أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رواء محمود حسين - خاطرة في الحب















المزيد.....

خاطرة في الحب


رواء محمود حسين

الحوار المتمدن-العدد: 6467 - 2020 / 1 / 17 - 10:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وساقتني تأملاتي في الحب إلى دراسة حكمة الحب، وما وجدته أن ابن حزم، العالم الأندلسي الشهير قد خصص دراسات عن الحب في كتابه: " طوَّق الحمامة في الألفة والآلاف"، وذكر في " باب علامات الحب" أن للحب علامات ينتبه إليها الإنسان الفطن، ويعرفها الذكي. فأولها إدمان النظر؛ والعين باب النفس المتطلعة إلى الحب، وهي المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها، والمعربة عن بواطنها. فترى الناظر لا يطرف، ينتقل بتنقل المحبوب وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال، كالحرباء مع الشمس، فما يكاد المحب يقبل على سوى محبوبه ولو تعمد ذلك، وإن التكلف واضح جداً على المحب وهو يتبين لمن يلحظه فيه؛ والإنصات لحديثه إذا حدث، واستغراب كل ما يأتي به ولو أنه عين المحال وخرق العادات؛ وتصديقه وإن كذب؛ وموافقته وإن ظلم؛ والشهادة له وإن جار، واتباعه كيف سلك وأي وجه من وجوه القول تناول؛ ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع اسمه فجأة. ومنها أن يجود المرء يبذل كل ما كان يقدر عليه مما كان يمتنع به قبل ذلك، كأنه هو الموهوب له والمسعي في حظه، كل ذلك ليبدي محاسنه ويرغب في نفسه؛ فكم بخيل جاد، وقطوب تطلق، وجبان تشجع، وغليظ الطبع تظرف، وجاهل تأدب، وتفل تزين، وفقير تجمل، وذي سن تفتى، وناسك تفتك، ومصون تهتك، ومنها الإسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه؛ والتعمد للقعود بقربه والدنو منه؛ واطراح الأشغال الموجبة للزوال عنه، والاستهانة بكل خطب جليل داع إلى مفارقته؛ والتباطؤ في المشي عند القيام عنه ومنها بهت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغتة.
(أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ): "رسائل ابن حزم الأندلسي"، المحقق: إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الجزء: 1 - الطبعة: 1، 1980، الجزء: 2 - الطبعة: 2، 1987، الجزء: 3 - الطبعة: 1، 1981، الجزء: 4 - الطبعة: 1، 1983م، وتنظر دراسات ابن حزم عن الحب أعلاه في: 1/ 103- 105).
ويذكر ابن حزم أن هذه العلامات المتقدمة عن الحب تكون قبل استعار نار الحب وتأجج حريقه، وتوقد شعله واستطارة لهبه. فأما إذا تمكن وأخذ مأخذ فحينئذ ترى الحديث سراراً، والإعراض عن كل من حضر إلا عن المحبوب جهاراً. ومن علاماته وشواهده الظاهرة لكل بصر: الانبساط الكثير الزائد [في المكان الضيق] والتضايق في المكان الواسع، والتعمد لمس اليد عند المحادثة، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما، وكثرة الغمز الخفي، والميل بالاتكاء، ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة، وشرب فضلة ما أبقى المحبوب في الإناء، وتحري المكان الذي يقابله فيه. ومنها علامات متضادة، وهي على قدر الدواعي والعوارض الباعثة والأسباب المحركة والخواطر المهيجة. والأضداد أنداد، والأشياء إذا أفرطت في غايات تضادها، ووقفت في انتهاء حدود اختلافها تشابهت، قدرة من الله عز وجل تضل فيها الأوهام. فنجد المحبين إذا تكافئا في المحبة وتأكدت بينهما تأكداً شديداً كثر تهاجرهما بغير معنى، وتضادهما في القول تعمدا، وخروج بعضهما على بعض في كل يسير من الأمور، وتتبع كل منهما لفظة تقع من صاحبه وتأولها على غير معناها، كل هذه تجربة ليبدو ما يعتقده كل واحد منهما في صاحبه. فهذا الثلج إذا أدمن حبسه في اليد فعل النار، ونجد الفرح إذا أفرط قتل، والغم إذا أفرط قتل، والضحك إذا كثر واشتد أسال الدمع من العينين. وهذا في العالم كثير.
(ابن حزم: "رسائل ابن حزم الأندلسي"، 1/ 105 – 106).
ومن علامات الحب حب الوحدة، والأنس بالانفراد، ونحول الجسم دون حر يكون فيه، ولا وجع مانع من التقلب والحركة والمشي؛ دليل لا يكذب، ومخبر لا يخون عن علة في النفس كامنة. والفرق بين الهجر الناتج عن خصام الحب وبين حقيقة الهجرة والمضادة المتولدة عن الشحناء والتشاجر، كما يوضح ابن حزم، سرعة الرضى، أننا نرى المحبين قد بلغا الغاية من الاختلاف الذي لا تقدره يصلح عند الساكن النفس السالم من الأحقاد في الزمن الطويل، ولا ينجبر عند الحقود أبداً، فلا تلبث أن تراهما قد عادا إلى أجمل الصحبة، وأهدرت المعاتبة، وسقط الخلاف، وانصرفا في ذلك الحين بعينه إلى المضاحكة والمداعبة، هكذا في الوقت الواحد مراراً. وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ولا يدخلنك ريب ألبته ولا تتمار في أن بينهما سراً من الحب دفيناً، واقطع فيه قطع من لا يصرفه عنه صارف. ودونها تجربة صحيحة وخبرة صادقة. هذا لا يكون إلا عن تكاف في المودة وائتلاف صحيح، وقد لاحظ ابن حزم ذلك كثيراً. ومن علامات الحب أيضاً أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب، ويستلذ الكلام في أخباره، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها، ولا ينهاه عن ذلك تخوف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر، وحبك الشيء يعمي ويصم. فلو أمكن المحب ألا يكون حديث في مكان فيه إلا ذكر من يحبه لما تعداه. ويعرض للصادق المودة ان يبتدئ في الطعام وهو له مشته فما هو إلا وقت ما يهتاج له ذكر من يحب صار الطعام غصة في الحلق وشجى في المريء، وهكذا في الماء، وفي الحديث، فإنه يفاتحك مبتهجاً، فتعرض له خطرة من خطرات الفكر فيمن يحب، فتستبين الحوالة في منطقه، والتقصير في حديثه، وآية ذلك الوجوم والإطراق وشدة الانغلاق، فبينما هو طلق الوجه خفيف الحركات صار منطبقاً متثاقلاً حائر النفس جامد الحركة يبرم من الكلمة ويضجر من السؤال.
(ابن حزم: "رسائل ابن حزم الأندلسي"، 1/ 107- 108).
ومن علامات الحب أنك ترى المحب يحب أهل محبوبه وقرابته وخاصته حتى يكونوا أحظى لديه من أهله ونفسه ومن جميع خاصته. والبكاء من علامات المحب ولكن يتفاضلون فيه، فمنهم غزير الدمع هامل الشؤون تجيبه عينه وتحضره عبرته إذا شاء، ومنهم جمود العين عديم الدمع، وأنا منهم. ومن أعراضه الجزع الشديد والحيرة المفظعة تغلب عندما يرى من إعراض محبوبه عنه ونفاره منه، وآية ذلك الزفير وقلة الحركة والتأوه وتنفس الصعداء. ويعرض للمحب القلق عند أحد أمرين: أحدهما عند رجائه لقاء من يحب فيعرض عند ذلك حائل. ويذكر ابن حزم أنه يعلم بعض من كان محبوبه يعده الزيارة، فما كنت أراه إلا جائياً وذاهباً لا يقر به القرار ولا يثبت في مكان واحد، مقبلاً مدبراً قد استخفه السرور بعد ركانة، وأشاطه بعد رزانة. يذهب تحامله إن رجا العفو، وإما أن يصير القلق حزناً وأسفاً إن تخوف الهجر.
(ابن حزم: "رسائل ابن حزم الأندلسي"، 1/ 110- 111).
ومن علامات الحب مراعاة المحب لمحبوبه، وحفظه لكل ما يقع منه، وبحثه عن أخباره حتى لا يسقط عنه دقيقه ولا جليله، وتبعه لحركاته. حتى أننا نرى البليد يصير في هذه الحالة ذكياً، والغافل فطناً. ويروي ابن حزم هذه الحكاية، فيقول: ولقد كنت يوماً بالمرية قاعداً في دكان إسماعيل بن يونس الطبيب وكان بصيراً بالفراسة محسناً لها، وكنا في لمة، فقال له مجاهد بن الحصين القيسي: ما تقول في هذا وأشار إلى رجل منتبذ عنا ناحية اسمه حاتم ويكنى أبا البقاء، فنظر إليه ساعة يسيرة ثن قال: هو رجل عاشق، فقال له: صدقت: فمن أين قلت هذا قال: لبهت مفرط ظاهر على وجهه فقط دون سائر حركاته، فعلمت أنه عاشق وليس بمريب.
(ابن حزم: "رسائل ابن حزم الأندلسي"، 1 / 113 – 114).



