|
أحلام مستغانمي الغربة داخل الذات ... داخل الوطن - قراءة في ذاكرة الجسد
علي عبد المطلب الهوني
الحوار المتمدن-العدد: 1565 - 2006 / 5 / 29 - 09:21
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
ثم ماذا لو تحدثنا قليلاً وأرحنا البال من هم ثقيلاً متعب قلبك كان متعب قلبي كان والتقينا ذات ليلة
قراءة في ذاكرة الجسد
ثم ماذا لو تحدثنا قليلاً وأرحنا البال من هم ثقيلاً متعب قلبك كان متعب قلبي كان والتقينا ذات ليلة بهذه الأبيات كانت أحلام مستغانمي تبدأ برنامجها الليلي الذي كانت تطل من خلاله علينا بإذاعة الجزائر ، في منتصف سبعينات القرن الماضي . ذلك البرنامج الذي كنا نراه ممتعاً ومفيداً ، على أيامنا تلك ، وكنت وبعض أصدقائي نحرص الحرص نفسه على سماع ذلك الصوت العذب الرخيم وهو ينساب عبر الأثير ونحن نتحلق حول مذياع اجتهدنا في أن يكون أفضل ماعندنا ، حفظنا الأبيات السابقة عن ظهر قلب وكنا كثيراً ما نرددها في بعض أماسينا الخاصة ، ثم مضت أيام تتبعها شهور وأعوام وأنقطع الصوت العذب وانقطعت أخبار صاحبته فنسي من نسي ، وذكره من ذكر ، حتى أطلت علينا من جديد في إحدى روائع الأدب العربي ، إن لم تكن من عيون الإبداع العالمي ، أطلت علينا في رائعة ذاكرة الجسد . فالتقطتها بين فرحة اللقاء بها ثانية , وبين فرحة أن تجد أحد الذين أحببتهم في مقتبل عمرك يعود إليك برائعة قل نظيرها . نعم تذكرتها وفي جملة ما تذكرت ، وأنا أطالع صفحات رائعتها بنهم ومتعة . قول أحد المشاهير راداً على الذين ظنوا أنه صار مشهوراً فجاءة وبضربة حظ يقول : أولئك الذين ظنوا أنني صرت مشهوراً بين عشية وضحاها لا يعلمون كم من دفاتر كتبت ، وكم من ورق مزقت ، وكم من كتاب قرأت ، حتى صرت إلي ما أنا فيه من الشهرة . كل هذه الأفكار ازدحمت على ذاكرتي ، وأنا أردد بيني وبين نفسي أبيات أحلام التي كانت تخاطبنا بها ، متمنياً أن التقي بأحد أولئك الأصدقاء الذين كانوا يشاركوني متعة سماع صوتها ، وفائدة برنامجها. هذه الدراسة كانت عبارة عن تعليقات حول أحداث وأفكار ( رواية ذاكرة الجسد ) سجلتها على صفحاتها ، وظلت زمناً حبيستها قبل أن أقرر نشرها ونقلها إلي هذه الصفحات . تقول أحلام :- (( وبينما أسحب نفساً من سيجارة أخيرة يرتفع صوت المآذن معلناً صلاة الفجر . ومن غرفة بعيدة يأتي بكاء طفل أيقظ صوته أنحاء كل البيت . فأحسد المآذن , وأحسد الأطفال الرضٌع , لأنهم يملكون وحدهم حق الصراخ والقدرة عليه , قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية , وتعلمهم الصمت ))
أولاً :- هل الآذان صراخ ليس له معني كصراخ الأطفال ، ولكنهما يتوحدان في أن لكليهما المقدرة والحق في إيقاظ النيام ؟ فالطفل صراخه ضعيف على مستوى البيت ، يوقظ أهله ، والمؤذن صراخه أشد على مستوى المحلة ، يوقظ سكانها ؟ ولكن ماذا ترمي أحلام من وراء ذلك !
ثانياً :- قولها (( قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية وتعلمهم الصمت )) . هذه الجملة المقصود بها الأطفال لا صوت المآذن ، لان صراخ الأطفال يتوقف حين يصلون مرحلة الإدراك . أما المآذن فأصحابها لا يصلون إلي مرحلة الإدراك لأنهم لا يتوقفون عن الصراخ , الآذان , من وجهة نظرها ، ولتجعل الأمر أكثر تعقيداً تقول : (( وها أنت تدخلين إلي من النافذة نفسها التي سبق أن دخلت منها منذ سنوات مع صوت المآذن نفسه , وصوت الباعة , وخطي النساء الملتحفات بالسواد والأغاني القادمة من مذياع لا يتعب .... أتابع في نظرة غائبة , خطواته المتجهة نحو المسجد المجاور, وما يليها من خطوات , لمارة آخرين , بعضها كسلى , وأخرى عجلى ، متجهة جميعها نحو المكان نفسه . الوطن كله ذاهب إلي الصلاة . المذياع يمجد التفاحة وأكثر من جهاز هوائي على السطوح يقف مقابلاً المآذن يرصد القنوات الأجنبية , التي تقدم لك كل ليلة على شاشة تلفزيونك أكثر من طريقة – عصرية - لأكل التفاحة )) . إنها تريد أن تتحدث عن الثنائية التقابلية ، في مرحلة من تاريخ الجزائر ، وقد تنطبق هذه المرحلة على كثير من الدول العربية . فجملة الوطن كله ذاهب إلي الجامع ، يقابلها المذياع يمجد التفاحة ،وكذلك جملة أكثر من جهاز هوائي على السطوح ، يقابلها يقف مقابلاً المآذن . أولاً :- في الثنائية التقابلية الأولى ، تقصد بالوطن الشعب ، الذي انخرط جله إن لم يكن كله ، في تنظيم إسلامي له منهج موحد ، وقيادة موحدة ، يقابلها جملة المذياع يمجد التفاحة . فالمذياع هو السلطة ، أو النظام الحاكم ، الذي انحسر في الشرطة والجيش . فإذا كان الوطن , الشعب , يعلن عن نفسه عن طريق ، الجامع وفي أصوات المآذن ، فإن المذياع (السلطة) يعلن عن نفسه ، عن طريق الإذاعتين المسموعة ، والمرئية . فماذا يقول كل منهما للشارع الذي يتسع للجميع السلطة وجل الشعب (الإسلاميين).
