|
هادم الأصنام الحقيقي
راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.
(Rawand Dalao)
الحوار المتمدن-العدد: 6470 - 2020 / 1 / 21 - 20:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( هادم الأصنام الحقيقي )
من مدونة #راوند_دلعو
الفيلسوف الإيطالي (جوردانو برونو) و المعروف أيضاً ب (نولانو) .... عظيم الحضارة الغربية و أيقونتها الثمينة ... إذ شكلت عملية إعدامه إحدى أهم العلامات الفارقة في انطلاق شرارة عصر النهضة ، حيث أشعلت هذه العملية الوحشية فتيل الثورة العلمية الحقيقية في الوعي الجمعي للشعوب الغربية ، إذ صار الناس يتساءلون :
لماذا تم إحراق هذا الرجل بهذه الطريقة البشعة ؟ ...
لماذا حكم عليه بالموت حرقاً ؟ ....
فذهب الناس لاقتناء كتبه و الاطلاع على الأفكار الخطيرة التي أودت بجسده إلى المحرقة ، فاكتشفوا أن عملية إعدامه حرقاً كانت بسبب اعتناقه مبادئ كوبورنيكوس العلمية ، و إيمانه بالمبدأ التجريبي في التوصل إلى العلوم و من ثَمَّ اعتقاده بدوران الأرض حول الشمس ، و أن الأرض ليست مركز المجموعة الشمسية كما يدعي الكتاب المقدس ... !
فذهبوا يبحثون عن هذا المنهج التجريبي المرعب الذي أدى إلى إحراق رجل وهو على قيد الحياة !
ثم اضطُرَّ الناس كي يستوعبوا سبب إحراقه إلى أن يقرؤوا أبحاث معلمه كوبورنيكوس و أمثاله من المتنورين .... فأدى ذلك إلى انتشار العلم و الوعي وافتضاح أمر الدجل الكائن في دهاليز الكنيسة ...أي أن فعله هذا كان بمثابة الحملة الإعلامية الأولى لتسويق المنهج العلمي و فضح الممارسات الخرافية الكَنَسِيَّة في أوروبا .... و كانت تكلفة تمويل هذه الحملة حادثة صلبه و إحراق ذرات جسده ...!
أي أنه دفع ثمن هذه الحملة من جسده و عذاباته و معاناته !!! فهي الحملة الإعلامية الأهم و الأكثر كلفة و قداسة في التاريخ !!! لكنها نجحت إذ أفضت إلى هدم و إسقاط الأصنام الحقيقية المتمثلة في الخرافات المعششة في عقول الناس ...
نعم ، لقد قام أخيراً بهدم الأصنام الحقيقية و القضاء على الوثنية المتمثلة بالخرافات و الخزعبلات و مناهج التفكير غير العلمية التي يغرسها الطغاة في الوعي الجمعي للشعوب لتسهيل تطويعها و شرعنة استعبادها ....
و كانت الطبقة المثقفة التي تأثرت بأبحاث هؤلاء الفلاسفة و العلماء من أمثال كوبورنيكوس و جوردانو برونو بمثابة النواة المركزية لأول قاعدة اجتماعية تنويرية في أوروبا كلها ، فهذه النخبة هي التي ستحمل على عاتقها شعلة الثورة العلمية التي ستتَّقد في المستقبل القريب لتلهب أوروبا و من ثم كل الكوكب علماً ومعرفة و بحثاً ...
و اليوم نعلنها صراحة بأننا مدينون لهادم الأصنام الحقيقي في كل ما نستمتع به من سعادة و رخاء و وعي راقي ... فكل ما يغمرنا من إبداعات تكنولوجية و طبية و فيزيائية و كيميائية و رياضياتية و نظرات علمية ثاقبة و عميقة و نظم اجتماعية حديثة و و و .... إنما بسبب وقفته الجريئة تلك !!
