|
و وقائع المسرح المصري
هاني أبو الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 6458 - 2020 / 1 / 7 - 19:41
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
وقائع المسرح المصري في ربع قرن (1990 – 2015) مقدمة: عانى المجتمع المصري من تغييرات اقتصادية وسياسية وثقافية جذرية أثرت في الحركة المسرحية بشكل كبير، حيث حفلت السنوات الخمس والعشرون الأخيرة - بآثارها الممتدة من سياسة الانفتاح حتى اليوم – والمسؤولة عن الكثير من الظواهر الاستثنائية .. منها – على سبيل المثال - يذهب التلاميذ للمدرسة فيجدون غالبية أساتذتهم هناك يتكلمون عن الفن بوصفه من المحرمات، وأن الله سيعاقب من يمارس الفن أو يمتهن أية مهنة فنية سواء تمثيل أو إخراج أو سينما أو فن تشكيلي حتى سماع الموسيقى، ولقد انتشرت هذه الآفة عبر الأجيال فتربت لدى الغالبية من المجتمع أن المسرح حرام ويجب مقاطعته، وهو ما جعل نسبة إقبال طلاب العلوم الإنسانية على دراسة المسرح لا تتجاوز 0.3%.* ومع التحولات السياسية والاقتصادية في مصر منذ عصر الانفتاح – الاقتصادي المزعوم – مرورا بتوابعه في الثمانينيات والتسعينيات؛ فتحت رياح التغييرات الثقافية الانفتاحية أبواب المسرح المصري على مصراعيها، أمام عروض مسرحية تستهدف الترويح وثقافة التلطيف، والاسقاطات الانتقادية لسياسات مرحلة الستينيات، فانتشرت عروض الفارص المسرحية Farce عبر الفرق المسرحية الخاصة ، التي استهدفت إرضاء جمهور السياحة الترفيهية الخليجية بعروض تدغدغ خشونة الحس وتداعب الغرائز بالألفاظ والحركات المتدنية والنكات الخادشة شعوب ثقافة الماء والنماء . تحول المسرح في السنوات التالية لعصر الانفتاح من فلسفة كسب التأييد لفكرة العدل الاجتماعي وترقية الذائقة الثقافية والفنية للجماهير العريضة بما هو أنفع وأرفع، إلى تسطيح الفكر، وتشويه قيم المدنية، ونشر قيم المجتمع الريفي، وقيم الثقافة الصحراوية النفطية، باعتبار المسرح جزء من تركيبة ثقافية مغايرة. استمر مسرحنا على هذا الحال حتى مع ما يعيشه العالم المتمدن المنتج للمعرفة في ظل عالم الاتصال الافتراضي، ظل على محافظا على خططه في ظل إدارة بيروقراطية وعبء إداري يشكل ثلاثة أضعاف عدد فناني المسرح ومبدعيه؛ يستنزف الميزانية في الأجور والمكافآت على حساب الإنتاج المسرحي . أما الإنتاج المسرحي فقد ظل على ما كان عليه متقيدا بثقافة الثبات، أو البيات الفني، حيث عشوائية الإنتاج، مما ترتب عليه تداخل التخصصات بين الفرق المسرحية عروض، فانتفى التمايز بين فرق البيوت الفنية ( المسرح – الاستعراضية – الموسيقية ) مع توجه العروض نحو انتهاج أسلوب العروض التجارية – أملا في رواج سبق أن حققته عروض فرق المسرح الخاص، دون فهم لأسباب رواج عروض مسرح القطاع الخاص في فترة تدفق السياحة البترورأسمالية. والأمر ظاهر للعيان، فما أن قلّ تدفق تلك السياحة الخليجية حتى أغلقت فرق القطاع الخاص المسرحية أبوابها - والغريب أن فرق الدولة المسرحية المحترفة لم يتغير نمط عروضها المسرحية، بل ظل تكرر سياستها في اختيار النصوص، وفي فلسفة الإنتاج وفي برامج العروض ومستوياتها، مما أصاب الحركة المسرحية بالرتابة والجمود، في عصر انتشار ثقافة التعدد الحداثية، والخطاب المرجأ في مسرح ما بعد الحداثة .
فكر الادارة والتحولات المعرفية العالمية: لم يدرك المهيمنون على شؤون مسرحنا المصري؛ أسباب انصراف جمهور مسرح الستينيات عن عروضهم المسرح، فجمهور اليوم جمهور العالم الافتراضي الذي رأى رؤية العين أن ما كان يحكى له عن الباب/ الصخرة يفتح في الجبل بصيحة "افتح يا سمسم" أصبح واقعا ماديا ملموسا، فأبواب الفنادق ودور العرض والمعرض والمجمعات التسويقية تفتح تلقائيا فور اقتراب شئ ما منها وتغلق من تلقاء نفسها، ورأي أن بإمكانه بلمسة من إصبعه يرى على البللورة السحرية ما يحدث في أي بقعة من العالم، وليس في قصر إمبراطور الصين كما حكي له في صغره عن البللورة السحرية، وعن خاتم سليمان الذي تظهر لمسة اصبع من اصابع حامله المحظوظ جنيا صارخا في البرية " شبيك لبيك عبدك بين يديك"، فلمسة إصبع منه تفتح باب السيارة، تشغل محرك السيارة، تغير محطات التليفزيون بعدد يفوق قدرته على الحصر. وهاهو يفكر كيف أن قطعة من الحديد يركبها؛ فتتحرك به مسرعة على الأرض بسرعة الريح ليقطع بها مسافات طويلة في زمن لا يزيد على الساعة، وقد كان يقطعها على دابته في أيام، ويتفكر في كيفة لقطعة من حديدية أخرى تطير بركابها في السماء من بلد إلى بلد بعيدة، وقد كانت تبهره حكاية الحصان المجنح الطائر في أساطير الإغريق القدماء وفي البراق النبوى في قصة المعراج القرآنية. وكيف انتقلت فكرة البلورة السحرية من عصر الخرافة إلى عصر العلم إلى شاشة تليفزيون تنقل بلمسة من إصبع بشري إلى واقع مادي ملموس يستطيع أن يرى من خلالها أمكنة وأزمنة وأقواماً وبلاداً بعيدة وهو جالس في مكانه. وكيف تنتقل الرسائل والصور عبر الأثير والسماوات المفتوحة في عصر الثورة المعلوماتية، وقد خبر من تحصيله للثقافة