الشارع الجزائري
هذا التنافر سيقود إلي حتمية الصراع ، بين القديم والحديث ، فالدولة في وادِ ، والشعب في واد أخر ، مما ينبئ عن تصادم وشيك ، بين الطرفين وهذا ما حدث فعلاً ، في الجزائر . فعلى الدول العربية الأخر التنبه لهذا ، وأخذ الحيطة والقبول ولو علي مضض ، بالديمقراطية . ولعل الصراع بين القديم والحديث سيطر على ذهنية أحلام كثيراً مما جعلها في جل روايتها تناقشه صراحة مرات ومرموزاً له مرات أخر . تقول أحلام :- (( ولكن ليس في أعماقي شيء سوى الفراغات المحشوة بقصاصات الجرائد .. بنشرات الأخبار , وبكتب ساذجة ليس بيني وبينها من قرابة . ثم أضفت وكأنك تودعينني سراً :- أتدري لماذا أحب جدتي أكثر من أي شخص أخر.. وأكثر حتى من أمي ؟ إنها الوحيدة التي كانت تجد متسعاً من الوقت لتحدثني عن كل شيء .. كانت تعود إلي الماضي تلقائياً وكأنها ترفض الخروج منه . كانت تلبس الماضي .. تأكل الماضي .. ولا تطرب سوى لسماع أغانيه . كانت تحلم بالماضي في زمن كان الآخرون يحلمون فيه بالمستقبل )) . ما تعني أحلام بقولها (( وبكتب ساذجة ليس بيني وبينها من قرابة )) ؟ إلا تعني كتب التراث . فهل تمثل أحلام التيار الحداثي الذي يدعي أن لا علاقة له بالماضي , وهذا واضح من قولها ، ليس بيننا وبينها من قرابة ، وأحلام ليست بدعاً في هذا الرأي فلقد قال بذلك الكثير من النقاد الحداثيين وعلى رأسهم أدونيس ويطيب لأحلام أن ترمز للفكر الماضوي بجدتها التي كانت تعود للماضي تلقائياً وكأنها ترفض الخروج منه فهي تلبس الماضي وتأكل الماضي ... إني لأعجب من أناس يعيشون بيننا ويرتدون ملابس العصر الجاهلي تلك الملابس تلائم بيئة الجاهليين وحياتهم ولا تلائم بيئتنا وحياتنا فالنبي ( صلي الله عليه وسلم ) لم يخترع تفصيلة معينة ويطلب من المسلمين الإقتداء به في لبسها بل لبس ما كانت القوم تلبس وبالمقارنة لو رأينا الغربيين وهم يرتدون الملابس الرومانية التي كان يلبسها المسيح ( عليه السلام ) والحواريون لتعجبنا من تخلف عقولهم إذ لكل عصر ملابسه الخاصة به فكيف ننكر شيئاً على غيرنا ونقره لأنفسنا . هذا وأغلب أصحاب هذه العقول النخرة لا يقفون عند هذا الحد بل يرفضون حتى أصناف الأطعمة الفاخرة الشهية ويتشبثون بأصناف الأطعمة القديمة لا لشيء إلا لأن الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) وأصحـابه كانـوا يأكلونهـا ولكن الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) لم يرفض طعاماً بعينه إلا إذا كان حراماً فأكل من طعام اليهود والمسيحيين . فلماذا كل هذه المغالاة ؟ إن هذه الفئة كما قالت أحلام تحلم بالماضي في زمن كان الآخرون يحلمون فيه بالمستقبل . وتحاول أحلام عن طريق الحوار الثنائي أن تفرض قناعات وأفكاراً على المتلقي . تقول :- (( تعجبت لكلامك . لا أدري لماذا لم أكن أتوقعك هكذا . كان في مظهرك شيء ما يوهمك بتحررك من كل الرواسب عندما أبديت لك دهشتي قلت : - كيف تسمي الدين رواسب ، إنه قناعة وهو ككل قناعاتنا قضيته لا تخصنا سوانا .. لا تصدق المظاهر أبداً في هذه القضايا . الإيمان كالحب عاطفة سرية نعيشها وحدنا في خلوتنا الدائمة إلى أنفسنا.... أما الذين يبدوا عليهم فائض من الإيمان فهم غالباً ما يكونون قد أفرغوا أنفسهم من الداخل ليعرضوا كل إيمانهم في الواجهة ، لأسباب لا علاقة لها بالله ! )) أولاً : إن الطريقة التي استخدمتها لإقناع الملتقى بآرائها عن طريق الحوار الثنائي وبواسطة تغليب محاور على آخر قد لا تكون هي الطريقة المثلى في هذا النوع من المحاورات لأنه يتعلق بأهم وأخطر جانب عند بني البشر . ثانياً : إنها تنادي علناً أن الدين الإسلامي من خصوصيات الفرد لا المجتمع ويتمثل في الجانب العقائدي فقط وهذا القول إن صدق على كل الديانات فهو لا يصدق على الدين الإسلامي لأنه دين الجماعة لا دين الفرد ومن ثم فهو يخضع معتنقيه إلى تبني أفكاره التي تدل على أنه دين الجماعة والتي منها : 1- يجمع معتنقيه خمس مرات في اليوم . 2- يجمع معتنقيه في تجمعات صغيرة وكبيرة كل يوم جمعة . 3- يجمع معتنقيه في تجمع واحد كبير ما أمكن أو تجمعات أخرى كبيرة كما في صلاة العيدين ، الأضحى والفطر 4- يجمعهم من أطراف الدنيا في موسم واحد وهو موسم الحج. 5- يخضع معتنقيه إلى تبني أفكاره وقبول أحكامه بنفس راضية ولو على أنفسهم خاصة فيما يتعلق بالحدود والحلال والحرام والصلاة والصيام والزكاة والحج . أما عبارتها الأخيرة فحاولت ما أمكنها من جهد أن تجعل لها بريق الصياغة اللفظية التي تتقنها إتقاناً قل نظيره في الروايات العربية ولكنها تفتتت على صخرة الحقائق والواقع الملموس . فلو أنها ناقشت القضايا سالفة الذكر وبأسلوبها الرائع واستنتاجاتها الأروع دونما تحامل لكان ذلك أجدى ومقبول أكثر عند الملتقى الذي صار على وعي كبير بالقضايا الإسلامية أكبر حتى مما يعايشه ويكابده في واقعه اليومي المعاش . ولكن أحلام كعادتها تثير قضايا وتتركها للملتقى ليقوم بحلها أو مناقشتها لذا فضلت الحديث عن ذكر مثالية التعليم الديني على مناقشة القضايا السابقة تقول: " كان يأتي مع الصلوات ، مع التراتيل ، مع صوت ( المؤدب ) في كتاتيب قسنطينة القديمة . فأعود إلى الحصير نفسه أجلس عليه بالارتباك الطفولي نفسه ، أردد مع أولاد آخرين تلك الآيات التي لم نكن نفهمها بعد ، ولكننا ننسخها على ذلك اللوح ونحفظها كيف ما كان خوفاً من ( الفا لاقة ) . وتلك العصا الطويلة التي كانت تتربص بأقدامنا لدميها عند أول غلطة " . عباراتها الرشيقة وأسلوبها الرائع تقدمه لنا كرشاوي لنوافقها على ما ذهبت إليه من أن التعليم الديني غير مجدي والطريقة التي كان يقدم بها وحشية . فهو غير مجدي من قولها (( .. أردد مع أولاد آخرين تلك الآيات التي لم نكن نفهمها بعد . )) والطريقة التي كان يقدم بها وحشية من قولها : ((... ونحفظها كيف ما كان خوفاً من ( الفالاقة ) . وتلك العصا الطويلة التي كانت تتربص بأقدامنا لدميها عند أول غلطة ")) إن مثلت الرعب هذا المكون من الفلقة والشيخ والحصير والذي قدمته الكاتبة نثرا هو عينه الذي قدمه نزار قباني شعراً وإن سبقها إلى ذلك بعقود : يقول نزار : حين كنا في الكتاتيب صغارا حقنونا .. بسخيف القول .. ليلاً ونهاراً ......................... يوم كان العلم في أيامنا فلقة تمسك رجلينا وشيخا ... وحصيرا
