ذاكر حسين عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 6467 - 2020 / 1 / 17 - 15:07
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تحمل الأخبار الاقتصادية والسياسية في هذه الأيام كل يوم مزيدا من صور الانهيار والسقوط لرموز الاقتصاد الرأسمالي من بنوك وبورصات وشركات تأمين, وغيرها من المؤسسات العملاقة التي كانت تمثل إلى وقت قريب أهم عوامل النجاح والتميز للنظام الاقتصادي الرأسمالي, حيث كانت مصدر مباهاة وفخر وإعجاب بقوة رأسمالها وعظم أرباحها, وكثيرا ما قدمها النظام الرأسمالي على أنها الأنموذج الذي يجب أن يحتذى للمؤسسات المالية في جميع دول العالم باختلاف انتماءاته وأيديولوجياته, وامتلكت هذه المؤسسات آلة إعلامية وفكرية ضخمة مكنت لها في قلوب ونفوس كثير من أصحاب الفكر والقرار في شتى البلدان مما جعلها مقصدا لكل طالب ربح, وساع لتحقيق الأمن وتقليل المخاطر.
فبوادر الأزمة ارتبطت بصورة أساسية بالارتفاع المتوالي لسعر الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ عام 2004م, وهو ما شكل زيادة في أعباء القروض العقارية من حيث خدمتها وسداد أقساطها, خاصة في ظل التغاضي عن السجل الائتماني للعملاء وقدرتهم على السداد حتى بلغت تلك القروض نحو 103 تريليون دولار في مارس 2007م, وتفاقمت تلك الأزمة مع حلول النصف الثاني من عام 2007م, حيث توقف عدد كبير من المقترضين عن سداد الأقساط المالية المستحقة عليهم, وكان من نتيجة ذلك تكبد أكبر مؤسستين للرهن العقاري في أمريكا وهما "فانى ماي" و "فريدى ماك" خسائر بالغة حيث تتعاملان بمبلغ ستة تريليونات دولار, وهو مبلغ يعادل ستة أمثال حجم اقتصاديات الدول العربية مجتمعة.
كان كل ما حدث في هذه الأزمة الأخيرة مفاجأة لم تتنبأ بها أجهزة الدول العظمى على الرغم من قوتها وانتشارها والأموال التي تنفق من أجل تطويرها, وقد تكون هذه النظم الرأسمالية معذورة حيث لا يضبطها إلا ضابط المنفعة والربح من وجهة نظر هذه النظم.
وكانت شرارة الأزمة التي عرفت باسم "تسونامى الرهن العقاري" قد اندلعت حين تزايد عدد العاجزين عن سداد قروضهم العقارية في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة المفروضة على أرقام شراء العقارات .......... وأغرى ذلك شركات الرهن العقاري لتقوم بشراء ديون المقترضين مع زيادة الفائدة وبتسهيلات في الدفع, وقامت هذه الشركات بعد ذلك بتقسيم تلك الحزم من القروض إلى أجزاء صغيرة وطرحها في صورة أسهم وسندات مؤسسية وبيعها لكافة المؤسسات والشركات التي تبحث عن عائد إضافي, وعندما انهار السوق العقاري دون أن يتمكن الناس من تغطية قيمة الرهن أو بيع منازلهم فقدت تلك الأسهم قيمتها, وخسرت البنوك التي تحتفظ بها جزءا كبيرا من رأس مالها, وبدأ الهرم كله يتداعى, وأدت إلى هبوط كبير بالبورصات وأسواق المال وهروب المستثمرين من أسواق الأوراق المالية الأوروبية, ويأتي في مركز الأزمة العالم الغربي, وفى القلب منها الولايات المتحدة التي تعصف بها مشكلات اقتصادية لم تشهدها في تاريخها منذ نكسة "الكساد العظيم" في أواخر العشرينات من القرن الماضي, ولم تكن آسيا بمعزل من التأثر.
وجاء تعامل الحكومة الأمريكية مع هذه الأزمة الحادة فعقدت قمة زعماء عشرين دولة (g- 20) يوم السبت في واشنطن 15 تشرين الثاني لبحث تداعيات الأزمة المالية العالمية.
