|
من قتل رياض البكري ومن جرّ على العراق كل هذا الخراب (2)
محمد يعقوب الهنداوي
كاتب
(Mohamed Aziz)
الحوار المتمدن-العدد: 6463 - 2020 / 1 / 12 - 18:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في نيسان 1977 صدر العدد الجديد من جريدتنا "وحدة القاعدة" وكان فيه، الى جانب مقالات ودراسات عديدة، مقالته الافتتاحية التي تضمنت انتقادات مباشرة وصريحة لجماعة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني كان أهمها:
• ان جماعة جلال الطالباني تتسرع في محاولة تأسيس مناطق نفوذ ثابتة لها تحت مسمى مناطق "محررة" في وقت كانت الحركة في بداياتها الأولى وتعاني من الضعف الشديد والعزلة شبه المطلقة عن المجتمعات المحلية المرعوبة من سطوة البعثيين وطغيانهم وشراستهم اللامحدودة في القمع والتنكيل بالفلاحين الفقراء في أعقاب اتفاقية الجزائر وانهيار الحركة المسلحة بقيادة بيت البارزاني.
وكان هذا التوجه المتسرع يعني لزوم توفير إمكانيات عسكرية كبيرة نسبيا للدفاع عن تلك المناطق، وهذا، بدوره، يستلزم بالضرورة إيجاد مصادر للتمويل والتسليح والدعم اللوجستي وهو ما لن تستطيع الحركة توفيره الا بالاعتماد على دعم الدول المجاورة ودعوتها للتدخل المباشر في شؤون الشعب الكردي مجددا مما سيجرّ الى كوارث جديدة سيدفع الشعب ثمنها.
وفي الواقع، ستثبت الأيام صحة هذا التحليل تماما إذ توجّب على جماعة جلال الطالباني الدفاع عن "مناطقها" تلك رغم محدوديتها وصغرها وانزوائها في بعض المغاور الجبلية النائية على الحدود الإيرانية، ليس بوجه القوات الحكومية فقط، بل وبوجه خصومها الأكثر شراسة وحقدا، وهم جماعة بيت البارزاني التي كانت تحظى بدعم المخابرات التركية وجهات أخرى، وترتب على ذلك معارك طاحنة دامت لأكثر من عشرين عاما راح ضحيتها عشرات الألوف من الأبرياء وتدمير آلاف القرى وتشريد أهلها، ولا زالت أحقادهم قائمة الى اليوم.
• ان الجماعة كانت تستعجل الانتشار وتوسيع نفوذها من خلال الاعتماد على والتحالف مع الاقطاعيين والأغوات الذين كانوا متحالفين مع السلطة البعثية أصلا، وترتب على ذلك أن تحولت مفارز الحركة المسلحة لجماعة الاتحاد الوطني الكردستاني الى أداة قمع محلية إضافية بيد أولئك الاقطاعيين والأغوات ضد الفلاحين والرعاة الفقراء مما زاد من شراستهم وسطوتهم، حتى ان جماعة جلال الطالباني قامت، نيابة عن الإقطاعيين والشيوخ وقوى الرجعية الدينية المتنفذة في القرى الكردية، بتنفيذ أحكام اعدام بحق أي فلاح يعترض على سلوك شائن أو اعتداء من قبل الاقطاعي المتنفذ في منطقته.
وكان هذا سيعيد نفس الدورة القديمة للظلم الاجتماعي واضطهاد الفلاحين الفقراء رغم دعاوى جلال الطالباني وعصبته "الماركسية اللينينية" الزائفة بالدفاع عن هؤلاء.
• ان مفارز جماعة جلال الطالباني كانت تدخل القرى الكردية عنوة وتفرض على أهلها استضافتهم وتقديم الطعام والتبغ والأتاوات وغير ذلك من طلباتهم التي لا تنتهي (بل وكانت تصل حدّ الاعتداءات الجنسية بعض الأحيان) مع ان أهالي تلك القرى كانوا فقراء أصلا لا يمتلكون سوى لقمة يومهم غالبا.
وحصل مرة في بعض قرى منطقة (قره داغ) ان نزلت إحدى مفارز "العصبة الماركسية اللينينية الكردستانية" الجلالية ضيفا اجباريا على بيت معزول لأحد القرويين الأكراد الفقراء ولم تكن الأسرة تمتلك سوى نعجة واحدة وصغيرها، وكانت الأسرة تعتاش، الى جانب ما تدره عليها زراعتها الضئيلة، على حليب تلك النعجة وما تصنعه منه من لبن وجبن وزبد وغيره.
لكن رئيس المفرزة (رفيق آرام الجلالي) "اشتهى" في ذلك اليوم أن يأكل لحما لأنه لم يكن قد ذاق اللحم لبعض الوقت، فقرر ذبح النعجة، ومع كل اعتراضات الاسرة وبكاء طفلتهم التي كانت تعشق نعجتها، قام مسلحو جلال الطالباني بذبح النعجة وأكلوا من لحمها ما استطاعوا وأخذوا الباقي معهم ولطخوا الطفلة بدم النعجة المذبوحة وهم يضحكون، بل وظلوا يروون تلك القصة بعضهم لبعض ويتندرون بها، ويروون وهو يضحكون كيف ان الطفلة كانت تبكي وتتمرغ بدم نعجتها المذبوحة.
