|
هدم الأساس العقائدي لمذهب القرآني محمد شحرور
راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.
(Rawand Dalao)
الحوار المتمدن-العدد: 6468 - 2020 / 1 / 18 - 20:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( مُحمد شَحرُور في بضعة سُطور )
قلم #راوند_دلعو
كنتُ قد دخلتُ إلى صفحة الشيخ القرآني الأستاذ محمد شحرور منذ عدة سنوات ، و ناقشتُ عقائده المتناقضة و ذلك من منظور مذهب أهل السنة و الجماعة ، فحاورته بلهجة المدرسة الأصولية السنية التي ينحدر منها و بينت انطلاقاً من ذلك المنظور أن عقائده إن كانت صحيحة فهي تستلزم انتقاصاً للذات الإلهية و إهانة واضحة لشخصية صاحب الرسالة الإسلامية النبي محمد ص .... !
فكتبت له التالي :
[ إن الأساس الأهم للعقائد الجديدة التي اخترعها الشيخ الشحرور ثم ألصقها بالدين الإسلامي هي أنه قسَّم المصحف إلى قسمين ( كتاب و قرآن) ... أي أن المصحف الذي يتداوله المسلمون اليوم يتألف من نصوص تندرج في إطار ما يسمى ( الكتاب) و نصوص تندرج تحت مسمى ( القرآن ) !! و هو تقسيم جديد مُبتدع و قول لم يسبقه إليه أحد من مشايخ الإسلام قاطبة.
و بناء على هذا التقسيم الشحروري الجديد و الغريب فقد يفتح أحدنا المصحف ليقرأ نصوصاً تندرج ضمن نطاق ما هو ( كتاب ) و قد يقرأ نصوصاً تنطوي تحت نطاق ما يسمى ب (القرآن) مع تأكيد الشحرور على أن الكتاب غير القرآن كُلياً !!
فاستلزم ذلك أن يكون القرآن عبارة عن جزء مما هو مسطور بين دفتي المصحف ، أي ليس كل ما كُتب بين دفتي المصحف قرآناً كما أنه ليس كل ما كتب بين دفتي المصحف كتاباً بل بعضه قرآن و بعضه كتاب !
و في ذلك التقسيم أرى إساءةً للذات الإلهية المنزلة للمصحف و إساءةً للرسول و انتقاصاً من دوره و مكانته التشريعية و إساءة للصحابة و هدماً لأساسيات عقائد الإسلام بالكامل، إذ يلزم من تلك البدعة _ على فرض صحتها_ عدة أمور منها :
أولاً ) يؤدي تقسيم الشحرور إلى نتيجة كارثية لا مفر منها و هي أن يصبح القرآن أمراً مبهماً غير معروف المعالم و الحدود ...
و ذلك لأن الشحرور لم يضع ضابطاً واضحاً للتفريق بين ما هو قرآن و ما هو كتاب مما يستلزم التعمية ، إذ بات القرآن مجرد جزء مبهم من المصحف و ليس كله !!
فصار الأمر الإلهي المتواتر باتباع القرآن كما في الآية ( فإذا قرأْنَاهُ فاتَّبِع قرآنه) و غيرها ، عبار عن لغو لأنه يأمر باتباع المبهم !!!
و هذا من شأنه أن يُسقط الألوهية عن الآمر ( الله) و العصمة عن المأمور باتباعه ( القرآن ) إذ لا تُتخيَّلُ العصمة للمجهول مبهم المعالم.
فأسقطَ الشحرورُ بتقسيمه الغريب اللهَ و القرآنَ معاً و بضربة قاضية واحدة دون أن يدري !!
ثانياً ) أضف إلى ذلك عدم وجود أي مستند شرعي واضح لمشروعية التفريق بين ما هو قرآن و ما هو كتاب لا من المصحف و لا السنة و لا تصرفات الصحابة.