تضم مجموعة العشرين الدول الصناعية السبع الكبرى, بالإضافة إلى دول ذات اقتصادات صاعدة, من أبرزها روسيا والصين والهند والبرازيل, ويمثل حجم اقتصادات مجموعة العشرين نحو 85% من الاقتصاد العالمي. وتوصل زعماء دول مجموعة العشرين إلى اتفاق على تنظيم أسواق المال العالمية, واتخاذ خطوات لوقف التراجع الذي يشهده الاقتصاد العالمي, واتفق المفاوضون على إعلان نهائي, يدعو إلى إصلاحات أساسية في النظام المالي الدولي, وقد وقع القادة على الاتفاق ووعدوا بأن كافة الأسواق المالية والمنتخبات المالية والشركاء في الأسواق يخضعون للتنظيم, فأوضح الرئيس الأمريكي جورج بوش أنه لاشك أن الأزمة المالية التي تواجهها الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم هي أزمة حادة, وإن ما تقوم به هي تعديل النظام المالي ليواكب الأوضاع في القرن الحادي والعشرين".
وأوضح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف "إن النظام المالي الدولي الذي تم وضعه قبل نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد مناسبا, ولابد من إعادة بناء المؤسسات الدولية لتكون شفافة وعادلة وفعالة وقانونية".
وقال الرئيس البرازيلي لويس لولادى سيلفا "أن الأزمة المالية العالمية أوضحت الحاجة إلى بناء مالي عالمي جديد وأنها تمثل فرصة لتغيير النظام القائم".
واتفق القادة المشاركون في القمة على خطة عمل من ست نقاط لإصلاح النظام المالي الدولي وخفر النمو الاقتصاد.
وأهم ملامح هذه الخطة هي:
إصلاح المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي.
الوصول لاتفاق بنهاية عام 2008م تمهيدا لاتفاق عالمي للتجارة.
تحقيق الشفافية في الأسواق المالية الدولية وضمان الإفصاح الكامل عن وضعها المالي من خلال شركات تقوم بمراجعة أدائها.
ضمان عدم دخول البنك والمؤسسات المالية في عمليات شديدة المخاطر.
قيام وزراء المالية في دول المجموعة بوضع قائمة بالمؤسسات المالية التي يمكن أن يؤدي انهيارها إلى تعريض النظام الاقتصادي العالمي إلى مخاطر كبيرة.
تحسين نظام الرقابة المالي في كل دولة.
وإذا نتفكر في أزمة الاقتصاد العالمي في ضوء الشريعة الإسلامية يظهر لنا جملة أمور نعتبرها من خلال الضوابط الشرعية أسبابا للأزمة, ولا يعني ذلك قصر الأزمة على هذه الأسباب.
1- تفشي الربا:
إن المتأمل في هذه الأزمة يجد أن بدايتها هي الحث والتشجيع على الاقتراض بالربا وإثقال كاهل الناس بالقروض الربوية سواء لتأمين احتياجات أساسية كالمنازل ونحوها أو لغيرها من الكماليات والترفيهات. والبنوك تعتمد على الإقراض بفائدة فقط وهو عين الربا. ثم تقوم بعمليات التوريق وتعتمد على بيع الديون, وهي مخالفة شرعية صريحة, حيث نهي الشارع عن بيع "الكالئ بالكالئ" بل وقيام المشترى قبل أن يسدد باقي ثمن العقار ببيعه أو رهنه للحصول على قرض آخر, وهو بيع ما لا يملك. والمتأمل في الإسلام يجد أنه يحرم الربا ويجرمه ويعده من السبع الموبقات- أي المهلكات- فإنه لا يمكن تصور الهلاك والدمار والخراب كجزاء أخروي فقط إنما هو جزاء وعقوبة دنيوية, وإن الحرب التي يشنها الله ورسوله على الاقتصاديات الربوية هي حرب شاملة لا تقف عند حدود البنوك والبورصات بل هي أعم من ذلك, وها هو العالم يشهد آثار هذه الحرب ويعانيها, لكن هل هناك من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؟
2- المضاربات الوهمية:
يقوم الاقتصاد الرأسمالي على المضاربات قصيرة الأجل مثل البيع على المكشوف, والبيع بالهامش, وهي بيوع شكلية وليست إلا مضاربات على أسعار قد تتحقق أو لا تتحقق, وكذلك تعتمد على الإقراض بفائدة للمشترى, وهذه المضاربات لا علاقة لها بـ "المضاربات الشرعية" المعروفة في الفقه الإسلامي, وتعد هذه المضاربات من أخطر آفات اقتصاد السوق. وانتشار شركات المراهنات العالمية مثل : http://www.arabicbookshop.info/?p=162المصدر :
إن هذه الأزمة الأخيرة أثبتت أن ما قدمته الشريعة الإسلامية من مبادئ اقتصادية في تحريم النجش, وبيع الإنسان ما ليس عنده, والميسر, وبيع الغرر والذي يندرج تحته صور كثيرة حيث يصدق على بيع المجهول, وبيع ما لا يملك, وبيع ما لا يقدر على تسليمه وغيرها من الصور لهو الضمان الحقيقي من حدوث مثل هذه الكوارث والأزمات.
