|
(2) حركة القرامطة
فلاح أمين الرهيمي
الحوار المتمدن-العدد: 6447 - 2019 / 12 / 26 - 18:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمتاز حركة القرامطة بجانبها الثوري حيث كانت لها نظريتها وأيديولوجيتها ووضعت لنفسها خطة وبرنامجاً يتفقان مع نظريتها وايديولوجيتها واستطاعت أن تجذب وتكسب إلى صفوفها جماعات كبيرة من صغار الفلاحين وسائر الكادحين في الريف ومن الحرفيين وغيرهم من الفقراء والكادحين والمسحوقين من سكان المدن في منطقة واسعة بين مدينتي البصرة والكوفة في العراق وامتدت إلى خارج العراق في البحرين وبعض مناطق بلاد الشام وبعض نواحي اليمن في جنوب الجزيرة العربية واستطاعت أن تكون من العناصر التي انتسبت إليها جيشاً مسلحاً يقاتل بحماس وجرأة وعقيدة وإيمان جيوش الخلافة العباسية في مناطق واسعة متفرقة واستطاعت أن تقيم جمهورية في البحرين تعبر وتجسد أفكار وأحلام الكادحين الطبقية وعاشت هذه الجمهورية المستقلة عشرات السنين لتجربة تاريخية فريده من حيث موقعها الزماني والمكاني ومن حيث مضمونها الطبقي الثوري. وقد سميت هذه الحركة تعبير عن اسم قائدها (حمدان قرمط) وكانت هذه الشخصية كادحاً زراعياً بسيطاً ومعدماً كان يعيش في أحد القرى المجاورة لمدينة الكوفة في العراق وكان هذا القائد على اتصال بأحد دعاة المذهب الإسماعيلي المعروف بـ (حسين الأهوازي) عام (264 هجري – 877 ميلادي). إلا أن القرامطة لم يبشروا او ينتسبوا لطائفة الإسماعيلية وإنما أطلقوا على حركتهم (المصلحون في الأرض) وقد انتشرت هذه الحركة في نواحي مدينة الكوفة بين مختلف القبائل العربية ومجموعة من (النبط) وهم قوم من العجم كانوا يعملون بالزراعة في منطقة الكوفة. كانت حركة القرامطة تمتاز بتنظيم دقيق وحديدي يعمل سراً بمهارة ودقة وكان أعضائها على صلة تنظيمية مستمرة بقيادة الحركة وتنظيماتها وفق خطط منسقة ودقيقة بينهم حيث أظهرت براعة (حمدان القرمطي) في مجال التنظيم والالتزام والضبط الحديدي ودقته يعاونه بذلك بما يشبه اللجنة اثنا عشر عضواً اختارهم من بين الأعضاء النشيطين والمخلصين وقد كان لهذا التنظيم الدقيق تنظيم مالي ساعد على توسيع الدعوة بين جماهير الفلاحين الفقراء والمعدمين والكادحين من صغار طبقة الفلاحين والحرفيين الصغار كان التنظيم المالي للحركة يقوم على فرض ضرائب نسبية حسب ظروف وحالة المنتمي للحركة ومن الممتلكات التي كان يتبرعون بها أعضاء الحركة من أجل دعم نشاط الحركة وكان يجري توزيع هذه الأموال على أعضاء الحركة من المعوزين والمحتاجين والمرضى كما استفاد من الأموال الفائضة عن حاجة أعضاء الحركة في بناء قلعة حصينة للحركة قرب مدينة الكوفة عام/ 277 هجرية سميت (دار الهجرة) كما استفاد من فائض الأموال في تسليح أعضاء الحركة استعداداً للثورة وكانت دولة الخلافة العباسية لم تعير الاهتمام بهذه الحركة إلا عام/ 287 – 900 هجرية، في عهد الخليفة العباسي حيث بدأت بمطاردة حركة القرامطة بعد أن شعرت بخطرها اجتماعياً وأيديولوجيا وتهديدها للدولة العباسية حيث جهز جيشاً وقام بالهجوم على أحد مراكزهم في نواحي مدينة الكوفة عام/ 287 هجرية فقتل وأسر عدد كبير منهم إلا أن الخليفة العباسي أطلق سراح الأسرى لأنهم كانوا من طبقة الفلاحين لأن اعتقالهم وسجنهم يؤثر في الإنتاج الزراعي لأن أعدادهم كانت كثيرة ... إن اشتراك الأعداد الكبيرة من الفلاحين الفقراء والمعدمين والمسحوقين تدل على الطبيعة الطبقية لحركة القرامطة الباسلة وقد استمرت المواجهات بين الحركة ودولة الخلافة العباسية إلى سنوات عديدة لم تستطع الدولة العباسية من القضاء عليها لأن طبيعة تنظيمها ولهيبها الثوري كان قوياً يقوم على الوعي ومتانة وصلابة التنظيم والضبط مما جعلها تؤمن وتعتقد أن كابوس الظلم والاضطهاد والقهر والبؤس لا يمكن إزاحته إلا بالعنف الثوري ولذلك كانت قوة الإيمان