أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد الورداشي - تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه















المزيد.....

تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 6447 - 2019 / 12 / 26 - 23:40
المحور: المجتمع المدني
    


إن الغاية التي كان يطمح لها نيتشه هي بلوغ درجة التفوق بالفرد الإنساني عامة، والفرد الألماني على وجه الخصوص. وهذه الغاية اقتضت منه أن يمر بمراحل عدة متتالية؛ لأن هذه النقلة لا تقتضي القفز على الإنسان العادي وصولا للإنسان المتفوق، بل إنها تتطلب بناء الإنسان العادي ليرتقي إلى المنزلة المتفوقة حسب نيتشه. إذن، كيف عمل نيتشه على بناء الفرد العادي؟
لقد نهج نيتشه مجموعة من المراحل التي تؤهل الإنسان من درجته الحالية إلى درجة أسمى وأرقى:
- لقد اعتبر نيتشه المسيحية حجر عثرة في طريق الإنسان إلى التفوق، لهذا اعتبر أن الإله قد مات، بل كل الآلهة قد ماتت ولم تبق من غاية للبشرية سوى بلوغ الإنسان الراقي. ومن هنا، يأتي النقد اللاذع الذي وجهه للمسيحية لكونها تقدم " فعل الرأفة تجاه جميع الفاشلين والضعفاء"(1)، فضلا عن كونها تحارب في الإنسان كل الغرائز التي تحبب إليه الحياة باعتبارها" غريزة تنام، وبقاء، وتجميع للقوة، وغريزة اقتدار"(2). وهكذا حاول نيتشه أن يخلص الفرد من السيطرة الكنسية المسيحية، وجعله قادرا على قول كلمة لا في وجه كل الواجبات التي يراها سلاسل وأغلالا، ومن ثم يجب التفوق عليها، وكذا رد الاعتبار إلى الجسد وملذاته وشهواته التي تحبب الحياة. فعوض البقاء على إرادة الحق التي يدعو إليها الكهنة ويعملون على إخضاع الفرد لها، يدعو نيتشه إلى إرادة القوة المبدعة والخلاقة لقيم جديدة منحوتة على ألواح جديدة، ومن هنا نقده للأخلاق المسيحية التي يراها أخلاقا للعبيد والحثالة من الناس، وقضاء على الأخلاق الأرستقراطية القوية التي هي أخلاق السادة الأقوياء. فالمساواة، مثلا، التي جاءت بها المسيحية قد قضت على النبالة والأرستقراطية، وعلى كل كريم موجود على وجه البسيطة. كما أن نيتشه يريد أن يحقق للفرد خلاصا أرضيا لا خلاصا أخرويا كما تعد بذلك الديانات السماوية عامة، والمسيحية خاصة.
- إن الخطوة الثانية لبلوغ الإنسان الراقي، هي نقد الحداثة المريضة التي أنتجت إنسانا مريضا، وسلاما متعفنا وتسوية جبانة، حسب نيتشه. وبالتالي فإنه مطالب بتخليصه منها عبر فكر فلسفي يقيم للفرد اعتباره ويرد له إنسانيته التي فقدها في فترات تاريخية معينة.
- كما أنه صنف المجتمع إلى طبقات، بحيث يحتل المسيطرون عقليا الطبقة الأولى، ثم يليهم المتصفون بالرجولة الجسدية، وأخيرا عامة الناس "الشاندالا" والأراذل الذين لا يتوقون إلى الترقي والتفوق.
ولعل تقسيم نيتشه لطبقات المجتمع، نجد له شبيها لدى صاحب المدينة الفاضلة. حيث قسم أفلاطون، قبل نيتشه، سكان المدينة الفاضلة إلى فلاسفة وحراس وعمال. إذن فما الدور المناط بكل طبقة عند كل من أفلاطون ونيتشه؟
لقد كان أفلاطون يشدد على ضرورة بقاء كل طبقة في حدودها الخاصة مقدما لكل واحدة شروطا معينة. فالذين يحكمون، حسب أفلاطون، هم الفلاسفة الحكماء، في حين أن نيتشه يرى أن في الطبقة الثانية ملكا وحراسا و... مطالبون بتنفيذ أوامر الراقين عقليا" الذين يرون الواجب امتيازا؛ لأنهم يستخفون الأحمال التي تسحق الآخرين"(3)، كما أنهم اليد اليمنى للملك. إذن فمهمة المسيطرين عقليا هي التفكير والتوجيه، والأقوياء جسديا ينفذون فحسب. لكن لدى أفلاطون نجد أن الفلاسفة اختصوا بالحكمة، والحراس بالشجاعة، والعمال بالتحكم في النفس، أي أن على الحكماء والحراس كبح شهوات وجماح غرائز العمال، بيد أن نيتشه يرفض كل دعوة إلى كبح الشهوات وقمع الغرائز التي تحبب الحياة للفرد على وجه الأرض، وهنا نقطة الاختلاف الأولى مع أفلاطون. كما أن هذا الأخير، وفي ظل تأكيده على استقلال الطبقات، يدعو إلى الجمع فيما بينها لتحقيق ما يسمى بالعدالة. بيد أن نيتشه يرى أن "الفصل بين الطبقات الثلاث ضروري لحفظ المجتمع، ليكون ممكنا قيام أفراد راقيين، ووجود رقي"(4)، فضلا عن كونه لا يقيم اعتبارا للطبقة الثالثة" طبقة المستعبَدين"، وإنما يجعل من واجب المسيطرين عقليا تقديم يد العون والمساعدة للمتوسطين؛ لأن هذه الطبقة منها أيضا: التجارة والفن و...، وأصحابها هم أواسط القدرة والرغبات، و"حضارة رفيعة مشروطة بالأواسط"(5)، وذلك لكونهم شرطا وضرورة لتواجد الراقين المتفوقين. لكنّ ثمة سؤالا يطرح نفسَه هنا: ما موقع الكهنة من تصنيف نيتشه لطبقات المجتمع؟