وعن الثنائية التقابلية . تقول أحلام :- (( كنت يومها المرأة التي أيقضت ملائكتي وشياطيني في الوقت نفسه . ثم راحت تتفرج علي بعد ما حولتني إلي ساحة يتصارع الخير والشر فيها . دون رحمة ! )) . مند خلق الله الكون خلق الثنائية ليتفرد بالوحدانية فمثلاً الشياطين تقابلها الملائكة , والسماوات تقابلها الأرض , وأدم وحواء , والخير يقابله الشر , والدنيا تقابلها الآخرة , والجنة والنار , حتى عندما أنزل الله آدم إلى الأرض لم يتركه وحيداً أنزل معه حواء لتتحقق الثنائية على الأرض خاصة فيما يتعلق بعمار الكون نجد ذكر وأنثي في كافة الحيوانات والنباتات . وحتى قبل خلق آدم كانت الثنائية موجودة . الملائكة وإبليس وبعد خلق آدم و بدخول طرف ثالث في المعادلة صار لابد من تحقيق الثنائية بطريقة ما ساعد عليها سؤ النية المبيت من طرف إبليس في محاولة الدس لآدم برفضه السجود له لأن الذي يليق بأن يسجد له هو الله وحده لا آدم المخلوق وذلك يجعله أكثر عبودية لله من الملائكة ولكن الله الذي خلقه فطن لما يفكر فيه إبليس فقام بطرده من الجنة بعد الموافقة على جميع طلباته شريطة أن يدخل النار في نهاية المطاف وفعلاً فضل إبليس دخول النار على ما فيها من ألم من أجل أن يظل هو الوحيد الذي لم يسجد إلا لله وحده فالملائكة سجدوا لآدم وآدم عن طريق أبنائه سجدوا للعديد من المخلوقات كالأصنام والنار والشمس والقمر والنجوم إلى غير ذلك وإن وجب التنويه أن الملائكة سجدوا بأمر من الله بينما البشر سجدوا مخالفة لله فانحسرت المشكلة بعد ذلك بين أدم وإبليس خاصة بعد ملاحقة إبليس لآدم في الجنة وكونه سبباً في طرده منها لأن إبليس كان أكثر خبرة ودهاء من آدم لتنتقل المعركة بينهما وتتحول مع الزمن بين ذريتهما ولطيبة آدم تلك الطيبة التي انتقلت إلي ذريته كان لا بد من تذكيرهم بعدوهم الذي لم يسجد لأبيهم وكان سبباً في طردهم من الجنة عن طريق الوحي . وذلك حتى تتحقق الثنائية في الكون منذ خلق الله أول مخلوقاته . وتحاول أحلام أن تغرينا مرة بعد مرة بعبارات لم يألفها المتلقي العربي من كاتب عربي . لتقوده بها إلي دهاليز مظلمة بلا نور إلا ما توقده له من شموع مشكاة لا تنير له أكثر من خطوة واحدة أمامه لتعوده على السير في الظلام بنور قلبه هو لا بنور غيره . تقول أحلام :- (( في ذلك العام .. كان النصر للملائكة . قررت أن أصوم وقتها ربما بتأثير كلامك وربما أيضاً بالهروب منك إلي الله . أما قلت العبادة درعنا السرية . قلت سأحتمي من سهامك بالإيمان إذن ..... كم من الأيام قضيتها في تلك الغيبوبة الدينية . بين الرهبة والذهول .. أحاول بترويض جسدي على الجوع أن أروضه على الحرمان منك أيضاً . كنت أريد أن أستعيد سلطتي على حواسي التي تسللت إليها وأصبحت تتلقي أوامرها منك وحدك . كنت أريد أن أعيد لذلك الرجل الذي كان يوماً أنا , مكانته الأولي قبلك . هيبته .. حرمته .. مبادئه .. وقيمه .. )) . الفقرة السابقة تظهر بجلاء الاستلاب الديني الذي كثيراً ما يسيطر على المريدين والإتباع والذي يظهر جلياً عند المتصوفة فكلما كان العشق للشيخ كبيراً كلما ازداد المريد حظوة عند شيخه فيترقي تبعاً لذلك في سلم الصوفية حتى يصل إلي مقامات عاليه ليصبح بدوره شيخاً . هذا الاستلاب الديني لم يكن ظاهراً أبان الدعوة المحمدية ولا حتى على عهد الخلفاء الراشدين هو الذي قاد الأمة إلي التهلكة بمباركة وتشجيع ومناصرة حكامها لتصبح الأمة كلها في حالة استلاب عاطفي مفرغة من كل قيمها ومبادئها إلا مبادئ حكامها ورؤسائها فهي لا تفكر إلا بما يجودون به عليها من أفكار أقل ما يقال عنها عقيمة ولا تتحدث إلا بألسنتهم فإذا كان الحكام يعانون الاستلاب نفسه . (متى يستقيم الظل والعود اعوج) وخير ذليل على ذلك ما وصلنا إليه من تخلف في كل الميادين وما وصلت إليه الأمم التي بدأت نهضتها معنا أو حتى بعدنا من تقدم وازدهار نال إعجاب العدو قبل الصديق فصرنا كما قال أبو نواس مع تغيير كلمة الفسوق بالتخلف . فبتنا يرانا الله شر عصابة نجرجر أذيال الفسوق ولا فخر وبدا فأحلام تريد إقناعنا بأن ظاهرة الاستلاب الديني أو العاطفي تقود دائماً , لا غالباً إلي نتائج مغلوطة لأن العقل في تلك اللحظة لا سيطرة له على صاحبه وشخصية العربي شخصية عاطفية تقوم على الفعل و رد الفعل وهذا ما يسهل على غيرها معرفة ما تفكر به كما أن هذه الشخصية العاطفية تحب إلي درجة الجنون والتضحية بذاتها في سبيل محبوبها سواء أكان ذلك مبادئ أم أشخاص والتاريخ الأدبي والديني والسياسي للعرب يبين ذلك بجلاء يمكن معه العثور على هذه الأنماط بسهولة ويسر . ففي تاريخ الأدب تطالعنا أسماء كثيرة لعشاق من هذا النوع فمن مجنون بني عامر إلي مجنون لبني وجميل بثينة إلي كثير عزة وغيرهم كثير ... فهؤلاء من أجل لقاء لا لذة فيه من غير لذة الحديث مع حبيباتهم يضعون أرواحهم على أكفهم ويقتحمون أحياء هم مطلوبون فيها .
