نور الدخيل
الحوار المتمدن-العدد: 1568 - 2006 / 6 / 1 - 11:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
الفساد كلمة ذاع انتشارها لتشمل كل ما يخالف القيم الصحيحة والبناء السليم في كافة المجالات ومختلف مناحي الحياة , فكلمة فساد نقيض الصلاح , وفساد الشيء يعني بطلان نفعه , وبطلان المنفعة من جهة الشيء الذي فسد يعني إلحاق الضرر بالمنتفع من الشيء نتيجة حرمانه من المنفعة وعلى هذا فإن الفساد موجود منذ وجدت الحياة وإن الفساد المتعلق بالإنسان ظاهرة بدأت بظهور المجتمعات البشرية وواكبت تطورها , فكما أن لكل مجتمع مقوماته نجد من بينها عناصر وأساليب للفساد تلازمه نتيجة لعدة عوامل تتعلق بالطبيعة البشرية وتتأثر بالقيم والأخلاق والتربية والعادات السائدة في المجتمع ومدى الشعور بالانتماء للوطن المرتبط بالحرية والاستقلال والظلم والقوانين ... إضافة لبعض الصفات والمزايا الشخصية ومدى الاستعداد للانحراف .....
وهناك أنواع مختلفة من الفساد منها الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والديني والمالي والفكري والثقافي والاجتماعي والحقوقي والقانوني .... وجميعها تعتبر أدوات تقوض بناء المجتمع وتدفع به إلى التقهقر والتخلف لأن جزءاً كبيراً من طاقاته تذهب هدراً .
فالفساد السياسي يحول دون الاستفادة من الطاقة القصوى للكوادر البشرية ويمنع وصول الكفاءات إلى الأماكن القيادية ويحبط من قدراتها الخلاقة على الإبداع والنهوض بالمجتمع وتطويره , وهذا يعني محاربة الفكرة القائلة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب واعتماد مبدأ الواسطة والمحسوبيات والعائلة والمكانة الاجتماعية في تبوء المناصب ... أي احتكار السلطة في أيدي فئة قليلة تتحكم برقاب الشعب ومصيره , فالفئات الحاكمة في عهد الاستعمار المتمثلة بالحاكم الأعلى وزمرته الذين هم أساساً غرباء , والمتصلون بهم من وجهاء البلد ولا سيما كبار رجال الدين وأهل العلم والقضاء والموظفين وكبار التجار والضباط يشكلون عملياً ما يدعى أهل الحل والربط وباقي فئات الشعب ماهم إلا عبيد وأدوات في أيدي هؤلاء المتسلطين وهذا أحد أهم مظاهر الاستبداد فمثلا نجد أن عداء الفلاح للسلطة كان عداء تقليدياً يستمد أصوله من تراث تاريخي مظلم حيث كانت السلطة تتمثل بالدركي والجابي والإقطاعي , فهذا العداء للسلطة الذي يمثل نوعاً من الفساد جاء كردة فعل على الظلم والاضطهاد والقهر الذي تمارسه عليه السلطة , وبالمقابل فإن الممارسات السلبية لممثلي السلطة من قمع وإرهاب وتجويع وإذلال وتجويع للفلاح تشكل نوعاً أكثر خطورة من الفساد وما ينتج عنه من آثار سلبية لا زالت مجتمعاتنا تعاني من آثارها حتى الآن
فالفساد السياسي هو البؤرة التي تتمخض عنها كافة أنواع الفساد الأخرى وكلما كان الاستئثار بالسلطة متشدداً كلما زاد الفساد وأساليبه انتشاراً ....
الفساد الاقتصادي وهو أكثر أنواع الفساد تأثيراً على نمو المجتمع وتطوره وله أشكال وطرق لا تحصى تتغير وفق النظام السياسي والاقتصادي السائد ويتمثل بالبيروقراطية والروتين والتهريب والاحتكار والبطالة المقنعة في أجهزة الدولة والتهرب الضريبي والرشاوى والاختلاس والتزوير والربا والمضاربة التي هي عكس المنافسة الشريفة ...