لأن هذا التفريق على فرض صحته ليس بالأمر الهيّن ، بل هو أصل كبير في فهم القرآن فلو كان صحيحاً لتوفرت الأدلة المتواترة و التي لا تدعو للشك على قيام الرسول و صحابته بتفسير القرآن بناء على هذا التقسيم.
بل لوجدنا هذا التقسيم مذكوراً بوضوح شديد في المصحف نفسه و في سنة الرسول و استنباطات الصحابة ، فالدعاوى الكبيرة تحتاج إلى أدلة كبيرة ....
فلا يعقل أن يكرر القرآن قصة موسى بتفاصيلها عدة مرات في حين لا يذكر و لا مرة واحدة مسألة تقسيم القرآن التي ستتغير بناء عليها كل الهندسة الفقهية الإسلامية !!!
فمثلاً إن وجوب اتباع ما جاء في المصحف أمر في غاية الأهمية عند المسلمين لذلك نجد النصوص المتواترة التي تحض على ذلك سواء في المصحف نفسه أو في تصرفات الرسول ص ، أو في أفعال الصحابة و طريقة فهمهم و استنباطهم لأحكام الدين.
أما مسألة تقسيم المصحف إلى قرآن و كتاب فلم يرد بها نص واضح مباشر لا في المصحف و لا في السنة و لا أفعال الصحابة ، بالرغم من كونِها ( على فرض صحتها) مسألة غاية في الأهمية لأنها تمثل أساس الفهم السليم للدين وفق دعوى الشحرور ، فلا يُكتفى فيها بدليل ظني أو تأويل بعيد لنص من النصوص التي ذكرت لفظي ( القرآن و الكتاب) .
ثالثاً ) إن كلام الشحرور يستلزم أن رسول الإسلام قد ترك الأمة في حِيرة من أمرها حيث أن الغموض بات يعتري ماهية القرآن ، إذ لم يرد عن صاحب الرسالة كلام يوضح الحد الفاصل بين حدود القرآن و حدود الكتاب كما أسلفت ... و استمر هذا الغموض طيلة حياة الرسول و بعد وفاته لمدة خمسة عشر قرناً و الناس في ضلال يعتقدون أن الكتاب هو نفسه القرآن ، و يعاملون المصحف معاملة واحدة متجانسة من أول سورة الفاتحة إلى آخر الناس ، في حين أن مراد الله حسب الشحرور يختلف بين كتاب و قرآن !!!!
أي أن النبي قد قصّر في توضيح أهم أصل من أصول الإسلام ألا وهو القرآن ، فتركه غائماً مبهماً مما أدى إلى إجماع الأمة على الخطأ و الضلال في اعتقادها بأن القرآن نفسه الكتاب ...
و هنا تسقط جميع النصوص القرآنية التي تمدح النبي محمد .... إذ تصبح لغواً و كذباً .... فكيف يكون على خلق عظيم من يترك أتباعه في أودية من التعمية و التيه و الضلال و لا يوضح لهم أقسام أهم أصول دينهم ( أي المصحف )؟؟؟
فبناء على تأصيل الشحرور نجد أن من يتلو المصحف لا يعرف هل يتلو آيات القرآن أم آيات الكتاب ؟؟؟؟؟؟ و بالتالي فإن صاحب الرسالة محمد هو المتسبب الأول في هذه الكارثة لأنه لم يوضح أنواع المصحف و تقسيماته.
و هنا نجد أن بدعة الشحرور تحول محمداً إلى شخصية مهزوزة و ثانوية جداً في تاريخ التشريع الإسلامي ... فهو عبارة عن وعاء لنقل نصوص المصحف دون أن يعرف تقسيماتها و تفسيراتها الحقيقية ... في حين يلعب الشحرور دور الشخصية المحورية و الأساسية و التي ألهمها الله شيفرة تفسير المصحف و طريقة تقسيمه السليمة إلى كتاب و قرآن ....
فأسقط الشحرورُ محمداً دون أن يدري !!!