يقول جميل :- يقولون لي أهلاً وسهلاً ومرحباً : ولو ظفروا بي خالياً قتلوني أو نجدهم في المقابل من أجل لذة قد يعرض أحدهم حياته كما فعل عمر بن أبي ربيعة في قصيدته " نعم " وهو يبين فيها الطريقة التي وصل بها إلى بيت معشوقته من أجل طلب اللذة . يقول عمر : فبت رقيباً للرفـاق علـى شفاً ... احادر منهم من يقوم وأنظر إليهم متى يستمكن النوم منهم ... ولي مجلس لولا اللبانة أوعر ........................ ... .......................... فبت قرير العين أعطيت حاجتي ... أقبل فاها في الخلاء فأكثر ........................ ... .......................... فلما تقضى الليل إلا قلة ... وكادت توالي نجمة تتغور أشارت بأن القوم قـد حان منهـم ... هبوب ولكن موعد منك عزور فما راعنـي إلا مناد ترحلـوا ... وقد لاح معروف من الصبح أشقر فلما رأت من قـد تنبه منهم ... وإيقاضهم قالت أشر كيف تأمر فقلت أباديهم فإما أفوتهم ... وإما ينال السيف ثأراً فيثأر ...................... ... ......................... فكان مجني دون من كنت اتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر ...................... ... ......................... هذا النوع من الاستلاب العاطفي المتأصل في البنية الأولى للشخصية العربية والذي غالباً ما يميزها عن غيرها هو نفسه الذي سهل بل أوجب الاستلاب الديني ، فالمسلم كما يقول الحديث في قصة عمر بن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه ) فهو يضحي من أجل الله ورسوله بحياته وهو راضٍ فإن قتل دخل الجنة ، ولعل أوضح مثال على التضحية ماقام به علي بن أبي طالب بتعريض نفسه للموت وهو بعد غلام حديث العهد بالإسلام بنومه في فراش رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يعلم بأن القبائل أجمعت على قتله وإن كان هذا النوع من التضحيات محمود محبوب إذا قورن بالتضحية في الديانات الأخرى ، فمن أجل حجر أو بقرة يقدم الإنسان نفسه رخيصة والاستلاب الديني هو الذي قاد إلى الإستلاب السياسي فسهل على حكامنا قيادتنا فإنك لتجد جموعاً غفيرة في وطننا العربي قد فقدت عقلها ووعيها وهي تهتف بهتافات أقل ما تطلب فيها من خلالها اغتيال حريتها وفي المقابل وعلى الضفة الأخرى تجد شعوباً تهتف وتموت تحت سنابك الخيل والمجنزرات من أجل الحصول على هذه الحرية كما أن هذا النوع من الشخصيات الحاكمة في بلادنا والذي تهتف له الجماهير صباح مساء إذا كره قتل ودمر حتى أقرب الأقرباء ولا يقتصر هذا على الأفراد فحسب بل حتى على مستوى الدول .. فكم من حروب شنت الدول العربية القزمية ضد بعضها ومن أجل ماذا ؟ إذا فتشت عن السبب لا تكاد تجده ... فماذا يقول عقلاء هذه الأمة غير ما قاله نزار قباني . قلبي عليك وأنت يا وطني تنام على حجر ولكن إلا يعد الاستلاب ظاهرة مرضية في الوطن العربي يوجب من علماء النفس التفطن له ومحاصرته ما أمكن وتقديم النصح والرأي والمشورة والعلاج لمرضي هذه الظاهرة ؟ هذا وأي أمة تقاد وتعلف كالخراف من قبل حكامها كأمتنا لا يمكن أن تنتصر في معاركها التنموية فكل مشاريعها فاشلة فلا مكتبات ولا جامعات ولا أساتذة قادرون على خلق جيل متعلم ذو إرادة جبارة , ففاقد الشيء لا يعطيه , كما يقال كما أنها غير منتصرة حتى في معاركها الوهمية التي إفتعلها حكامها لأنها مهزومة قبل الدخول للمعركة وحتى إن حققت نصراً في هذه المعارك الوهمية خاف الحاكم على نفسه من مطالبتها بثمن لهذا النصر فحوله إلي هزيمة وتصالح من عدوها وجيشها يحارب وقد حدث هذا كثيراً .
وصدق الشاعر العربي القديم إذا يقول :- مسحوا لحاهم ثم قالوا سالموا ياليتني في القوم إذ مسحوا اللحى هذا الاستلاب قاد إلي عبادة الأسماء والأشخاص سواء أكانوا أمواتاً أم أحياء , تقول أحلام في ذلك وقد أجادت :- (( هناك شيء اسمه " سلطة الاسم " وهناك أسماء عندما تذكرها, تكاد تصلح من جلستك,وتطفي سيجارتك )) فلماذا يصلح المواطن العربي من جلسته ويطفئ سيجارته رغم أن صاحب الاسم غير حاضر أمامه , ميتاً وإما حياً في مكان آخر . إن تقديس الفرد وإضفاء هالة الربوبية عليه جعل منه إلهاً صغيراً حاضراً بيننا رغم غيابه . فالمواطن العربي لا يستطيع أن يتحدث إلا بخير عن من أضفوا على أنفسهم هالة الربوبية واسموا أنفسهم بالأولياء ناهيك بسلاطين الرعب الجاتميين على صدره ولا تكاد تجد شغفاً بالأسماء في أي أمة كالشغف الذي تؤمن به امتنا . وذلك راجع إلي سبب ديني فالله عندنا له من الأسماء مالا يعد ولا يحصي وذلك ( أن كثرت الأسماء تدل على شرف المسمي ) وهذا ليس خاصاً بالله , فرسولنا الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) له أيضاً من الأسماء الكثير. لذا بات على كل من أراد أن يضخم ذاته أن يكثر من الأسماء ولا عجب فهوا أيضاً إله وإن كان صغيراً , وكما يقول المثل(ما في حد أحسن من حد) تقول أحلام :- ( وأن أهل تلك المدينة يولون إهتماماً كبيراً للأسماء ، وأن معظمهم يحمل أسماء الأنبياء أو الأولياء الصالحين ) . ومن هنا تصير هذه الظاهرة مرضية يعاني منها أغلب حكامنا تحت مايسمي بمرض العظمة الكاذبة وانتقلت مع الزمن إلي شعوبهم فصاروا يرون في أنفسهم أفضل وأعلم خلق الله . فبأي مكيال يكيلون الفضيلة! وبأي وحدة قياس يقيسون العلم ! ويظل الصراع بين القديم والجديد في عالمنا العربي هوا هاجسها الأول فلا تتركه إلا لتعود إليه ولكن بأسلوب جديد وبأفكار جديدة . تقول أحلام :- (( لا تطرقي الباب كل هذا الطرق ... فلم أعد هنا . لا تحاولي أن تعودي إلي من الأبواب الخلفية , ومن ثقوب الذاكرة , وثنايا الأحلام المطلوبة , ومن الشبابيك التي انتزعتها العواصف , لا تحاولي .. فأنا