|
ليست صيني ولا تيواني
محمد أبو قمر
الحوار المتمدن-العدد: 6469 - 2020 / 1 / 20 - 10:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كل ما هو ليس منتجا أصليا يبقي صيني...وفي الحقيقة هو مش صيني ولا حاجه ، كتير من الأشياء الموجودة في السوق صناعة مصرية تجري في الخفاء ، كما يقال تحت السلم بعيدا عن الأعين وبعيدا عن الرقابة حتي لا يتم اكتشاف مدي ما بها من تلفيق وعجن وغش أو ما تحتويه من مواد سامة وممرضة وغير قابلة للاستعمال الآدمي. والأمر لا يتوقف علي صناعة بعض المواد الغذائية ، وإنما يشمل صناعة النسيج والملابس وقطع غيار معدات كثيرة والسجائر وحتي الحشيش. أغرب شيء يتم انتاجه علي الطريقة الصينية هو بعض كتب الفكر ، والنقد ، والشعر ، ورسائل الدكتوراه ، والرواية ، فكما حدث مثلا عندما اكتشفت الأجهزة الرقابية والأمنية مصنعا يقوم بانتاج قمر الدين من مجموعة من المواد كالبوية المخلوطة بالدقيق والبودرة وبعض مكسبات اللون والطعم فإن ذلك يحدث أيضا في إنتاج بعض الكتب ، كتب علمية في مجال الكمبيوتر علي سبيل المثال ، كتب نقدية ، دوواين شعر ، روايات ، كتب ذات طابع فكري أو سياسي ، مقالات منشورة في صحف رسمية معتبرة. وأنا لا أقول ذلك بلا دليل ، فقد كشفت إحدي الصحف ذات يوم عن قيام أحد الشعراء بطبع ديوان لم يكتب فيه كلمة وإنما كل ما فعله هو أنه أزال اسم الشاعر الأصلي ووضع اسمه هو وطبع الديوان علي أنه من أشعاره هو. نفس الصحيفة كشفت بعد ذلك عن قيام أحد الأدباء بتلفيق رواية منقولة نقلا حرفيا من عدة روايات دون حتي أن يراعي مدي الاختلافات في أساليب كتابة هؤلاء الذين نقل عنهم ، وفي دفاعه عن نفسه سمي مافعله اقتباسا بينما دافع عنه كثير من مبدعي هذا النوع من الابداع الصيني بادعاء أن ما فعله زميلهم هو " تناص " ، أي تشابه عفوي في الكتابة. ما علينا فالمنهج الصيني في فك وإعادة تلفيق المنتجات الأصلية قد أخذ في مصر اتجاها مختلفا حيث لا تتوفر لدي القائمين علي هذا العمل في مصر الآليات التي تمكنهم من الفك وإعادة التركيب أو التلفيق ولذلك لجأوا إلي الغش والتدليس ، شوية من هنا وشوية من هناك ولا مانع من إضافة شوية تخاريف وشوية عجين علي اعتبار أن لا أحد يقرأ فالمهم أن يخرج الكتاب ويضاف إلي الرصيد العددي لانتاجهم من الكتب الذي يمنحهم مشروعية الوجود في الساحة الثقافية كمفكرين أو أساتذة جامعيين أو كشعراء أو كروائيين أو حتي كعلماء دين. ذات يوم طلب مني أحد معارفي من خريجي الأزهر مساعدته في إقناع المسئولين في جهة عملي لشراء ثلاثمائة نسخة من كتاب له لتوزيعها مع مطبوعات المجلة التي كنت أعمل بها ، وحين قرأت الكتاب اتضح لي أنه يتضمن آراء الفقهاء القدامي في بعض المسائل المتعلقة بعلاقة الرجل بالمرأة ، وشرب الخمر ، والختان ، والحجاب ، كل ما في الكتاب يتردد يوميا عبر ميكرفونات الجوامع ، وحين رفضت طلبه اتهمني بكراهة العلم والعلماء. لقد صار تلفيق الكتب وإصدارها حرفة ، صنعة ، كيف تشكل كتابا من مائتي صفحة بغلاف جذاب في أي موضوع ، علوم ، تاريخ ، دين ، فكر ، نقد ، أي حاجه ، أعرف شخصا ربما تكون إصدارته قد وصلت الآن إلي ما يزيد عن المائة كتاب بعضها في الأدب ، وبعضها في وقائع أحداث يناير وأكثر من نصفها في مجال الكمبيوتر كلها منقولة نقلا حرفيا مما ينشر في هذا المجال علي النت. الشعب المصري العبقري يقول لك عن أي منتج مغشوش : دا صيني ، وأحيانا يقول لك : دا تيواني ، وأنا لا أعرف في الحقيقة ما هو قصد المصري العبقري من تسمية بعض المنتجات المغشوشة بالصيني وبعضها بالتيواني ، ربما يكون قصده أن بعض المنتجات غشها مفضوح وأن الغشاش لم يستطع إحكام تلفيقها فهي في هذه الحالة بضاعة صينية ، وأن بعض المنتجات محكمة الغش والتدليس فهي في هذه الحالة عند المصري العبقري تيواني بدليل أن أحد المفكرين والسياسيين الكبار رحمه الله عندما قدم له أحد الملفقين كتابا انبهر به وكتب ملاحظة قوية في صالحه في حين أن الكتاب منقول من بعض كتب الدكتور محمد المسيري وحسن حنفي وغيرهما . مرة أخري ما علينا ، خلينا في حالنا ، فالصراع بين النقل والعقل قد تم حسمه منذ زمن طويل في بلادنا لصالح الثقافة النقلية ، وكل معارفنا مستمدة مما تم انتاجه من معرفة تم انتاجها في الماضي ، ولدينا هيئة معتبرة تسمي هيئة كبار العلماء يقوم علمهم بصفة أساسية علي إعادة تدوير الماضي في حياتنا بلا كلل حتي صار إبداع ماتم إبداعه فيما سبق عملا مشروعا وعقليا أيضا بامتياز إذ يقوم علي إعمال العقل في استخراج الماضي من الماضي ، هل يستطيع أحد في العالم أن يقارعنا في عملية استخراج الماضي من الماضي؟!! ، لا أحد علي ما أظن ، نحن الأمة الوحيدة في العالم التي استطاعت استخراج الماضي من الماضي وتحويله إلي حاضر ثم رحنا نتباهي به بوصفنا خير أمة . مرة ثالثة ما علينا ، فأنا أتحدث عن مختلف أنواع البضاعة التي انتشرت في حياتنا بوصفها بضاعة صيني وهي في الحقيقة ليست صينية ولا يحزنون وإنما هي بضاعة مصرية ، والأكثر إثارة للدهشة أنه لم يعد يتم صياغتها في الخفاء تحت السلم وإنما يتم تلفيقها علنا وها هي ذي معروضة في الأسواق ، المواد الغذائية منها معروضة علي عينك ياتاجر ، والملابس المقلدة معروضة في الفتارين والمواد الفكرية والشعرية والروائية والدينية ليست معروضة فقط بل هي الأسس التي تبني عليها الآن ثقافتنا المعاصرة.
#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مثقفون وعلماء
-
حرب بلا بنادق
-
الجميلة واللص
-
جذر واحد
-
رفع المبتدأ وشنق الخبر
-
الجميلة فيوليت
-
الكذابون
-
أنا لا أعرف
-
سقوط حتمي
-
وردة في شعر الحبيبة
-
البزازة
-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
-
هلوسات
-
لا صوت يعلو فوق صوت المرأة
-
أنا مصري ثم مسلم مسيحي أو مسيحي مسلم
-
فن الشعر وحدودنا البحرية
-
وهم إصلاح الخطاب الديني
-
كيفية صُنع آلهة من العجوة
-
الحشمة ومساءل أخري
-
تمثيلية قتل الزعيم
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|