|
تحرير العقل شرط لزم لتحرير الوطن والمجتمع
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 6455 - 2020 / 1 / 4 - 13:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لدى مقاربة ازمة العالم العربي في الوقت الراهن يجري تغييب أ و تجاهل عاملين أساسيين ومتلازمين أسهما في تعقيد الأزمة وإدامتها، وهما تركة التخلف والليبرالية الجديدة، التي تطورت عن التبعية للكولنيالية الامبريالية. حرصت الكولنيالية على رعاية عوامل التخلف في الحياة الاجتماعية للبلدان التابعة ، ومنها البلدان العربية، فتجاورت في مجتمعاتنا وفي الوعي الاجتماعي انسجة رخوة من قشور حضارة زائفة مع تركة ثقيلة تخلفت عن العصر الوسيط؛ وأخطر ترسبات العصور القديمة في الوعي الاجتماعي هو الاستكانة لنظم أبوية مدعمة بفقه السلاطين. وهذا النمط من الفقه خاصم العقلانية المستندة الى علم الكلام الذي تطور عبر قرنين من الزمان بعد وفاة الرسول، تمحور حول تقديم تفسير عقلاني لما اشتبه في تفسيره من آي القرآن الكريم، بالاستعانة بفقه اللغة العربية،خاصة بلاغة الشعر المحفوظ، حيث التقط المجازوسيلة تعبير، تجسد بلاغة الإبانة في ذلك العصر؛ واتكأت التفاسير على ركنين ثابتين في الشريعة: ان الله عادل ، وليس كمثله شيء. فكل ما ورد عن الله مما يماثل البشر، كقول "يد الله" ، "ثم استوى على العرش ، و"كلم موسى" يقتضي أن يحمل على المجاز. ردت تفاسير الكلاميين على الجبرية التي أشاعها الحكم الأموي لتبرير استئثارهم بالسلطة دون بقية المسلمين. قالها معاوية ،"هي إرادة الله ولو أراد غيرها لفعل". جاء رد الكلاميين مستندا الى تقدير قيمة العقل في سلوك الإنسان ، وان العدالة الإلهية تفترض مطالبة الإنسان المزود بالعقل، إدراك عواقب أفعاله، وأن يعقل ويتفكر ويهتدي؛ ومن ثم فهو مسئول عن أفعاله ومحاسب عليها بالعدل. وضع حد للفقه العقلاني بانقلاب عام 232 هجري، حين أصدر الخليفة العباسي المتوكل مرسومه الشهير بمنع المناظرات والنأي عن علم الكلام المعتزلي ب"العودة" الى السلف الصالح. أسند استنباط الفقه قصرا على أبي الحسن الأشعري. لم تتم العودة الى نهج السلف الصالح، إنما سدر الفقه في الامتثال لرغبات السلاطين ونزواتهم، وحلت بدعة الفرق الهالكة والفرقة الناجية المؤولة عن البنية الاجتماعية الأبوية لقبلية ما قبل الإسلام. فبينما يتهيب الحاكم في البلاد المتقدمة الشعب والمجتمع، ويعبئ طاقاته كي يرتفع إلى مستوى ما يُطرح عليه من مسئوليات، نجد النقيض تماما هو الذي يحصل في بلاد الطغيان، حيت حكم الطغاة إرادة إلاهية، مما تمخض عنه هدر "الرعية" فكرا وإرادة وكرامة. في ذلك العصر صاغ الفقه مقولة " من يحكم يطاع". الطاغية يقبل الممالأة والانقطاع له في السعي والإرضاء. ومع الزمن يبادر الأتباع لرصد رغباته بدون إشارات ويسرعون في تنفيذها؛ فلا قيمة لكفاءة بل للولاء ؛ وحالما يغدو الولاء موضع شك يفقد التابع حتى إنسانيته؛ فلا أمان لأحد ولا غفران لخطأ. إبان المرحلة الثانية للخلافة العباسية، مرحلة التدهور التي آلت الى القضاء على الخلافة في بغداد، ساد القول " من تمنطق فقد تزندق" ، مما يعني إيقاف التفكير والامتثال للواقع والرضى