الأسطورية عن وساطة تحوتي الحامل لرسائل المتبادلة بين الآلة الفرعونية، ووساطة (هرمز) الحامل للرسائل المتبادلة بين آلهة اليونان؛ فإذا به يرى عصر التكونولوجيا والحداثة الأقمار الصناعية – مجرد اسطوانة معدنية ذات أجنحة – تقوم بعمل الملائكة في الفكر الديني؛ فتنقل ما يحدث في كل بقعة على سطح الأرض نقلا فوتوجرافيا مرئيا مسموعا في آن وقوعه. ويرى الرسائل الورقية، اسطوانات ليزر وأقراص مدمجة، وإذا به يعيش حياته من خلال عالم الكليبclip مقتصرا على (شئ من كل شئ )، بعد أن كان يعيش حياته حصولا على ( كل شئ من خلال شئ) – حيث كل الأشياء مختزلة في شئ – من خلال الهواتف المحمولة المتصلة بالإنترنت وبالأقمار الصناعية. وإذا به يرى نموذجا آليا للإنسان ( روبوت) لا ينافسه فحسب وإنما يحل محله في إنجاز المسائل المستعصية على الحل. في ظل كل تلك التحولات المادية والانجازات المادية الرهيبة بفضل المنجزات العلمية التكنولوجية والمعرفية، يعيش جمهور العصر حياة استبدلت الكون الافتراضي الذي وعدت به عبر رسائل العالم الميتافيزيقي؛ استبدلت بكون حقيقي بديل من صنع المنجز العلمي الإنساني. ومع كل تلك التحولات في حياة الإنسان العالمي، والمصري بالقطع باعتباره جزء من العالم، لم يعد قابلا لحكايات – لو افترض أن ما يقدمه المسرح منذ تلك التحولات الاستهلاكية في كل شئ فيه شئ من الخيال أو الإيهام – لم يعد يستسيغ عروضا يكرر فيها الممثلون أسلوب أدائهم. لذا ينصرف إلى الفيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ظهر معه ما يعرف بالمسرح التفاعلى أو الرقمي، الذي يمارسه بنفسه من تمتع بهواية مسرحية أو فنية، فهو من خلال ذلك التفاعل يمارس متعة حقيقية، تغنيه عما وعدته به الغيبيات، مما لم تره عين وما لم تسمعه أذن . إن جمهور اليوم جمهور مفكر – في أغلبه -، جمهور يؤمن بالظواهر المادية الملموسة المرئية، جنبا إلى جنب مع إيمانه بالغيب، هو يستحق أن يقدم له مسرحا يجد فيه نفسه، مسرحا قابلا للتصديق، مسرحا يمتع ليقنع حتى يؤثر تطهيرا أو تغييرا. فهل تلامست فلسفة إنتاج المسرحي في مؤسسات الدولة المسرحية عروضا تلبي حاجة جمهور اليوم؟! وإذا كان ذلك هو واقع المشهدية المسرحية الاحترافية في مصر، من منظور رؤية إطارية عامة، فماذا عن مشهدية الواقع المسرحي في الأقاليم الثقافية .
• فكرة المسرح الموازي: برزت فكرة نوادي المسرح من خلال إدارة المسرح بهيئة قصور الثقافة باعتبارها مسرحا موازيا للمسرح الاحترافي، في محاولة جادة لتجديد المشهدية المسرحية المصرية. ففي الوقت ذاته الذي توالت فيه دورات المهرجان التجريبي الدولي؛ شهد الواقع المسرحي في أقاليم مصر الثقافية دورا ملحوظا بدءا من تسعينيات القرن العشرين؛ مواكبا لدورات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي تأسيا نظريا لفكرة طرحها د. عادل العليمي وقام بتفعيلها رجل المسرح سامي طه من خلال الإدارة العامة للمسرح؛ حيث نشطت فكرة نوادي المسرح خارج إطار الحراك المسرحي لفرق قصور الثقافة وبيوتها في أقاليم هيئة الثقافة الجماهيرية، فكان مشروعا مسرحيا متميزا، خاصة وأنه قام على مفهوم الإنتاج بدون تكلفة، مما فتح الباب أمام عشرات الموهوبين من هواة المسرح باتساع الجغرافية الثقافية على خريطة الوطن من جنوبه لشماله ومن عربه لشرقه، وبذلك ظهرت مواهب شبابية جديدة؛ رفد المتميزون منهم فرق مسرح الدول بدماء مسرحية واعدة.
مشروع نوادي المسرح – إيجابيات وسلبيات: وإذا كانت نوادي المسرح إيجابية تحسب لقيادات مسرح هيئة قصور الثقافة، باعتبارها إيجابية مضافة لحركة تجديد شباب مسرحنا المصري؛ فإن لها سلبيات بتذاكرها تجديد لحياتها وليقائها كمعمل تفريخ لطاقات مسرحية جديدة واعدة. ومن أهم السلبيات من داخل مسرحيي النوادي أنفسهم، هي غياب الحركة النقدية بشكل عام، غياب التحصيل المعرفي المكتمل الذي يؤصل رؤى المخرجين الشبان، اتجاه النقد إلى مجاملات من خلال نقد صحفي في بعض الأعمدة الأسبوعية، شكلية لجان الموافقة على اختيارات شباب مسرح النوادي للنصوص المختارة منهم مشروعا لإخراجها، ندرة العروض التي تتعرض لموضوعات من البيئة الاجتماعية لموقع العرض، شكلية لجان مشاهدة العروض، شكلية تشكيل لجان تحكيم عروض النوادي، وعروض شرائح البيوت والقصور وشرائح فرق الأقاليم، غياب المتابعة. غياب قيادات ثقافية وفنية حقيقية في بيوت الثقافة وقصورها، فضلا عن تربع قيادات إدارية على مقاعد رئاسة الأقاليم الثقافية من بين العاملين الذين حازوا المنصب بهدف الحصول على درجة أعلى – بغض النظر عن عدم وجود علاقة له بالفن أو الأدب أو الفعل الثقافي، وهو ما يتسبب في تعطيل الفعل الثقافي، وليس المسرحي وحده – تدهور المباني الثقافية والمسارح إن وجدت، النقص الحاد واللافت لوسائل العرض المسرحي وأجهزته – غياب الدعاية لعروض المسرح بصفة عامة لانعدام وجود دور لإدارات العلاقة العامة والإعلام في الأقاليم الثقافية برغم وجودها في الهيكل الإداري؛ إلا إنه وجود وظيفي شكلي بلا عمل حقيقي فاعل على أرض الواقع .