رابعاً ) لم يفطن أحد من مشايخ الأمة الإسلامية عبر العصور إلى هذا التقسيم ، ففسروا القرآن بشكل خاطئ ضال نتيجة عدم علمهم بهذا التقسيم المحوري ... فأصابَ الإبهامُ و التحريف كتاب الله و طريقة تطبيقه بشكل واضح و لمدة طويلة كما ذكرت للتو ، و هذا يعني أن الله أنزلَ كلاماً مبهماً يحتاج إلى شيفرة للقدرة على تفسيره بشكل صحيح ألا و هي شيفرة التفريق بين المترادفات ( الكتاب و القرآن) ... لكنه أخَّر توضيح هذه الشيفرة مدة خمسة عشر قرناً و انطلت الخدعة على كل المشايخ في كل العصور فأصّلوا و فرّعوا و قعّدوا و اجتهدوا و أفتوا بناء على معلومات تضليلية دون أن ينتبه أياً منهم إلى الخدعة الكبرى التي وقعت فيها كل الأجيال منذ عهد محمد ، و استمر الانخداع و الضلال إلى أن جاء الأستاذ محمد شحرور بالشيفرة المطلوبة فاكتشف المعاني الحقيقية للآيات و هدم تفاسير السابقين قاطبة !
و هنا يحق لنا التساؤل ... ما الفائدة من بعثة محمد إذن ؟
و ما الفائدة من إنزال القرآن عليه مع حجب الشيفرة المفتاحية لتفسير القرآن عنه ( لأن الكلام غير المفسر عبارة عن طلاسم لا فائدة منها ، بل ضررها أكثر من فائدتها في حالة القرآن حيث استمر المسلمون على فهمه بشكل خاطئ لقرون مما أدى إلى كوارث تشريعية رهيبة من وجهة نظر الشحرور أدت إلى سفك دماء الكثير من الأبرياء و قمع المرأة و إباحة العبودية و و و غيرها !!
فمفاهيم من مثل الجهاد و الحدود كانت تطبق بشكل خاطئ وفق التفسير التقليدي للقرآن مما أدى إلى إهراق الكثير من الدماء ظلماً و عدواناً ) ...
فإن كان كلام الشحرور حقاً استلزم ذلك انتفاء الفائدة من بعثة محمد و تنزيل القرآن عليه و استلزم ذلك أيضاً إهانة و استسخاف كل مشايخ الإسلام المخدوعين منذ عصر محمد إلى عصر الشحرور.
خامساً ) ثم كيف يستقيم أن يكون مُنزل القرآن إلهاً مطلق القدرة و كُلِّي العلم ثم يُنزل كتاباً غامضاً يحتاج لشيفرة خاصة لفكه ، ثم فوق ذلك يزيد الطين بلة بأن يؤخر توضيح هذه الشيفرة مدة ألف و خمسمائة سنة أي إلى عصر الشحرور مكتشف الشيفرة الحقيقية لتفسير القرآن ؟؟؟ كيف يكون مرتكب هذا الفعل إلهاً كامل الأوصاف قديم العلم كلّيّ الحكمة عظيم التدبير ؟
ما الحكمة من تصرف الإله بهذه الطريقة التضليلية لجميع القرون السابقة للشحرور ؟؟؟؟؟
و هنا نلاحظ بأن الأسئلة التي طرحتُها للتو تهدم أساس التصور الإسلامي لمفهوم الكمال المطلق في الخالق و تجعل من تصرفاته عبثية صبيانية بل رعناء تتصادم مع الكمال المُفترض لله.
سادساً ) يستلزم التقسيم الجديد للمصحف و الذي جاء به الشحرور إلى تحول الكثير من نصوص المصحف إلى مجرد لغو و كلام فارغ بلا معنى ! بل يتحول إلى كذب يصادم الواقع.
