|
مجتمعات ما بعد الحرب الأهلية: لبنان نموذجاً
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 24 - 10:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتهت الحرب الأهلية اللبنانية، في يوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1990، مع إخراج الجنرال ميشال عون وحكومته العسكرية من قصر بعبدا. استغرقت هذه الحرب خمسة عشر عاماً ونصف عام، وهي مثال نموذجي عن الحرب الأهلية، عندما تنهار مؤسسات الدولة عقب انفجار داخلي مجتمعي ويقوم الأهالي والجماعات بحمل السلاح في منظمات مسلّحة متقاتلة. من منطلق هذا التعريف، نجد هناك الحرب الأهلية الإسبانية (1936 ــ 39) وحرب البوسنة (1992 ــ 95)، فيما لا ينطبق هذا التعريف على الأزمة السورية 2011 ــ 2019، التي كانت بأحد أشكالها انفجاراً داخلياً أنتج ــــ بعد مرحلة من التظاهرات السلمية ــــ صراعاً مسلّحاً بين السلطة المدعومة بالجيش وأجهزة الأمن، وبين جماعات مسلّحة في وقت استمر فيه الجهاز الإداري متماسكاً، كما لا ينطبق على الجزائر (1992 ـــ 2002). في إسبانيا، انتهت الحرب الأهلية بغلبة أحد طرفيها، وهو معسكر الملكيين بزعامة الجنرال فرانكو، وهزيمة الجمهوريين اليساريين. في البوسنة، انتهت الحرب الأهلية بتسوية مفروضة من الخارج الأميركي، عبر «اتفاقية دايتون» (كانون الأول/ ديسمبر 1995) ضد الدواخل المتقاتلة: صرب البوسنة وكروات البوسنة ومسلمي البوسنة، وضد داعمي كل من الأولين في جمهوريتَي صربيا وكرواتيا.
كانت تسوية اتفاق الطائف عام 1989، التي انبنى لبنان ما بعد الحرب الأهلية عليها، ناتجة من اتفاق ثلاث عواصم، هي: واشنطن والرياض ودمشق، على إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وليست ناتجة من اتفاق داخلي. كان لافتاً للنظر أن يكون سنّة لبنان هم الأقوى في مرحلة «ما بعد الطائف»، وهم الذين لم تكن لهم ميليشيا مسلّحة خاصة، وقد بان ذلك في حكم ما كان يُسمى بالترويكا بين عامي 1992 ــ 1998: رئيس الجمهورية إلياس الهراوي ــــ رئيس الوزراء رفيق الحريري ــــ رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث ظهر الحريري بوصفه الأقوى. وكان ذلك ناتجاً من توافق الثالوث الخارجي، الذي أنتج اتفاق الطائف، بينما كان خروج الحريري من السلطة في خريف عام 2004 ناتجاً من الصراع الأميركي ــــ السوري، الذي نتج من الموقف السوري المضاد للأميركيين في العراق المغزو والمحتل عام 2003، حيث كان من تجليات هذا الصراع القرار الدولي 1559، الذي دعا الى انسحاب القوات السورية من لبنان والإجراء السوري المضاد في فرض التمديد للرئيس إميل لحود. في التسعينيات، جرى تداول مصطلح «الإحباط المسيحي»، كتعبير عن ضعف المسيحيين في معادلة «ما بعد الطائف»، بالقياس إلى وضعهم المتفوّق في تركيبة السلطة اللبنانية، وفقاً لميثاق عام 1943. أصبح وضع المسيحيين أقوى قليلاً، مع إخراج سوري باتفاق مع الرئيس اللبناني الجديد إميل لحود لرفيق الحريري من منصبه، عبر لعبة الاستشارات النيابية لتسمية المرشح لمنصب رئيس الوزراء في الشهر الأخير من عام 1998، وعندما عاد الحريري إلى منصبه نتيجة الانتخابات النيابية في خريف عام 2000، فقد كان من الواضح دعم دمشق للحود ضد الحريري، المدعوم من واشنطن والرياض، بخلاف التسعينيات عندما كان الحريري المفضّل سوريّاً. في 25 أيار/ مايو 2000، مع تحرير الجنوب من الإسرائيلي، فرض حزب الله نفسه بوصفه قوة لبنانية كبرى كانت تميل للحود ضد الحريري، في معادلات الوضع اللبناني الداخلي، رغم محاولات الرئيس رفيق الحريري إنشاء معادلةٍ «ما» مع السيد حسن نصر الله. هنا، كان انفجار لبنان الداخلي بوجه السوريين، في يوم 14 آذار/ مارس 2005، إثر حادثة اغتيال الرئيس الحريري. كل ذلك مدعوماً برياح أميركية في ظلّ صراع واشنطن مع دمشق، أدى إلى تغيير معادلة 1998 ــ 2004 