غادرت ذاكرتي . يوم وقعت على اكتشاف مذهل : لم تكن تلك الذاكرة لي وإنما كانت ذاكرة مشتركة أتقاسمها معك . ذاكرة يحمل كل منا نسخة منها حتى قبل أن نلتقي . لا تطرقي الباب كل هذا سيدتي .. فلم يعدلي باب..... لا تبحثي عن نافذة تدخلين منها كسارقة . لقد سرقت كل شيء منى . ولم يعد هناك من شيء يستحق المغامرة ..... يا امرأة متنكرة في ثياب أمي .. في عطر أمي وفي خوف أمي علي .. متعب أنا .. كجسور قسنطينة . معلق أنا مثلها بين صخرتين وبين رصيفين )) هذه فقرة من الفقرات التي تفوح شعراً تبين فيها أحلام الأزمة الحقيقية للصراع الدائر في أعماق الإنسان العربي المسلم بين ماضيه وحاضره فهو يعيش في عصر يتمتع بكل ما فيه من خيرات وتقدم لم يشارك في صنعها لأنه مشدود إلي الوراء مربوط بالماضي كما جاء في محاورتها السابقة التي جرت على لسان مواطن عربي يريد الانفلات وكسر تلك السلسة الحديدية التي تربطه بماضيه لا عادة ثقته بنفسه واسترداد إرادته وإن كان مايربطه بالماضي ليس جسراً واحداً كما أسلفت بل جسور . ويبدوا أن مرارة العلاقة وصلت ذروتها لتصور الماضي العربي أماً هي أكذب الأمهات وتصور المواطن على أنه أحمق الأبناء . تقول :- (( فلمادة أكذب الأمهات أنت وأحمق العشاق أنا ! )) . إن الأمة العربية بحكم المقدس وبحكم فتاوى بعض المتخلفين هي الأمة الوحيدة في هذا العصر بين أمم الشرق والغرب المشدودة إلي ماضيها فكل أمة طلقت ماضيها فلا تستحضره إلا بمقدار ما يخدم ويفيد تطورها . وانطلقت في البناء أما أمتنا فمازال مواطنوها مقيدون بسلاسل وأغلال يصعب الإفلات منها . إن المواطن العربي تائه في عصره مشدود إلي كم هائل من التراكمات بعضها خرافية لا تخدم واقعه وعصره وبعضها إن صلح في زمنه لم يعد له من قيمة الآن . فلا نحن استطعنا أن نساير العصر الذي نحن فيه ولا نحن استطعنا أن نأخذ ما ينفعنا من ماضينا ونرمي ما لا نفع فيه وراء ظهورنا مما نتج عنه هذا الواقع المزري الذي جعلنا أضحوكة لأمم الشرق والغرب . تقول أحلام : ( لقد زرت "سوق العصر" وشاهدت دارك فارغة من ذاكرتها .) وتترك لنا أحلام مفتاحاً للخلاص من الفكر الماضوي الذي ترى أنه كان رائعاً ورائداً في وقته ، ولكنه يجب أن لا يأخذ وقته ووقت غيره . تقول : (( احملي هذا الاسم بكبرياء أكبر .. ليس بالضرورة بغرور ولكن بوعي عميق ..... هذا زمن حقير إذا لم ننجز فيه إلى القيم سنجد أنفسنا في خانة القاذورات والمزابل لا تنحازي لشيء سوى المبادئ .. لا تجاملي احد سوى ضميرك .. لأنك في النهاية لا تعيشين في سواه ! قلت : أهذه وصيتك لي .. فقط ؟! قلت : لا تستهيني بها .. إن تطبيقها ليس سهلا كما تتوهمين .. ستكتشفين ذلك بنفسك ذات يوم ..)) هذا هو مذهب ديكارت في التعاطي مع الموروثات القديمة " الشك أقرب طريق للوصول إلى الحقيقة " وسيظل هذا المذهب دائم الحضور عند كل أمة تريد التخلص من إرثها وثقل مورثها القديم .. وقد أجادت أحلام لغة وفكراً في تقديم هذا المذهب للملتقى العربي وإن لم تسم الأشياء بأسمائها لذا وجب التوضيح ويطيب لي تقديمه على شكل نصائح كما فعلت أحلام . لا تكن منقاداً لتعاليم مسبقة ، كن أنت خيار نفسك وتذكر دائماً أنك وحدك من يصنع مستقبلك لذا واجه ذاتك بذاتك بنفس العنف الذي تواجه به أعدائك ، عندها فقط يكون خليقاً بك أن تقول أنك إنسان معاصر تقود ذاتك ولا تنقاد كحيوان أليف لتعاليم غيرك ، لأن أغلب من تراهم موتى يعيشون في ثياب معاصرة وإن كان بعضهم نزع عنه حتى ملابسه العصرية وسرق ملابس الموتى وثيابهم وارتداها وسار فيها أو لعلها سارت به خلف الوهم خلف السراب الكاذب ظناً منه أنه يرضي الله أكثر من غيره ، ولا يعترف بأنه سارق لذاكرة الماضي بكل ما فيها من جمال وقبح متنقلا بيننا في فخر وتباه فمتى يقام على السارق حد السرقة ؟ ومتى يرجع القاضي للموتى ملابسهم وأفكارهم ؟ متى !؟ سؤال يحتاج إلى لجان مختصة وقضاة ، أقصد " نقاداً " ، يملكون الجرأة في إصدار الأحكام على الجناة مهما كانت أحكامهم قاسية . ويحق لنا أن نسأل .. أين وقف أدبنا ونقادنا في الماضي ؟ وأين يقف أدبنا وأدباؤنا في الحاضر من مثل هذه القضايا ؟ لقد أرتبط أدبنا العربي القديم ارتباطاً وثيقاً بالخلافة في كل عصورها ، فكل شاعر مقرب من الخليفة هو المشهور دائما وان كان شاعرا خاملا لان التاريخ الادبي عندنا سار في معية التاريخ السياسي ولذا قسم علي حسب ازمنتة فمثلا الجاهلي , الاسلامي , الاموي , العباسي , الاندلسي , المملوكي والعثماني , وهكذا...... حتي يومنا هذا ...... وهذا أمر مضحك وان كان هو نفسه الضحك المبكي الذي عبر عنه المتنبي بقوله :- وماذا بمصر من المضحكات . ولكنه ضحك كالبكاء فعند ما نقول , مثلا بدأ العصر الأموي سنة ( 41 هـ . 661 م ) وانتهـي سنـة ( 132 هـ . 749م ) وبدأ العصر العباسي في نفس اليوم الذي انتهي فيه العصر الأموي من الناحية السياسية هذا صحيح ولكنه ليس صحيحا من الناحية الأدبية . فهل مات كل أدباء وشعراء العصر الأموي في تلك السنة ( 132هـ - 749م ) ؟ وبدأ شعراء العصر العباسي . ومن المخزي والمخزي جدا اننا مازلنا ندرس في جامعتنا هذا المنهج الذي عافته كل جامعات العالم لان جل أساتذة الأدب في بلادنا درسوا هذا المنهج في سنوات دراستهم الجامعية فاعتادوه ولايريدون أن يتعبوا أنفسهم في تدريس منهج مغاير . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري فان ارتباط الشعراء العرب بمدح الخلفاء والامراء والقادة ومنح هؤلاء العطايا والهبات لهم جعل جل شعراء العربية يقصدونهم للاسترزاق وهذا ما جعل غرض المديح في شعرنا العربي القديم يساوي اكثر من جميع الاغراض الشعرية مجتمعة عند جل الشعراء وما يجري علي الشعراء يجري بحق العلماء , والفقهاء والأدباء والمغنين الذين سجلوا لنا أخبار الخلفاء والأمراء والولاة وأهملوا الأهم كدوران العامة وراء سبل معيشتهم وأشيائهم اليومية البسيطة ومعاناتهم وأخبارهم ، وحتى الذين كتبوا في هذه الأشياء كابن الرومي مثلاً فإن ما كتبه عن أخبار الحياة اليومية في عصره لا يساوي شيئاً أمام قصائد المدح التي غص بها ديوانه الذي يعد أكبر ديوان شعري عربي قديم ، ولعل السبب في ذلك أن المال والأرض والبشر في بلادنا كانت ومازالت ملك لخلفائنا وملوكنا وحكامنا حتى يومنا هذا .. لذا فتاريخنا الأدبي هو تاريخنا السياسي وبعبارة أكثر دقة إن تاريخنا هو تاريخ حكامنا وخلفائنا وملوكنا لا تاريخنا نحن لأنه لا ينتمي إلينا. فخلفائنا وأمرائنا وحكامنا قديماً وحديثاً ليسوا كلهم عرباً وأن كان بعضهم كذلك فهم مسيرون من قبل غيرهم . فمثلاً في العصر العباسي الأول كانت الواجهة عربية ولكن ما وراء الواجهة فإن الفرس يحكمون ويعزلون ويقتلون الخلفاء متى شاؤوا وكيفما شاؤوا ، وفي العصر العباسي الثاني كانت الغلبة للأتراك .. فهم الحكام الفعليين يعزلون ويقتلون كيفما شاؤوا ومتى شاؤوا لذا فتاريخ هؤلاء الخلفاء ليس تاريخنا . وقس على ذلك .. فإذا أتيت للعصر المملوكي والعثماني فإن الحكام أنفسهم ليسوا عربا أصلاً ... أما في عصرنا الحديث فحدث ولا حرج . تقول أحلام (( دهشة بعد أخرى ، وجرحاً بعد آخر فلم يحدث لأدبنا التعيس هذا أن عرف قصة أروع منها .. ولا شهد خراباً أجمل )) هذا الأدب التعيس " أدب المديح " هو الذي جعل كثيراً من المبدعين غير معتزين بأنفسهم فولههم وشراهتهم للمال جعلتهم كالخاتم في أصبع الحاكم فضاعت حقوق وقضي على ثورات أسميت فتن وذبحت مذاهب عقلية كان الأجدر أن تبقى فالتاريخ العربي يكتبه المنتصر دائماً ويطمس تبعا لذلك كل ما من شأنه أن يدينه أو حتى يشير إلى ما عاناه الشعب في عصره .. فإذا كان هذا التزوير قامت به النخبة على مر التاريخ العربي فكيف حال العامة ؟ ، إنهم مجرد أرقام وتروس في آلة كبيرة أسمها الوطن . تقول أحلام :- (( يحدث أن أشعر إنني ابنة لرقم فقط , رقم بين مليون ونصف مليون رقم آخر . ربما كان بعضها أكبر أو أصغر , وربما كتب أسم بعضها بخط أكبر أو أصغر من خط آخر , ولكن جميعها أرقام لمأساة ما )) . فإذا ما صرنا مجرد أرقام في نظر حكامنا فإن هذه الأرقام تكبر وتصغر بمقدار ما تقدم للحاكم من جرائم في حق شعوبها لا بمقدار ما تقدم للوطن من خدمات جليلة هو في مسيس الحاجة إليها وتبعاً لذلك يصبح الأمن أمن الحاكم لا أمن الدولة وتصبح الشهادات الجامعية لا قيمة لها لأن الذي يحملها لا يزيد , كبر أو صغر , عن مجرد رقم محشور بين ملايين الأرقام التي تمد يدها في نهاية الشهر لما يتفضل به عليها سيدها من إكرامية هي في واقع الأمر حقها . وبدا فأوطاننا العربية منخوره من جوفها وآيلة للسقوط في أي لحظه . ولكن على رأس من ستسقط ! تقول أحلام ناقدة لهذا الوضع بعبارة شاعرية وأسلوب ساحر مع ترتيب رائع للأفكار :- (( النتيجة أنه تخلي عن دراسته الجامعية وهو يكتشف عبثية تكديس الشهادات , في زمن يكدس فيه الآخرون الملايين . ربما كان على حق , فالشهادات هي آخر ما يمكن أن يوصلك اليوم إلي وظيفة محترمة . لقد رأي أصدقاءه الذين تخرجوا قبله , ينتقلون مباشرة إلي البطالة أو إلي موظفين برواتب وأحلام محدودة )) . هذا حال أصحاب الشهادات في بلادنا قبل أن يكتشف بعض الحكام العرب طريقة جديدة لتفريغها من محتواها فصاحبها يملك شهادة لكنه لا يملك علماً , وبدا يصير حاملها لا يملك علماً ولا يملك وظيفة فلصالح من يخطط هؤلاء الحكام ! وحيت أن توزيع الهبات من لدن الحاكم هي آفة مجتمعاتنا العربية . فإن بلاد المليون شهيد يكرم الابن فيها لأن أباه شهيد بهبات وهدايا وافرة ويكرم الابن في بلاد عربية أخرى لأنه أحد أعضاء الحزب الحاكم وفي ثالثة لأنه ضابط ... إلخ . وهذه الكرامات والإتاوات التي يقدمها الحكام لأتباعهم ربما هم في غير حاجة لها ولكن زيادة في البطر علاوة على ما تثير من غبن في نفوس بقية المواطنين , ولكنها سياسات القيادات الفاشلة التي تحكم بلادها عن طريق ( فرق تسد ) وعن طريق إشاعة الغبن الاجتماعي بين مواطنيها . تقول أحلام في توزيع السيارات على أبناء النخبة وحرمان غيرهم من ذلك الحق:- (( إنه يحزنني أن يتحول أخي وهو في عز شبابه , إلي تاجر صغير يدير محلاً تجارياً , وشاحنة وهبتها له الجزائر كامتياز بصفته ابن شهيد )) . ويبدوا أن توزيع السيارات على المقربين في بلادنا العربية هو من لوازم حكوماتنا .. وعلى طريقة أنك إذا أردت أن تقلل قيمة أي شيء وتطفي هيبته أكثر من أصنافه التافهة فيعافه الناس , فإذا أردت مثلاً أن تقلل من قيمة العلم في بلد ما أكثر من المدارس والجامعات القزمية وخرج أناساً يحملون شهادات بلا علم . وإذا أردت أن ينصرف الناس عن المحاضرات والندوات العلمية والعامة فأكثر من أنواعها المختلفة بشرط أن لا تلتزم بمواعيدها وأن تجعلها في أوقات غير مناسبة للجميع وفي أماكن بعيدة , وغير معلن عنها . تقول أحلام :- (( عبد القادر طلبني ليخبرني أنه أضطر للبقاء في الجزائر لتغطية مهرجان ما من أحد المهرجانات التـي ازدهرت هذه الأيام لا سباب غامضة يعلمها الله وآخرون.. )) . و تضيف (( سنة 1969 وفي عز الفراغ و البؤس الثقافي الذي كان يعيشه الوطن اخترع احدهم في بضعة أيام اكبر مهرجان عرفته الجزائر و أفريقيا , كان اسمه "المهرجان الأفريقي الأول" دعيت إليه قارة و قبائل أفريقية بأكملها لتغنى و ترقص عارية أحيانا, في شوارع الجزائر لمدة أسبوع كامل على شرف الثورة ! كم من ملايين أنفقت وقتها , على