و إليك المثال التالي عزيزي القارئ ، قال الله في المصحف (و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر) ، فكيف يكون القرآن مُيَسَّراً للذكر و هو مبهم ضائع في الكتاب ، مؤخر التفسير ، مسلوب الشيفرة المفتاحية ؟؟؟؟؟
أين التيسير في إنزال مجموعة حروف و أصوات متتالية غير قابلة للتفسير بسبب انعدام إرفاقها بالشيفرة المفتاحية اللازمة لفهمها ؟ بل أين التيسير في إنزال مجموعة كلمات يؤدي أخذها على ظاهرها _ دون اعتبار الشيفرة التي أنزلت متأخرة على الشحرور _ إلى سفك الدم و قطع الأيادي و الأرجل ظلماً ...
فكل نص في المصحف يتحدث عن عظمة و بلاغة و إعجازية القرآن يصبح لغواً ... لأن المجهول ليس ببليغ و لا مُعجِز ...
كما بنى الشحرور على تقسيمه المبتدع ( قرآن _ كتاب ) فكرة أخرى و هي أن هذا التقسيم يستلزم اختلاف الطبيعة و الأحكام بين الكتاب و القرآن ، فالقرآن سرمدي أزلي من حيث الحجة و الفعالية و القوة التشريعية حسب تقسيم الشحرور ، أما الكتاب فمؤقت و مؤطر بزمن بعثة محمد ص فقط !
و بالتالي لم يعد القرآن ميسراً للذكر حيث أنه لم يعد يتضح الجزء السرمدي منه من الجزء المؤقت ... إذ ضاعت معالم القرآن المُلزِم مع الكتاب غير المُلزِم و اختلفت الأحكام بحسب النوع ، و بالتالي قول الله : (و لقد يسرنا القران للذكر ) صار لغواً لا معنى له ، لأن المبهم غير مُيسَّر ، و لم يتيسر إلا بالشحرور الذي جاء متأخراً مدة خسمة عشر قرناً من الزمان و الذي أُلهِمَ الفرق بين الكتاب و القرآن ............
سابعاً ) كما تنشأ مشكلة عقائدية أخرى عن دعاوى الشحرور من شأنها أن تهدم العقائد الكبرى للإسلام و ذلك عندما يخطر على بالنا السؤال التالي و هو: ما الفائدة من تنزيل كلام مقدس مقيد بالتأقيت بعصر النبي فقط ؟
فلا أرى أي حكمة من إنزال جبريل على محمد ليتلو كلاماً ذا فاعلية محدودة بمدة معينة و متعلقاً بحوادث شخصية تخص النبي وحده بحيث لا يؤخذ منها تشريع لمن بعده ... فمسائل من هذا النوع ينبغي إلهامها للرسول مباشرة لا على سبيل القرآن إذ ما الفائدة من جعلها قرآناً غير ذي حجة و بالتالي إشغال الناس بتلاوة آيات لا علاقة لها بحياتهم و لا واقعهم ؟
ثامناً ) أضف إلى ذلك غفلة الأمة طوال القرون الماضية عن هذا التقسيم الأساسي و الجوهري في فهم الدين ، مما يدل على أن الأمة ليست ( خير أمة أخرجت للناس).
فكيف تكون خير أمة أخرجت للناس و هي لا تعرف أقسام كتاب ربها ؟؟؟؟ كيف تكون خير أمة و هي لا تدري القرآن السرمدي المُلزِم من الكتاب المؤقت منزوع الفاعلية مسلوب القوة التشريعية ؟
فالأمة التي تنتظر رجلاً عادياً _لا هو رسول و لا نبي و لا يوحى إليه _ مثل الشحرور ليفسر و يبين لها مراد ربها من كتابه المُنزل ، هي أمة فاشلة بكل المقاييس و ليست جديرة بأن توصف بخير أمة ، بل جديرة بأن توصف ب (أُمَّة الشحرور) لأنه الشخصية الأهم و التي يدور في فلكها الفهم الحقيقي للدين !