#رواء_محمود_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاطرة في الصداقة
- سبعة أيام في باشاك شهير ( قصة قصيرة )
- جاء الإسطواني ( قصة قصيرة)
- محسن مهدي في مأزق
- أمبرتو إيكو ملاحظات حول كتابة الرواية
- باولو كويلو ( الخيميائي) الذي نجح أخيراً
- طه عبد الرحمن في كتابه: - دين الحياء -
- الحداثة والإيديولوجيا
- جلبرت سينويه وروايته (ابن سينا أو الطريق إلى أصفهان)
- قراءة في كتاب مارتن هيدجر - الفلسفة، الهوية والذات -
- سؤال المنهج: الحلقة الأولى
- ماكس فيبر وإقتصاديات الحداثة
- هل هناك منهج واحد للحداثة؟
- أطياف جان جاك روسو ( 3 ) في التفاوت بين الناس
- أطياف جان جاك روسو ( 2 ) في العقد الإجتماعي
- أطياف جان جاك روسو ( 1 ) مكانة روسو في الأنوار الأوربية
- في الجدوى الإجتماعية: جدال حول المعيارية
- تاريخية مفهوم اللذة والطبيعة الإنسانية الكونية
- نقد فلسفة التحطيم الحداثية
- السياق الإيديولوجي للعقل الحديث واختلاف البنية الثقافية


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رواء محمود حسين - خاطرة في الحب