والفساد الأخلاقي يعطل جزءاً من طاقة المجتمع ( الغش الخداع الرذيلة الكذب ....) .
الفساد الديني لا أريد الخوض في المجال الديني لكثرة الباحثين والمهتمين فيه من اختصاصيين وغيرهم , وأهمية الدين تطغى على كل شيء إذا ما أُثير أي موضوع من منطلق ديني مما له من حساسية مفرطة في وجدان الإنسان لذلك حسب رأبي عندما قالوا أن الدين أفيون الشعوب , فإن هذه الفكرة مأخوذة من مجتمعات الشعوب المتخلفة لأنها نتيجة لعجزها عن الخروج من الواقع المظلم الذي تتخبط فيه تحتاج لمن ينقذها ويحمل عنها أعباءها وتسعى لخلق مبررات , وهي بطبيعة الحال وهمية , تجدها في الدين نتيجة لتفسيرها الخاطئ , أو تفسير التعاليم وفق متطلباتها , فالدين سلاح ذو حدين ويخضع للتفسير والتأويل كل حسب هواه ... فالدين يدعو إلى العلم والعمل والتسامح والمحبة والإخاء والتعاون والمساواة والعدالة ..... وكلها قيم إيجابية إذا ما توافرات في مجتمع فإنها حتماً تدفعه إلى التقدم والرقي والازدهار , أما كما فسره البعض من المرتزقة وفق مصالح ملوكهم وحكامهم وأولي الأمر فإنه يدعو إلى الخنوع والاستسلام والعبودية والتواكل والصبر على الظلم والاضطهاد وتكفير الآخر والقتل والحقد وكلها عناصر فساد إذا تأصلت في أمة فإنها تودي بها إلى التخلف والفقر والتقهقر والذل .
الفساد القانوني والحقوقي :............. الامتثال الطوعي للأنظمة والقوانين في ظل دستور يكفل للجميع حقوقهم , فاحترام القانون يعني بالدرجة الأولى احترام المواطن لذاته تجاه المواطنين الآخرين وهذه العلاقة الجدلية بالمحصلة يكون الجميع تحت سقف القانون ومتساوون في الحقوق والواجبات ولا يشعر المرء بالتفاوت والازدواجية في تطبيق القانون بين زيد وعمرو وبالتالي وجود فئات فوق القانون وما ينتج عنه من تقسيم المجتمع إلى مواطنين من الدرجة الأولى والثانية ....
الفساد المالي ( السرقة الربا واستباحة أموال الآخرين والأموال العامة .... )
الفساد الاجتماعي ... الفكري .... الثقافي .... التعليمي ... التربوي ... ) .
تجتمع هذه العوامل كلها تحت مصطلح واحد اسمه ( الفساد ) ينتشر بأشكال مختلفة في كل أنحاء العالم وينهل منه كل حسب مصلحته لتحقيق مآربه ....
وحسب ما تقدم يمكن تعريف الفساد على أنه : ظاهرة اجتماعية وليدة تراكمات تاريخية عانت منها البشرية على مر العصور نتيجة للطمع والجشع وروح الأنانية التي تتمتع بها النفس البشرية , وحب التملك والتسلط والفوقية والنرجسية .... إلى ما هنالك من الصفات التي تميز الإنسان الفرد عن غيره من الأفراد وما يميزه عن محيطه من الكائنات الأخرى , وبالتالي انسحاب هذه الصفات الفردية على المجتمعات والدول كونها بطبيعة الحال تدار من قبل أفراد .
ومجتمعنا العربي ينعم أكثر من غيره بأشكال من الفساد لها جذور تاريخية عبر العصور المختلفة التي مرت بها المنطقة وما يبتكره الفاسدين من أساليب تبرر لهم أفعالهم ويستطيعون من خلالها التهرب من المحاسبة أو القوانين التي تقف حجر عثرة في طريقهم .
