|
حينما يرتفع سعر النفط ينخفض سعر الدم
ناهده محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6472 - 2020 / 1 / 25 - 16:20
المحور:
المجتمع المدني
في المنطقة العربية والتي أُبتليت بمخزون النفط كثيراً ما يرتفع سعر النفط ثم ينخفض ، وكثيراً ما يتوقف ضخ النفط لأسباب سياسية وإقتصادية ، لكن الدم العربي إحتفض بسعر موحد منخفض وهو قابل للإنخفاض وغير قابل للإرتفاع مع أن جودته تضاهي الأعراق الأخرى ، ومع أن هناك بدائل للنفط إلا أنه لا بديل للدم البشري . حينما إرتفع قليلاً سعر النفط حتى وصل إلى ٦٦ دولار للبرميل منذ بداية يناير وإرتفع نفط غرب تكساس إلى ٥٩،٧٣ دولار للبرميل إنسحب هذا على سعر الدم العربي فإنخفض كثيراً وفُتحت أنابيب الدم كاسحة الرئاسات والقوى القمعية المنتشرة في العالم العربي ، من السودان حيث أزاحت المظاهرات الدموية حكم البشير وغيرت القيادات في الجزائر وعَبر فيضان الدم في سوريا كل الحواجز ليدخل إلى كل بيت والكل خاسر هنا ، ولم تستطع حركات التصحيح أن تغير الواقع العربي بسبب عدم مصداقية القيادات العربية . لذلك قامت في العراق حركات لتصحيح المسار الديمقراطي وكل أجزاء السلطة تدعي الوطنية والمشروعية لكن الدستور يؤكد على أن الشعب هو مصدر السلطات ، والحقيقة هي أن قوة السلاح هي مصدر السلطات ، ورغم عنفوان سريان الدم الشبابي المتفجر ، لكن السلطة لا زالت في أيدي تجار النفط وكراسيهم مثبته بألف مسمار ومسمار وهذه تحتاج إلى الوقت والصبر لقلعها الواحد تلو الآخر . إن الغريب في مجتمعاتنا هي محاولات إسكات الضمير الفردي والمجتمعي ومن أقوى أدوات الضمير المجتمعي هي الصحافة الحرة والتي لا ترضى بالمهادنة ، والأغرب من هذا هو أن قتلة الصحفيين لا يجدون من يعاقبهم لأنه وببساطة لا تستطيع السلطة أن تعاقب أزلامها . تقول منظمة اليونسكو أن ٩٠٪ من قتلت الصحفيين لم يتم معاقبتهم في العالم بين تاريخ ٢٠٠٦ - ٢٠١٨ ، وقد أُغتيل في هذه الفترة من الصحفيين في العالم ١١٠٩ ، وأعتقد أن الرقم هو أكبر من هذا بكثير ولأن هناك الكثير من القتلة في الظلام والكثير ممن يُنسب فاعل الجريمة لمجهول ، والكثير ممن تُبرمج وفياتهم على شكل حوادث مرورية أو حالات الغرق والسقوط أو الإنتحار حتى تصبح صعبة التفكيك على الرأي العام العالمي مثل حادثة إغتيال خاشقجي . أشار تقرير اليونيسكو أن إغتيالات الصحفيين قد إزدادت بنسبة ١٨٪ في العالم ما بين سنة ٢٠١٤ - ٢٠١٨ بالمقارنة مع السنوات الخمسة التي قبلها . لقد أخذت الدول العربية حصة الأسد في إغتيالات الصحفيين فبلغت نسبة ٣٠٪ من الإغتيالات في العالم تليها أمريكا اللاتينية والكاريبي بنسبة ٢٦٪ ، ثم آسيا والمحيط الهادي ٢٤٪ . وقد أشارت المديرة العامة لليونيسكو أُودري أزولاي بأن ٢ نوفمبر هو اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين ورفعت شعار ( إبقو الحقيقة حية ) ، ويستهدف هذا أيضاً المراسلين الأجانب في ساحات الحرب ، وتابعت مديرة اليونيسكو سنسلط الأضواء على الصحفيين المحليين الذين يعملون بقضايا الفساد السياسي وقد شكلو ٩٣٪ من وفيات الصحفيين خلال السنوات العشرة الأخيرة . إن إغتيال الأقلام الحرة في العراق قد أصبح شيئا نمطياً لكل الحكومات المستبدة ، وهذا لأن هذه