فمن مواصفات خير أمة أن تحفظ كتاب نبيها و تعتني به و توضحه و تقدمه بشكل سليم للبشر بينما نجد وحسب الشحرور أن الأمة غابت عن القرآن الحقيقي بل استنبطت التشريعات الخاطئة و الظالمة من التفسير و الفهم المزيف للقرآن ، و الذي انتشر قبل الشحرور على ألسنة جهابذة المفسرين كالطبري و ابن كثير و القرطبي .... ثم نتج عن ذلك خلط قبيح بين الأحكام الكتابية و الأحكام القرآنية مما أدى لتولد فقه مريض كفقه المذاهب الثمانية السنية و الشيعية ( و ذلك حسب الشحرور) ....
وبالتالي هنا وقعت الأمة في أزمة مع ربها و استلزم من ذلك أيضاً نقص في ذات الله الذي خدع الأمة إذ تأخر في إنزال الشيفرة اللازمة كي تفك غموض تفسير القرآن ، فهذا الإبهام الماكر من الله و التقصير الواضح من رسوله أوقع الناس بالضلال عبر العصور .......
تاسعاً ) يدَّعي الشحرور أن لا ترادف في القرآن و ينسب لشيوخ الأمة الإسلامية أنهم يقولون بالترادف المستلزم لوحدة ذات المعنى و هذا باطل .... فصحيح أن المشايخ أجمعوا على وجود المترادفات في القرآن و لكن لم يدعي أيّاً منهم أن الترادف بلا فائدة ! فكل لفظة في اللغة لها معنى و كل رديف لها لا يخلو من معنى زائداً ....
ولكن النكتة الذهبية التي يتعامى عنها الشحرور هنا هي ( أن الترادف لا يستلزم اختلاف الذات و الجوهر) ، و سأضرب مثالا تفصيلياً يوضح الترادف و يبين ما أقحمه الشحرور مخالفاً لكل الباحثين في اللغة العربية عبر العصور .
فالباحثون أولاً لم يقولوا بالترادف الذي يفيد أن اللفظين يفيدان نفس المعنى تماماً، بل أقروا أن كل لفظ مرادف للفظ يحمل معنى زائداً و لكن ذلك لا يستلزم اختلاف ذات المشار إليه باللفظ ، و هنا تكمن النكتة و البدعة التي اخترعها الشحرور و أقحمها في اللغة العربية ثم فرضها على كتاب الله.
فمثلا في قول الله ( الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين )
نجد أنَّ لفظ (الكتاب) مرادف للفظ (قرآن) ، فأجمع المفسرون على أن لفظة الكتاب تحتوي على معنى زائداً عن المعنى الذي تفيده لفظة القرآن ، و كذلك لفظة القرآن فيها معنىً غير موجود في لفظة الكتاب.
فلفظة (الكتاب) تشير إلى أنه محفوظ في الكتابة ( السطور ) و هذا المعنى غير موجود في لفظة (القرآن) ، كما أن لفظة (القرآن) تشير إلى أنه محفوظ في الصدور و القراءة ، و هذا المعنى غير موجود في لفظة (الكتاب) .
و لكن النكتة الجوهرية هنا هي أن اختلاف الألفاظ لا يستلزم اختلاف الذات ، ففي الآية السابقة لم يفهم أحد من المشايخ أن الكتاب غير القرآن كما ادعى الشيخ الشحرور ......
فكل المشايخ تقريبا يُقرّون باختلاف جزئي لمعاني المترادفات بينما لم يدعي أي شيخ أو مفسر على مر التاريخ أن الذات اختلفت باختلاف اللفظ المترادف المستخدم .....
سأضرب لكم مثالاً يزيد الأمر وضوحاً:
فعندما أقول ( ألف لام ميم ، تلك سرعة السيارة و المتحرك البديع ) ..... فهنا أشرت لسيارتي بلفظة سيارة و لفظة متحرك فهي تسير و تتحرك و لكن ذلك لا يعني أنني أتحدث عن سيارتين أو عن ذات أولى هي سيارة ، و ذات ثانية هي متحرك ، فسيارتي هي نفسها المتحرك ....