3- بيع الديون:
من أهم فضول الأزمة الراهنة قيام البنوك بتوريق الرهون العقارية وكذلك القروض المتعثرة وبيعها في صورة سندات, حيث قامت البنوك بعرض بيع خداعي لهذه الرهون العقارية شبه الممتازة على مؤسستي "فريدى ماك" و "فانى ماى" حيث قامتا بوضعها في مجمعات من الرهون العقارية وبيعها إلى صناديق استثمارية وإلى عامة الجمهور على كونها استثمارات رفيعة الدرجة تتميز بحد أدنى من المخاطر.
4- عمليات الخداع:
تقوم عمليات البنوك والبورصات على أساس الخداع والتضليل, والحقيقة أن الأزمة الأخلاقية من أكبر الأسباب التي أدت إلى الانهيار الاقتصادي, إذ تعرى النظام الرأسمالي من دعاوى الصدق والأمانة والجودة والإتقان, وظهر بمظهره الحقيقي من الجشع والغرر والكذب والاحتيالات وهى الأزمة التي عصفت بكبرى شركات الطاقة.
خلاصة القول:
إن النظام الاقتصادي الإسلامي هو وحده العلاج الناجع والواقي من حدوث الأزمات الاقتصادية لأنه ينظر للفرد والجماعة معا, ولا ينتظر وقوع الأزمات حتى تتدخل الحكومات بل يقي أصلا من وقوعها, كما أنه يحرم الملكية الفردية ولا يكبتها كما في النظام الاشتراكي, ويؤهلها لتنمو في حضن القيم الإيمانية, فلا غش ولا تدليس ولا احتكار ولا ربا ولا مقامرة ولا غبن ولا استغلال كما هو عليه نظام اقتصاد السوق, فهو قد منع كل مسببات الأزمات الاقتصادية, فقد نص على أن يكون الذهب والفضة هو النقد لا غير, وأن إصدار الأوراق النائية يجب أن تكون مغطاة بالذهب والفضة لكامل القيمة وتستبدل حال الطلب وبذلك فلا يتحكم نقد ورقي لأية دولة بالدول الأخرى, بل يكون للنقد قيمة ذاتية ثابتة لا تتغير, ومنع الربا سواء كان ربا نسيئة أو فضل, وجعل الإقراض لمساعدة المحتاجين دون زيادة على رأس المال, وحرم تداول الأوراق المالية والسندات والأسهم الناتجة عن العقود الباطلة, وحرم وسائل النصب والاحتيال التي تبيحها الرأسمالية بدعوى حرية الملكية.
ومنع الأفراد والمؤسسات والشركات من امتلاك ما هو داخل المملكة العامة, كالبترول والمعادن والطاقة والكهرباء المستعملة في الوقود, وجعل الدولة تتولاها وفق الأحكام الشرعية, وهكذا فقد عالج النظام الاقتصادي الإسلامي كل اضطراب وأزمة في الاقتصاد مما يسبب شقاء الإنسان, فهو نظام فرضه رب العالمين الذي يعلم ما يصلح مخلوقاته "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".
موقع اسكد زاد للبحوث العلمية
[URL="http://www.askzad.com/"]موقع اسكد زاد للبحوث العلمية [/URL]
#ذاكر_حسين_عبد_الله (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