* المهرجانات المسرحية الدولية وانعكاساتها على المسرح المصري: عرف الواقع المسرحي المصرى طريقه إلى المهرجانات الدولية مع بداية التسعينيات المهرجانات، حيث بداية مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في عهد الفنان فاروق حسني وزير الثقافة ، وككل نشاط تجريبي كانت له – إيجابياته وسلبياته – فقد تفاعل فنان المسرح المصري والعربي؛ مع مهارات الفنان العالمي المتعدد والمتنوع الذي شارك على مدى تواصل دورات المهرجان العشرين وشهد كيفية توظيف العروض الوافدة للعناصر والأدوات التكنولوجية وطرائق استخدامها المسرحي المذهل والمتجدد؛ فانعكست على عروض الكثير من مبدعي شباب المسرح. خاصة مع تأسيس الكثير من تلك العروض المشاركة في دورات المهرجات التجريبي على أفكار فلسفية وتطبيقات طالت المسرح العالمي، كان أهمها انعكاسات أفكار نيتشه، وفاجنر عن وحدة الفنون؛ فكانت لها ظلالها الثقافية والفنية والتقنية على الواقع المسرحي المصري، التي من أهمها فكرة ( موت المؤلف)، وهي فكرة وإن كانت متصلة بأفلاطونية التقديس والتدنيس؛ التي ذهبت إلى أن إرادة الممثل ومشاعره تدنس محاكاته لتمثيل مثالية الفكرة المطلقة، وبذلك تقصر الأفلاطونية وانعكاساتها في محاكاة الفكرة تمثيلا بخيال الظل ( راجع : أفلاطون، خيال الكهف (انعكست نظرية المحاكاة الأفلاطونية للفكرة المثالية على مسرح العصور الوسطى حيث صنفت النسرحيات القديسين بصفة التقديس وصنفت المسرحيات الهزهلية بمسرح التدنيس، ومنها تأثرت المناهج المسرحية المعاصرة – خاصو منهج كريج ومنهج جروتوفسكي - بتلك النظرية، ومنها تأثرت عروض المسرح المعاصر (حداثية وتفكيكية) وقد شارك الكثير منها في فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، خاصة منهج الإنجليزي" إدوارد جوردون كريج" الذي يهمش لغة الحوار، ويتهم شكسبير وموليير – كليهما- بالتطفل على المسرح!! حيث المسرح عنده صورة جمالية، والممثل مجرد دمية (سوبر ماريونيت)، حتى يتجنب تدنيس الصورة المسرحية وتشويه جماليتها، وقد شهدت عروض المهرجان التجريبي الكثير من العروض الوافدة التي تبنت تلك النظرية، ومن ثم انعكست على كثير من التجارب المسرحية الشبابية. وتتقارب عروض مسرحية تتبنى نظرية المسرح الفقير للبولندي "جيرزي جروتوفسكي" مع نظرية كريج، فجروتوفسكي يجعل خلفية العرض المسرحي خلفية أنثروبولوجية، حيث يطالب الممثل بتلبس حياة الإنسان البدائي الذي لم يتلوث شعوره بملوثات الكذب والرياء الذي تسلط على المجتمعات المدنية، وبذلك يحيل التمثيل إلى حالة الحلول الصوفي.
انعكاسات نظرية المقدس والمدنس على المسرح المصري : لقد أدى انتشار توجهات مسرح كل من كريج وجروتوفسكي من خلال العروض المسرحية الأجنبية، والكتابات التنظيرية المترجمة، التي صاحبت فعاليات المهرجان التجريبي عبر دوراته الثلاثة والعشرين – على أهميتها - أدت انتشارها بين شباب مسرحيينا في مصر وفي المسرح العربي إلى ظهور تشويهات في فهم شباب المسرح للكثير من المفاهيم مثل ( السينوجرافيا، الدراماتورجيا، الدراما الحركية، الرؤية المسرحية، الكتابة على الكتابة، مسرح الصورة، المسرح الجسدي ومسرح الرقص المسرحي ) فتفشت ظاهرة المخرج المؤلف، وسادت عملية عبث المخرجين الشبان بالنصوص الأصلية التي يتصدون لإخراجها حذفا وإضافة دون ضرورة درامية؛ حتى اكتسحت تلك التصرفات التي لا تسندها الخبرة أو الدراسة المنهجية أو الفهم الصحيح لمنجزات الحداثية وما بعد الحداثية أو الفهم المحقق لمستهدف إبداعي خلاق. بعيدا عن تقليد عروض مسرح الرقص المسرحي الحديث التابع لدار الأوبرا المصرية؛ ما لم يمتلك ثقافة مركبة تزاوج بين ما هو تراثي مصري أو عربي وحداثي أوروبي، مع إعمال فكري تأملي ومخيلة نابضة.
