|
رأي في صلاة وخطبة يوم الجمعة : بين الإثبات والنفي.
رشيد العيادي
الحوار المتمدن-العدد: 6459 - 2020 / 1 / 8 - 20:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن التفكير في الشأن الديني الاسلامي هو من الخطورة بمكان أن يجعل من وجوديتك مهددة ، وعلى شفا حفرة من الدخول في عدمية ، يستحيل معها معنى الحياة عبثا حاصلا . ولا شك أنني حاولت منذ بدأت الطريق في مسار البحث والاطلاع والتنقيب الذي لا يخلو من مطبّات وخنادق تاريخية ومنهجية أن أكون على قدر الحذر المطلوب . فعلى الباحث دوما الحذر من السقوط في هذه الشروخ المنهجية ، وإذا صادف وأن حدث ذلك فإن كل اجتهاداته تستحيل مشوبة بعيب منهجي يتضح عند أول مساءلة منهجية صارمة . وأريد أن أسجل هنا أولا ، أنني لست هنا بصدد نفي أو إثبات رأي معين ، كما وأنني لست داعيا إلى تغليب كفة على كفة ، ولكن إنما أردت أن أضع في متناول الجميع موضوعا للنقاش والتداول ، بعيدا عن أي مرجعية أو أيديولوجية معينة . كما أن هذا الطرح من شأنه يجعلنا نفكر من خارج الجسم الثقافي والاجتماعي الذي نجد فيه ترجمة لهويتنا. ولا يفوتني كذلك أن أضيف أنني لست بصدد مخاصمة الوضع ونبده ، بل وفقط محاولة فهم لما يجري . وأستطيع منذ هذه السطور الأولى أن أقول أن الأمر سيجعل الفرقاء المخالفين والمتمركزين حول مرجعياتهم في أهبة الاستعداد للدفاع ، ونحن كباحثين لا نخاف من الدفاع الذي يعتمد على الحجة كما أشار لذلك جون راولز في كتابه قانون الشعوب ، بل نخاف من تأجيج الصراع حول هذه القضايا الدينية ، هذه الصراعات التي يثبت التاريخ أنها أتت في بعض الأحيان على الأخضر واليابس ؛ المطلوب كما نفهم مع رايت ميلز هو تدبير الصراع ، فالعنف الديني باعتباره تواصلا مشوها حسب هابرماس ، يشكل تحديا كبيرا في ظل الفترة المعاصرة التي تتسم بزيادة منسوب الأصولية والتطرف . وكذا المطلوب كذلك هو الانتصار إلى ما يسمى بالحرية الاجتماعية التي نادى بها إكسيل هونث في كتابه الحق في الحرية ، والتي تقوم على مبدأ أن لكل مواطن الحرية التي لا تتم على حساب انتهاك حرية الآخرين. واعتبارا لذلك ، فإننا لا نطالب إلا بحقنا في التبرير بلغة راينر فورست . تبقى فكرة أخرى قبل تناول الموضوع ، وهي تتعلق بمدخل ابستيمولوجي ، الذي نستند إليه لأجل تبرير تناولنا لهذا الموضوع في ظل الحساسية التي تحيط به . فعندما أتناول الموضوع الديني بالنقاش ، فهذا ليس ضربا في صرحه ، بل الأكثر من ذلك العمل على تطويره من أجل مواكبة التطورات والدخول في "حداثة" عربية( اسلامية) ، وليس السير على منوال الحداثة الغربية التي تختلف في الشرط التاريخي الذي أنتجها لأن الإمكان الحداثي ليس واحد ( الامكان الغربي). كما دافع عن ذلك طه عبد الرحمان في كتابه روح الحداثة ، المدخل إلى تأسيس الحداثة إسلامية ، منطلقا من الخصوصية الثقافية ، التي أوضح السياق الغربي اليوم بروزها وسط الزغم الحداثي . لكن بطبيعة الحال مع التسامح مع الآخر وقبوله وقراءته والاستفادة منه، بغية الخروج من أزمة الآخر. والجانب الابستيمولوجي الذي يجعلني أتناول موضوع صلاة الجمعة ، هو أنها ترزح تحت معطى تاريخي وسوسيولوجي كشرطين لابد من أخدهما بعين الاعتبار لقراءة الظاهرة الدينية ، والتي هي السلوكات التي تمارسها الجماعة يوم الجمعة. فعندما تترجم النصوص الدينية إلى سلوكات وأفعال فإنها تتحول إلى تديّن ومن ثم تدخل في شرط تاريخي وتصبح مشروطة إن وفقت في التعبير بما أسميه "بتاريخ الممارسة". هكذا سأحاول في هذا المقال ، تتبع المسار التاريخي لهذه الظاهرة وفتح النقاش فيها بين النص المقدس والممارسة ، في بعدها الاجتماعي والسياسي والثقافي . لا شك أن موضوع صلاة الجمعة من حيث بعدها التاريخي واللاهوتي والثقافي ، أخذ مني الكثير من التفكير الصامت ، ولعله هو الدافع الذي تتطلب مني إعادة استحضاره في النقاش ، ولعل كثرة الأفكار التي تَتَدَافع في ذهني حول هذا