|
أيها الآخر : لا ترانا بعينيك و لا تفهمنا بعقلك !
أمجد المصرى
الحوار المتمدن-العدد: 6453 - 2020 / 1 / 2 - 19:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بـدأ الاستشراق كمحاولة جادة من الدول الغربية لفهم دول و شعوب الشرق ، و لهذا جاء العديد من المستشرقين من تخصصات علمية متباينة إلى دول الشرق ، وقاموا بدراسة كافّة البنى الثّقافيّة للشرق من وجهة نظرهم كباحثين غربيين ، تضمن ذلك كل أوجه النشاط الإنساني بدول الشرق (ثقافي - اجتماعى - اقتصادى - سياسى .. إلخ) بما في ذلك دراسة الدين و اللغة و العادات و التقاليد
و قد أساء النقاد العرب إلى سُمعة الاستشراق وأشاعوا عنه أن أغراضه استعمارية ، و بذلك أغفلوا القيمة العلمية لما كتبه المستشرقون من مؤلفات علمية . لم يدخر هؤلاء المستشرقين جهداً فى إظهار عيوب و مساوئ أهل الشرق
ينقسم الاستشراق إلى ثلاث مراحل رئيسية هى :- ( الاستشراق الاستعماري - الإستشراق ما بعد الاستعماري - الإستشراق الجديد ) ، و تبعاً لذلك فقد بدأ الإستشراق من القرن الخامس عشر الميلادي وانتهى بنهاية القرن التاسع عشر
يقول المفكر المصري الراحل الدكتور/ فؤاد زكريا فى كتابه (نقد الإستشراق و أزمة الثقافة العربية المعاصرة) أن رفض النُقَّاد العرب المسلمين للاستشراق جملة و تفصيلاً بحلوه و مُره هو مظهر من مظاهر العجز عن تَقبُّل وجهة النظر الأخرى، والامتناع عن رؤية أنفسنا بعيون الآخرين . لو كنَّا ناضجين بما فيه الكفاية لعملنا على الإفادة من رؤية الآخرين لنا، حتى ولو كانت غير موضوعية، بعد أن شبعنا من رؤية أنفسنا بطريقتنا الخاصة. والواقع أنَّنا نستطيع أن نكتسب إستبصارا عميقًا بحياتنا وتاريخنا من خلال المقارنة بين الرؤيتَين، بغض النظر عن مسألة الصواب و الخطأ في كل ُّ منهما. ولكن الإصرار على رفض نظرة «العين الأخرى» إلينا، والتمسك بأن تكون هذه النظرة مطابقة لطريقتنا فى النظر إلى أنفسنا ، و تسميتنا لذلك الوهم بأنه الإنصاف للحضارة الإسلامية ، فتلك الحالة هى من حالات الإفتقار إلى النُضج . الشئ العجيب هو إننا نُريد من هذا (الآخر) أن يتخلى عن «آخريته»، ويرانا كما نرى أنفسنا، ونُريد من الغير أن يتقمصوا وجهة نظرنا تجاه ذواتنا ، كما نريد من الآخر الغربي أن يلغى غربيته
تتعدد أسباب رفضنا لرؤية المستشرق ما بين دينية وسياسية وحضارية، ولكن من وراء هذا كله ثمة موقف واحد هو رفض النظر إلينا بعين مغايرة . كم يكون رائعا من وجهة نظرنا أن يستعير المستشرق الغربى عيوننا لينظر بها إلينا . لهذا السبب كان أعظم المستشرقين - فى رأى النُقّاد - وأكثرهم أمانة و إنصافا - عندهم - هو ذلك المستشرق الذى إعتنق الإسلام ، يليه مباشرة المستشرق الذي تعاطف مع الإسلام وامتدح إنجازاته . أما البقية الباقية من المستشرقين فهم ملعونون مكروهون من النقاد لأنهم أصروا أن يرونا بعيون مغايرة
