|
ثورة الشباب وقانون الانتخابات
وثاب داود السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 6447 - 2019 / 12 / 26 - 01:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحت ثورة عارمة اثبت فيها شباب العراق وعيا وبصيرة اذهلت اركان أحزاب الفساد العلني والسري، ودكت معاقل التفكير المتحجر للمسؤولين السياسيين دكا، سواء من أصحاب أحزاب نهب المال العام المهيمنة، او من معارضاتها الهيكلية الصورية، اضطر مجلس النواب العراقي على التصويت على قانون جديد للانتخابات يوم 24 كانون الأول الجاري. ولكن هذه الطبقة الحاكمة المتمسكة بامتيازاتها وسرقاتها لا يمكن ان تمنح الثوار ما يريدون، وهو اسقاط هذا النظام المزري، نظام المحاصصة والنهب وكواتم الصوت. شياب العراق لا يرضون مطلقا بحلول تخديرية، او إجراءات ترقيعية، وهذا لم يفهمه الكثير من الديمقراطيين، الذين يدينون بدون شك دولة النهب والسلب، ولكنهم قاصرون عن فهم ابعاد المعركة الحقيقية. وأكبر دليل على ذلك لجوء بعض الديمقراطيين، مع بالغ الأسف، للدخول في سوق ترشيح شخصيات ديمقراطية لرئاسة الوزراء للفترة الانتقالية. لم يفهم هؤلاء ان شعار حل مجلس النواب واجراء انتخابات مبكرة، يعني تصميم الشباب على الانتهاء، الى غير رجعة، من عهد السمسرة المحاصصاتية. وفهمهم القاصر ليس سوى امتداد لحملاتهم الانتخابية السابقة المداهنة، حيث لم يرفع مطلقا أي شعار يدين الفساد ويطالب بمعاقبة الفاسدين. وكيف وفقا لهذا التفكير من الممكن تصور ان الطبقة السياسية الحاكمة ستحفر قبرها بيدها. مشاركة أي ديمقراطي في اية حكومة تشكل من طبقة الفساد هو خيانة لدماء الشهداء ولثورة الشباب. الهدف الأساسي هو حل مجلس النواب واجراء انتخابات مبكرة. وعلى طبقة الفساد القبول بشروط المنتفضين : تشكيل حكومة من المستقلين لإدارة الفترة الانتقالية تمهيدا للانتخابات. كيف يستطيع أي كان ان بصدق ان هذه الجماعات الحاكمة ستسمح للحكومة المؤقتة بمتابعة الفاسدين وحصر السلاح بيد الدولة واجراء الإصلاحات المطلوبة. أي اصلاح مستحيل إذا لم بتم حل مجلس النواب. القانون الذي تم التصويت عليه البارحة يستجيب شكليا لمطالب ساحات الاحتجاج. ولكنه في الواقع غير ذلك تماما. سنركز هنا على المادة المتعلقة بنظام التصويت الفردي، وتحديد الدوائر الانتخابية منذ عام 2003 كنت ادافع عن نظام انتخابات يعتمد على الترشيح الفردي بدورتين. وقد خضت في هذا المضمار نقاشات معمقة ومثمرة مع الكثير من الأصدقاء والاختصاصيين، واخص بالذكر منهم القاضي هادي عزيز والصديق حسان عاكف. ينص القانون على ان القضاء يمثل الدائرة الانتخابية، ويجري الانتخاب على أساس الترشيح الفردي، بواقع نائب لكل 100000 مواطن. معنى ذلك، إذا اخذنا مثلا مدينة الثورة او الصدر، فان عدد السكان غير معروف تحديدا، ولكنه في كل الأحوال يتجاوز المليون شخص. فمعنى ذلك ان هذا القضاء سينتخب لنفترض 10 نواب. إذا الترشيح هنا ليس فرديا. والمرشحون لا يتنافسون على دوائر انتخابية محددة وانما على منطقة واسعة غير معروف تحديدا من هو مرشح المنطقة المعنية بالعتبة الانتخابية، لأنه سيكون واحدا من عشرة. الترشيح الفردي يقتضي تقسيم المناطق وفقا لعدد السكان، مع اعطاء متسع يسمح لتكوين دوائر انتخابية، يتراوح سكانها من 100000 الى 120000 نسمة مثلا لتسهيل