|
بين اهانة الملك وحرية التعبير والاحترام كقيمة انسانية
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 21 - 10:39
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تعرف علوم السياسة عبادة الشخصية بالتملق المفرط لرأس الدولة . وهي عادة انسانية قديمة ، لكن طاقة التحرر لدى الانسان عرفت انفجارا كبيرا مع القرن الثامن عشر الى الآن ، ولم تعد عبادة الشخصية باعتبارها مقدسة الا في بلدتن قليلة ، للأسف من بينها المغرب . واذا كانت مصطلح المواطنة ومفهومه اللغوي البحث يفيد المفاعلة ، أي التفاعل والانفعال والفعل ، فان من حق أي مواطن أن يتوجه بخطابه الى الملك . خاصة اذا كان ملكا ذا سلطة تنفيذية وتقريرية ، فالقيد الدستوري يفيد بربط المسؤولية بالمحاسبة ، وأي تحريف لهذه المضامين يعتبر خروجا عن روح الدستور وعن سياق الدولة المدنية ، ويزج به في غياهب الدولة البوليسية الاستبدادية المقيتة . ان تأليه الحاكم هو بمثابة اعتبار الحاكم ابن لله ، أو وصي على ملك الله ، بمعنى آخر هو ظل الله في الأرض حسب رواية أبي هريرة . ومع ان جدلا كبيرا قام حول هذا المروي ، حيث هناك غئة تضعفه ، وهناك اخرى تفسره وتوضحه ، فان فئة ثالثة تاخذه في شكلانيته وسطحيته . وقد قامت حروب كبيرة سواء على الصعيد الفكري او المادي ضد هذا المبدأ المبتذل ، الذي نتج عنه ما يسمى بصكوك الغفران والحرمان واللعنة كعقاب الهي ، وتقديم القرابين لابن الله وتحويل العبادة لشخصه . يمكن اعتبار تهمة اهانة شخص الملك ارتدادا الى عصور ما قبل التاريخ ، او الى عصر ما قبل الثورة الفرنسية ، او ان شئت الى علاقة البراهمي بالشودري في الثقافة الهندوسية ، أو علاقة التنويريين بالجوييم ، حسب كتاب أحجار على رقعة الشطرنج . وهذا ما يتنافى مع روح العصر حسب الفهم الهيجيلي لهذا المصطلح ، ويخرج بنا من مسار الدولة الديمقراطية وان عن استحياء الى مسار الدولة الاستبدادية المحضة . بل انه يدخلنا في نقاشات محرجة عن طبيعة الملكية بالمغرب ، وكيف يمكن استخلاص طغيانها وهيمنتها من عدم مساءلتها وانتقادها ، وكيف لملكف أن يكون غير مساءل عن تكليفه الذي يتأثر به ملايين المواطنين ، وعن الفعل وتوابعه وردود الفعل . اننا هنا سندخل في معترك سياسي وقانوني وديني ولغوي ابستيمي لا مخرج للنظام وأعوانه منه الا بالقمع وانتهاك الحقوق . على ضوء الدستور المغربي الاهانة في عمومها مذمومة ومرفوضة ، سواء أخلاقيا/دينيا ، أو انسانيا . والعقوبة على الاهانة ترتبط تناسبيا بالشخص المهان ، أكثر منها بالشخص المهين . وبذلك يمكن للمترفع والراقي ان يتجاوز عنها ، كما يمكن للرخيص أن يحول كلاما عاديا الى اهانة . واذا كنا جميعنا معرضين للاهانة ، خاصة في مجتمع كالمجتمع المغربي ، فان هذا يدعو الباحثين والمهتمين بالشأن العام ، وباخلاق المجتمع الى البحث عن سياقات الاهانة ، وأسباب الاهانة ، ودوافعها من الناحية السيكولوجية ،الاجتماعية . ذلك أن الاهانة لا تصدر كنبت فطري من اللاشيئ ، وان كانت في مجتمع يشبه المجتمع المغربي قد تنبت فعلا من اللاشيئ ، بفعل تراكم مجموعة من النواقص والعقد ، فتصبح الاهانة تعويضا نفسيا عن فقدان حاجات وأشياء كثيرة . لكن اهانة الملك تبقى اهانة وجب النظر اليها واخضاعها للبحوث السياسية والقانونية والاجتماعية والنفسية . والا فان اطلاق التهم من جهة ما ضد أشخاص ما يضعنا أمام تساؤلات عديدة . خاصة اذا كان للتراكم حظه من دعم الدراسة ، لاستقراء اوجه الخلل في تفعيل المتابعة القانوية ، وان صوريا ، خارج أي ضوابط موضوعية وعلمية . كتعميم قانون المتابعة على الجميع ، تفعيلا لمقولة دستورية ، المغاربة سواء امام القانون ، وهو ما لانجد له أي معنى في الواقع القانوني المعاش ، وعلى مجموعة من الصعد ، وليس فقط فيما تعلق بتهمة اهانة الملك .... واذا ما آمنا أن القانون يقر بمبدأ رجعية الأثر ، فانه يمكن فتح نصوص الدستور المغربي نفسه للرد على تفاهة وتهافت تهمة اهانة الملك . فالفقرة الثانية من الفصل السادس منالدستور واضحة في هذا الشأن ، فبالاضافة الى مساواة المواطنين امام القانون ، فان الفقرة تشير بوضوح الى ضرورة "توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين ، والمساواة بينهم ، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية " . وهذا ما لانجده متوفرا للغالبية العظمى من المغاربة . أما الفصل العشرين20 فانه يرقى الى الاعتراف بالحق في الحياة كأول حقوق الانسان ، ولا يمكن هنا الا ان نتساءل بخبث ، اذا كان التعبير عن الرأي جزء بسيط من الحق في الحياة ، بل ومطالبة مباشرة للحق في اختيار نمط جياة محدد داخل بنية اجتماعية واقتصادية بعينها ، فكيف يتهم شخص باهانة مسؤول عن وضعية حياة كارثية ؟؟ كما أن الفصل 25 من الدستور المغربي يحمي حرية الرأي والتعبير بكل أشكالها . وحين يتم التطاول على الملك فان الأمر يتعلق برئيس دولة مسؤول ، وكل مسؤولية كيفما كانت معرضة للنقد والانتقاد ، وأحيانا للاهانة ، وهذا ما نعاينه في أرقى بلدان العالم . فالملك هنا صفة وليس ذاتا ، والا فانه يمكن ان نستعين بصيغة أمير المؤمنين ، ما يضعنا أمام اشكالات اصطلاحية اكثر منها ماهوية ، سوريالية أكثر منها موضوعية وعلمية . واذا كان الفصل 37 من الدستور يحتم على الجميع ضرورة احترم الدستور والتقيد بالقانون ، فان مسؤولية الملك تبقى أكثر جسامة من مسؤولية منتقديه ، فهو المؤتمن على سلامة وامن وحياة المواطنين ، والدفاع عن كرامتهم ، دون تمييز او محاباة أو استئثار وتفضيل . وتبقى خطب الملك دون استثناء المرجع الأول في هذا الصدد ، اذ ما لبث الملك ان صرح في مختلف خطبه انه المسؤول عن جميع المغاربة وضامن استقرارهم الاجتماعي والمعيشي . وبتخليه عن تعهداته ووعوده فانه يكون مساءلا أمام الضمير الجمعي وأمام التاريخ وأمام الله عن تخاذله وعدم التزامه بتعهداته ووعوده . وللنا في قصص عمر بن الخطاب العديدة دينيا أكبر مرجع ،كما قصص عمر ابن عبد العزيز . أما علي والرسول الكريم فالأمر يضعنا جيمعا في حرج . أما بالعودة الى دراسة مقارنة مع ما يتحمله رؤساء وحكام العالم الديمقراطي لتوفير الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية لشعوبها ما يجعلنا نطأطئ الرأس ونقول :لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم . واذا ما عدنا الى الفصل 46 من السدتور فانا نقرأ "الملك لا تنتهك حرمته ، وللملك واجب الاحترام والتقدير " ، مع اسقاط قدسية الملك المعمول بها في دساتير سابقة ، وهيمراجعة كانت في محلها وفق روح العصر الحقوقية والقانونية . ذلك أن مصطلح القداسة تم محوه من القاموس السياسي اواخر القرن التاسع عشر مع الثورة الفرنسية . وان استمر لدينا تحت وطأة ظروف تاريخية موبوءة الى حدود سنة 2011 . ان العودة الى رمي المواطنين بتهمة انتهاك شخص الملك ، هو نكوص وارتداد عن نوايا الاصلاح السياسي التي حاول المغاربة القيام بها . لكن السلطة أبت الا أن تعيدنا الى عصر القذافي والسيسي وآل سعود . حين يقوم الملك بما يفرضه عليه واجب صيانة كرامة المغاربة قاطبة ، فان المغاربة قاطبة سيقفون وراءه . اما وقد أصبح الملك فزاعة وأداة ووسيلة للانقضاض على المتضررين الذين يعجزون عن كتم آهاتهم وعذاباته . فمرحبا بقانون "أنا الدولة والدولة أنا "
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكومة الكفاءات . أي كفاءات ؟؟
-
العصفور ، عادة الحياة وليس حياة العادة
-
جاهز للحرب ، جاهز للسلام
-
لا عذر لنا ...الجبن هو المشكلة
-
أنا الوحيد الذي برماده احتفل
-
قبيلة اسمها المغرب
-
وداعا الى أن لا نلتقي
-
جيفري فيلتمان واللعب على المكشوف
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....12..
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية-10-
-
موسم انتفاضة الشعوب
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...10
-
دراسة سوسيولوجية لأغنية -عاش الشعب-
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....9
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...8
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....7
-
أبي أحمد علي ، شخصية السلام العالمية . من هو ؟
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....6
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية ...5
-
ايران تنتصر مرة أخرى ، متى يتعلم العرب فن الانتصار ؟
المزيد.....
-
ما قصة أشهر نصب تذكاري بدمشق؟ وما علاقته بجمال عبد الناصر؟
-
الاشتراكيون بين خيارين: اسقاط الحكومة أم اسقاط الجبهة الشعبي
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تعمل من أجل إنجاح الإضراب الع
...
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
-
رائد فهمي: أي تغيير مطلوب
-
تيسير خالد : يدعو الدول العربية والاسلامية الانضمام إلى - مج
...
-
التخطيط لمظاهرات في ألمانيا لمناهضة التعاون مع اليمين المتطر
...
-
Al-Sudani and Keir Starmer’s meeting – and male hypocrisy!
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|