|
نرمين لاتحزني ذاكرتنا العطرة اقوى من جيفهم
سلام مسافر
الحوار المتمدن-العدد: 1567 - 2006 / 5 / 31 - 10:15
المحور:
الصحافة والاعلام
تدخل " شوارب " غاوي الكثة ، غرفة " الصفحة الاخيرة " على وقع قبقاب عبد الله في الممر المؤدي الى غرفة رئيس التحرير ، وترتفع تعليقات جاسم الزبيدي الساخط دوما على المحررين الذين يطالبونه بالصور بعد ليلة من " الك رنة ياجدر الفوح " ومشاجرة يومية،لاطعم للمزات بدونها ، مع عبد الامير الحصيري . وكان حسام الصفار قد استهلك نصف قاموس الشتائم قبل ان ينتهي من وضع اللمسات الاخيرة على الصفحة ، ليطل وجه سمير مصطفى من خلف الباب ايذانا بان " الجرس قد دق " .وكان نصير النهر غادر قبل ان يهبط الغروب ، وترك قصاصات سمراء بخطه المنمنم الجميل فيها كل " المنوعات " . ويحرص سعود الناصري على اطفاء مصابيح الغرفة واقناع ليلى البباتي بانه لن يتاخر هذه الليلة ، ويحتج عباس البدري الذي سبق الجميع الى الطابق الارضي على التاخير وينفث دخان سيكارته المئة خلال ساعات عمل تمتد من بعد ظهر كل يوم – عدا السبت - الى التاسعة تقريبا حين تكون " الصفحة الاخيرة " تجاورت مع " افاق " و صفحات " الجمهورية " الاخرى ، التي كان محبوها يقولون انها تقرا من صفحتها الاخيرة ، التفوق الذي كان يستفز قدامى الصحافيين في الجريدة ، ويثير تعليقاتهم الخبيثة التي كنا نحفظها عن ظهر قلب ونرددها مقهقهين مع اول نخب .
مات غاوي الفراش ، صاحب الشارب الكث الذي خلده التشكيلي المنتحر في عز الشباب ،ابراهيم زاير ، بتخطيط ظل معلقا على جدران غرفة الرسامين سنوات طويلة ، و كان " الشيخ غاوي " يغيب اياما باجازة شفوية من رئيس التحرير ( سعد قاسم حمودي ) للذهاب الى ( العرب ) في مهمة فصل عشائري . وربما فارق الفراش عبد الله الحياة ، و لااحد يعرف لماذا كان يصر على احتذاء قبقاب خشبي . لكن حركته في ممرات المبنى كانت تعني ان رئيس التحرير وصل الى مكتبه ، فعبد الله لايتحرك الا بامر منه ، فيما كان العم غاوي ، قطاعا عاما .
ومات المصور الفنان جاسم الزبيدي .والناقد سامي محمد ، ومات احبة اخرون ممن عملوا معنا في الجمهورية ، حقبة السبعينات ، الى ان اصدر احمد حسن البكر فرمانا ، بنقل 14 صحافيا من الجريدة الاكثر انتشارا في العراق ، الى وزارت خدمية ( الصحة ، النقل الخ .. ) بتوصية من مكتب الاعلام القومي اثر دراسة ، يشاع ان السفير والكاتب المرموق حسن العلوي ، كان من بين واضعيها ، تاخذ على ( حكومة الثورة ) بعد عشر سنوات من انقلاب 17 – 30 تموز انها لم تتمكن من تاهيل كادر بعثي اعلامي ، يحل محل الصحافيين الشيوعيين ( اعداء الحزب والثورة ) ، وكان شهر العسل بين اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، وقيادة حزب البعث ، قد تحول الى حملة اعتقالات واغتيالات طالت العشرات من كوادر الحزب الشيوعي . وضربت شظاياها المثقفين ممن كانوا اصلا في معارضة " زواج المتعة " بين قادة الحزبين . الا ان النظام الشمولي يعمل وفق قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا . وكنا بالطبع بين الاضداد .
هجر الوطن بعض محرري الجمهورية ممن شملتهم حملة الاقصاء والنقل الى وزارت لاعلاقة لها بالثقافة والاعلام . ورابط اخرون في الوطن ، وكنت اتابع اخبار من هاجر ومن رابط ، وانخرط بعضهم في الة النظام الاعلامية . وحقق مكتب الاعلام القومي خطة " تطهير " الجمهورية من اعداء الحزب والثورة ، ودب في مبنى الجمهورية ، جيل اخر من الصحافيين ، وداست عجلة النظام الكاتب والباحث ( السفير حاليا ) حسن العلوي ، وخفتت الوان الصحيفة ، وبهت بريقها ، لكنها يقيت متميزة عن صحيفة " الثورة " ربما لان روحا خضراء بثت بين اروقة المبنى و ظلت تحوم رغم القمع وسنوات الحروب والحصار ، بل لان " الورثة " كانوا نخبة تربت على تقاليد ثقافية تؤمن بالديمقراطية والتعددية فحافظت على بعض من خصوصية " الجمهورية " .