وصلابته بعدالة قضيتهم وعقيدتهم هي المادة التي تغذي وتلهب سعير ثورتهم. وقد استطاعت حركة القرامطة أن تفتح جبهة ثورية نضالية أخرى في بلاد الشام عام/ 289ه – 901ه) وقد أدى هذا الامتداد الثوري إلى ضعف وفقدان سلطة الخلافة العباسية وسيطرتها على كثير من الأقاليم التي نشبت فيها نار الثورة. وكانت قيادة حمدان القرمطي جريئة وشجاعة ومؤثرة حيث استطاع أحد أنصارها (أبو سعيد الجنابي) أن يفجر نار الثورة في البحرين التي تشكل الجبهة الثالثة للثورة العارمة ضد الظلم وفساد دولة الخلافة العباسية بعد أن انتشرت أفكارها في الأقاليم التي كانت تدعو وتبشر بالأخوة الشاملة والمساواة والعدالة الاجتماعية بين الناس مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والعرقية والجغرافية وأثار فيهم روح المحبة والتعاطف والتآخي ونكران الذات وبناء المجتمع السعيد. في أواخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريين تركزت قوات المواجهة المسلحة بين حركة القرامطة ودولة الخلافة العباسية في منطقة البحرين حيث امتازت حركة القرامطة بالصمود والإرادة والإصرار والتفاني وقد كبدت جيوش الخلافة العباسية الخسائر الفادحة في الرجال والمعدات مما أدى إلى هزيمتها وانسحابها من منطقة البحرين وإعلان استقلال المنطقة وتشكيل دولة في البحرين القرمطية في عهد سليمان ابن طاهر أحد أبناء أبي سعيد الجنابي وذلك في عشرينيات القرن الرابع الهجري فكانت أول جمهورية عربية ليس في ذلك العصر وإنما في تاريخ العرب لها نظريتها وأيديولوجيتها وبرنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي من طراز جديد في ذلك العصر حيث اتخذت من العلمانية مذهبا لها ومن الأممية والعدالة الاجتماعية فلسفة وسلوكاً لها وكانت تحكم تلك الجمهورية الفتية قيادة جماعية ديمقراطية ولها حكومة تتكون من ستة أشخاص ونواب لهم من ذوي الخبرة والمعرفة والدرجات العالية في تنظيمات وقيادة الحركة يجلسون على تخت خلف أعضاء الحكومة كمستشارين لهم. وكانت مقررات شؤون الجمهورية تصدر بالإجماع من خلال النقاش والمحاورة الديمقراطية. وكان النظام الاقتصادي يقوم حسب قاعدة القطاع العام للمؤسسات الاقتصادية الذي يعتبر الطابع الثوري للتجربة البحرينية القرمطية الفريدة في ذلك العصر. لقد أفرزت هذه الحركة أفكاراً ثورية لدى طبقات المجتمع في العصر العباسي وأدت إلى خلق جذوة النضال وكسر حاجز الخوف لدى الشعوب في ذلك العصر وتمرد (حرب المبرقع اليماني) على الحكم العباسي في عصر الخليفة المعتصم ابن الرشيد في جبال الأردن مع جماهير واسعة من الفلاحين والكادحين والمظلومين واستطاعت الدولة العباسية من إخماد تلك الحركة والقضاء عليها بالحديد والنار والجيوش الجرارة ثم اندلعت وانفجرت (ثورة الحسن بن زيد العلوي) وتكوينه دولة علوية في طبرستان وتأسيس الدولة الصفارية عام (254 هجرية – 290 هجرية) كما ثار أحمد بن طولون وأسس دولة مستقلة في مصر.
#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(1) ثورة الزنج في مدينة البصرة العراقية
-
مطاليب متظاهري محافظة ذي قار
-
الفرق بين الثورة والانتفاضة
-
غضب الشعب وعصيان الدولة
-
الواقع العراقي وحركة التاريخ
-
ثورة الجوع والغضب الباسلة في العراق
-
الثورة العملاقة الرائعة والمجتمع العراقي
-
الحلم ( 2 )
-
( أماه قطعة نثرية )
-
أهمية عملية إحصاء السكان في الوطن
-
الدولة وسلطاتها ومسؤولية كل واحده منها مع الشعب
-
أين الحقيقة ؟ (2)
-
أحبتي الحضور الكرام ... السلام عليكم
-
أهمية الدستور للشعب والدولة
-
من أجل الحقيقة والتاريخ (2)
-
إلى شهداء الناصرية والنجف الأبطال (قطعة نثرية)
-
طبيعة نظام الحكم في العراق
-
ما هي المتطلبات لخروج العراق من أزمته
-
الخطأ لا يحل بالخطأ
-
ما أشبه اليوم بالبارحة 2
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|