|
الحوار/المظاهرة... وموضة الإساءة إلى السوريين
إياد العبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 11:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
" لقد جعلتني أشعر وكأني في مظاهرة ". بهذه الجملة أنهى جوزيف عيساوي، مقدم برنامج " قريب جداً " على قناة الحرة، حواره مع الممثل السوري زهير عبد الكريم حول الشاعر والمسرحي والراحل الكبير محمد الماغوط؛ وذلك بعد أن ختم عبد الكريم هذا الحوار بإبراز صورة تجمعه وأبيه مع الرئيس السوري بشار الأسد، وهو يردد كلام الاعتزاز كونه تحت قيادته. وبالفعل، فقد اجتمعت في هذا اللقاء كل العناصر التي أخذت تسم المظاهرات المبرمجة التي درج القائمون على الأمر في سوريا على تسييرها في السنوات الأخيرة. فالصور، والتخوين للمعارضة، وتمجيد القيادة، والمماهاة بين سورية ونظامها السياسي، والأمن، وكذلك الهتيف،... كل هذا، وغيره، كان حاضراً. ويبدو أن هذه المظاهرة الإعلامية كان قد رتب لها مسبقاً ولم تأت في سياق الحوار أثناء البرنامج. فزهير عبد الكريم يخبرنا صراحة أنه كان عند رستم غزالي قبل قدومه إلى البرنامج، وأنه قام بإخباره بكل ما يريد قوله. وبالتالي فإن ما قيل، كان سيقال بغض النظر عن الوجهة التي قد يأخذها الحوار. ومن هنا فإن ما ورد من إساءات وتهم جاهزة للمثقفين السوريين، لم يفلت منها حتى الماغوط،كان مقصوداً ومدبراً، وخصوصاً أن هذه قد غدت سنّة متبعة من قبل النظام السياسي السوري الذي أعلن زهير عبد الكريم انتماءه المطلق له، وبشكل يتساوى معه الانتماء لسورية جمعاء. وهو ما أكده في أكثر من موضع من حديثه، ولو أنه سيبرز بوضوح أكثر في أحد أقواله التي تعكس بصدق الاتجاه الانتمائي، الذي يراد للوطنية السورية أن تسير به حتى تغدو كذلك، إذ يقول: " أنا سوري، أنا بعثي عضو عامل، أنا أحب الأمن والشرطة..". وحتى يبدو هذا من طبائع الأمور يطابق يبنه وبين الماغوط حين ينسبه إلى ذات الهوى الأمني، البوابة التي لابد من المرور بها للوصول إلى رحاب "الوطنية"؛ فمحمد الماغوط أيضاً " يحب رجال الأمن وهم يحبونه، وكان دائماً يستقبلهم ويأتون لعنده، وينبسط معهم". ولا يسع المرء المتابع هنا إلا أن يتساءل عن مغزى الكتاب/ الإنذار، بلغة زكريا تامر، "سأخون وطني"؟ أليس الوطن الذي أنذرنا الماغوط بخيانته هو ذاك الوطن الذي ينتصب فيه رجل الأمن حارساً ورقيباً على حياة الناس وأحلامهم محيلاً إياها إلى عوالم خارجة عن مألوف الطبيعة الإنسانية، ومعلناً زمنه زمناً مطلقاً لا تستوي معه سوى لغة تمتح مفرداتها من قاموس القدر والخوف واليأس والعزلة والرغبة في الموت، ومحدداً سقف الأمنيات بالحلم بتأمين ما يسد الرمق...؟!! أي حب للأمن يمكن أن يلتمسه المرء من " سؤال لغوي بريء " يطرحه الماغوط في مؤلفه " سياف الزهور" وهو يرصد حالة الانفصام والانفصال عند الإنسان العربي اتجاه الناس واللغة والأمل، إذ يقول: " ترى في سجون التعذيب وأقبية المخابرات الرهيبة، وهي في المحصلةـ القاعدة الشعبية الرئيسية لمعظم أنظمة الحكم في الوطن العربي ـ حيث الصراخ والعويل من البرد والرعب والصعقات الكهربائية، بأي مفردات، بل بأي قريض أو بيان يتم استجواب المتهمين والنيل من كراماتهم وأعراضهم حتى سابع جد؟ وهل على المتهمين الرافعي الأيدي والأرجل تحت السياط والهراوات، أن يجيبوا على أسئلة المحققين باللغة العربية الفصحى؟ ". وأي اغتراب مطلق وصل إليه الماغوط اتجاه دمشق ونهر بردى، المدينة التي أحبها وخصها بعشرات من قصائده، والنهر الذي بثه الماغوط عشقه؛ حين يتساءل عن الأولى: " من تكون هذه العجوز الجامدة عند المنعطف، والبعوض يحوم فوق رأسها، كأنه مصباح أو مستنقع؟ " ويتساءل عن الثاني قائلاً: " أيتها الشوارع/ أيتها الحانات/ من هذا الشبح الراقد على الأرصفة/ والنمل/ يتجاذب مسبحته ومنديله/ وخصلات شعره؟ ". وبالفعل فإن سؤالاً يطرح نفسه في هذا السياق: هل يمكن أن يوجد فعلاً مثقف حقيقي محب لأمن تقوم عقيدته على التعامل مع الثقافة على أنها غزو وانتهاك لمجال يعمل على مصادرته، ولذاكرة يجهد لاستباحتها وتأميمها، ولهذا يقوم على رسم خارطة للعقل والحلم، السجن والنفي والتعتيم هو نصيب كل من يحاول أن يتخطى حدودها؟؟!! وبالعودة إلى زهير عبد الكريم، الذي يُشك في كونه قد اطلع على شعر الماغوط ونثره ومسرحه بعد الذي تبين أعلاه؛ فإن حدود إساءته لن تقف عند هذه الحدود، بل ستأخذ شكلاً آخراً عندما سيضطلع بدور ناظر المدرسة الوطنية والتي سيوزع فيها شهادات النجاح والرسوب في امتحان الوطنية السورية. وذلك عندما سيتناول المعارضة التي تجرأ بعض مثقفيها على نقد عمله المسرحي ـ الذي أعلن الماغوط في حوار مع عبده وازن أنهم أضافوا للنص عندما كان في المستشفى وأنه لم يكتب كل النص؛ وإذا كان نصيب المعارضة في امتحان عبد الكريم هو الرسوب فذلك لأنه اعتمد في ذلك على معادلة تنتمي لنوع من البداهات الشَرطية ذات الانتشار الواسع في سوريا، والتي مؤداها: إذا كان مسرح عبد الكريم وطنياً بالسليقة لأنه يدافع عن الوطن من خلال دفاعه " حماة الوطن " من أحبائه، إذاً فإن أي نقد لهذا المسرح لابد وأن يكون خارجاً عن سياق الوطنية وبالتالي فهو محكوم عليه بالخيانة بالضرورة. وهذا ما سيظهر حرفياً عندما سئل عن النقد الذي وجهه الكاتب السوري ياسين حاج صالح لمسرحيته ( قيام جلوس سكوت )، كان جوابه ينم على أنه اطلع على هذا النقد بعقلية الأمني وهو يقرأ منشوراً سياسياً لجماعة محظورة. إن ما تناوله الحاج صالح في نقده، هو ما أسماه " مسرح الهوية " المستند إلى وطنية إجماعية تقصي " الانشقاق الثقافي والمعارضة السياسية إلى موقع المشتبه فيه، المحتاج دوماً إلى تبرير نفسه أو إثبات وطنيته". حيث أن " الوطنية في هذا المسرح وفي مجمل الثقافة التي يصدر عنها، من الصنف الذي يقوم على الالتباسات جميعاً: مماهاة الوطن والنظام،الشعب والحكم". ليقودنا من ثمّ في رحلة شيقة يقوم بها بتفكيك الشفرات السمجة التي انطوت عليها المسرحية، وإحالتها إلى دلالاتها. الحقيقة أن عبد الكريم يعيد إنتاج دلالات هذه المسرحية في حواره على قناة الحرة، حيث أنه سيستند في تخوينه للحاج صالح إلى رؤية تملكية لسورية، تحيل هذه الأخيرة إلى محض مستويين وجوديين، أعلى وأسفل، بحيث تتنضد السلطة في الأعلى ليتموضع المجتمع في الأسفل. الأعلى "السلطة" هو الذي ينقل الأسفل "المجتمع" من حالة السديم والفوضى والعماء إلى حالة التشكل والحضور والكينونة. ومن هنا، فكما طرد إبليس من رحمة الله لجحوده ومعارضته، فإنه سيتم طرد الحاج صالح، ومن ورائه المعارضة ناكرة الجميل، من رحاب الوطنية. ودليل زهير عبد الكريم على هذا أن ياسين هذا " بدل أن يمسك البارودة ويدافع عن وطنه، صار يحكي على النظام، وكأنه يحمل البارودة مع الخارج ضد وطنه". بل إن عبد الكريم كما يبدو يستنكر وجود المعارضة أصلاً، لذا فهو " لا يسترضي أن يرد عليها " وياسين " عامل حالو معارضة "؛ وعندما سيسأله العيساوي أن يشرح " كيف عامل حالو معارضة، فالرجل قضى في السجن سنوات طوالاً، وأكل السجن من شبابه وعمره وهو لم يأكل من أحد " رد صاحب الابتسامة الغريبة " بأنه لم يكن يأكل أما الآن فهو يأكل !!". طبعاً، فإن عبد الكريم هنا، يقدم نظريته في " الأكل "، فبما أنه يأكل ويتعيش من النظام، فلا بد أن من يعارض هذا النظام يأكلون من أعدائه، أي من الخارج. لا يستقي السجال أعلاه وجوده من كون الأفكار التي يتعاطى معها صادرة عن زهير عبد الكريم، فلا أهمية لذلك مطلقاً. وإنما هو سجال مع أفكار أخذت تتنامى مؤخراً كالفطر المسموم، مسلحة بما هو متاح من منابر إعلامية، داخلية وخارجية، مقابل تعتيم غاشم على الرأي الآخر. إلا أن ما يجب أن يستوعبه عبد الكريم وأمثاله أن سورية، التي أنجبت الماغوط وممدوح عدوان وسعد الله ونوس... والقائمة تطول، أعظم وأجمل وأكثر رحابة، من سورية التي نسيتهم ولم تعد تسمع فيها إلا أصوات المتمجدين، من أمثاله.
#إياد_العبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلفاء الفراغ...
-
المجتمع السوري في وعي نخبه
المزيد.....
-
من زاوية جديدة.. شاهد لحظة تحطم طائرة شحن في ليتوانيا وتحوله
...
-
أنجلينا جولي توضح لماذا لا يحب بعض أولادها الأضواء
-
مسؤول لبناني لـCNN: إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرا
...
-
أحرزت -تقدمًا كبيرًا-.. بيان فرنسي حول وضع محادثات وقف إطلاق
...
-
هجوم صاروخي روسي على خاركيف يوقع 23 جريحا على الأقل
-
-يقعن ضحايا لأنهن نساء-.. أرقام صادمة للعنف المنزلي بألمانيا
...
-
كيف فرض حزب الله معادلة ردع ضد إسرائيل؟
-
محام دولي يكشف عن دور الموساد في اضطرابات أمستردام
-
-توجه المحلّقة بشكل مباشر نحوها-.. حزب الله يعرض مشاهد من اس
...
-
بعد -أوريشنيك-.. نظرة مختلفة إلى بوتين من الولايات المتحدة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|