ولم تنقطع اخبار العاملين في الصحيفة عنا ، ففي كل مرة كنت ازور عمان ، للقاء الاهل والاصدقاء ، كنت " اتسقط " اخبار الزملاء المرابطين في بغداد ، ويصادف ان التقي بعضهم وكانوا يحرصون على سرية اللقاء خوفا من عيون النظام ، وكانت دهشتي عظيمة حين ابلغتني قبية العمر ، التي كنا نستوحي من اطلالتها البهية على " الاخيرة " قصائد الوجد ، ان مكاتب المبنى لم يطرا عليها تغيير كبير، وان مقولة صينية قديمة ، كنت رسمتها على خزانة معدنية في غرفة " الصفحة الاخيرة " ظلت معلقة تقول " كن قادرا على ان تولد في اللحظات الحاسمة " الى ان اختفت لسبب ما .
(منذ ان احتلت بغداد، كنت أمر من امام الجمهورية و اغمض عيني و تأتيني رائحة القهوة التي كنا نحضرها في القسم و اسمع ضحكة تمكنت ان تختبئ في زاوية المبنى و ربما الذاكرة.. احيانا اتذكر الوجوه و اخرى انساها و لكني ما نسيت 13 سنة كنت اكتب خلالها زاوية اسبوعية اسمها (مشاكسة) و ما نسيت الاجتماعات و التعليقات و جرأة ما نطرح.. لم نكن ندعي البطولة انما الغد كان دائما هناك..)
وترسم نرمين المفتي صورة قلمية مرعبة عن مبنى " الجمهورية" (بعد اليوم لن تأتيني رائحة القهوة و لا لحظة الأسى المميزة.. اليوم قررت ان أزور الجريدة التي كانت و المجمع السكني الذي اصبحته بعد ان بقيت لفترة في بداية الاحتلال تحمل قطعة تشير الى ان انها اصبحت من ممتلكات حزب الاتحاد الوطني لجلال الطالباني ) . وتفجر نرمين الاسى واللوعة في قلوبنا جميعا ، من عاصر" الجمهورية" منذ مطلع السبعينات ، ومن عمل فيها حقبة الثمانينات والتسعينات ، ومثل مناحة ام ، تندب نرمين " الجمهورية "
(ما أن دخلت البناية و هاجمتني رائحة نفاذة و نتنة.. مياه آسنة تجمعت في السرداب او الملجأ و الذي كان يضم مكائن الطباعة ... و تراكمت النفايات في الطابق الارضي .. نفايات مختلفة بينها أرشيف الجمهورية و بعض ملفات العاملين و تراكمت النفايات في موقع المصعد و عند الباب الذي كان يؤدي الى الباحة الوسطية ابتكر طفل من الساكنين ارجوحة من الأسلاك.. الصبي و اسمه علي كان يتمرجح راسما ابتسامة بينما الحزن كان يسكن عينيه ) .
اجهز الاحتلال ومقاولوه على المبنى ،مثلما اجهزوا على كل العراق . لكن الذاكرة العطرة لنرمين وزملائها ممن حافظوا على رسالتهم الصحفية النبيلة ، رغم كل المصاعب والاغراءات ، اقوى من همجية المليشيات ، وقنابل الاحتلال .
نرمين لاتحزني ذاكرتنا العطرة اقوى من جيفهم ، ارجوك لاتسالي حكومة الاحتلال الرابعة " مكرمة " او " التفاتة " تعيد البهاء الى المبنى الخرب لانهم اصغر من ان يسالوا واقل من ان تشغلي بالك بهم . فالاحتلال يضمحل ، وعملاؤه يحجزون شققهم في الخارج . ومنك ومنا لايستحقون الا الازدراء .
كاتب وصحافي عراقي مقيم في موسكو * .
#سلام_مسافر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احفاد الكاظم تحت قبة البرلمان
-
ماتم بلا حدود واكاذيب بلا رقيب
-
ما لم تقله كوندي
-
العين الدامية
-
التحرش الانتخابي
-
حكومة السراديب
-
عند جون الخبر اليقين
المزيد.....
-
ترامب يأمر الجيش الأمريكي بتنفيذ ضربات جوية في الصومال
-
تظاهرات في مدن ألمانية ضد سياسة الهجرة المدعومة من البديل
-
نتنياهو: سنواصل العمل لتحقيق أهداف الحرب
-
شاهد.. نيران وحطام طائرة متناثر في الشوارع إثر الحادث الجوي
...
-
مصر.. اجتماع عربي لرفض تهجير الفلسطينيين
-
صحيفة: في الغرب يدركون أن بوتين يعرف نقطة ضعفهم
-
اختفاء معلومات وبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية من
...
-
السودان.. الجيش يعلن استعادة السيطرة على عدة مدن في ولاية ال
...
-
دانماركي يحرق مصحفا أمام السفارة التركية في كوبنهاغن (فيديو)
...
-
واشنطن: يجب إجراء انتخابات في أوكرانيا
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|