فقبل حادثة إعدامه كان المنهج التجريبي مجرد حالة فردية قاصرة على عدد من العباقرة الذين يقبعون في ظلمات مختبراتهم المُهمَّشة ... فلا أنصار لهم و لا صوت و لا تأييد في الشارع الأوروبي ، و كان من المستحيل لهؤلاء أن يغيروا التاريخ دون تجييش العوام و لفت أنظارهم لمدى أهمية ما يحدث في ظلال المختبرات ... لكن ثبات هذا الرجل ( و أمثاله) على مواقفه و عدم خوفه من الإعدام حرقاً أدى إلى إخراج المنهج التجريبي إلى الشارع من خلال لفت أنظار العامة إلى العلم الحقيقي التجريبي و أهمية التجارب و الأبحاث المذهلة التي تحدث في أروقة المختبرات العلمية ... مما أتبعه نقلة نوعية في حياة المنهج العلمي ، إذ تحول من حالة خاصة مقتصرة على بعض الأوساط العلمية إلى حالة عموم انتشارية تجتاح الطبقة المثقفة كاملة ، لتقوم أصداء حادثة إعدامه تلك و على المدى البعيد بتغيير ديموغرافي رهيب في أوروبا من غلبة التيارات الظلامية الرجعية التي تضرب بسيف الكنيسة و الدين ، إلى غلبة التيارات التنويرية التي انقلبت تماماً على سلطة الكنيسة و الدين ... و هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير ثم تولد عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان !!!
وبهذا نلاحظ أن جميع من ماتوا في القرون الوسطى من أجل الأديان و العقائد المتخلفة ( كالمحمدية و المسيحية و الهندوسية ...) و المخططات السياسية الهمجية و الإيديولوجية القروسطية إنما ماتوا بلا فائدة يعود نفعها على الأجيال القادمة ، بل ماتوا من أجل تحقيق شهواتهم الخاصة في تأسيس دولهم الديكتاتورية الدينية و ممالكهم و سلطناتهم المرحلية التي كانت تعود بالنفع المادي المؤقت على أولئك الملوك و السلاطين و الخلفاء و عصاباتهم التي تتألف من قطاع الطرق الموالين لهم ( خالد ، عقبة ،طارق ... ) و من ثم ذراريهم التي ورثت الحكم فاستعبدت الناس باسم الرب و الملك و السلطان و الإمبراطور ( كزعران محمد و أذنابه من أتباع قبيلة قريش بفرعيها الأموي و العباسي .... )
أما شهداء الثورة العلمية في أوروبا فهم وحدهم من ماتوا من أجل فائدة ملموسة تحققت لجميع أجيال الجنس البشري اللاحقة على مختلف أفكارهم و أعراقهم ..... هم وحدهم الذين استطاعوا إخراج مارد العلم من قمقم الأنظمة الملكية القمعية في القرون الوسطى .... إذ إنهم ماتوا كي تتغير حياتنا بشكل حقيقي نحو الأحسن ، و لولاهم لكنا إلى الآن نرزح تحت وطأة الدين و الجهل و حياة الخيم و الرعي و البداوة و الطائفية و العرقية و محمد و عيسى و موسى و بوذا ...
تخيل معي لو أن هادم الأصنام الحقيقي جوردانو برونو و أمثاله من شهداء الثورة العلمية الأوائل قد جَبُنوا و غيروا آراءهم أثناء رفعهم على الصليب خوفاً من سلطة الدين الكنسي الذي هددهم بالنار و القتل و التعذيب .... لو حدث ذلك لكان العلم الحقيقي مسردباً و مُحاصراً إلى اليوم ضمن مجتمعات ضيقة مستضعفة منكرة لا تملك من الأمر الأوروبي شيء ..... و لَكُنَّا إلى اليوم نفرك النحاس الأصفر بالقماش الأسود ثم نتوضأ به كي نحضِّر الجن اللازم لطرد الأرواح الشريرة من زوايا المنزل ... ثم نقتل أبو بريص لنشعر بالرضا و القبول كما أمَرَنا محمد !!!
فعلاً ، يستحق هذا الرجل و كل من ضحى تضحيته في تلك الفترة تمثالاً في كل بيت يحتوي على جهاز تكنولوجي أو إنجاز حضاري حديث .... فلولا عذاباتهم و معاناتهم و جرأتهم في سبيل نشر العلم الحقيقي لما تغيرت حياتنا ....
#راوند_دلعو
#راوند_دلعو (هاشتاغ)
Rawand_Dalao#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وطن من علماء _ يا وطني !!
-
فيه اختلافاً كثيراً _ أخطاء قرآنية واضحة في السجعية الثالثة
...
-
فيه اختلافاً كثيراً ... خطأ قرآني واضح في السجعية الأولى من
...
-
مكمن الصواب في خلع الحجاب
-
هدم الأساس العقائدي لمذهب القرآني محمد شحرور
-
أسئلة على مائدة الله و الحقيقة ٣
-
البيان في عدم تواتر القرآن
-
ملاحم غيرت التاريخ
المزيد.....
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|