• تهميش النص المسرحي المؤلَّف – الإيجابيات والسلبيات: مع تهميش النص المسرحي، أو تلاشيه انتفت الثوابت الفنية بانتفاء النص المسرحي في تجارب غالبية المسرحيين الشبان، أو همشت عند البعض، الذين يجتهدون في محاولات تحقيق حالة الفراق الطبيعي عن ثقافة الريادة المسرحية، وتجديداتها في ترسيخ فكرة هوية مسرحية مصرية، كتلك التي نظّر لها (يوسف إدريس) كتابة نظرية ثم تطبيقاً عملياً خلال نصه المسرحي الشهير (الفرافير) الذي التحم من حيث الشكل مع فكرة السامر الشعبي وأراجوزية التشخيص المسرح. إلا أنه وضع موضوع الحدث الدرامي لمسرحيته في جعبة الفلسفتين الموضوعية، والوجودية الملتبسة بين المثالية والمادية - حيث وجود كل من (فرفور، السيد) كان وجودا إجباريا، وشكل حياتهما إختياريا تبعا لجدلية ثنائية (الأنا والآخر) وموتهما اختياريا، ووجودهما في العالم الآخر إجباريا، هذا فرفور، وهذا سيد من هذا المنطلق فشلت محاولته في إيجاد شكل مسرحي عربي، وإن ظلت طموحات بعض المسرحيين، خاصة كتابات يسري الجندي، ومحمد أبو العلا السلاموني، تدور حول فرجة مسرحية حلقية سامرية، عكست ظلالها على كتابات شبابية لدي بعض كتاب المسرح في أقاليم مصر، ومازالت مستمرة في مسرحنا إلى الآن. كذلك وئدت فكرة توفيق الحكيم في مهدها، تلك المعروفة بـ (قالبنا المسرحي) التي افترض فيها انتقال عروض المسرح إلى المصانع والحقول، وتمثيل النصوص المسرحية العالمية (أوديب، هاملت) تشخيصا وتقليدا ورواية. ومن ثم لم يكن لدعوته تلك صدى على أي مستوى في مسرحنا .
• المسرح الرسمي: درجت المؤسسة المسرحية المصرية الرسمية منذ نشأتها في ستينيات القرن الماضي على منهج تنويع مجالات العرض المسرحي في فرعين أسسيين أحدهما للدراما البحتة (تراجيديا – كوميديا) والآخر للدراما الموسيقية والاستعراضية، ضمتهما مؤسسة واحدة منذ النشأة حتى السبعينيات حيث استقل كل فرع منها في كيان فني خاص بكل منهما تحت مسمى (قطاع المسرح) و(قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية) و(قطاع الموسيقى) . في التسعينيات تم استحداث قطاع الإنتاج الثقافي ليضم البيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية والمركز القومي للمسرح والمركز القومي للسينما ومركز الهناجر للفنون ومكتبة القاهرة الكبرى. وعهد لفرق كل بيت إنتاج عروض مسرحية تحقق هوية إنشائه، بينما اختص المركز الثقافي القومي (دار الأوبرا) بالموسيقى العالمية والعربية والباليه. كما تم إنشاء فرقة الرقص المسرحي الحديث في مطلع التسعينيات لتتبع دار الأوبرا فنياً ومالياً وعهد إليها إنتاج عروض مسرح الصورة والسرد التشكيلي البصري.
1- البيت الفني للمسرح (مسرح الدولة): يضم البيت الفني للمسرح عشرة فرق مسرحية : (القومي – الطليعة – الحديث – الشباب – الكوميدي – الغد – الساحة - القومي للطفل- اسكندرية المسرحية)، ويتبعه المسارح الآتية: (القومي – السلام – الطليعة – العرائس – مسرح الغد – مسرح ميامي – متروبول - العائم الكبير والعائم الصغير بالمنيل – ملك – الميدان بساحة الهناجر - بيرم التونسي وليسيه الحرية بالإسكندرية). تبلغ ميزانية البيت الفني للمسرح ما يقرب من عشرين مليون جنيه سنوياً، ويبلغ إجمالي عدد العاملين به وبالمسارح التابعة حوالي ألفين وخمسمائة فرد تغلب فئة الإداريين منهم على فئة الفنانين.
أ- فلسفة الإنتاج: يتأكد من متابعة عناوين وموضوعات المسرحيات التي تنتجها غالبية هذه الفرق أنه لا توجد فلسفة أو التزام بالأهداف ولا المعايير التي أنشئت من أجلها كل فرقة من هذه الفرق، بينما اندفعت غالبية هذه الفرق في إنتاج عروضها بشكل عشوائي فلا المسرح القومي ينتج عروضاً قومية بالمفهوم التاريخي والعلمي لفكرة القومية العربية ولا الفرقة الكوميدية تنتج عروضاً كوميدية. وهكذا غابت الأسس ومن ثم الأهداف التي من أجل تحقيقها يتم إنتاج العروض المسرحية فغاب الأثر والفعالية المرجوة من المسرح الرسمي.
ب- الموقع الجغرافي : مع التزاحم الشديد الذي تشهده شوارع القاهرة وسوء الموقع الجغرافي لأغلب دور العرض المسرحي التابعة للدولة بمنطقة وسط البلد والعتبة، وعدم توافر مواقف للسيارات وانتشار البائعة الجائلين المحيطين بالمسارح مما أثر بشكل سلبي إلى حد ما في معدلات ارتياد المسارح، ولقد فشلت عدة محاولات قام بها الراحل د.هاني مطاوع أثناء رئاسته لمسرح الدولة أن يقوم بضم حديقة الأزبكية للمسارح الثلاثة (القومي – الطليعة – العرائس) ويبنى حولهم سور، ويفتح لهم باب دخول من شارع الجمهورية، وتصبح المنطقة بأسرها مركزاً مسرحياً كما هو الحال بمنطقة الأوبرا بالجزيرة بالزمالك ولكن بمجرد أن أتم المهندسون المشرفون على مشروع القاهرة الفاطمية رسم خريطة جديدة للموقع حتى قامت المحافظة ببناء مسجد صغير في المنطقة الواقعة بين حديقة الأزبكية وسور المسرح القومي لتجهض المشروع، أعيد المشروع في عهد د.أشرف زكي ولكنه توقف بالتزامن مع أحداث 25 يناير 2011. ولا يمكن إغفال الدور السلبي الذي لعبته التيارات المتشددة المتشحة برداء التدين وامتلاك وسائل التواصل مع الله ووسائل النقل من الأرض للجنة، ولن يسمحوا بركوب من ليس على دربهم للوصول إليها، إلى غير ذلك من خزعبلات كان لها أثرها الكبير على الكثيرين من البسطاء من جموع الشعب الفقير. وهو ما أدى إلى مقاطعة الكثيرين للمسارح فأدى إلى الإغلاق المتتابع وتحول غالبية مسارح القطاع الخاص إلى بلاتوهات يتم تأجيرها بمبالغ كبيرة لتصوير البرامج التليفزيونية، ومع تراجع إقبال الأجيال على المسرح تراجع عدد الكتاب المسرحيين مع غياب معظم كتاب الستينيات عن الساحة بالمرض أو الرحيل ولم يتتلمذ عليهم سوى القليلين، واتجاه بعضهم الآخر إلى الدراما التليفزيونية المربحة، كانت الأزمة في النصوص الجديدة في أزهى مراحلها خلال السنوات العشرين الماضية.