إن البحث في موضوع الفساد بشكل شامل وموضوعي يحتاج إلى مركز للبحوث يقوم بهذه المهمة لذلك سنركز في هذه الدراسة على شكل واحد من أشكال الفساد له جذوره في جميع أنواع الفساد الأخرى للإجابة على سؤال محدد :
- هل مال الدولة مستباح ؟
إن استباحة أموال الدولة ظاهرة اجتماعية لها مقوماتها وأسبابها التاريخية ولم تأت من فراغ , فاستباحة أموال شخص أو جهة ما يجب أن يستند إلى مبرر يوجب هذه الاستباحة قانوناً أو شرعاً لأن القانون أو الشرع في أي مجتمع أو دولة في العالم ينص على حماية الملكية العامة والخاصة فعلى ماذا استندت استباحة أموال الدولة في مجتمعنا ؟
انتشرت هذه الظاهرة في مجتمعنا وأصبحت جزءاً من الأعراف والتقاليد السائدة نتيجة لعهود طويلة من الاضطهاد والقمع في ظل الاستعمار الغاشم الذي حاول أن يطمس الهوية الوطنية والقومية ويمسح ذاكرة شعوبها , وعززتها فتاوى أصحاب العقول الضعيفة ممن كانوا يسمونهم رجال دين يقبعون في خدمة الاحتلال ويتحكمون برقاب الملايين من الناس البسطاء في مجتمعات متخلفة تم قهرها وعزلها عن كل أنواع الفكر والثقافة ولا يسمح لهم مجرد التفكير بقضية ما !! فأصبحت هذه الظاهرة جزءاً من العقيدة وتحولت إلى إيمان راسخ بأن نهب أموال الدولة حلال لأنه حق مغتصب من أموال الشعب وأن استعادته يعتبر جزءأ من العبادة أو الجهاد , وتذخر مفردات العامة بقاموس من العبارات التي تمجد رجل الوظيفة العامة الذي استطاع أن يجني ثروة من خلال استغلال وظيفته , وكلما كانت هذه الثروة كبيرة تكون عبارات التعظيم والتبجيل أكثر تفخيماً , ولمكافحة هذه الظاهرة التي تعتبر آفة اجتماعياً متفشيةً بين جميع فئات المجتمع حيث يشكل هذا النوع من الفساد أخطر أنواع الفساد المنتشرة في بلادنا , ولابد من دراسة وتحليل الأسباب التي أدت إلى انتشارها وأعطتها هذه الصبغة لأن معالجة أي مرض تبدأ بالبحث عن أسبابه والعوامل التي تساعد على انتشاره ونقاط الضعف التي يمكن من خلالها اختراق جوهره وتفتيته وبالتالي استئصاله والقضاء عليه .
ويمكن أن نصنف الأسباب التي ولدت هذه الظاهرة في مجموعة من العوامل أهمها :
1. الاستعمار
2. 0الظلم والاستبداد
3. الحروب والكوارث 0
4. التخلف
5. الجهل والفقر 0
6. فقدان الهوية والانتماء الوطني 0
7. الحرمان الذي يتناقض مع طبيعة الإنسان وميله إلى إشباع رغباته 0
8. التربية والتعليم 0
9. المرأة .
وسنقوم بتحليل وعرض أثر كل عامل من هذه العوامل على المجتمع ودوره في ابتكار أساليب وطرق جديدة لمحاربة الدولة واستباحة أموالها وممتلكاتها والالتفاف على القوانين في مراحل لاحقة ( الدولة التي كانت تمثل العبودية والإقطاع والبرجوازية والاستعمار وفي عهد الاستقلال استولت على الحكم أنظمة قمعية وفي أحيان كثيرة كانت أكثر استبداداً من حكومة الانتداب استمرت إلى نهاية الستينات تقريباً مما عزز هذا المفهوم عند العامة ليصبح جزءاً من بديهيات العقيدة وأساسيات التربية ) .
#نور_الدخيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