الحق أن العرب المسلمين قد إعتادوا سيطرة التفكير السلطوي أحادي الجانب على عقولهم ، إن العالم العربي لا يريد و لا يردد إلا حقيقة واحدة هى الحقيقة المطلقة ، ليس فقط فى ميدان الدين ، بل يمتد ذلك إلى ميدان السياسة ، يضيق نطاق المعارضة كل يوم وتتسع سُلطة الأنظمة الحاكمة التى لا تتحمل سوى رؤيتها الخاصة لكل الأمور ، و يصير كل ما عداها خيانة و عِمالة
يبدو أن تلك النظرة الأحادية السُلطوية قد تسربت أيضاً إلى المجال الثقافى ، و يُعَّد ً نقد الاستشراق مظهرًا من مظاهرها ، وقد شهد هذا النقد إلصاق أكبر كم من الاتهامات بالإستشراق الذى هو جهد علمي فى المقام الأول ، وإن لم يكن هذا المظهر واعيًا بنفسه كل الوعي
نستطيع أن نلمح من وراء حملة مثقفينا المستعرة على المستشرقين و أعمالهم قدرا هائلا ِّ من ر ضاءنا كعرب مسلمين على أنفسنا وصل بنا إلى درجة فائقة من الغرور الكاذب غير المبنى على أسس موضوعية ، مما جعل نقاد الإستشراق العرب يرفضون رؤية المستشرق الغربى المغايرة لرؤيتنا لذاتنا ، فقط لأن هذا المستشرق الوقح قد هتك حجاب الستر الذى يدارى سوء طبائعنا و قبيح سلوكياتنا و طريقة تفكيرنا المتحجرة و تخلُّفنا ، هذا (الستر) تعده الأمثال الشعبية العربية أعظم النِعَم التى يمكن أن يمنحها الله لإنسان
قد تصبح رؤية المستشرق الغربى مقبولةً - عند العرب - إذا سايرتْنا في تضخيم الذات العــربيــة ، أما إذا اخترقت رؤيته قشرة الغرور لدينا فهى تصبح شراً مستطيرا يجب أن نحذر منه و نسعى لتشويهه والنيل من صاحبه
السؤال المحوري هنا و الذى يطرح نفسه بقوة هو : هل يجرؤ أحد المثقفين العرب أن يضع للمستشرقين معايير علمية خالصة بحيث يتم تفضيل الأعمق بحثا و الأوسع معرفة بين المستشرقين حتى و إن إختلفنا مع ما يطرح ؟
إن مَن يريد فى المجتمعات العربية النهوض و اللحاق بالأمم المتقدمة يجب عليه أولاً أن يواجه النفس بعيوبها فيعترف بواقع تخلف مجتمعه و سيطرة الفكر الخرافى على العقول ، و ذلك كخطوة أولى للتحرر من ربقة التخلف و أسر الفكر الخرافى حتى يتمكن من مواصلة الطريق نحو النهوض و التقدم
#أمجد_المصرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجد إسلاماً و لم يجد مسلمين ، ياللهول !
-
الإفتاء فى شئون الإطفاء
-
فقه الكراهية
-
الغزوة التركية لأكراد سوريا
-
فى ذكرى نجيب محفوظ
-
صرخة صاحب الزنج
-
صفقة إبليس
-
الأزمة و المأزوم
-
قراءة فى كتاب القوة الناعمة
-
البخارى تحت المجهر
-
فى مثل تلك الأيام منذ ثمانى سنوات
-
العبودية باقية !
-
تاريخنا الذى نباهى به الأمم
-
( الإنسانيون )
-
فى المسألة الانتخابية
-
الحالة المصرية : مخاوف مشروعة
-
حزب مصر الحضارة
-
على هامش غزوة العمرانية - 1
-
نحو دولة مدنية تسمح بالزواج المدنى
-
أين الدولة المدنية ؟
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|