ج- المركزية: لا شك أن مصر قد عانت من المركزية في كافة الملفات الحكومية والخاصة ومازالت تعاني حيث العاصمة هي كل شيء والبقية لاشيء .. والحقيقة أنه على الرغم من مشروعات القصور والبيوت الثقافية التي غزت كافة محافظات مصر خلال السنوات الخمس والعشرين السابقة إلاّ أن القائمين على هذه المواقع بحاجة للكثير من المراجعة، ناهينا عن عدم توافر الكوادر الفنية المتميزة فنياً لتشغيلها ونزوح أغلبهم للقاهرة بحثاً عن فرص حقيقية، وضعف المخصصات المالية المتاحة للإنتاج الفني بالأقاليم.
د- غياب النقد : بغياب الكتاب المسرحيين الرواد للأسباب الكثيرة السالفة الذكر غاب معهم النقاد حيث لم تعد الحركة النقدية كسابق عهدها في الستينيات، وبعد أن كان النقد يتصدى له أساتذة كبار، أو حتى شباب واع وتفرد للنقد صفحات الجرائد والمجلات وانتشار آفة الفضائيات talk shows ومواقع التواصل الاجتماعي مما أدى لعزوف الكثيرين عن قراءة الصفحات المتخصصة والصحف والمجلات المتخصصة. وهو ما أدى إلى إهمال تنوير المتفرج العادي وترشيد العروض المسرحية. ولعل محنة النقد تبدو واضحة في الأحداث التي أدت إلى إنهيار مسرح القطاع الخاص.
هـ- إشكالية التقنيات وغياب الصيانة: يعد الباب السادس من أكبر الأبواب في بنود مشروع الموازنة العامة للدولة الخاص بوزارة الثقافة وهو الباب الذي يصرف منه على المشروعات الإنشائية والترميمات والتجديدات وشراء الأثاث والأجهزة. وعلى الرغم من اهتمام المسؤولون المتعاقبون عن مسرح الدولة بتجديد مباني بعض المسارح وتزويدها بأجهزة إضاءة وصوت جديدة وخيالية السعر، إلاّ أنه لم يهتم أحد بتجهيز المسارح بتجهيزات تكنولوجية فائقة التطور مثل laser beam أو multimedia projectors أو simulation أو Holograph ، أو تركيب أسانسيرات أو أجهزة تعليق مناظر أو استخدام تقنيات متطورة في تصنيع المناظر والديكورات وغيره مما يجعل العرض المسرحي بمثابة حلم أسطوري يدفع الجماهير لترك منازلهم وشاشات التليفزيون بما تبثه من مسلسلات أو أفلام ليتوافدوا على المسارح في الزحام من أجل مشاهدة عروض مبهرة تهطل فيها الأمطار أو يطير البطل بجناحين على المسرح ويختفي في سمائه.
و- أزمة الفنان الموظف: تتسبب ثقافة التزاحم التي عانى منها المجتمع المصري ومازال يعاني والتمركز حول نهر النيل فيما لا يتجاوز 15% من إجمالي مساحة مصر؛ في عدم توافر البنى التحتية اللازمة لاستيعاب التزايد المطرد في عدد السكان وزحف سكان القرى والنجوع إلى المدن الرئيسية بحثاً عن لقمة العيش مما أدى لتراجع قدرة الأجهزة الخدمية عن أداء دورها، وتزاحم الجهاز الإداري للدولة بمسمى موظفين يشغلون الأماكن ويستهلكون المنشآت والميزانيات المنوط صرفها من أجل تحقيق أهداف تلك المؤسسات لتتحول إلى رواتب لجيش من الموظفين بلا نسبة تأهيل أو تخصص تذكر في الوظائف التي تم تعيينهم لشغلها .. والمسرح الرسمي جزء من المنظومة الوظيفية البيروقراطية، نال نصيبه من التكدس الوظيفي بأعداد كبيرة حتى تحت كادر فنان، وأصبحت كل فرقة تعج بالفنانين من الممثلين والمخرجين. وهو ما تسبب في حالة من التهميش فيما قبل يناير 2011 ليتمكن البعض من الفوز بنصيب أكبر من المشاركة في العروض سواء تمثيلاً أو تأليف أو إخراجاً والظلم للكثيرين من شباب الفنانين الحالمين بمستقبل فني مزدهر، ولقد أدى ذلك بالضرورة إلى الاهتمام بالكم بغض النظر عن الجودة والتميز الفني حيث أصبح لزاماً على الإدارة أن تنتج العرض لمدة خمسة عشرة يوماً بغض النظر عن كونه عرضاً يرتقي لدرجة متيمزة فنياً أم لا، ولكن المعيار بمد فترة العرض عن الأسبوعين هو الإقبال فإذا كان هناك إقبال حتى ولو متواضع فيمكن استمرار العرض لفترة أو فترتين على أقصى تقدير، لكن القائمة طويلة على مقاعد الاحتياطي من الفنانين الموظفين بهذه الفرق ولابد من أن يغلق العرض لكي يفتح عرض جديد بفريق آخر من حقه أن يأخذ فرصته في المشاركة بالعروض المنتجة. أما عن الإقبال الجماهيري فهو ما يتأرجح بين عروض بالغة التميز تحظى بإقبال جماهيري كبير، يرجع الفضل فيه في أغلب الأحيان إلى النجم بطل العرض الذي يلقى قبولاً شعبياً كبيراً كما يحدث في مسرحيات الفنان يحيى الفخراني على سبيل المثال (الملك لير التي عرضت ثمانية سنوات من إنتاج المسرح القومي، والتي عرضت بإخراج الراحل الفنان أحمد عبد الحليم، وحققت إيرادات كبيرة). وكذلك كان الأمر في عرض (ليلة من ألف ليلة من تأليف بيرم التونسي وإخراج محسن حلمي والتي أنتجها المسرح القومي عام 2015 وتحقق إقبالاً جماهيرياً إيراداً هو الأعلى حتى الآن). كما كانت هناك عروض متنوعة من إنتاج مسرح الدولة وتحظى بالإقبال أيضاً وبسبب النجوم أبطالها مثل رجل القلعة، بطولة: توفيق عبد الحميد من تأليف: أبو العلا السلاموني، وإخراج: ناصر عبد المنعم، وإنتاج 2006، أو عرض: غيبوبة، بطولة: أحمد بدير، من تأليف: محمود الطوخي، وإنتاج: 2015 والتي تجوب بعض المحافظات حالياً ، أو عرض رئيس جمهورية نفسه ، بطولة: محمد رمضان الذي أنتج في 2014 وأعيد عرضه خلال عيد الأضحى 2015 ويحقق أرقاماً قياسية في الجماهيرية والإيرادات.