التقسيم الإداري. في هذه الدائرة يتنافس المرشحون على مقعد واحد، بحيث ان الناخب يعرف بان المرشح الذي يصوت له هو من بين الذين يختارهم. الهدف من الترشيح الفردي عن مناطق محددة لمقعد واحد، هو إعطاء الفرصة للناخبين بالاختيار بين أشخاص معروفين ومعرفين لديهم. ويتم الاختيار حينها بناء على تركيبة من عوامل متعددة. نوعية المرشح وكفاءاته الشخصية وبرنامجه العام والخاص، وحضوره بين ناخبيه. وفي هذه الحالة سواء كان المرشح منتميا الى حزب او مستقلا فعليه ان يثبت وجوده بين الناخبين. حينها لن يستطيع أي شخص لا يحمل بعضا مهما من هذه الصفات ان يصل الى سدة البرلمان. وفي هذه الحالة لن تعاد بعض الذكريات الانتخابية سيئة الصيت. يتذكر الجميع السيدة التي رشحت في قائمة السيد نوري المالكي، ولكنها كانت تستحي من وضع صورتها او حتى ذكر اسمها، وكانت دعايتها الانتخابية مع صورة زوجها. ومثل اخر، في مجلس النواب الحالي نرى عالية نصيف من أكثر النواب ضجيجا وهي لم تحصل سوى على 3000 صوت ونيف. ونرى كذلك ان اختيارات مجلس النواب لا تحل المشكلة اطلاقا. فعدا ان الدوائر الانتخابية ليست فردية حقيقة، فان الفوز بأعلى الأصوات يلغي تماما كل امل في الإصلاح. وقد كتب الكثيرون امثلة للتدليل على ذلك. النظام الذي لجأ اليه مجلس النواب معمول به في إنكلترا، وهو يعد من أسوأ الأنظمة الانتخابية في العالم. سبب استمرار الإنكليز في استخدامه يعود الى بطأ التغييرات القانونية في بريطانيا والفلسفة السياسية لهذا البلد. لدى البريطانيون استطاع هذا النظام حل مشاكل سياسية عويصة، لأنه يسمح بتشكيل حكومة اقلية. فان استطاع حزب ما الحصول على 40 بالمئة من المقاعد، ولم تستطع الأحزاب الأخرى من عقد ائتلاف بينها، فان الحزب الاول يحكم بحكومة اقلية، ولا يحتاج الى إعادة الانتخابات إذا تعذر تكوين أكثرية. اختيار أحزاب السلطة لنظام اعلى الأصوات، بدورة واحدة، بدلا من 50+1 بدورتين )ان اقتضى الامر( يخدم مصالحهم لانهم اكثر قدرة من غيرهم على دفع مرشحيهم للحصول على المراكز الأولى. ولكنهم يفقدون هذه الأفضلية إذا كان هناك دور ثاني يسمح للمرشحين المستقلين والديمقراطيين للالتفاف حول المرشح الاوفر حضا والأكثر تمثيلا لمصالح المواطنين. في الوقت الذي يبدو فيه واضحا ان الثوار الشباب عازمون عبى اجبار مجلس النواب على تغيير هذا القانون، الا ان الهدف الرئيسي للثورة العارمة يبقى حل مجلس النواب واجراء انتخابات حقيقية، ستنهزم فيها أحزاب نهب المال العام مهما كان شكل القانون الانتخابي. الشياب بنوا حضورهم بتصميم وإصرار عجيبين، ولن يتراجعوا الا ببناء عراق جديد يسمو على ما دمره السراق.
#وثاب_داود_السعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغاء قانون شركة النفط الوطنية العراقية ضرورة وطنية ملحة
-
معالجة ازمة المياه في العراق على المدى القريب والبعيد
-
الوسط الديمقراطي في انتخابات 2018، الى اين
-
قانون شركة النفط الوطنية العراقية واهدار ملكية النفط العراقي
-
حق الشعب الكردي في تقرير المصير ونتائج الاستفتاء
-
الموصل والمهمات الوطنية
-
قانون الأحزاب السياسية يتعارض مع أحكام الدستور ومبادئ الحريا
...
-
الخلاص من آفات الطبقة السياسية الحاكمة وبناء دولة المواطنة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|