الأقلام تعمل مثل ( بروجكتر ) ساطع على الحقائق التي لا يُراد لها أن تُرى أو تُسمع من قبل الرأي العام العالمي أو المحلي ، فهي لا تريد أن يرى العالم البيوت المهدمة والمدارس المحطمة والسيارات ذات الدخان الأسود والشوارع المحفورة وكأن حرباً عالمية قد مرت بها وأسلاك الكهرباء الممدودة بشكل عشوائي وكأنها خيوط العنكبوت في شوارع بغداد والمجاري الطافحة والقمامة والحيوانات النافقة ، وليرى العالم بأن هناك أكثر من ٣٢٨ معملاً مغلقاً وأكثر من ٢ مليون أرملة بلا معيل ، وأكثر من ٦ مليون يتيم يهيم أكثرهم في الشوارع متسولين أو هم عمالة رخيصة وأحياناً بائعين للقمامة ، وإن سكتت الأقلام عن هذا فالكل يرى ويسمع والكل يعلم إن ما بيع من النفط منذ ٢٠٠٣ - ٢٠٠٦ هو يساوي أكثر من ألف مليار دولار والرقم في تصاعد ، وكل صحف العالم تعلم وتنطق ولا يمكن إسكاتها بكاتم صوت ، فبدل ٦٠٠ شهيد كان يمكن أن نبني بأموال النفط ٦٠٠ معمل ، وبدل ٢٥ ألف جريح كان يمكن بناء ٢٥ ألف مدرسة ، وبدل خمسة آلاف معوق وهو محصلة الأخيرة لمظاهرات تشرين كان يمكن بناء خمسة آلاف مستشفى ، وبدل ٢٨٠٠ معتقل كان يمكن أن يُبنى لشعب العراق الحزين النازف ساحات ومنتزهات ورياض أطفال . حسب منظمة مراسلون بلا حدود أن العراق يقع في المرتبة ١٥٦ من ١٨٠ بلد في حرية الصحافة ، فهناك العديد من الأسماء المعروفة للصحفيين الذين إُغتيلوا بأيدي السلطة بعد ٢٠٠٣ أمثال أمجد الدهامات ، هشام الأعظمي ، احمد المهنا ، وحسب نقابة الصحفيين منذ ٢٠٠٣ أصبح عدد القتلى من الصحفيين العراقيين أكثر من ٤٦٠ صحفي ، وكان آخر من أغتيل هما الصحفيين البصريين أحمد عبد الصمد وصفاء غالي . إن الحسابات السلطوية تعطي الأولوية للعزيز الغالي ( النفط ) وليس مهماً نزيف الجسد العراقي . إن من يُدعون بحثالات الشعب لملابسهم الرثة ووجوههم الملونة بالدخان وبطونهم الخاوية هم أنظف وإرقى من الوجوه السقيلة لصناع القرار ، وهؤلاء وإن أكلوا من بقايا الأغنياء ومن مزابلهم مضطرين وإن باتوا في العراء هم أصفى أصفياء هذا الوطن ، فقد وقفوا أمام الموت لأنهم لم يعرفوا الحياة منذ ولدوا وهم يعيشون الموت منذ سنوات ، يرونه بعيون أطفالهم وأمهاتهم وجيرانهم ، وهم لا خيار لهم إلا الموت دفعاً للموت البطيء ، وهم من سيضع الإسفين أمام نزيف الدم العراقي ، وستبقى مشكلتكم أبداً إنكم لن ولم تتصفحو التاريخ جيداً .
#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة شهيد إلى قاتله
-
ريسايكل القيادة العراقية
-
الثوار غيروا مفهوم الدين والمواطنة لدى الفرد العراقي
-
بين كلمتين ... الليل
-
حينما أينعت أغصان الوطن
-
طوبى للأمهات العراقيات
-
نحن العراقيون والعراق نحن
-
من أطلق الرصاص على علم العراق
-
شاعرات في المهجر
-
هل نحن على كوكب يُحتضر
-
هل بُنيت الحضارة العربية على التماثل أم على التباين
-
التطرف ذو الوجهين
-
نحن أمة تئِد أبناءها البررة
-
إغتراب
-
لماذا يتناول أبناؤنا المخدرات
-
هل يحتمي الرجل بالقوانين في ممارسة العنف ضد المرأة
-
البصرة ثغر العراق الباسم أم الباكي
-
موت وردة الأقحوان البيضاء
-
العرب من تجارة النفط إلى تجارة البشر
-
مشاكل أبناء المهجر
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|