عطاء .
وقال الزجّاج البغدادي [855- 923م]: إن القراءة بضم النون لا يتوجه فيها معنى الترك ، لا يقال : أنسى بمعنى ترك ، وما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أو ننسها قال : نتركها لا نبدلها ، فلا يصح . ولعل ابن عباس قال : نتركها ، فلم يضبط . والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى أو ننسها نبح لكم تركها ، من نسي إذا ترك ، ثم تعديه . .
الخامسة عشرة : نأت بخير منها، لفظة بخير هنا صفة تفضيل. والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف ، وفي آجل إن كانت أثقل ، وبمثلها إن كانت مستوية .
وقال مالك [711- 795م] : محكمة مكان منسوخة . وقيل ليس المراد بأخير التفضيل؛ لأن كلام الله لا يتفاضل ، وإنما هو مثل قوله : من جاء بالحسنة فله خير منها أي فله منها خير ، أي نفع وأجر ، لا الخير الذي هو بمعنى الأفضل ، ويدل على القول الأول قوله : أو مثلها.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [4]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [3]
- الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [2]
- الناسخ والمنسوخ وما وراءهما- [1]
- أنا لا أعبد موتى
- بصراحة.. لا غير//2
- بصراحة.. لا غير..
- أين ينظر العرب؟.. (5)
- أين ينظر العرب.. (4)..
- أين ينظر العرب.. (3)
- أين ينظر العرب؟.. (2)
- أين ينظر العرب؟.. (1)
- تفكيك العنف وأدواته.. (قراءة سوسيولوجية عراقية سياسية)/ الكت ...
- مَعَاَ في حَديقةٍ..
- المئوية الأولى لثورة العشرين العراقية..
- الوجودُ.. قرارٌ (و) إختيارٌ/2
- الوجودُ.. قرارٌ (و) إختيارٌ/1
- ديوانُ السّبْعينيّاتِ/27
- ديوانُ السّبْعينيّاتِ/26
- ديوانُ السّبْعينيّاتِ/25


المزيد.....




- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وديع العبيدي - الناسخ والمنسوخ.. وما وراءهما..! [5]