إستهداف مكاتب الإعلاميين في بغداد:
قصف "لحظة الحقيقة"
عشية الحرب الراهنة على العراق، وصف الرئيس الأميركي جورج بوش هذه الفترة الزمنية بالقول: "انها لحظة الحقيقة". لكن التداعيات تؤكد أن "الحقيقة" هي الضحية الأولى لهذه الحرب، وبأن الإعلاميين العرب والأجانب المتواجدين في بغداد من أجل نقل حقائق الحرب إلى العالم، هم الآن في دائرة الهدف العسكري الأميركي، كما هم أيضاً في دائرة الهدف السياسي المستخدم من قبل الحكومة العراقية. فلا واشنطن تريد أن يعرف العالم حقائق ما يجري، ولا بغداد أيضاً تذيع الحقائق أو تعترف بإنهيار النظام بعد سقوط الوطن!
هذه الحرب القائمة الآن على العراق قد كشفت زيف الشعارات التي تتم الحرب تحت ظلالها: الدكتاتورية العسكرية الخارجية هي بديل الدكتاتورية العسكرية الداخلية، والقنابل والحصار هي بديل حال الخوف والجوع الذي يعاني منه شعب العراق منذ سنوات طويلة.
لقد ُأستهدفت مكاتب أقنية "الجزيرة" و"أبو ظبي" وغيرهما من مراكز تجمعات للإعلاميين في بغداد، لأن المستهدف الحقيقي هو منع وصول "الحقيقة" إلى العالم فتتحقق سيادة كذب الشعارات.
أنها ليست "لحظة الحقيقة"، بل هي لحظة سوداء في تاريخ العراق والمنطقة العربية والعالم ككل. أنها "لحظة" يمتزج فيها كذب الشعارات المحلية والخارجية معاً. .. "لحظة" تمتزج فيها خطايا الحاضر مع خطايا الماضي... خطايا ممارسات الداخل مع خطايا أساليب وأطماع الخارج، ولن يؤدي هذا المزيج إلا للنتائج الخاطئة.
رحم الله شهيد قناة "الجزيرة" وكل الإعلاميين الذين قضوا نحبهم وهم يحاولون البحث عن حقائق الحرب في عتمة سواد التضليل السياسي من كل حدب محلي وصوب خارجي، في هذه "اللحظة" التي أصبحت الكلمة فيها لنيران المدافع لا لأنوار الكاميرات...
8/4/2003
صبحي غندور
(مدير "مركز الحوار" في واشنطن)