كان هذا أحد المشاهد الكثيرة التي استفزت الشهيد رياض البكري ورفاقه وطالب هو شخصيا بالكتابة عنها وفضحها وببحثها مع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني في اجتماعاتنا الدورية معهم بدمشق.
وفي الحقيقة، كانت كل الانتقادات التي تضمنتها تلك الافتتاحية هي مواقف وآراء رياض البكري في الأساس.
إضافة الى ذلك، كان أولئك الأهالي يخافون من انتقام السلطة البعثية منهم إذا ما وصلت أخبار تلك "الاستضافة" الاجبارية وحلول المقاتلين المسلحين في قراهم، الى معسكرات الجيش والجحوش القريبة، وكان جواسيس السلطة ومخبروها ينتشرون في كل القرى تقريبا وينقلون ما يحصل فيها، ولم تكن التبليغات عن المفارز المسلحة الجوالة تفوتهم بطبيعة الحال فينقلون أخبارها إما عن طمع أو عن خوف، وكانت النتائج دائما هي أن تصل قوات السلطة الى القرية لتنتقم من أهلها في حين يفرّ المسلحون الى الجبال والوديان ويدفع القرويون وحدهم ثمن العقوبة دون أن يكون هناك من يحميهم.
• كانت وزارة التربية العراقية تقوم بتوزيع الكتب المدرسية باللغة العربية على أهالي ومدارس تلك القرى ضمن سعيها الدائب والحثيث لفرض سياسة التعريب الشوفينية ومنع التدريس باللغة الكردية.
وفي المقابل، كانت مفارز جماعة جلال الطالباني تقوم بجمع تلك الكتب واحراقها في مراكز القرى وعلى مرأى ومسمع من الجميع.
وكان موقفنا في جماعة "وحدة القاعدة" هو رفض تلك الممارسات لأن ما تقوم به جماعة جلال الطالباني كان استكمالا لما يقوم به البعثيون، فبينما كانت السلطة تحرم الطفل الكردي من التعلم بلغته الأم، كانت جماعة جلال الطالباني تحرمه من التعلم باللغة العربية التي كانت اللغة الرسمية في البلاد شئنا أم أبينا، وعليه كان الطفل الكردي يُحرم بسبب ذلك من الدراسة فينشأ أميا جاهلا يعجز عن تطوير نفسه أو التواصل مع بقية مناطق العراق.
وهذا أيضا ستتجسد اضراره الكبيرة لاحقا في الإنعزالية القومجية التي فرضتها الحركة المسلحة الكردية على شعبنا الكردي والى اليوم.
في تلك الفترة كنا قد اتفقنا مع جماعة جلال الطالباني (ومساعديه الرئيسيين: فؤاد معصوم (الرئيس الحالي) وكمال خوشناو ونو شيروان مصطفى وعادل مراد)، على تشكيل لجنة تنسيق لبحث آفاق التعاون بيننا وتلافي التعارضات الشديدة والتصادم المسلح بين الجانبين بما يحفظ سلامة مفارزنا على الأرض.
كانت تلك اللجنة تجتمع كل اسبوع تقريبا في ما كان يعرف بمقر "التجمع الوطني العراقي" بدمشق. وكنت أحضر تلك الاجتماعات غالبا ممثلا عن جماعة "وحدة القاعدة" الى جانب مسؤول "لجنة تنظيم الخارج" وهو عادل عبد المهدي المنتفجي، الذي صار من اعمدة التنظيمات الاسلامية الوسخة لاحقا وهو اليوم دمية بيد عمار الحكيم ورئيس وزراء العراق.
وكان يحضر أيضا الى تلك الاجتماعات من جانبنا أحيانا حازم النعيمي أو فاضل ملا محمود رسول، وهو ابن عم فاروق مصطفى رسول، مدير وشريك الملكية مع بيت جلال الطالباني في شركة آسيا سيل للاتصالات حاليا.
وعمل فاضل ملا محمود رسول لاحقا بتكليف من المخابرات العراقية على استدراج الدكتور عبد الرحمن قاسملو، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني آنذاك، الى اجتماع وهمي في فينّا عاصمة النمسا حيث تم قتله بسبب ورود أخبار عن احتمال اتفاقه على هدنة مع الحكومة الايرانية آنذاك، وهو ما لم تكن المخابرات العراقية ترغب به.
وتم في نفس الكمين قتل فاضل ملا محمود رسول أيضا، وكان عرّاب هذه المؤامرات والصفقات الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلّلا الذي وضع نفسه في خدمة المخابرات العراقية بشكل تام.