الموضوع كانت تتجه إلى حد التناقض الحاد . ولا ريب أن ما ثم التوصل إليه من خلال هذا المسار البحثي ، كان صادما بالنسبة لي :إذا فتعالى معي لكي تتعرف على الجانب المظلم من الكهف ، واللامرئي من المرئي . لا يختلف اليوم حول ورود خطب الجمعة في كتب الحديث من قبيل كتاب البخاري ومسلم والترميدي وابن ماجة ... ومن بين الأحاديث التي تبين ذلك مثلا نجد حديث " فمن لغى فلا جمعة " في البخاري ومسلم ، وكذا حديث لمس الحصى ... وفي الجهة المقابلة ، أي في القرآن الكريم نجد الآية الكريمة تقول يأيها الذين آمنوا تقول الآية الكريمة : " يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذرو البيع..." و هناك آيات كثيرة تلامس هذا الموضوع سواء من بعيد أومن قريب ، سنأتي على ذكرها لاحقا. وللتعليق على هذا الأمر ، فإن السؤال التاريخي يفرض نفسه هنا ، إذا كانت صلاة الجمعة واردة فبي النص القرآني والسني ، فأين ذهبت خطب الجمعة التي كان يقوم بها الرسول صلى الله عليه وسلم كل يوم جمعة ، ونحن نعلم أن الرسول عندما هاجر إلى المدينة كانت مدة مكوثه فيها عشرة سنين وشهران ، ونعلم أن في العام 52 أسبوعا وبالتالي ما يعادل 550 خطبة خلال 10 سنين وشهران ، كل هذه الخطب لم يتم نقلها لنا عن طريق كتب السير والحديث ، لماذا ؟ لو سألت أحد علماء الفقه ، فإن الاجابة التي ستكون على طرف لسانه هي أن خطب الرسول وردت مشتتة ومتفرقة في كتب الحديث والفقه ، أو أن الرسول كان يقتصر فقط ، في خطبه عادة على الآيات القرآنية . إلا أن هذه الإجابات كلها إجابات غير شافية ، على اعتبار أن هناك اجتهادات حاولت جمع خطب الرسول من كتب الحديث والفقه ، لكن لم يأتوا إلا بنزر قليل من هذه الخطب ، وإذا أتوا ببعضها فإنها تأتي منقوصة ، أو عبارة عن جملة أو جملتين ، خلافا لما جاء في خطبة الوداع التي جاءت كاملة ، باعتبارها نص كامل ومتكامل ويليق أن نصفه بخطبة . كما أن هذا الأمر يجعلني شخصيا أمام تنافر معرفي شديد، هذا التنافر الذي أساسه هو أنه عندما كان البخاري يجمع الحديث ، توصل إلى 600 ألف حديث ، وبعد تمحيصها أخد منها 7 ألاف حديث ، وإذا استثنينا المكرر منها ، سيبقى 4 ألاف حديث. والشاهد هنا أن في صلب هذه الأحاديث نجد البخاري يروي أكثر الأحداث التي تتعلق بالوقائع الخاصة والحميمية للرسول ، كالحديث الذي يقول أن الرسول كان يدور على زوجاته التسعة في ساعة واحدة ، وفي رواية أخرى زوجاته الإحدى عشر ، أو الحديث الذي يقول " أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبول واقفا" وهناك أحاديث أخرى كثيرة تصف حميمية الرسول مع زوجاته في أكثر الأحداث خصوصية ... لكن مع الحرص الكامل على هذه الخصوصية التي نفترض انه من الصعوبة ان يراها الانسان أو تصل أخبارها إلي أي من الصحابة الكرام ، نجد البخاري لا يذكر تلك الخطب الكثيرة التي ألقاها الرسول أمام الصحابة ، والتي وصلنا أنه كان يحضر لها جميع الصحابة ، مما يجعل الأولى أن تكون هذه الخطب معروفة ومشهودة لدى الفقهاء ومنقولة بشكل كامل. لكن لم تصلنا منها إلا ما كتب من الشيء القليل. إننا نتساءل عن هذا الاخفاء الذي وقع لهذه الخطب ، وإذا كنا نعلم أن خطب الجمعة فرضت مباشرة بعد الهجرة ، فإننا نطالب بالأحاديث الصحيحة التي أوجبتها وفرضتها ، ولعل الأحاديث التي تناولت وجوب صلاة الجمعة وخطبة الجمعة ، ضعيفة ، و أكثر من ضعّف بعض هذه الأحاديث ، نجد الألباني ، فهو من ضعّف حديث الحصى . لنترك مسألة الأحاديث ونأتي إلى ما يقوله القرآن الكريم ، نجد القرآن صريح في عباراته ، بل وينفي ما تم الحديث عنه في كتب الحديث والفقه في ما يخص الجمعة . تقول الآية الكريمة : " يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذرو البيع " هنا قال الله من يوم الجمعة ، وليس من صلاة الجمعة ، والصلاة التي يتكلم عنها في هذا اليوم هي الصلاة العادية اليومية ( إذا نودي إلى للصلاة ) فهي معرّفة ، وبالتالي الآية لم تأتي بصلاة جديدة ، ولم تفرض صلاة جديدة. وإنما الكلام هنا بصدد حادثة وقعت ، والحادثة هنا هي التقاء وقت الصلاة بالبيع ، أي التقاء الصلاة اليومية المعروفة بالبيع ، والنداء المشار إليه هنا هو نداء للصلاة المعروفة ، كيف ذلك ؟ لأن خصوصية يوم الجمعة ليست للصلاة بل للبيع ، ويوم الجمعة هو سمي عند العرب بذلك الاسم لأنه يجتمع فه التجار في السوق للبيع . نتابع الآية الكريمة : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون . وإذا راوا تجارة أو لهوا انفضوا من إليها وتركوك قائما ، قل ما عند الله خير من اللهو والتجارة والله خير الرازقين" في هذه الآية التجارة ليست يومية بل هي عابرة ، تأتي أحيانا فقط ، وبالتالي رؤيتهم لهذه التجارة ، يرتب تركهم للصلاة ، وترك الرسول قائما ، ومن تم لو كانت التجارة يومية لكانوا يرونها كل يوم ، ولكان الأمر عاديا ، وما كانت لتوصف بذلك الوصف ، لكن التجارة لا تحدث كل يوم ، لذا الوصف يتناسب مع الحدث ، ومن ثم فيوم الجمعة الذي تحدث فيه التجارة يأتي أحيانا ، ونستنتج أن خصوصية يوم الجمعة هو يوم التجارة وليس الصلاة ، ومن تم ليس هناك فرض صلاة جديدة ، أسمها صلاة الجمعة. في آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" ، وهنا إشارة إلى ان الصلاة في المسجد بالغدو والأصال ، بمعنى انها صباحا وعشية ، ونجد ان الصلاة في المسجد طبقا لهذه الآية تم ربطها بموضوع التجارة والبيع باعتبارهما حدثان يلهيان عن الصلاة في المسجد ، كما أن الصلاة تتعطل خصوصا في أيام التجارة والبيع ، أي ما يتناسب مع يوم الجمعة الذي هو يوم مخصص للتجارة . إن الصلاة بحد ذاتها لها وقتها ومقدارها وبدايتها ونهايتها ووجهتها القبلة ، لكن طريقة صلاة يوم الجمعة ، تخرج عن نطاق وشكل الصلاة ، بحيث تم الخروج عن الصلاة العادية ، فالملاحظة الاولى التي يمكن أن تبدو مختلفة ، وهي ان الصلاة في هذا اليوم تبتدئ بدخول الامام . والمفارقة العجيبة هي اننا لا نجد بأن صلاة الجمعة مفروضة على النساء لكن بالمقابل واجبة ومفروضة على الرجال ، وبالتالي الخروج عن قانون أن الصلاة مفروضة على الرجال والنساء على حد سواء ، ولا شيء من هذا التفريق في كتاب الله ، لأن الصلاة فرضت على الجميع . من جهة أخرى نجد الفقهاء يشترطون نصابا لإقامة هذه الصلاة ، وإذا كان العدد أقل مما اشترطه الفقهاء تسقط عنهم ، وبالتالي هنا تسقط عن البعض وتفرض على بعض ، والصلاة المفروضة ليس فيها هذا، كما أننا نجد أن صلاة الجمعة نسخت صلاة الظهر ، والقرآن ليس فيه هذه الاشارة ، بالإضافة إلى أنه إذا استحضرنا صلاة العيد بإزاء صلاة الجمعة ، فإننا سنجدها ليست من التشريع بل هي حدث اجتماعي ، كما أننا نجد الناس تقول ان يوم الجمعة هو يوم عيد، والعيد معطى اجتماعي ، بحيث يمكن لأي مجتمع أن يخترع الأعياد التي يريد. كما وتجدر الإشارة أن صلاة العيد يشار إليها أنها نافلة... يبقى كمعطى أخير أن نشير إلى البعد السياسي للخطب ، إذ ان هذه الخطب لم تعد اليوم تناط بمهمة تبليغية دينية محضة ، بل أصبحت تناط بمهام سياسية تنحو منحى إعادة إنتاج شرعية النظام السياسي القائم بالاستناد إلى المعطى الديني ، وبالتالي تسييس الدين . التحدي الوارد هنا هو أنه لو كان الرسول يصلي صلاة الجمعة ويقوم بالخطبة فيها ، فأين جل تلك الخطب وأين خطب العيد كذلك ، وكذلك هل بالإمكان اليوم تجاهل المعطى السياسي للخطب المغلف بغلاف ديني الدي يمثله "الفقيه السياسي" ، وهل هذا يعني القول أن صلاة الجمعة لا أصل لها ؟ يبقى النقاش مفتوحا في الزمن والتداول فيه لا حرج فيه.
#رشيد_العيادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الله حمودي والتحولات السلطوية والبناء -الديمقراطي-
-
الجسد الثقافي: الرجولة تحت مجهر النقد.
-
عرض الجسد في الحياة اليومية
-
الحرية والحب الرومانسي
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|