ز- تسويق العروض المسرحية: ارتبط التسويق بالمنتجات الصناعية والسلع والبضائع أكثر من غيرها، ونظراً للتكدس الوظيفي لمختلف مؤسسات الدولة ومنها المؤسسات القائمة على المسرح والتعيين بدون مؤهلات مناسبة ودون خطط تدريب جادة وبقاء الأوضاع كما هي عليه، والاكتفاء ببعض البوسترات على أسوار المسارح، وبعض الإعلانات المدفوعة الأجر باهظة التكاليف في عدد من الجرائد وعدم تحديث المعلومات الخاصة بمواعيد العروض واستمرارها من عدمه مع بقاء البوسترات الخاصة بعروض انتهت أعلى المسارح، وغير ذلك من الاكتفاء بالدعاية في محيط المعارف والأصدقاء وبعض الدارسين أو الأساتذة أو بعض الصحفيين المتابعين لمصدر الثقافة والفن وبعض كتاب أعمدة المسرح ببعض الجرائد وإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بغرض الدعاية لمن يرغب في الحضور وهم أقل القليل من المهتمين بالمسرح متناسين الدور الأكبر في جذب العازفين عن المسرح وغير المهتمين به كهدف من أهداف الخطط التسويقية. والحقيقة أن الأداء الحكومي في هذا المجال متواضع وإجرائي بيروقراطي بحت لا يدفع بالقائمين على هذا الملف لبذل الجهد أو التدرب على وسائل تسويقية أو حتى التجول في مختلف المؤسسات الرسمية والخاصة والتجمعات البشرية بغرض جذب الجماهير للمسرح. وهو ما يتسبب في كارثة حقيقية حالياً هي اضطرار الممثلين المشاركين في العرض المسرحي لشراء مجموعة من التذاكر على نفقتهم الخاصة ليتم إقامة ليلة العرض! فما زالت مكافأة ليلة العرض الواحدة لكل منهم أكثر بكثير من ثمن تذكرة أو اثنتين يشتريهما سواء لأحد أقاربه أو أصدقائه الذي ربما يأتي مجاملة أو حتى يشتريها ثم يلقيها بسلة المهملات، والأهم هو إقامة ليلة العرض! في السنتين الأخيرتين بدأت العروض المسرحية في اتجاه مختلف قليلاً نحو التضامن مع فئات نوعية من المجتمع مثل المرضى والأطفال فبدأت العروض المسرحية الرسمية تنتقل لبعض المستشفيات التي يمكن أن تقام فيها عروضاً لتقدم عروضها للأطفال نزلاء مستشفى 57357 لسرطان الأطفال أو مستشفى أبو الريش والأورام.. وهو توجه على أهميته ودوره في مؤازرة شرائح تعاني من المجتمع ولكن تبقى قائمة الطموحات للوصول لبقية جموع الشعب طويلة، ويد المسؤولين عاجزة بالتكدس، وضعف التمويل، وضعف التأهيل للكوادر البشرية.
2- مسرح الثقافة الجماهيرية: تعد الثقافة الجماهيرية الهيئة الأكبر في وزارة الثقافة منذ نشأتها وتبلغ ميزانيتها ما يقرب من 250 مليون جنيه، ويعمل حوالي 17 ألف موظف، وتبلغ عدد المواقع الثقافية التابعة لها ما بين قصور وبيوت ثقافية 560 موقعاً في مختلف أنحاء الجمهورية يعمل منها ما يزيد على 430 موقعاً والبقية في مراحل ترميم، والحقيقة أن هذه المواقع يقع عليها العبء الأكبر في صياغة وعي المجتمع في شتى أرجاء الوطن وأطرافه ولكن الواقع يفرض على أنشطتها مبالغ مالية محدودة للغاية بينما تذهب الميزانية إلى مرتبات الموظفين أو لعمليات الترميم والإحلال والتجديد التي تتكلف ملايين الجنيهات للموقع الواحد بينما يظل أغلبها بلا جمهور يذكر، ويظل النزوح المستمر للكفاءات الفنية من مختلف الأقاليم لأضواء الشهرة والإعلام في العاصمة. وتقدم الثقافة الجماهيرية ثلاثة مهرجانات مسرحية كبيرة على مستوى الجمهورية هي نوادي المسرح ومهرجان الفرق القومية المسرحية وشرائح القصور، وتعد هذه المهرجانات الثلاثة متنفساً للكثير من شباب المسرح وحتى رواده، ويمارس فيها الجميع فنه بما يتاح من إمكانيات ويدفع بالكثيرين من الفنانين الشباب والمبدعين لسلم الأضواء في عالم المسرح، ولكن ينحصر دورها في خدمة فناني المسرح وأشخاص قلائل من متابعيه ومحبيه؛ بينما تتبقى نسبة كبيرة من مختلف فئات المجتمع لا تعلم عن هذا شيئاً ولا تقدر قيمته ولا تجد فيه من الإبهار ما يجذبها للمتابعة في ظل سحر التكنولوجيا والسعي اللاهث خلف لقمة العيش تحت ظروف اقتصادية متواضعة لأبناء أقاليم مصر المختلفة وخاصة النائية.