مهرجان للفرح ظل الأول و الأخير و كانت أهم انجازاته التعتيم على محاكمة قائد تاريخي كان أثناء ذلك يستجوب و يعذب رجاله في الجلسات المغلقة باسم الثورة نفسها, ودون أن يكون لي صداقة ذلك القائد . الذي كان اسمه الطاهر أيضا و لا اى عداء خاص لذلك الحاكم الذي كان يوما مجاهدا و قائدا أيضاً بدأت أعي لعبة السلطة و شراهة الحكم , و أصبحت احذر الأنظمة التي تكثر مـن المهـرجانات و المؤتمـرات .. إنهـا دائما تخفـى شيئا ما! )) وهل هناك دولة عربية لا تكثر من المهرجانات و المؤتمرات غير المفيدة لشعبها ولا تخفى شيئاً ما من ورائها ! هذه الفقرة وإن كانت طويلة إلا إنها تعبر بصدق من حال تلك الأنظمة القزمية التي تحاول أن تكبر عن طريق ما تثير من ضجيج ناسية أو متناسية ( إن الكلب كثير النباح لا يعض ) كما يقول المثل الليبي و ليس من فائدة يجنيها منه صاحبه . تماما كما يقول المثل الليبي :- (نبيح الكلب على روحه ) فهو لا يفيد إلا نفسه بنباحه. إن كل الثورات الثقافية في العالم نقلت دولها من حالة التخلف إلى التقدم فمثلا قام "ماو" بثورته الثقافية في الصين و غير معالمها من دولة زراعية بائسة إلى دولة متقدمة في كل مناحي الحياة مع مراعاة النسبة السكانية . وكذلك قام ستالين ومن خلفه بثورة صناعية ثقافية نقلت الإتحاد السوفيتي من دولة إقطاعية متخلفة إلى القوة الأولى مكرر وان بدأت في التراجع إلى المركز الثاني أو الثالث بعد سقوط الشيوعية . و كذلك انظر إلى ما حدت لليابان التي ضربت بقنبلتين ذريتين , أو إلى المانيا التي دمرت بالكامل بعد الحرب العالمية الثانية وقسمت شطرين إلى اى شأؤ وصلا و إلى اى تقدم صارا . أما نحن في مجتمعاتنا العربية فنقوم بما يسمى بالثورة الثقافية لتنقلنا من تخلف بسيط إلى تخلف مركب و كل همنا هو أن نقلدهم و ليقال إننا قمنا بثورة ثقافية تماماً كما يقول المثل الليبي:- (أيمارى في الترك بالضراط)
و قد عبرت أحلام عن ذلك خير تعبير تقول :- (( لقد بدأت كل الثورات الصناعية في العالم من الإنسان نفسه ولدا أصبح اليابان (ياباناً) و أصبحت أوروبا ماهى عليه اليوم . وحدهم العرب راحوا يبنون المباني و يسمون الجدران ثورة و يأخذون الأرض من هذا و يعطونها لذاك , و يسمون هذا ثورة )) فإذا كان الأمر كذلك فلا عجب من هجرة العقول العربية إلى خـارج أوطانها , ومعلوم أن المبدعين لا يبدعون إلا تحت سقف الحرية لذا فليس هناك من إبداع في وطننا العربي فأغلب مبدعينا أبدعوا روائعهم أو ابتكروا تجاربهم العلمية خارج أوطانهم . فعلي سبيل المثال : نزار قباني ، والبياتي ، والفيتوري ،ومظفر النواب وغيرهم كثير أبدعوا خارج أوطانهم ولعل السبب في ذلك راجع إلي الثالوث الذي أحكم قبضته على كل شيء في بلادنا العربية ، إنه السياسة القمعية ، والفهم السقيم للدين والجهل الذي يسيطر على المجتمع فكيف للمبدع إن يبدع في جحيم هذا الآتون . هذا إذا كان المبدع لم يشارك في إنشاء الدولة أو في أحد خلايا الثورة أو لم يكن ذا شأن وله أثر في حركة الجهاد وإلا طمس أثره حياً وميتاً وكثيراً ما يشوه . تقول أحلام عن أحد كبار المناضلين الجزائريين :- (( لم يمت بلال حسين كغيره . قضى سنتين في السجن والتعذيب ترك جلده فيهما على ألآت التعذيب .... ثم خرج محكوماً عليه بالنفي والرقابة المشددة وعاش بلال حسين مناضلاً في المعارك المجهولة ، ملاحقاً مطارداً حتى الاستقلال . ولم يمت إلا مؤخراً في عامه الواحد والثمانين في 27 مايو 1988 .... مات بائساً وأعمى ومحروماً من المال والبنين . يوم وفاته جاء حفنة من أنصاف المسئولين لمرافقته إلي مثواه الأخير . أولئك الذين لم يسألوه يوماً بماذا كان يعيش ، ولا لماذا لا أهل له مشوا خلفه خطوات .. ثم عادوا إلي سياراتهم الرسمية دون أدني شعور بالذنب )) . فهل رأيت وفاء كهذا الوفاء ؟ وفاء الثورة لأبنائها . آلا تسأل نفسك مرات ما الفرق بين المستعمر القديم والمستعمر الجديد ؟ ولقد عبرت أحلام عن الثالوث المرعب مستبدلة المجتمع بالجنس بقولها :- (( سلاماً أيها المثلث المستحيل سلاماً أيتها المدينة التي تعيش مغلقة وسط تالوثها المحرم " الدين، الجنس، السياسة " . كم تحت عباءتك السوداء.. ابتلعت من رجال . فلم يكن أحـد يتوقع أن تكون لك طقوس مثلث ( برمودا ) وشهيته للإغراق .. )) . هذا وإذا حدث وخرج من بين ظهرانينا مبدع أو مبتكر في غفلة من الحاكم فإنه يعد منافساً للرئيس على الشهرة وتوجيه الأضواء إليه ولو لوقت قصير ولذا وجبت محاربته وتهميشه والتضييق عليه في أسباب الرزق حتى يضطر إلي الهجرة . فإن قضي الله عليه بالموت يبدأ تكريمه والاحتفاء به ويظن بعض ضعاف العقول أن هذا نوع من الوفاء تقدمه الدولة لأبنائها المبدعين بعد وفاتهم ولا ينتبهون إلي أن الحاكم من فرحه بزوال منافسه عن الساحة أقام له حفل تكريم وتأبين و أكتفي في أحسن الأحوال أن يطلق أسمه على شارع ضيق قذر في أحد ضواحي المدينة ليغير أسم هذا الشارع مرات عدة ليطلق كل مرة على مبدع مات أما التافهون وجالبو المشاكل لأوطانهم وسراقها فعادة ما يخلدون بإطلاق أسمائهم على كبريات الميادين في العاصمة والسبب بسيط ومعروف للجميع أن الذين بيدهم الحل والربط في هذا الشأن هم من التافهين وسراق الوطن أيضاً . فما أشبه حكوماتنا العربية في خيباتها وكأنها مسحوبة على ستنسل واحد أو منسوخة من وطن ممسوخ مشوه. فما حدث في الجزائر من خيبات , واستطاعت أحلام أن تنقله هو نفسه ما يحدث في أي قطر عربي آخر لوحدث واختير أحدها إختياراً عشوائياً . فالوطن غائب دائماً والحديث عنه جريمة فلا يهم ما في قلبك من حب وتضحية لوطنك بقدر ما في قلبك من حب وتضحية لتلك الثورات التي سرقت الوطن وشوهته .