وعودة الى أصل الموضوع عن علاقتنا واجتماعاتنا "التنسيقية" مع حزب جلال الطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني)، كان طبيعيا أن يتلقى كل من الطرفين ما كان يصدر عن الطرف الآخر من منشورات وصحف قبل تلك اللقاءات للتباحث في ما تطرحه صحافتنا من مواقف، لكننا كنا نحرص دائما على أن تصل جرائدنا ومنشوراتنا الى مفرزتنا المسلحة في كردستان لتقوم بتوزيعها هناك قبل توزيعها في أي مكان آخر لعدد من الأسباب المدروسة جيدا.
لم تكُ الانتتقادات التي حملتها جريدتنا "وحدة القاعدة" يومذاك جديدة بل سبق ترديدها والتشديد عليها مرارا وتكرارا من قبلنا من قبل، لكنها جاءت هذه المرة بصيغة مشددة وموقف متكامل واضح يحمل من الادانات والأدلة ما لا يمكن اغفاله، وكانت اصداء ذلك الموقف قد بدأت تؤثر بالفعل حتى على الكوادر الجيدة في أوساط جماعة جلال الطالباني ذاتها فأخذت تثيرها في نقاشاتها اليومية.
وفي اللقاء التالي على صدور ذلك العدد من "وحدة القاعدة" كان الجو متوترا جدا وحاسما.
لم يكن جلال الطالباني حاضرا يومذاك بل ناب عنه فؤاد معصوم الذي قال بعصبية مفرطة وبما يشبه الصراخ:
- كاكا... اسمعوني جيدا وبلا حوار ولا نقاش ولا مفاوضات. مسلحونا حاصروا مفرزتكم وسنقتلهم جميعا اذا لم تسحبوهم من كردستان خلال اسبوع...
انتهى الاجتماع "التنسيقي" بهذا الإنذار العاصف الذي لا يقبل اللبس! ولم يكن لدينا الكثير من الوقت لنبدّده بينما كانت حياة رفاقنا في خطر محدق وكنا نعرف شراسة خصمنا ودمويته، واذا كان فؤاد معصوم الذي يبدو حملا وديعا ويكثر الحديث عن الأخلاق والفلسفة قد كشّر عن أنيابه القبيحة هكذا فما بالكم بباقي زمرته من الذئاب...؟
لم تدم حواراتنا الداخلية طويلا قبل أن نتفق على ترتيب لانسحاب رفاقنا بأمان ودون المجازفة بأي منهم، فأوصلنا رأينا لهم من خلال تنظيمنا السري في مدينة السليمانية فاقترحوا هم، بالمقابل، أن نستغل ما تبقى من العلاقة الودية مع جماعة جلال لكسب بعض الوقت ريثما يتسرب بعضهم الى المدن. ومن لا يستطيع ذلك لأي سبب كان فسنطلب من جماعة جلال الطالباني ذاتهم أن يساعدوهم على الانتقال الى لبنان.
وهكذا كان فعلا اذ تسرب عدد منهم الى السليمانية واستطاعوا الاختباء عن أنظار السلطة بمعونة أهلهم ومعارفهم، وطلب خمسة منهم الخروج الى لبنان، وهو ما تولى شأنه عادل مراد، أما الشهيد رياض البكري فاختفى دون علم أحد ليظهر لاحقا في بغداد ويتصل بنا من هناك...
لكن الشخصين الوحيدين الذين كانا يعرفان إسمه الحقيقي وأسرته وعنوان بيته وأماكن تواجده ببغداد هما فاضل ملا محمود رسول وعادل عبد المهدي المنتفجي، وسيتضح عما قريب أن كليهما كانا يعملان لصالح المخابرات البعثية الفاشية في بغداد
(وللحديث تتمة.... )
#محمد_يعقوب_الهنداوي (هاشتاغ)
Mohamed_Aziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قتل رياض البكري ومن جرّ على العراق كل هذا الخراب (1)
-
نشأة الكون ودور المرأة في الحضارة وظهور الأديان
-
الثورة التي لا تضع قضايا المرأة في صدارة أهدافها لا أمل لها
...
-
العائلة ومؤسسة الزواج ومستقبلها بين العلمانية والدين
-
هذه هي القيادة المؤهلة لثورة شعبنا وهذا هو برنامجها
-
ثورة أهل الجحيم - شعر الزهاوي العظيم
-
أسلحة قادتنا تطلق للخلف (6) مذكرات شيوعي
-
القوميون أعداء شعوبهم وأوطانهم (5) - مذكرات شيوعي
-
تماهي الشيوعيين مع الممارسات الفاشية (4) مذكرات شيوعي
-
السجن والحرية والقبلة الأولى (3) مذكرات شيوعي
-
رسائل الضبع وعواقبها (2) مذكرات شيوعي
-
الحقيقة دائما ثورية (1) مذكرات شيوعي
-
المَوتُ مَعْشُوقي
-
تاريخ علم المسرح
-
مصائب المرأة في الشرع الاسلامي
-
لولا الهوس الجنسي لاضمحلّت العمائم
-
الحياة اليومية بين العلمانية والدين
-
حدائق الدهشة - ملحمة الخلق
-
الحزب الشيوعي العراقي وتخريب الوعي الطبقي
-
أُرجوحًةُ الضائعين
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|