به على أنه الحقيقة والفضيلة . في تلك العهود رفع حد السرقة عن اغتصاب المال العام من قبل أعوان الحاكم بامره؛ وهذا ما فتح الباب أمام تغول الاستبداد في هدر مصالح الأمة، لا يكتفي بردع المعارضة، بل تدميرها واجتثاثها. وآخر ما تطور إليه فقه الاستبداد في العصر الوسيط لدى ابن تيمية، مرجعية الفكر السلفي المعاصر، بلغ الأمر ب "الفقهاء" السابقين لابن تيمية أن أفتوا بأنه " إذا ما خلا الوقت من إمام عادل مستحق للإمامة فتصدى لها من هو ليس من أهلها، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته ولزمت طاعته لينتظم شمل المسلمين وتجمع كلمتهم . ولا يقدح في ذلك كونه جاهلا أو فاسقا في الأصح ". أما علم الغيب ، ونقصد به استغلال الدين وسيطرة رجاله على التحكم بالغيب ، تفسيرا وتأويلا واحتكارهم لهذه السلطة المعرفية من اجل ترويض الناس من خلال كل آليات التحريم والتحليل المعروفة، فقد بلغ الأمر تكفير كل فكر.... أننا أمام حالة خصاء فكري فِعْلي هو وحده الذي يطوب السلطة لرجال الدين، وهم بذلك أكثر حلفاء الاستبداد السياسي ، حتى وهم يدخلون في صراع معه، ذلك أنهم ينتجون نماذج من البشر مسلوبة المرجعية الذاتية وبالتالي جاهزة للانقياد للاستبداد السياسي والديني معا.التحريم والتجريم لا يبقيان للفكر من معرفة ممكنة إلا علم تدبير الحال، إما بالتحايل والإخفاء والتمويه والمداهنة . انتقلت هذه المظاهر كاملة الى العصر الحديث، وباتت تشكل التقليد والقيم واجبة الرعاية ومن يتمرد عليها يتهم بهدم المجتمع. هكذا برزت مقولة "الهدامين" و"الفكر الهدام" نصم الأفكار الثورية في العصر الحديث، لتستبد بمفهوم "الإرهاب" و"الفوبيا". في العصر الحديث شرع المستشرقون يحطون الرحال في الأقطار العربية –الإسلامية يستكشفون نقاط الضعف في المجتمعات المستهدفة بالاختراق والإخضاع طبقا للأهداف الاستراتيجية المرسومة، عثروا على بغيتهم في تركة اندماج الفقه بالسلاطين والهدر الاجتماعي، خاصة العقل والإرادة لدى البشر. وقبل أن تطأ بساطير الجنود الأوروبيين الأرض العربية اختزل تخلف مجتمعاتها في البنية الأبوية ، سول لها فقهاؤها الخضوع لغير المسلمين وبات مقبولا لديهم إقامة علاقة مع دول الغرب تحفظ عروشهم، باعتبارهم "الحلفاء" من اهل الكتاب، بينما اعتبر المعارضون من المسلمين زنادقة وخوارج ومرتدين. أباحت فتاوى فقهاء الاستبداد بسط السيطرة الامبريالية على المجتمعات العربية؛ وبدورها رعت السيطرة الكولنيالية جميع مظاهر التخلف في الوعي والحياة الاجتماعية. قدّر الاستشراق ازلية الحالة التي وجد عليها شعوبنا ،وانها سمة عرقية ، وقيم ما رعاه من فقه جوهر الدين وليس نتاج بيئة اجتماعية تاريخية. بالطبع محيت تماما تجربة تطوير فقه عقلاني، كما طرحت على قارعة درب المسيرة الهابطة جميع مظاهر العقلانية العربية- الإسلامية . تم تغييب ثمرات العقل التجريبي التي قامت عليها النهضة الحضارية المعاصرة . كانت صفة "أشباه متوحشين" المقدمة الضرورية لإخضاع شعوب المنطقة للهيمنة الامبريالية، أو تصفيتها حسبما خطط لشعب فلسطين. دأبت مراكز الاستشراق بالتعاون مع الاستخبارات في الغرب على البحث عن واستنباط البدائل الملائمة لتخليد تخلف البلدان التابعة، والإبقاء على مرحلة ما قبل الرأسمالية، رغبة في وأد طموحات الشعوب المتطلعة لمعانقة الحضارة الحديثة . وبتسخير الأنظمة الأبوية و التدين كموروث ثقافي تهيأ للسيطرة الاستبدادية أداة ترهيب وترغيب؛ ذلك أن الاستبداد المعاصر يقوم على الدوغماتية التي تغلق باب التساؤل والوعي والفكر، وتخلو من أي ريبية تجعل الأمور نسبية ، وتسمح بمراجعة الذات والآخرين. وحسب هذا النهج سارت العملية التعليمية في مجتمعات العرب تعتمد التلقين وتقدم العلوم نظريات ثابتة يقينية غيبت طابع التطور ونفي الذات في العلم، فأشاعت الدوغمائية وغيبت التفكير والنقد لدى اجيال المتعلمين . لا يكتفي الطغاة بالسيطرة على الناس من الخارج، بل ومن الداخل أيضا، هدرهم من داخل ذواتهم على مستوى السلوك والفكر والإرادة وحتى هدر الوعي والكيان. لدى الحكم المستبد لا تتوقف غريزة السيطرة عند حدود؛ الإنسان- كما تبين لعلم النفس- هو الكائن الوحيد حيث نزوة السيطرة لديه والفتك بالمعارضة تتجاوز الحاجة إلى التحكم وتتحول إلى نزوة سطوة أبدية، تهدف إلى الاستحواذ والسيطرة بالقوة. سلطت على المجتمعات العربية مع مطلع القرن الماضي مقاومة الشيوعية، وفي ستينات القرن الفائت تم استنباط الاستهلاكية نظاما للاقتصاد والثقافة بديلا للتنمية الاجتماعية؛ وفي كنف الاستهلاكية نما التخلف وتكاثرت مظاهره. شاع السطو على المال العام وإفساد الإدارة تشكلت شريحة البرجوزاية البيروقراطية من جهاز الحكم، ترعى الاستبداد وتعزز التبعية الاقتصادية للامبريالية . تدهور التعليم مع انتشار النزعة الاستهلاكية وتسليم اموره لعناصر سلفية، ونمت في بيئتها الثقافية قيم الثقافة الهابطة، وانتشر التفكك الاجتماعي والانحلال الخلقي.تجاور التدين الزميت مع الفساد والانحلال؛ ومن اقتصاد وثقافة الاستهلاكية سهل العبور الى الليبرالية الجديدة نظاما غلب فيه دور الثقافة على الاقتصاد في تثبيت الهيمنة . ثقافة الليبرالية الجديدة المعولمة عدوانية تقوم بمهام القطعات العسكرية في إخضاع الشعوب لليبرالية الجديدة، استهدفت إنسانية البشر بغية تدميرها لإبقاء الشعوب تتخبط في متاهة الإحباط. أشاعت الكراهية العرقية والعنف والقسوة وسفهت أفكار التضامن والتكافل الاجتماعي ، حيث اعتبرت ضحايا جشع الاحتكارات الى الأرباح اناسا فاشلين لا يستحقون الرعاية. تمخضت ثقافة الليبرالية الجديدة عن ما يدعى ثقافة الكازينو، من يخسر يطرد ويعزل غير مأسوف عليه. تورطت اقتصادات دول عديدة ، ومنها الدول العربية جمعاء، في شباك الليبرالية الجديدة، ناشرة الفقر الجماعي؛ كما منحت الليبرالية الجديدة دفعة إضافية للسلفيات الدينية في أنحاء المعمورة، حيث استظلت دول الليبرالية الجديدة بمقولات السلفية الدينية كي تتملص من ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والاتفاقات الدولية المناهضة للفاشية والسيطرة الأجنبية. استنبطت الليبرالية الجديدة آليات التحكم بالسلوكات والمواقف، منها ما دعاه المفكر الأميركي، نوعام تشومسكي،" آليات الموافقة"، تكثف موجات التحريض من خلال التكرار والبلورة و التركيز على الموضوع وإبرازه لحمل المتلقين على قبول