و طبعاً هناك معنى زائداً في لفظة سيارة عن لفظة متحرك ، و هناك معنى زائداً في لفظة متحرك عن لفظة سيارة ، و لكن ذلك لا يستلزم اختلاف الذات ..........
الآن و بعد توضيح نقطة التزييف اللغوي الجوهرية و التي بنى عليها الشحرور كل عقائده الجديدة ، نجد أن الشحرور قد أخطأ في ادعائه أن الآية دليل على اختلاف ذات القران عن ذات الكتاب ، حيث ابتدع و خالف بذلك أساسيات اللغة العربية التي تعد المنطلق الأساسي لفهم الدين و تفسيره.
فالمشار إليه واحد في الآية كما فهم كل المفسرون و الباحثون في العربية عبر التاريخ .......
و بهَدم هذه النقطة يتم هدم الفكرة الأساسية التي يبني عليها الشحرور كل تفسيراته المبتدعة ... فلا مجال للتفريق اللغوي بين الكتاب و القرآن من حيث الذات .
و أخيراً أرى أن ادعاء الشحرور بأن القرآن ليس كل المصحف الذي بين أيدينا ، قد قدّم بيّنة واضحة و دليلاً قوياً لكل من أخرج الشحرور من دائرة الإسلام ، فهو يخالف الأمه الإسلامية قاطبة في مفهومه الجديد للقرآن و الكتاب و المصحف.
فقرآن الشحرور يختلف عن قرآن الفرق السنية و الشيعية و الاعتزالية و الخارجية ، فقد جاء بكلام و تأصيل لم يسبقه إليه أحد و يتعارض في مبناه مع لغة العرب و طريقة بنائها.
و لكن لنتساءل ، لماذا يقوم الشيخ الشحرور بهذا التفريق بين القرآن و الكتاب ، و هو يعلم في باطن نفسه أنه يبتدع شيئاً مخالفاً لأساسيات العقيدة الإسلامية ؟
طبعاً الجواب سهل ، و هو أن الشحرور يريد تعطيل آيات المصحف و عدم تفعيلها كما يريد أن يفتح باب إعادة تفسير النص فيما يتفق مع حقوق الإنسان و المبادئ الحداثية ...
فبناء على تقسيمه الجديد جعل كل الآيات الكونية غير التشريعية من نوع القرآن المُلزِم ، ثم أعطاها حكماً أبدياً أي جعلها إلزاميّة في كل العصور ...... و السبب أنه لن يُضطرَّ لتأويلها إذ لا تنطوي الآيات الكونية على أي تشريع ، فلا احتمال لأن يتعارض ظاهرها مع قوانين و مبادئ حقوق الإنسان ، فهي آيات مريحة بالنسبة للشحرور و لا داعي للتكلف في اختراع معان جديدة لها ... لأنها آيات ميتافيزيقية بحتة كالآيات التي تتحدث عن التفكر في الكون و النجوم و الأرض و الحيوان و كذلك قصص الأنبياء السابقين و وصف الجنان و النار و ما إلى ذلك من نصوص غير تشريعية.
لكن من جهة أخرى ، قام الشحرور بأخذ معظم آيات الأحكام و التشريعات التي لم توافق هواه فجعلها من نوع ( الكتاب ) أي أنها غير سرمدية ، فألغى بذلك إلزاميّتها و سلبها قوتها التشريعية العابرة للعصور ...
و الحقُّ يقال ، أن هذه طريقة تقسيم مُبتدعة بل الأُولى من نوعها في تاريخ التشريع الإسلامي كله !
وبناء على هذا التقسيم المُبتدع يأخذ الشحرور الآية الواردة في المصحف الذي بين أيدينا ، فإن أعجبتهُ و اتفق ظاهرها مع ما تُقِرُّه التشريعات الغربية الحداثية و مبادئ حقوق الإنسان ، حافظ على تفسيرها النمطي الموروث و سماها قُرآناً أي جعل حكمها ملزماً في كل العصور ...
أما الآية التي لا تعجبه إذ يراها غير متفقة مع التشريعات الغربية النهضوية الحديثة فيحاول إعادة تفسيرها بناء على تأصيله الجديد لمفهوم الترادف اللغوي بحيث يخرج منها معنى ينسجم مع التشريعات و المبادئ الغربية .... و إن صعُب عليه التلاعب بتفسيرها بشكل بهلواني ، فيُريح رأسَه و يُوفِّر جهده من خلال إدراجها تحت نوع الكتاب لا القرآن، و بذلك يُقصر تأثيرها على عهد النبي فقط أي أنه يجعلها غير مُلزمة !
وبهذا يهدم فاعليّة و تكامُليّة القرآن ليصبح القرآن نصاً زئبقياً غير واضح المعالم وفق التقسيم الجديد الذي اخترعه الشحرور.
فيستطيع الشحروري اليوم تعطيل أي نص في المصحف لا يعجبه بأن يدرجه تحت نوع ال ( كتاب) .... كما يستطيع الشحروري تفعيل الآية التي تعجبه و إعطاءها قوة تشريعية ملزمة في كل العصور من خلال إدراجها تحت نوع ( القرآن) !
و بذلك استطاع الشحرور أن يخلق مذهباً إسلامياً جديداً ... و أن يجتهد اجتهاداً مطلقاً ...
و نلاحظ أن طريقة الدكتور الشحرور مُريحة لكل من يرى العار في القراءة التقليدية للدين الموروث بسبب أحكامها المتناقضة بشكل صارخ مع مبادئ حقوق الإنسان و الحقائق العلمية ، لكنه بنفس الوقت لا يمتلك الجرأة على ترك الدين بشكل كلي حيث ورث عن بيئته تقديس القرآن ... !
فترى هذه الشريحة التي وقعت تحت رحى التناقض السابق طريقة الشحرور مريحة للجمع بين القرآن ( بعد تشويه معناه اللغوي) من جهة و العقلانية و نمط الحياة الغربية من جهة أخرى ...
لكن المُنزلَق الذي وقع به الشحرور هو أنه التفت إلى التفريعات الاستنباطية و لم ينتبه إلى أنه بتأصيله الجديد المُبتدَع هذا قد هدم أساسيات و أصول العقيدة الإسلامية و أساء لذات الرب و للنبي ....
فملخص قصة الشحرور هي أنه رجل لاحظ أن الكثير من نصوص القرآن و السنة تتعارض مع حقوق الإنسان و معطيات العلم الحديث ، فأسقط حجية السنة كاملة ثم اخترع تقسيماً جديداً للقرآن يسمح له القيام بالتالي :
أولا ) إلغاء القوة التشريعية للنص القرآني المتعارض مع العلم بشكل مستحكم من خلال إدراجه تحت مسمى الكتاب.
ثانيا) فتح باب الاجتهاد المطلق في إعادة تفسير المصحف كاملاً بطريقة تتعارض مع أصول التفسير المجمع عليها بين جميع مذاهب الإسلام.
و من التفسيرات الغريبة التي توصل إليها بناء على طريقته تلك ... أن القوامة للمرأة لا الرجل ... و أن للذكر مثل حظ الأنثى لا الأنثيين ، و عدم جواز ضرب المرأة مطلقاً في كل الحالات ، كما أسقط عقوبات السارق و الزاني و المحارب و المرتد و أسقط الحج و الزكاة و الحجاب و الجهاد ...
أي أنه اخترع ديانة جديدة أبعد ما تكون عن الإسلام بمذاهبه الأصولية المتوارثة و المعروفة.
لكن الذي فاته كما أسلفت أن اختراعه لهذه الديانة الجديدة يستلزم انتقاصاً واضحاً لصاحب الرسالة و للذات الإلهية التي ظهرت بمظهر العابثة و المؤخرة للبيان عند الحاجة إليه ، لأن البيان القرآني الحقيقي بالتفسير الموافق لمراد الله قد جاء متأخراً بتأخر الشيفرة التي أُلهمها الشحرور ابن القرن الخامس عشر ... و بالتالي صار الشحرور أهم من شخصية محمد نفسه عند ( الشَّحْرَرْجيّة) أتباع هذا الرجل.
كما أنني أعتقد بأن السبيل الوحيد لمحمد شحرور كي يخرج من السَّقَطَات العقائدية التي نتجت عن تقسيمه للمصحف إلى كتاب و قرآن و ما نتج عن ذلك من إساءة للرب و تهميش لدور الرسول محمد و تسفيه للأمة الإسلامية على مدى خمسة عشر قرناً هو أن يقوم بادّعاء النبوة كي يمنح نفسه سلطة تشريعية تتناسب مع تقسيمه الجديد و استنباطاته الغريبة و المتفردة و المخالفة للموروثات الإسلامية و الأفعال النبوية المتواترة ....
بل لا يكفيه ادعاء النبوة لتنسجم ادعاءاته مع طريقته في التفسير بل لا بد له من نكران نبوءة محمد و وصفه بالشخص العادي الذي أُنزل عليه كتاباً لم يفهمه إلى أن جاء المبعوث الإلهي الحقيقي المسمى محمد شحرور فأوضح المراد من هذا الكتاب !!! ].
ما جاء في هذا المقال يفسر الدعم اللامحدود الذي يحصل عليه الشحرور و أمثاله من الدول الغربية، حيث أن الغرب يتكفل بدعم أي محاولة لإنشاء ديانة أو مذهب جديد ... خاصة إن كان مذهباً إسلامياً ينسجم في رؤيته مع المقومات الحضارية الغربية و لا يدعو للجهاد و لا للعنف .... أي أنه قابل للاندماج مع الحضارة الغربية.
فالفكر الشحروري من شأنه أن يُميع الشخصية الإسلامية و يهدم ثوابتها و يقلم أظافرها و يقتلع أنيابها ليجعلها بلا أي خطورة ثقافية إزاء الثقافات الأخرى ...
فالشحرور برأيي هو محاولة لدمج الإسلام بال Western life style لكن تنقصه النبوءة لتنسجم دعواه مع ذاتها.
فالدين كائن لا يستطيع العيش إلا في عصر السلف فإن أخرجته منه مات ... كالسمكة إذا أخرجتها من الماء ماتت مباشرة ...
فما فعله الشحرور هو أنه حاول إخراج السمكة من الماء ...
فقتلها ...
حاولَ تكوين الدين من جديد و إخراجه من عصر السلف ... فأساء لله و للرسول و للأمة ... أي أنه قتل الدين بهدمه غير المقصود لأساسياته الكبرى....
نعم، فمن الممكن أن يكون الدكتور شحرور قد تفطن لقراءة جديدة للدين الإسلامي بشكل عام و المصحف بشكل خاص بحيث تتوافق بشكل أو بآخر مع مبادئ حقوق الإنسان ، لكن التكلفة كانت هدم الأصول الكبرى التي بني عليها الإسلام و اللغة العربية ، فهو كمن أجاد تنطيط حجر شطرنج على قدميه بشكل بارع و ملفت ! أي أنه عمل جميل ، لكن بلا فائدة و لا اعتراف من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم لأنه يخرق قواعد اللعبة باستخدام حجر شطرنج عوضاً عن كرة القدم المتعارف عليها ... !
هامش:
النقد الموجه لفكر السيد محمد شحرور يصح توجيهه إلى صاحب أي دعوة تلبس لباس الدين ثم تدّعي التجديد بناء على أصول مُبتَدَعة تخالف أصول المذاهب الإسلامية التراثية ( سنة _ شيعة _ خوارج _ معتزلة _ ظاهرية _ مهدوية .... الخ ).
#راوند_دلعو (هاشتاغ)
Rawand_Dalao#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسئلة على مائدة الله و الحقيقة ٣
-
البيان في عدم تواتر القرآن
-
ملاحم غيرت التاريخ
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|