3- مهرجان المسرح التجريبي والرقص المسرحي الحديث: قبل عشرين عاماً كان للعرض المسرحي مفهوم مختلف، فكانت غالبية العروض المسرحية تنحصر في إطار الكليشيهات حتى أصبح المتفرج يدخل لمشاهدة العرض المسرحي حافظاً لنصف الأحداث متوقعاً للنصف الآخر، فجاءت رياح التجديد لتضخ بدماء جديدة في عروق هذه الكليشيهات الجامدة المحفوظة، فتنتج عروضاً جديدة في شكلها ومضمونها، وعروض المسرح التجريبي والرقص الحديث أشبه بتلقي لوحات معرض فن تشكيلي، فيمكن تلقي كل لوحة على حدة، مرتبطة أو منفصلة عما قبلها وما بعدها. كما تزخر العروض بصور المثاقفة حيث التلاقح الثقافي بين قصيد شهرزاد السيمفوني لكورساكوف؛ وعزف تخت نصير شمة الشرقي .. بين مانيكان محمود مختار ذا الحلة السوداء وزلعة الماء ترتكن إلى قاعدته. ومن ثم فإن إعادة إنتاج التراث في صورة معاصرة هو أحد أهم روافد وأساليب المسرح المصري عامة ضمن كتابات جيل الرواد وهو من أهداف المسرح التجريبي والراقص بشكل خاص، فمن منحوتات مختار إلى تابلوهات شادي عبد السلام الإيقاعية ومحمود سعيد إلى غيبوبة نجيب محفوظ يعيد المسرح التجريبي إنتاج التراث في صور حداثية لنعيش معه زمن الراحلين ونستعيد محطات مهمة في تاريخنا فنكتشف أننا نعاني مثلما عانوا ونجاهد مثلما جاهدوا .. ولا شك أن مثل هذه العروض أثرت في المسرحيين وكانت فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بمثابة احتفال للمسرحيين لمدة عشرة أيام سنوياً، وكان المسرحيين يشاهدون عروضاً ويخالطون ثقافات من مختلف بقاع الأرض. والجدير بالذكر أن هذه العروض لم تحظ بالجماهيرية لارتباط الجماهير بالسائد بينما يبقى التجريبي والاستكشافي محل توجس ومراقبة واختبار، وفي ظل الكثير من المعوقات والسلبيات المشار إليها سلفاً لم يلق المسرح التجريبي الجماهيرية على الرغم من نجاحه بدرجة كبيرة في تجديد دماء العروض المسرحية المصرية شكلاً ومضموناً واستمراره لمدة ثلاثة وعشرين عاماً من 1987 حتى 2010 وتوقف بخروج فاروق حسني من وزارة الثقافة في يناير 2011.
4- المهرجان القومي للمسرح: بدأت دورته الأولى عام 2006 برئاسة د.أشرف زكي رئيس البيت الفني للمسرح ونقيب المهن التمثيلية آنذاك رفد الحركة المسرحية المحلية بروح تنافسية تدفع بالفرق المسرحية المختلفة نحو الاجتهاد والتنافس من أجل الفوز بجائزة من جوائز هذا المهرجان على الرغم من التكاليف التي كانت تصرف على إقامته والدعاية الكبيرة التي كانت تصاحبه. وعلى الرغم من تعثره لثلاثة دورات غير متتابعة بسبب الأحداث الكبيرة التي مرت على مصر لكنه استمر حتى اليوم وعقدت دورته الثامنة 4-20 سبتمبر 2015، ومازال يتيح الفرص ويلقي الضوء على الكثير من المواهب الشابة. وهو دون شك يخدم الفنانين الموهوبين وفئة محدودة من هواة المسرح ومحبيه، ولكن مازال تأثيره في مختلف فئات الشعب المصري محدود. 5- مسرح مراكز الإبداع: (ستوديو الممثل) نشأت فكرة ستوديو مسرح مركز الإبداع عام 2002 بجهود المخرج خالد جلال وبدعم كبير من وزير الثقافة فاروق حسني وأصبح من أهم البرامج والورش المسرحية الموازية لكل من معهد الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون التابعة لوزارة الثقافة وكذلك لأقسام المسرح في الجامعات الحكومية والخاصة، وفيه يتدرب المتقدمين على التمثيل بتخصصاته المختلفة : الإلقاء - الرقص – الغناء) وبه ورش للإخراج والديكور. ويتم اختيار المقبولين بعد اجتياز اختبار مهارات ومقابلة شخصية ويتم إعدادهم في الفروع المشار إليها ويتخرجون منها لسوق العمل والإنتاج الفني مباشرة حيث يتحقق في هذا المشروع ثنائية ربط جهة التدريس بأصحاب الأعمال من المخرجين وجهات الإنتاج وهو ما يفقتد إليه الكثير من المؤسسات التعليمية والجامعية في مصر حيث يتخرج الطلاب من مختلف التخصصات بخبرات ومناهج قد تكون منفصلة نوعاً ما عن سوق واحتياجات سوق العمل. والأهم هو أن الدارسين في هذه الورش يتدربون مجاناً تحت مظلة صندوق التنمية الثقافية. ولقد أنتج ستوديو الممثل عدد مهم من العروض المسرحية تعد الأنجح خلال الفترة منذ إنشائه حتى الآن ويمكن الإشارة إلى بعض العروض المسرحية التي تركت أثراً كبيراً في فئات كثيرة من المجتمع وهي مسرحية قهوة سادة من إنتاج عام 2008 والتي ظلت تعرض لأكثر من عام، وكذلك كانت هناك عروض مثل هبوط اضطراري وبعد الليل. تم تكرار تجربة ستوديو الممثل بمسرح مركز الإسكندرية للإبداع (الحرية) ونجحت في جذب عدد من شباب مدينة الإسكندرية الموهوبين، إلا أنها لم تلق الرواج الجماهيري والإعلامي نظراً للمركزية في مختلف أشكال العمل في مصر وهو ما سبق الإشارة إليه هنا.
6- مسرح مركز الهناجر: تم إنشاؤه لاحتواء الشباب الموهوب من خارج العاملين بوزارة الثقافة واشتهر مركز الهناجر للفنون منذ نشأته برفع شعار (المقر شبه الدائم لفرق المسرح المستقلة) والتي كانت تقيم عروضها بحرية كاملة، وكان البيت الأول لنشأة الكثيرين من الفنانين الذي بدأوا حياتهم بالمسرح ثم انتقلوا إلى السينما والتليفزيون مثل الفنان الراحل خالد صالح والفنان خالد الصاوي وغيرهم الكثير، ومن أبرز الفنانين الذين وقفوا على خشبة مسرح الهناجر ممثلين كان الراحل نور الشريف في مسرحية يا غولة عينك حمرا . ثانياً : المسرح الخاص 1- فرق المسرح المستقل والبديل: في مطلع التسعينيات بدأت تجربة ما عرف بمسرح الورشة للمخرج حسن الجريتلي بالحكي والارتجال، ومع توقف إحدى دورات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بسبب الحرب في العراق اجتمع العديد من المسرحيين المستقلين وقرروا إقامة فرقهم استقلالاً عن الدولة فظهرت فرق مثل أتيليه المسرح وفرقة الحركة والمسحراتي، وقدمت عروضاً فرضت نفسها على الواقع المسرحي المصري بديلاً للمسرح الرسمي الذي يغط في بيروقراطية ضخمة من أجل الحصول على فرصة إنتاج عرض مسرحي دون تدخل أو تحكم في اختيار نصوص بعينها أو ممثلين أو فرق عمل بعينها وهو ما كان يعد مهمة شبه مستحيلة لكل فنان متحرر من القيود المكبلة للإبداع. وعلى الرغم من اتهام القائمين عليها بالعمالة غير الوطنية والتبعية لأمريكا وبعض الدول الأوروبية نظراً لتلقي معظم هذه الفرق تمويلاً مالياً من هذه الدول لإنتاج العروض المسرحية، وانتشار هذه الفرق في القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد والمنيا إلا أن لها دور كبير في تنشيط الحركة المسرحية جماهيرياً نظراً لحرص القائمين عليها على اتباع طرق تسويقية مختلفة تسهم في جذب الجماهير لدرجة امتلاء صالات العروض بالكامل. ولكن يبقى عدد العروض والمسارح المتاحة محدوداً للغاية .
2- المسرح التجاري والقطاع الخاص : ظهر المسرح التجاري الخاص بقوة كنتيجة طبيعة للانفتاح الاقتصادي الاستهلاكي الذي حرر الاقصاد المصري خلال السبعينيات والثمانينيات وما نتج عنه من صعود شرائح اجتماعية محدودة الأفق ضيقة الفكر تسعى للمتعة والملذات والتسلية دونما الحاجة إلى الإقناع والفهم، ودون إدراك لقيمة الرقي الفني وجمالياته الفنية الرفيعة، وهو ما دفع عدد من القائمين على المسرح إلى التربّح التجاري واستدرار أموال هؤلاء الأغنياء الجدد بتقديم عروض مسرحية هي أقرب إلى السيرك والابتذال، لتصبح روشتة المسرحية الرابحة هي : إفيهات، نكت جنسية، رقص، أكروبات، في إطار قصة هامشية وتستهدف شريحة الحرفيين الجدد من أصحاب الثروة بعد الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات وما بعدها بالإضافة إلى جمهور السياحة العربية الوافدة إلى مصر من منطقة الخليج. وعلى الرغم من أن الفنان محمد صبحي قد قدم عروضاً مسرحية في إطار المسرح التجاري ومسرح القطاع الخاص خلال تلك الفترة إلاّ أن عروضه قد انتهجت المنهج التعليمي والملحمي وحملت الكثير من المضامين والنقد الاجتماعي والسياسي، وقدمت الكثير من الرسائل والخطب السياسية للحكام، وتعد مسرحيات صبحي ضمن أبرز العروض المسرحية الإيجابية التأثير في المجتمع المصري والعربي. ولقد تآكلت ظاهرة المسرح التجاري مع بدايات الألفية بالتطور التكنولوجي الهائل وظهور سينما المول وعدة صدمات اقتصادية أدت إلى عزوف الجماهير عن المسرح عموماً مما دفع الكثير من المنتجين لهذا النوع إلى التوقف عن المخاطرة .
ثالثاً : المسرح الجامعي يشكل المسرح الجامعي قاعدة عريضة للحركة المسرحية الشبابية في مصر، فهو يعد متنفساً للكثير من الشباب الموهوب في مرحلة عمرية صغيرة ما قبل التخرج ومواجهة الحياة، ولم تكن عروضه تخضع للرقابة بشكل مباشر فكان الشباب في مختلف جامعات مصر وبخاصة الحكومية .
رابعاً : التوصيات
#هاني_أبو_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة سيميولوجية لعرض مسرحية ( منين أجيب ناس )
-
المخرج المسرحي وكتابة الميزانسين mise in scene
-
أقنعة ومتون وهوامش
-
الفرجة الإيهامية ونوستالجيا التحول الدرامي
-
نوستالجيا التحول الدرامي نحو عدالة اجتماعية
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|