تقول أحلام :- (( .. ولكن الوطن كان غائباً في تلك السهرة . غاب عنه جرحه ووجهه الجديد المشوه كانت سهرة في فرنسا .. نتحدث فيها بالفرنسية . عن مشاريع سيتم معظمها عن طريق جهات أجنبية .. بتمويل من الجزائر .. فهل حصلنا على استقلال حقاً ..؟ ! )) نعم .. هل حصلنا على استقلال حقاً .؟ بعد أن صارت أوطاننا سجوناً لنا وصار الواحد منا يخشي على نفسه أن يتفوه أمام أبنه بما لا يرضي الحاكم . لان ذلك يقضي به لا محالة إما إلي السجن وإما لحبل المشنقة . رغم أنف المثل الليبي الشهير :- ( يلعن أبو السلطان في غيبته ) هذا وتعد ثلاثية أحلام علاوة على ما فيها من إبداع قل نظيره سجلاً وثائقياً للثورة الجزائرية منذ بواكيرها وحتى بعد استيلائها على السلطة في الجزائر وإن أخذت تلك الثورة في مرحلة ما قبل الاستقلال الطابع الإسلامي الجهادي شعاراً لها بغية استقطاب اكبر عدد من المجاهدين من داخل الجزائر وخارجها. هذا كما حفلت الثلاثية أيضاً بتواريخ ووقائع وأحداث وأسماء لأشخاص وثورات وسجون . فكانت بحق مرآة صادقة للمراحل التي مر بها المواطن الجزائري في جهاده و قهره من قبل المستعمرين . وفي معاناته وقهره وحرمانه من قبل حكامه الجدد . تماماً كما حدث في كل الأقطار العربية . تقول أحلام موثقة ما حدث عقب ثورة 8 مايو 1945 م (( وكان سجن ( الكديا ) وقتها , ككل سجون الشرق الجزائري يعاني فجأة من فائض رجولة , إثر مظاهرات 8 مايو 1945م التي قدمت فيها قسنطينة وسطيف وضواحيهما أول عربون للثورة , متمثلاً في دفعة أولي من عدة الآلاف من الشهداء سقطوا في مظاهرة واحدة وعشرات الآلاف من المساجين الذين ضاقت بهم الزنزانات , مما جعل الفرنسيين يرتكبون أكبر حماقاتهم وهم يجمعون لعدة أشهر بين السجناء السياسيين وسجناء الحق العام , في زنزانات يجاوز أحياناً عدد نزلائها العشرين معتقلاً وهكذا جعلوا عدوى الثورة تنتقل إلي مساجين الحق العام الذين وجدوا فرصة للوعي السياسي ولغسل شرفهم بالانضمام إلي الثورة التي استشهد بعد ذلك من أجلها الكثير منهم )) . وحيث أن أخلاق المستعمرين واحدة فقد تشابهت سلوكياتهم إزاء شعوب الدول المستعمرة من قبلهم . ففي حين عمدت إيطاليا إلي استخدام الليبيين في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل حين غزت بلاد الأحباش كذلك استخدمت الارتريين بالمقابل في ليبيا . أما فرنسا فقد ألقت بالجزائريين في جحيم الحرب العالمية الثانية ليموت الآلاف منهم في حرب يجهلونها تماماً . تقول أحلام :- (( والذين أدركوا والحرب العالمية تنتهي لصالح فرنسا والحلفاء أن فرنسا استعملت الجزائريين ليخوضوا حرباً لم تكن حربهم وأنهم دفعوا الآلاف الموتى في معارك لا تعنيهم , ليعودوا بعد ذلك إلي عبوديتهم )) لكن المؤسف والمحزن ما أن استقلت أوطاننا منهم ومن شرورهم حتى ابتلينا بحكام هم أقسي منهم فصرنا نلهث وراء المستعمرين من أجل الحصول على تأشيرة للهروب إليهم فعدنا كما قال الشاعر :- المستجير بعمر وعنده كريته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار تقول أحلام بعد أن أوردت أبيات لابن باديس جاء فيها هذا البيت :- يا نشئ أنت رجاؤنا ... وبدلك النشيء الذي تغيث به (( لم يعد يرتقب الصباح ، مذ حجز الجالسون فوقنا الشمس أيضاً. إنه يترقب البواخر والطائرات .. ولا يفكر سوى بالهرب . أمام كل القنصليات الأجنبية تقف طوابير موتانا تطالب بتأشيرة حياة خارج الوطن. دار التاريخ وانقلبت الأدوار. أصبحت فرنسا هي التي ترفضنا وأصبح الحصول على " فيزا " إليها ولو لأيام .. هو " المحال من الطلب " ! )) وتفض أحلام ذاكرة تاريخ النضال الجزائري ضد الفرنسيين مخرجة من ذلك الأرشيف أسماء لبعض المناضلين فهي تخرج من التاريخ للتاريخ أسماء أبطال حاول المستعمرون الجدد , حكام الجزائر الآن , طمسها حتى لا يتذكر المواطنون تاريخ جهادهم ونضالهم من أجل أن ذلك يحفزهم على مواجهة الظلم وإن كان ظلم دوي القربى أشد كما يقول الشاعر :- وظلم ذوى القربى أشد مضاصة .... على الحر من وقع الحسام المهند
و ما أشبه سلاطين الرعب في الجزائر الآن بسلاطين الرعب في البلاد العربية . تقول أحلام :- (( خمسة وأربعون ألف شهيد سقطوا في مظاهرة هزت الشرق الجزائري كله .... جاء استشهادهم سابقاً لحرب الجزائر بسنوات . هل أنساهم ؟ ..... هناك إسماعيل بن شعلال . كان مجرد عامل في البناء . وكانت له مهمة حفظ " وثائق حزب الشعب " وأرشيفه السري . وكان أول من تلقي زيارة الاستخبارات العامة الذين دقوا باب غرفته الصغيرة الشاهقة صارخين " البوليس أفتح " وبدل أن يفتح إسماعيل بن شعلال الباب .. فتح نافذته الوحيدة . ورمى بنفسه على وادي الرمال , ليموت هو وسره في وديان قسنطينة العميق . .... وهناك صوت ( عبد الكريم بن وطاف ) الذي كانت صرخات تعذيبه تصل حتى زنزانتنا , خنجراً يخترق جسدناً أيضاً ويبعث فينا الشحنات الكهربائية نفسها وصوته يشتم بالفرنسية معذبيه ويصفهم بالكلاب النازيين والقتلة ..... فيرد عليه صوتناً بالأناشيد الحماسية والهتاف . ويصمت صوت بن وطاف . وهناك ( بلال حسين ) أقرب صديق إلي سي الطاهر أحد رجال التاريخ المجهولين , وأحد ضحاياه .... أذكر أنه كان يستوقفنى وأنا أمر بمحله متجهاً إلي ثانوية قسنطينة فيعرض على قراءة جريدة الأزمة أو منشوراً سرياً..... في ذلك المحل الذي لا أثر له اليوم كان يلتقي القادة السياسيون . يعطى ( مصالي الحاج ) تعليماته الأخيرة وفيه نوقشت الشعارات التي رفعها المتظاهرون وكتبت ليلاً على اللافتات لتكون مفاجأة فرنسا )) . هذه الفقرة الطويلة لم أجد يداً من نقلها لتكون مفتاحاً وسراجاً لمن يريد أن يبحث في تاريخ الجهاد الجزائري أو حتى في التاريخ المجهول والمقبور في دول عربية كثيرة . وحتى يقف المتلقي ويعرف حجم الصفحات الجهادية التي أعتمت من قبل من يطلقون على أنفسهم لقب الثوريين وغير الثوريين ممن يخشون أن يستفيد الشعب من تجاربه السابقة فيخرج عليهم . ولعل المتلقي الفطن قد تنبه من خلال الفقرة السابقة إلي أن هؤلاء الحكام الجدد قد أزالوا حتى ذلك المحل الذي كانت تُعلّم فيه الثورة الحقيقية وما أكثر ما أزال حكامناً العرب من مفاخر لشعوبهم .
#علي_عبد_المطلب_الهوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديناميكية الحوار بين السطح والأعماق ـ الجزء الأخير
-
الحوار المتمدن -ديناميكية الحوار بين السطح والأعماق(الجزء ال
...
-
ديناميكية الحوار بين السطح والأعماق(الجزء الثاني)2
-
(ديناميكية الحوار بين السطح والأعماق (الجزء الأول
المزيد.....
-
كوريا الشمالية تندد بالتدريبات العسكرية بين واشنطن وسول وطوك
...
-
اقتحامات واسعة للضفة والاحتلال يعتقل شابا من ذوي الإعاقة بال
...
-
منظمات روهينغية تدعو ماليزيا لتغيير ميثاق -آسيان- والتدخل لو
...
-
استشهاد فلسطينيين بقصف إسرائيلي لشقة سكنية في مخيم النصيرات
...
-
غارات إسرائيلية على الضاحية بعد غارة عنيفة على بيروت
-
الجيش الإسرائيلي يتهم حزب الله باستهداف موقع لليونيفيل
-
العراق يراسل منظمات دولية ردا على -التهديدات الإسرائيلية-
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|