رسالة الدولة العميقة، التي تحملها "الميديا". يتوهم المستقبِل انها قناعة ذاتية وليست مفروضة بالإكراه والتحايل. في عالم القهر تتقدم علوم الأمن والمخابرات وتجهيزاتها. اجهزة المخابرات هي الوحيدة المسموح لها التزود باحدث التقنيات وتزود بأحدث خبرات مكافحة النهوض الشعبي. ادخل التعذيب إحدى وسائل فرض الاقتناع، أو أسلوب " التعلم بالاقتران الشرطي" تبعا لأعمال عالم النفس الروسي، بافلوف، الشهيرة. وحيث ان تعلم الخوف أسرع وأكثر ثباتا بما لا يقاس من تعلم أي أمر آخر، فقد ابتدع الترويض المتبع من قبل دوائر الاستخبارات الامبريالية مبدأ إنزال الآلام وحشر ردود الأفعال والسلوكات في قمقم الرعب والقلق بما يعطل النوايا والأفكار التحررية ويولج الجمهور في سلوك هروبي داخلي محض يقوم فيه الشخص باستبعاد النية في التفكير أو السؤال او النقد. أشهرت الدوائر الأمنية مبدأ التعذيب في غرف التحقيق بتفويض من الهيئات التشريعية ، وبعثت دوائر المخابرات الامبريالية والاسرائيلية الداعشية بقسوتها المفرطة تلحق المثيرات التنفيرية الآلام ، وتولد الخوف الشديد عند الحيوانات او القلق عند الإنسان. يتجاوز ترويض السلوك الظاهري الحركي لدى الفرد والمجموعة، وصولا إلى تشكيل الإدراك والأفكار والقناعات والعواطف؛ يغدو امتلاك الإنسان من الداخل ، وعلى مستوى الوعي الذاتي والخبرة المعيشة أعلى مراحل التحكم يغدو مجرد التفكير بالسؤال والاستفسار تطاول وخيانة. ولفرط التعميم يصبح الإنسان رقيبا على نواياه، وعندها يكون الترويض قد بلغ منتهاه من النجاح. في جوف هذا القمقم تم حشر الشعوب العربية وجمهرة المثقفين. والبقاء في الجوف غير سكوني ثابت ، بل يخضع لتفاعلات: ضعف التفكير أو غيابه اطلق العنان للانفعالية النزوية تفقد الاستجابة للتطاولات الأجنبية عنصر التعقل والتفكير الاستراتيجي، وتحيلها فزعات ارتجالية وتجييش انفعالات من نمط "ألغوشات" المعتادة في الأحياء، وتكون الهزائم هي النتيجة المحتمة للتضحيات الغزيرة، تسفر عن إحباط وتبخيس الذات العرقية. تلك كانت على الدوام حصيلة المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وحملات العدوان الإسرائيلي، حيث باتت القضية في الوقت الراهن تشرف على هاوية سحيقة، يتطلب الخروج منها جهودا استثنائية. علاوة على الانفعالية هناك مظاهر تخلف موروثة تكتنف ردود أفعال المقاومة الفلسطينية أسفرت عن عواقب كارثية. في المجتمع الفلسطيني، حيث تغلب العلاقة العشائرية، وتغدو عشيرة الجاني بأسرها مطاردة، سهل على الانتداب البريطاني تطبيق مبدأ العقوبات الجماعية، وعنه نقل مفس المبدأ الاحتلال الاسرائيلي ، يهدم بيوت أسر المناضلين ضد الاحتلال ويسحب الجنسية من أسر آخرين من سكان القدس . ومؤخرا وجه التهديد بسحب هويات الأهالي في بلدة العيسوية إن واصل أبناؤهم مقاومة عسف الاحتلال. وفي بداية القرن الحالي، وحسب دراسة للنفسية الاجتماعية الفلسطينية، راودت الاحتلال الرغبة في الاشتباك المسلح مع المقاومة الفلسطينية، ولقي استجابة حماس، حسب المتوقع ، من غير تدبر او تفكير استراتيجي. اندفعت حماس تلاقي الرغبة الإسرائيلية، وتبعتها فصائل أخرى ليس من منظور دحر الاحتلال ، إنما من منظور التنافس على الشعبوية. التقط الاحتلال شهوة حماس للحلول محل فتح في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية فركز ضرباته على عناصرها دون التطلع لكسر شوكتها؛ وعلى إيقاع الصدام المسلح، أو تبادل إطلاق النيران وتكافؤ الرعب ، كما توهمت حماس، راح ينمو التطرف اليميني في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. وتحققت لحماس هيمنة، تناور وتداور كي تستدام على قطاع غزة. في السنوات الأولى من القرن الحالي أدركت الفصائل الفلسطينية انها استدرجت الى صراع مسلح غير متكافئ ونحت الى التهدئة؛ غير أن إصرار شارون لمواصلة الاشتباك المسلح تغلب باستثمار نزعة الانتقام في التقليد الفلسطيني وجرجر الفصائل في اشتباك مسلح حسب النمط الملائم لشارون والمستجيب لأهدافه االعدوانية الى أن حدثت تفجيرات الحادي عشر من أيلول في نيويورك وأعلن شعار الحرب على الإرهاب. لغرض في ذهن شارون استثمر نزعة الانتقام في التقليد الفلسطيني، لتعطيل توجه المنظمات الى التهدئة واوقعها في شراك العنف غير المتكافئ الذي أسفر عن استباحة مناطق السلطة وشطب إيجابيات اوسلو والمضي في نهج استيطان وتهويد غير ملتزم بالاتفاقات الدولية وقرارات الإجماع الدولي. انقضت عقود غيب فيها العقل، تخللتها الهزائم والانتكاسات وقضم الأرض الفلسطينية. والتجارب المريرة كافية لإقناع كل ذي ضمير بوجود التطابق يصل حد التماهي بين الانطلاق الفكري والتقدم الحضاري طبقا لمبادئ علم النفس الإيجابي. العواطف تستنير بالعقل والعقل تروض انطلاقته العواطف والضمير الإنساني. الأزمة بنيوية شاملة والخروج منها بنيوي وشامل لمختلف أفرع الحياة الاجتماعية ، الاقتصادية والسياسية والتربوية – الثقافية والعلاقات الاجتماعية، تتمحور جميعها حول قضية الديمقراطية. قضيتان تستأثران بالحوار الثقافي الراهن : تحديث الخطاب الديني وتحديث العملية التعليمية، وكلتاهما متداخلتان في نسيج الاستنارة العقلية ضمن التحديث الشامل وتستندان الى قرار سياسي. من أين نبدأ؟ وهل ننتظر القرار السياسي الثوري؟ وكيف ننجز الثورة السياسية بدون تطوير فكري –ثقافي ينجزه مثقفون يدخلون في صراع مع الهيمنة الأجنبية المدعمة بسلطة الأبوية والتدين السلفي؛ والمهمة ينهض بعبئها مثقفون عضويون ملتزمون بقضايا الجماهير ومؤهلون بفكر موسوعي ، يرتفعون عن مستوى الردح العقيم مع زعامات التيار السلفي وينطلقون في رحاب التحديث الفكري – الثقافي، والتربية هي القطاع الاجتماعي، الذي ينعكس تحديثه بصورة إيجابية على بقية القطاعات. يتوجب على قوى الغيير التقدمي في المجتمع الاضطلاع بمهمة التحديث التربوي وممارسة الضغوط لكي تسحب التربية من سيطرة الحكومات باعتبارها قضية سياسية بامتياز. تحد-يث المجتمع يتطلب نظاما تعليميا يقهر الجمود والدغمائية ويستثمر في الطفولة. يتميز التعليم التقدمي بالمروتة والإبداع وبالقدرة على التكيف مع الظروف المستجدة. يقرر الخبير التربوي الفرنسي "اندرياس شلايشر" مدير التعليم والمهارات والمستشار الخاص لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ما طلع به المربي خليل السكاكيني قبل قرن من الزمان حول وجوب قيام علاقة احترام متبادل في المدرسة تحترم كرامة الطالب وتنأى عن التلقين والحفظ عن ظهر قلب الى تربية العقل المفكر والنقدي مع روح المبادرة في البحث والتقصي وإيجاد الحلول. المدرسة الحديثة مركز للحوار المؤهِل للديمقراطية الراديكالية، ويقوم على تعاون المدرس مع التلاميذ وأسرهم .فبدون تسخير العملية التعليمية لتربية العقل الناقد المفكر والمبدع يستحيل تحديث الخطاب الديني وإرجاع الفقه الى حظيرة العقل. الله ليس بعابث يخلق للإنسان عقلا كي يعطل مفعوله في أي من قطاعات الحياة الاجتماعية. مصيران او خياران يقتضيان صنفين من التفكير، في نظر المفكر المفكر المصري ، الدكتور مصطفى حجازي، لتقرير الموقف من الأمن ومن السياسة ومن التعاطي مع تحديات الحياة، ثم مقاربة الاقتصاد؛ يطالب اولا قراءة الواقع والانطلاق من حقيقة أن المصير لا يقبل غير احد مسارين: فإما انفعال بغريزة البقاء.. وإما استخدام لملكة العقل التى وهبها الله الإنسان؛ إما تجميد لعروق الحياة فى جسد الأمة بالخوف، ومصادرة لحق الفكر والفعل.. وإما حمل لأمانة السكينة والعدل لتلك الأمة كى يبدع كل أبنائها فكرا وفعلًا كُل حسب طاقته؛ إما صراع على سلطة وتَسُلِط لِمَن غَلَب.. وإما حكم رشيد وتنافس محمود على إدارة طاقات الأمة ومواردها، وقبلها بناء لسياقِ عدلِ - إتاحة وإثابة - يستنطق العقول بالإبداع ويستحث الأمل فى وطن جامع!؛ إما تكَيُف مع المُتاح مهما نَدُر، وتَقَزُم حيال السقوف مهما تَدَنَّت، وانكفاء أمام الحدود مهما تَقَلَّصَت.. وإما انطلاق بالعقل فى رحاب المطلوب، واستشراف لأفق الترقى الواجب، وتحرر من محددات الواقع، وتحليق بالعقل دون سقوف إلا ما يقررها العقل ذاته؛ إما اقتصاد تقسيم المُقَسَّم، وشراكة فى العَوَزِ، وخَنقا بالضيق.. وإما كونه تَحَدى إنماء وخَلقا للسعة.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة الفلسطينية حركة ثورية تسترشد بالنظرية الثورية
-
إميل توما يرصد تنامي الوعي القومي المقاوم
-
إميل توما يرصد إرهاصات الوعي القومي العربي
-
إميل توما: في كنف السلطنة كانت بدايات الاستيطان الصهيوني
-
ألانتفاضات الشعبية ضد مافيات الفساد ومافيا الاستيطان بالضفة
-
.إميل توما: الامبريالية تتسرب في أرجاء السلطنة العثمانية وبم
...
-
ألدكتور إميل توما وتاريخ الشعوب العربية -توطيد العلاقات الاج
...
-
نهوض ثوري يستدعي قيادة ثورية
-
التحديث الثقافي عقلانية تقوض البنية الأبوية
-
تحديث الثقافة..ثقافة التحرر الإنساني -الحلقة الثانية
-
تعظم الضغوط لإلغاء الحكم المتجني بحق لولا ، الرئيس البرازيلي
...
-
تحديث الثقافة .. نحو ثقافة التحرر الإنساني
-
شعوب المنطقة.. مكابدة مشتركة تفترض الكفاح المشترك والمصير ال
...
-
السياسة والفكر في الموضوع الفلسطيني
-
نتنياهو يتحدى!
-
عالم الرأسمال بدون مساحيق تجميل -الحلقة الثانية
-
عالم الرأسمال بدون مساحيق التجميل
-
تخبط وارتباك الإعلام الفلسطيني وليس إدارة ترمب
-
نموذج للتفسخ المعولم تشيعه الليبرالية الجديدة- الحلقة الثاني
...
-
نموذج التفسخ المعولم تشيعه الليبرالية الجديدة
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|