اللبنانية، لمصلحة قوى معادية لدمشق نجحت في فرض خروج القوات السورية في 26 نيسان/ أبريل 2005، وفي إنشاء تركيبة حكم لبنانية معادية لدمشق، حتى حصول اتفاق الدوحة في أيار/ مايو 2008، وهي سابقة لم نشهدها سوى في عامَي1957 ــ 1958، مع حكم الرئيس كميل شمعون الذي أظهر العداء لدمشق في توجهها نحو قاهرة جمال عبد الناصر، ولعبد الناصر بعد الوحدة السورية ــــ المصرية في 22 شباط/ فبراير 1958، وهو ما عجّل في انفجار لبنان في حرب أيار/ مايو 1958 الأهلية. على هذا الصعيد، كان الفشل الأميركي في العراق والفشل الإسرائيلي في الحرب بالوكالة الأميركية ــــ الإيرانية، أي حرب تموز 2006 التي سمتها كوندوليزا رايس «آلام مخاض ضرورية من أجل ولادة الشرق الأوسط الجديد»، بعد فشل ولادته في بغداد، مؤدّياً إلى انهيار حكم 14 آذار في بيروت، حيث كانت التوازنات الداخلية اللبنانية الجديدة التي عبرت عن نفسها في 7 أيار/ مايو 2008 و«اتفاق الدوحة»، تعبيراً داخلياً عن انزياح في توازنات إقليم الشرق الأوسط إلى غير مصلحة واشنطن، التي أصبحت قوةً شرق أوسطية مع الإتيان بقواتها إلى العراق. هنا، أنتج «اتفاق الدوحة» معادلة جديدة، تعديلية لمعادلة اتفاق الطائف، تميزت ببروز قوة مسيحية هي «التيار العوني» الذي نجح في عام 2016، من خلال تحالفه مع حزب الله، في إيصال العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا، وفي إجبار سعد الحريري، وقائد «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، في أن يكونا من مكونات هذه التسوية الرئاسية. في الانفجار المجتمعي اللبناني منذ يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، هناك انهيار لتسوية عام 2016، واهتزاز لاتفاق الدوحة في عام 2008، واهتزاز أخف لاتفاق الطائف في عام 1989، مع بداية انحسار مواقع طهران الإقليمية في بغداد وبيروت، إضافة إلى الصراع الأميركي ــــ الإيراني البادئ من جديد منذ يوم 8 أيار/ مايو 2018. كمجمل استنتاجي: لبنان في نماذج ما بعد الحرب الأهلية، هو الأقل نجاحاً في التسويات التي تلت تلك المرحلة، بالقياس إلى البوسنة، وبالقياس إلى إسبانيا التي أنتجت في مرحلة ما بعد وفاة فرانكو، عام 1975، تسوية ديموقراطية أتاحت لقوى اليسار، الاشتراكي والشيوعي، أن تكون جزءاً من التركيبة السياسية البرلمانية، ولم تستطع قوى بقايا نظام فرانكو تفشيلها في محاولة انقلاب شباط/ فبراير 1981. حتى في تسويات الصراعات المسلّحة، كما جرت في كمبوديا 1993 وأنغولا 1991 ــ 2001، هناك نجاح أكبر من اللبنانيين في إطفاء بقايا الجمر الناتجة من النار، فيما كادت بقايا الجمر في لبنان أن تشتعل من جديد في حوادث كانون الثاني / يناير 2007 في منطقة الجامعة العربية بين الطريق الجديدة والضاحية الجنوبية، وفي 7 أيار / مايو 2008، وفي حوادث عديدة في مرحلة ما بعد 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أردوغان والمُعارضة السورية المسلّحة
-
هل يستطيع العامل الاقتصادي نقل لبنان إلى اللاطائفية السياسية
...
-
دروس سودانية
-
القطب الواحد للعالم في مواجهة القوّة الإقليمية العظمى
-
الحكم العسكري عند العرب
-
محاولة تعميم نموذج السيسي
-
خصائص سودانية: أحزاب متجذّرة ومرونة في السياسة
-
دروس الحراك الاجتماعي الجزائري
-
حزب شيوعي عربي في واجهة المشهد السياسي
-
عندما يقوم الشيوعيون ببناء الرأسمالية
-
خلافات المعارضة السورية في أزمة 2011 2018
-
استقطابات حول أزمات المنطقة
-
- الاسلام في سوريا -
-
محاولة لتحديد مفهوم العلمانية
-
مسار الحركة الشيوعية العربية: محاولة للمراجعة
-
أردوغان وخامنئي
-
هل كان المناشفة (ومعهم ماركس) على حق ضد لينين؟
-
لماذا اتجه تلاميذ ياسين الحافظ نحو اليمين؟
-
«انقلاب» ترامب في الشرق الأوسط
-
مرض الشيخوخة اليساري
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|