يجيب نيتشه قائلا: "الكاهن هو طبقتنا المنحطة "الشاندالا" ويجب أن يكون مبعدا محظورا، ميتا من الجوع، منفيا إلى أي قفر كان"(6). ومن ثم يبدو لنا جليا أن نيتشه يقصي كل عقيدة في بنائه للفرد الراقي؛ لأن العقيدة (الدوغما) حسب تصوره، هي سجن وحجر عثرة أمام تأسيس الفرد لعقيدته الذاتية الراسخة القائمة على الشك المتحرر المدقق. فالنظر إلى العقائد وإقصاؤها من دائرة الأخلاق، قد دعا إليه فلاسفة كثيرون قبله، نذكر منهم جان لورن دالمبير، الفيلسوف الفرنسي الذي رأى أن المسيح هو واعظ أخلاقي، والعقيدة قد أسسها آباء الكنيسة، لهذا دعا إلى تأسيس دين إنساني عقلاني، تكون فيه الأخلاق هي أسّ الدين لا العقيدة. وهكذا يؤسس نيتشه قيمه وأخلاقه الذاتيتين على العقيدة الذاتية المشدودة إلى حب الأرض وعلى خلاص أرضي، لا على عقيدة دينية ما.
في كتابه "عدو المسيح" نجده يقدم نقدا لمفكرين من أمثال روبسيير وسان سيمون، ومنه فإن الاختلاف بين هذين الفيلسوفين ونيتشه، يتجلى في دعوة روبسيير إلى عبادة الكائن الأسمى، وسان سيمون في المسيحية الجديدة. فهؤلاء الفلاسفة قد آمنوا بضرورة التمسك بسلطة روحية، وكذا ضرورة ممارسات طقوسية تعبدية مشتركة، وهذا ما ينتقده نيتشه الذي يدعو إلى عقيدة ذاتية وخلاص أرضي.
وعلى سبيل الختم، يمكن القول إن نيتشه فيلسوف أخلاقي حتى وإن كانت منهجيته تقوم على الهدم والتقويض للسائد في عصره، ولكن ذلك يعزى إلى كون كل بناء جديد يسبقه تقويض وهدم للقديم. حيث قال: " كم سيستحيل علينا آنذاك أن نحيا دون أن نضع قيما"(7). كما أنه سعى إلى تخليص الإنسان الأوربي من وسواس المرض المسيحي "الذي يصيب أولئك الأفراد الوحيدين الذين يعذبهم الأحاسيس الدينية والذين سيستحضرون دائما آلام وموت المسيح"(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عدو المسيح ص 26 ت جورج ميخائيل ديب.
(2) نفسه ص 30.
(3) نفسه ص 168.
(4) نفسه ص 169.
(5) نفسه ص 170.
(6) نفسه، ص 190 "البند الخامس" ضد المسيحية.
(7) إنسان مفرط في إنسانيته، ت محمد الناجي، ص 36.
(8) نفسه ص 46.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُلاحظاتُنَا حول -كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا -
- -صهيلُ الذاكرةِ... القلمُ الكونيُّ-
- الإصلاح اليتيم... إلى أين؟
- اللغة العربية
- الحاجة
- الصراع يعود من جديد...!
- قراءة في رواية -نبض- ل أدهم الشرقاوي.
- نزيف قلم
- أزمة المقررات الدراسية
- سيدي المتجبر.
- أنماط النصوص
- تركيا... إلى أين؟
- ولأن الأفكار لا تموت...
- الحرية عند المفكر المغربي: عبد الله العروي.
- تعليق حول: حفريات في الذاكرة من بعيد، للمفكر المغربي محمد عا ...
- هكذا فهمت جبران
- الشعرية وتجلياتها عند أدونيس
- الثابت والمتحول وتجلياتهما في التراثين: الديني والشعري، من م ...
- الرسالة
- أبو زيد... هل أحزنتك روح التفكير؟


المزيد.....




- ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ ...
- أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال ...
- الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق ...
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال ...
- البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن ...
- اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
- البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا ...
- جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا ...
- عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س ...
- حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد الورداشي - تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه